التطور .. وجهة نظر مختلفة ( 2 )




المحور الثاني ،،،


إن الأحاجي التي يقف أمامها الإنسان وهو عاجزاً عن الوصول لأي جواب شافي حولها ، تتعدد بلا حصر .

نوعاً ما يُمكِن القول أن أحاجي الكون تلك تنتظم إلى درجة كبيرة عندما يُؤمِن المرء بوجود خالق ، خالق جعل كل أسرار الكون تتكرر في كل ذرة من ذراته ، ذلك التكرار يُعتبر كعملية حِفظ معقدة لكل الأسرار .. خالق يُسيِّر أنظمة الوجود وفق إنضباط شديد وقوانين ثابتة ، وعندما نقول أن الوجود يسير وفق قوانين منضبطة فهذا يعني أن هنالك " وعيً " يُسير الوجود ، ولا مكان هنا للعشوائية أو التخبط .

( كُن فيكون ) .. ( كُن ) هي أمر والأمر هنا يتطلب إدراج كافة المُتطلبات في الكائن ليكون .. ( فيكون ) لا تعني أبداً أنه سيكون فجأة بلا تدرج في المسألة !

عموماً ..

الماديون أو الداروينيون أو غيرهم ، لديهم وجهة نظر مختلفة ، وللأمانة فأولئك الذين يُنكرون وجود خالق لا يختلفون كثيراً عن " الأخرون " الذين يُؤمنون بوجود خالق إيمانً أعمى .

الطرفين في الأخير يتبعون أراء و معتقدات أشخاص ولا يتبعون الحقيقة .. هذا في الغالب

أيضاً .. سنجد أن موقف مُنكري الخالق من نظرية التطور وعملية تأييدهم لها تأييداً أعمى لا يختلف كثيراً عن الرافضين للنظرية على عماه إيمانً بالخالق !

وأحد دلالات تطرف الطرفان أنهم يتقاتلون حول الأفكار الهامشية لنظرية التطور ، كفكرة تطور الإنسان من قرد .. وصراعهم على هذه الهوامش تحمل دلالات واضحة أن المسألة برمتها ليست أكثر من صراع بين جميع الأطراف ، صراعً غايته فرض الرأي بغض النظر عن صحته أو عدم منطقيته ، صراعً ليُثبِت من خلاله كل طرف وجهة نظره عبر الضجيج والصراخ في كل مكان .. ولهم من الصراع مآرِّب أخرى !


***


لقد شهِدت نظرية التطور خلال العقود الماضية ألاف الأبحاث والدراسات والإكتشافات التي تمت وأجريت لهدف واحد وهو إثبات صِحة أن الإنسان تطور من قرد ، لدرجة أن الإعلام وعبر الأفلام والأفلام الوثائقية وحتى الرسوم المتحركة كثيراً ما عرض الفكرة بشكل أو بأخر ، كل ذلك حتى يُزرَع وهمً عالمي يُحول تلك الفكرة إلى عقيدة يُؤمِن بها الناس !

ولو تآملنا في المسألة سنجد أن كل ذلك الضجيج العلمي والإعلامي هو في وزن اللاشيء ، فلا توجد إلى الآن وبعد كل تلك الدراسات إجابة منطقية للكثير من الأسئلة ، أسئلة على شاكلة : كيف توصل العلم إلى أن لسلف الإنسان شعراً يكسوه كالقرد ؟ ، كيف إستنتج العلماء أن ملامح سلف الإنسان  كانت بالضبط ملامح قرد ؟

إن الأحافير لا تُجيب عن هذا أبداً ، لكن الأجوبة التي وصلت إلينا هي عبارة عن عملية تزييف للحقائق وإظهارها بمظهر علمي يتوافق مع فِكر ومعتقد العلماء أنفسهم !

وحين جاء الدور على الجينات لعب الداروينيين على وتر التشابه الجيني بنسبة 98% بين الإنسان و القرد، مع العلم أن نسبة التشابه الجيني بين الإنسان والفأر هي 99% !

إن تلك التشابهات الجينية لا تدل على تطور كائنً من كائن ، ولا تدل على أن الأمر تم بالصدفة ، إنما تدل على وحدانية المُوجد الذي أوجد الحياة بكل ما يدب فيها من جوهراً واحد ، لدرجة أن إختلاف 1% في الجينات يُفرِق بين إنسان وفأر .

بل إن التغير في الجينات واضح أنه تغيراً بوعي وبحِكمة وليس عشوائياً ، تغيراً بهدف ، ولو أنه كان عشوائياً ربما لوجدنا مخلوقاً مشوهاً ، خليط بين الفأر والإنسان والقرد .


ثم يأتي سؤال أخر لا جواب له عند الداروينيون : كيف نستطيع عن طريق أحفورة لها ملايين السنين أن نكتشف طبيعة حياتها " إجتماعياً وثقافياً " ؟

أحد الأفلام الوثاقية التي أجريت على أحفورة ، عرضت من خلال سياق الأحداث في الفلم رحلة إكتشاف الأحفورة ثم عرضها على العلماء والمختبرات والمعامل ، ثم توصل الجميع إلى أصلها وفصلها بل ورسموا رسمً توضيحياً لملامح الأحفورة وياللمصادفة .. لقد كانت تشبه القِردة إلى حد بعيد !

كل هذا يهون أمام التفاصيل الأخرى ، فقد جعلوا الرسم التوضيحي للأحفورة يظهر وهو مرتدياً جلد حيوان وشعره كـّث ولا يتحدث إلا كهمهة أو صراخ .

عن نفسي لا مانع لدي من تصديق تلك الخزعبلات ، لكن أن يعرضون الأحفورة من خلال المشاهد التخيلية المتضمنة للفلم أنه كان يمشي مع مجموعة بسيطة وهم يحملون العُصي والحجارة لإصطياد الحيوانات ، وكيف أنهم بعد صيد أحد الحيوانات راحوا ينهشون اللحم كأنهم بهائم !

في الحقيقة إن تلك التخاريف تتكرر في كل الأفلام الوثائقية ، وهي نفسها تتكرر في كل الكتب العلمية التي تتحدث عن التطور .

والسؤال : كيف توصولوا إلى تلك المعلومات من خلال العِظام ؟

طبعً هنا يتوهم السائل أن مجرد طرح السؤال دليلاً على غبائه ، لأن معامل ( الغرب ) و مختبراتهم و علمائهم الأجلاء هم الذين قالوا لنا هذا ، بالتالي لا يحق لأحداً بعدها أن يُشكك .

هي عملية فرض رأي بقوة إدعاء العلم .. لا أكثر


إن هنالك تصوراً يُراد لنا أن نؤمن به وهو أن الإنسان كان بدائياً كبهيمة الأنعام ، يعيش ليتزاوج ثم يختبيء خوفاً من الضواري، ولكي تكتمل حبكة الرواية قالوا أنه كان يعيش في جماعات كجماعات النمل مثلاً لا تستدعي منه أن يكون مفكراً أو واعياً حتى يستمر في الحياة !

فإن كانت تلك هي الحقيقة فعلاً فما هو الدليل هنا ؟ .. هنا سنجد ألاف الأدلة المزورة التي تعتمد على مبدأ الكذب المُغلف بغلاف العِلم ، كذبً لحد الضجيج حتى يصدق الناس بدون دليل !


دعونا نُحلل المسألة من خلال حاضرنا اليوم ..

اليوم وفي مجتمعنا البشري كما نعرفه فنحن نقوم بدفن موتانا من خلال مراسم معينة ، وبالمناسبة فإن مراسم الدفن تُعتبر أحد الأدلة التي يتخذها علماء الأحافير اليوم لمعرفة تحضر الإنسان المدفون إجتماعياً من عدمه ، بمعنى أنه لو كانت الجثة مدفونة بشكل عشوائي فهذا دليل عدم تحضر أما لو كانت في مقبرة فهذا يقود إلى تحضر .

عمومً .. إن عملية دفننا لموتانا في مقابر مخصصة وفق مراسم معينة ستؤدي إلى تفتت الجثة وتحللها إلى عناصرها الأولية ، بالتالي لن يبقى في الجثة شيئاً للمستقبل يقود الأجيال القادمة إلينا !

إن الجثث التي ستُحفظ في الأرض غالباً هي تلك الجثث التي تموت في حوادث معينة ولا تُدفن ، كأن يموت الإنسان في الجليد أو أن يغرق في الوحل ، حينها إذا ما جاء إنسانً ما في المستقبل ووجد هذه الجثة أو تلك وبمنطقنا اليوم فإنه فوراً سيبني إفتراضه بأن هذا النوع من البشر ( نحن ) كان إنسانً بدائياً كبهيمة الأنعام بدليل أنه لا يدفن موتاه !

ولو أردنا البحث في الموضوع من زاوية أشمل وأوسع .


الحضارة التي نعيشها اليوم ، المباني والآلات والكتب والأجهزة ، كل شيء بلا إستثناء وجوده مُرتبط بالكلية بعمليات الصيانة والعناية والإهتمام التي يقوم بها البشر ، فإذا ما طرأ طاريء من أي نوع كحرب عالمية مثلاً أو تغيير مناخي أو بيئي هائل أو أي تغيير عمومً يجعلنا عاجزين عن القيام بعمليات الصيانة تلك فسينهار الجزء الأكبر من حضارتنا !

إن أي إهتزاز في المجتمع البشري يعني غياب القدرة على الحفاظ على ما أنتجه المجتمع سابقاً ، لأن عملية الحِفاظ على الحضارة تستنزف الكثير جداً من المجهودات المادية والموارد البشرية ، والمجتمع البشري أمام الفواجع تُصبِح مسألة الحفاظ على إستمرارية الحياة بالنسبة له أهم من الحفاظ عما سواها بما في ذلك الحضارة نفسها !

النتيجة الحتمية هي إنهيار الحضارة في تلك الحالات الإستثنائية ، ولن يتبقى في المستقبل إلا اليسير مما يقود إلى وجودنا اليوم ، ذلك اليسير إذا إكتشفه علماء المستقبل – فرضً- وبحسب عقليتنا اليوم فالإستنتاج الطبيعي الذي سيتوصلون إليه سيكون مشوهاً لأنه سيبنون فرضيات علمية بناءً على أشياءً بسيطة .

ماذا لو أن ذلك اليسير الذي سيبقى من حضارة اليوم هو بيوت الطين أو البيوت المحفورة في الصخر ! .. ماذا سيستنتج علماء الغد من خلال بيوت الطين ؟

الجواب هو أنهم سيفترضون في المستقبل بأن حضارتنا اليوم حضارة بدائية .

فماذا إن دفنت الأرض حتى بيوت الطين والأدوات المستخدمة ؟

الجواب بأن الإنسان في المستقبل سيضحك في وجه من يقول أنه كانت على الأرض حضارة متقدمة ! .. وفي أحسن الأحوال قد تصبح حضارتنا اليوم مجرد أسطورة يرفضها علماء المستقبل لتندرج في خانة التخاريف ، تمامً كما أدرجنا حضارة قارة أطلانطس في نفس الخانة !


المباني ستنهار و تتحلل .. النباتات ستُغطي الأرض لتدفن أكثر المعالم البشرية فيها .. التربة ستزحف على المدنة لتدفنها تدريجياً .. الكتب ستتحلل هي الأخرى إن لم تتوفر لها ظروفاً معينة تحفظها .. الحديد الذي نصنع منه الآلات سيصدأ ويتفتت ويعود للتراب .

في الأخير لن يبقى من كل هذه الحضارة إلا أشياءً قليلة ربما أبرزها رسومات اليد على جدران الكهوف !

وبمناسبة الحديث عن رسومات اليد على جدران الكهوف .. نحن اليوم نعتقد أنها عملية بدائية كان الإنسان ، ثم إفترضنا أنها في أحسن الأحوال هي دليل على بداية تطور الإنسان .

حسناً .. لماذا لا نرى الأمر أنه صورة أخرى لما يُعرف اليوم بـ " صك الملكية " ؟

أو لنفترض أن الإنسان في ذلك الوقت لم يعد قادراً على صناعة أدوات يُثبت بها وجوده فأضطر لحفر الصخر بالحجر .

كل شيء وارد ، والعِلم أساسً ليس إلا فرضيات


إن ما نعلمه عن أسلافنا القدماء في أغلبه ليس أكثر من صورة وهمية يُراد لنا أن نراها كما يتم عرضها دون أن نعترض .

وما يتم عرضه اليوم هو ما يُوافق أهواء ومعتقدات فئة معينة لغرض ما ، صورة تم رسمها بعناية فائقة لتجعل حقيقة بدائية الإنسان القديم وبهيميته حقيقة لا تقبل الجدل رغم عدم وجود دليل منطقي عليها .

وهذا ما يُسمى بالضجيج العلمي والتزييف والكذب ، وأن يظهر الكاذب بمظهر البرفسور العبقري خريج أرقى الجامعات حينها ستكون كل كذباته قابلة للتصديق !


أخيراً ،،

هي حلقات مترابطة ، والإنسان عليه أن يُعمِل عقله ، وأن يبحث عن الحقيقة بكل حيادية ، فالجهل ليس أن الإنسان لا يعلم إنما أن لا يعلم إلا ما يُراد له أن يعلم !

أن يُقال له إن أصل الإنسان قرد ، أو أنه كان بدائياً أو بهيمياً ... إلخ ، حينها سيؤمن بهذه المقولة كحقيقة علمية ثابتة كثبوت شروق الشمس ! لأن مصدر المعلومة يبدوا علمياً .

وهذا لا يعني أن ( فرضية ) بدائية الإنسان غير واردة أبداً ، بل هي واردة وإحتمال أن يكون الإنسان فعلاً كان بدائياً في القِدم ، لكن يجب أن نتعامل معها على أساس أنها مجرد فرضية لا حقيقة علمية ، فرضية من ضمن عِدة فرضيات .

غير أن ( فرضية ) بدائية الإنسان هي الفرضية الوحيدة التي يُسلط عليها كامل الضؤ في تهميش متعمد لباقي الفرضيات ، وعملية تسليط الضؤ هذه تجعلنا نتسائل عن الهدف ! .. فقط




وإلى المحور الثالث بإذن الله .

0 التعليقات :

إرسال تعليق