عقيدة النباح ضد السعودية


حتى الآن لم يعادي أحداً هذه البلاد ثم وفقه الله.
حاول "جمال عبد الناصر" وفشل، ثم حاول "صدام" وندم، وانتهت كل المشاريع الكبرى في المزبلة حين عادت السعودية (الناصرية، القومية، العروبية، الماركسية، الشيوعية ...) حتى المشاريع الإسلاموية التي نادت بإحياء الأمة، لعنتها الأمة.
واليوم تقام حفلة ردح ونباح صاخبة جداً تقوم بأدائها جماعة الإخوان وتمولها قطر وتدعمها إيران ويحتضنها جناب السلطان، فهل سيستثني الله كل هؤلاء من الفشل والسقوط في ذات المزبلة؟، أم إنهم فعلياً قد سقطوا وأنتهى أمرهم، وما نسمعه اليوم منهم ليس إلا نحيبهم والنباح؟.

اجتمع اليوم على كره هذه البلاد وبغضها، كل شيعي متفرسن، وفارسي متخلف، وإخونجي حاقد، وعروبي متغطرس، الواحد منهم يشتم السعودية 120 مرة في الدقيقة، 24 ساعة في اليوم، 7 أيام في الأسبوع، وتتدلى ألسنتهم هكذا على مدار العام.
يردحون في الإجازات والأعياد وحفلات الزواج، يعتلون منابر المساجد ويلطمون في الحسينيات، يتسمرون في القنوات الإعلامية ويشخبطون في الصحف الورقية والإلكترونية وكالبعوض يتكاثرون في مواقع التواصل، وهكذا حتى ضيعوا كما ضيع كل من عادى هذه البلاد نسبه وضيع ابنائه ووطنه وحتى أخلاقه وكل إحساساً لديه بالشرف، حتى ملامح هؤلاء تغيرت وباتت شاحبة كملامح جثثٍ تعفنت.

اتفق اليوم كل الأراذل على وجوب شتم السعودية وشتم من يقف معها وشتم حتى من لا يشاركهم شتمها، منهم من يشتم تعبداً لله وثأراً للحسين وتعجيلاً بظهور المهدي المنتظر، ومنهم من يمد لسانه ليعوض عن قصر قامته، ومنهم من يشتم كِبراً وغطرسة كفارسي يرى عِرقه أرقى أو عروبي يرى أرضه أغنى، أما المرتزقة فالشتم في عرفهم ليس إلا باباً من أبواب الرزق، إن أًعطي أحدهم مدح وأثنى فإن مُنِع هاج ونبح، وإن تُرِك ذهب ليطرق كل الأبواب، يبحث عمن يشتريه بأي ثمن، تماماً كجارية تركض من حجرةٍ لحجرة ومن حضن سيداً لترتمي في حضن آخر، تنشد قوت يومها وفراشٍ تستلقي عليه ليتهتك عرضها.

مرتزقة، يستيقظ الواحد فيهم من نومه فيشتم السعودية، ثم يشتم قبل وبعد كل وجبة، ويشتم حتى إن طردته زوجته كلما تحرش بالخادمة، ويصاب بالسُعار حين تستضيفه قناة إعلامية أو يفسح له المجال ليعتلي منبراً أو حين يكتب مغرداً، يصرخ حينها ويزبد ولا يهدأ إلا حين يستلم المبلغ كاملاً، وتماماً كفتاة الهوى التي يزيد سعرها كلما زادت تأوهاتها، يزيد سعر المرتزق بزيادة صراخه، وكما تكذب فتاة الهوى في أحاسيسها يكذب المرتزق، ينظر لـ"قاعدة العيديد" من نافذة غرفته ثم يتهم السعودية بأنها عميلة أمريكا في المنطقة، يسكن في المبنى الملاصق للسفارة الإسرائيلية في العاصمة التركية ثم يتهم السعودية بموالاة إسرائيل !!.

إن المسألة برمتها ليست مجرد عرض آراء مخالفة للتوجهات السعودية، المسألة أننا أمام مشروع يقف دوماً وعلى طول الخط ضد كل ما فيه خيراً للأمة، المسألة أننا أمام نفوسٍ مريضة تأقلمت مع العفن (عرباً ضد العرب) (إسلاماً يطعن في الإسلام) (بشر بلا شرف) ينتفضون كمن به مس إذا ما أطلقت السعودية رصاصة على صدر حوثي خائن، وحين يطلق الحوثي صواريخه تجاه "مكة المكرمة" يبلع الشريف منهم لسانه ويتراقص بقيتهم طرباً!، كأنهم والله لا يستقبلون الكعبة إلا للشتم والنباح.

ويمكن القول أيضاً أن لهذا الردح المتواصل جانبه الاقتصادي القائم على موازين الربح والخسارة والمصلحة المشتركة بين طرفين الشريف فيهما وضيع، كأن تتقدم قناة إعلامية بمغازلة المعلنين عن طريق إستضافة أطول المحللين لساناً وأكثرهم سفالة، وسعادة المحلل الإستراتيجي يُدرك أنه لن يُستضاف أبداً ما لم يتمكن من شتم السعودية 120 مرة في الدقيقة الواحدة، ورغم صعوبة بلوغ هذا الرقم إلا أن هناك عِدة أسماء على الساحة تخطت حاجز الـ120، أبرز هؤلاء بلا منافس "عبدالباري عطوان" الذي لُقِب بـ"دولار" كونه النسخة البشرية الحية من هاتف العملة، فالرجل لا يفتح الخط أبداً إلا لمن يدفع، الرجل بحق يُعد نموذجا وقد اقتدى به الكثير من الكُتاب والمحللين والمفكرين النوابغ، حتى باتت كل خطوطهم مفتوحة، من هؤلاء "محمد الناصر، فيصل القاسم، جمال ريان، وأخيراً وليس آخراً السيد جمال خاشقجي".

هؤلاء المرتزقة ليسوا فقط سفهاء إنما أيضاً يمارسون ذلك النوع الرخيص من الكذب، يرون جناب السلطان وهو يبكي بحرقة ويرطم برأسه في حائط المبكى ويفتح بلاده لنصف مليون سائح إسرائيلي سنوياً ثم يتهمون السعودية بأنها من تقيم علاقة مع إسرائيل!، يحجون لطهران ويصفقون للحوثي ويتبركون بحزب الشيطان، ثم يتهمون السعودية بأنها تسعى لتمزيق المنطقة!، يرون تسابق قادة الفصائل، المناضلين الأشاوس، للإقامة في فنادق "تل أبيب" إقامة شاملة الفطور والمساج بالصوت والصورة، ثم يُقسِمون بأن السعودية هي التي "خانت الكظية"!.

واليوم اجتمع كل المرتزقة والإخونجية على وجوب التفريق بين الأخ وأخيه، يصورون للسعودي أن كل فلسطيني يكره السعودية، ويصورون للفلسطيني أن كل سعودي يكره فلسطين، هذه اليوم هي المهمة التي تم تفويض "حماس" بأدائها. فمن أين خرج علينا كل هؤلاء؟! الجواب بإختصار: أن "عاصفة الحزم" هي ذلك الحجر الذي سقط على بركة ماءٍ راكد فأخرج كل البعوض والذباب والضفادع.

احترامي للعصامي


عصامي، حياته عبارة عن مشهد درامي، في شبابه كان يبيع أعواد الفجل والجرجير على بسطة ملاصقة لمسجد حي شعبي، وتحديداً هناك، ليس في المنتصف إنما أقرب لدورات المياه، هنا بالضبط قضى المسكين معظم حياته، فقير جيعان ويعاني.
فجأة قرر يبيع حزمة الفجل بريالين، يصرف ريال ويجمع الثاني، لين الله فتحها عليه وصار حرامي يرتشي ويختلس ويشهد بالزور ويزور في ورق رسمي، وبعد العصر يغسل الأموال إلي جناها من بيع الجرجير، ومن باب التنويع في مصادر الدخل بنى له شركات وهمية يرسي عليها عقود ومناقصات ومشاريع ضخمة تُمرر بالكامل لمقاولين الباطن، وبمبدأ "طبطب وليس، يطلع كويس" بات صاحبنا نزيل بالإكراه في الـ"ريتز كارلتون".

الساعة السابعة صباحاً صار العصامي مسئول، وفي المساء فتح خزنة الوزارة عشان يأمن مستقبل عياله، ثاني يوم عين ولد أخته الهلفوت في منصب مدير عام ما يداوم إلا يوم واحد في الاسبوع، وبالنسبة لزوج بنته فنظراً لما تقتضيه المصلحة العليا تم تكليف صهره المصون بمنصب مستشار أعلى، على أن يعامل معاملة موظف بالمرتبة الممتازة تمهيداً لتنصيبه وكيلاً للوزارة بعد صلاة المغرب مباشرة، أصل البنت أقرب لقلب الأب، وهو خايف عليها من الإحراج إذا في يوم صاحبتها سألتها، كيف تتزوجي موظف عادي، وأبوك أكبر عصامي في البلد؟، يبيها إذا واجهت هالموقف، ترفع راسها وتقول: لا، زوجي ما هو عادي، أصل الوالد رقاه بقرار إستثنائي.

تقاعد العصامي، وأخيراً التفت لأخرته، بدأ وهو في التسعين يستغفر وصار شيخ وصار يفتي ويخطب فينا بتقوى الله وتجنب سبل الحرام، ومن غيره الخبير المتقاعد في الحرام يشرح وبالتفصيل كيفية تجنب سبل الحرام، الرجل قضى جُل عمره سالكاً جميع دروب التهلكة كي يوعينا ويهدينا لطريق الحق، ونحن الذين كنا نظن أنه كان يخوض في الحرام كهواية، يحق له إذاً بعد أن تقاعد ووكل أبنائه بإدارة نهب الوطن أن يعظنا توجيهاً وإرشاداً ويبين لنا كيف أن الذنوب هي السبب الرئيسي لإرتفاع الأسعار، وطبعاً كان الحديث حينها عن ذنب فك تشفير قنوات فضيلته.

---

إن الغالب على قصص العصامية والنضالات الشريفة، التي أزعجنا بها بعض أصحاب الفخامة والنيافة على مدى عقود، الغالب على هذه القصص أنها تستعرض البداية والنهاية فقط، كأن يحدثنا أحدهم أنه بدأ بعمل بسيط في مكان وضيع وأنتهى اليوم كأحد كبارات المجتمع، وفي الحقيقة أنا لا تهمني نقطتي البداية والنهاية، ما يهم فعلياً هو المشوار الطويل ما بين البداية والنهاية، كيف كان السيد عصامي يبيع الفِجل والجرجير في بداياته هذه مسألة لا تهم، المهم هو كيف ترك تلك البسطة، هل فاز بمناقصة تزويد وزارة من الوزارات بما يلزم من فِجل وجرجير مقابل مبالغ خيالية؟، هل باع ضميره وخلع ذمته كما يخلع المصلي حذائه؟، ما الذي حدث بالضبط؟، هذا ما لا يخبرنا به كل الذين أزعجونا بالحديث عن عصاميتهم ونضالهم الخنفشاري الشريف في هذه الحياة.

إن المشوار الطويل ما بين بداية السيد عصامي ووضعه الآن، مشواراً زاخراً بالتفاصيل، والشيطان تربع مبتسماً على هذه التفاصيل، العلاقة في هذه التفاصيل علاقة سيداً وعبد، الشيطان هنا هو السيد والحرامي عبد، والعبد ما تنفع معه موعظة أو نصح باللين، بالسوط لين يعض الأرض راح يلتزم بالحق، الحرامي ما له رب أو دين ولا راح ينصاع إلا للقانون، هو عبد لشيطانه وشهواته وأطماعه، ومن كانت هذه خصاله طبيعي يسلك دروب الأنذال وينهب وطن، والسالفة ما تحتاج مزيداً من التفصيل، الوضع بإختصار كان طينة، كنا نضرب تحية للمختلس ونقول للمرتشي يا شيخ، وأرحب طال عمرك لك وأقلط يا حرامي.