حوار ما بعد الموت " بين الإيمان و الإلحاد "


يميناً أم شمالاً ، إلى الأمام أم إلى الخلف ! .. أين المفر ؟ .. لا مفر و لا مهرب من تلك النهاية الحتمية .
وإن نجح الإنسان فعلاً في تحضير مادة تمده بالخلود فسوف يُخلد في حدود لا بالمطلق ، لأن خلوده حينها سيكون مرهوناً ببقاء الأرض و الأرض علمياً و دينياً ستفنى و لم يعد هنالك مجال لإنكار حتمية فناء الأرض ، ليكتشف الخالدون " إن نجحوا " أنهم سيلاقون النهاية الحتمية " الموت " و لو بعد حين .
فأين المفر من تلك النهاية التي ستأتي إلى كل حي بلا إستثناء ؟

من يُؤمن بالله حقاً فهو تِباعاً سيـُنكر الموت بمعنى " فناء "و بهذا المعنى فهو لا يعترف به إطلاقاً ، و أتحدث هنا عن الذي يُؤمن بالله حقاً .
لأن الإيمان بالله سيعني ضمنياً الإعتراف بوجود روح و في الثقافة الدينية أن الروح لا تموت إنما تنتقل من هذا الجسد الفاني إلى حياة أخرى " حياة دائمة " ليكون الموت حينها مجرد بوابة إلى الخلود .
المؤمن حقاً يـُدرِك أنه ليس هذا الجسد ، يـُدرك أنه أسمى من هذا الجسد ، و يـُؤمن أنه روح لا تفنى ، ليكون الموت عنده مجرد إنتقال لمرحلة أخرى .
أما ما يحدث على الأرض لأحبائنا و أقربائنا حين يأتيهم الأجل فهو ليس موت بمعناه " فناء " إنما تحلل لجسد خُلِق من الأرض و إليها يعود ، جسداً كانت له وظيفة محددة ثم إنتفت الحاجة إليه ، كأنه قارب يركبه الإنسان " الروح " ليُـبحِر بين شاطئين ، و ما إن وصل إلى الشاطيء الأخر حتى انتفت الحاجة إلى هذا القارب .
و ربما تركب الروح بعدها قاربً أخر ، وربما تبقى روحً صرفه ، ذلك من خبر الغيب الذي لا يعلمه إلا الله سبحانه .
أما من لا يُؤمن بوجود الله فهو تِباعاً لن يقتنع بوجود الروح ، لأن إختفاء الله من حياة إنسان يعني أن حياته ليس فيها مكان إلا للماديات و الروح أبداً ليس من المادة ، بينما الجسد هو المادة التي تفنى ، لهذا نجد من ينكر الله يخاف من الموت لإعتقاده بأنه سيفنى بعدها ولن يستفيد من كل أعماله الصالحة التي قام بها ، لهذا أيضاً يتردد في ذهنه سؤالاً لا يفارقه " ما الهدف من حياتي ؟ "

---

إن عقل الإنسان محدود يقف عاجزاً أمام تفسير الموت ، و العقل قد فسر الموت " مادياً " ( التفسير العلمي البيولوجي ) له أنه عُطلاً قد أصاب الجسد العليل ثم ينتهي الموضوع ، تمامً كجهاز إستمر في العمل لفترة ثم إنتهت صلاحيته !
عـِلة هذا التفسير " العلمي " أن فيه إحتقاراً للإنسان كروح ، فما الغياة من حياة الإنسان بطولها و عرضها ، و ما الغاية من الحضارات الإنسانية و إعمار الأرض ، و أعمال الخير و الشر إن كانت نهاية الإنسان كنهاية أي حشرة أو بهيمة من بهيمة الأنعام ؟
بينما التفسير الأخر للموت ، تفسير المؤمن بالله وحده أن الموت ليس فناء إنما إنتقال لمرحلة أخرى .
ولا يوجد تفسير أخر لما بعد الموت غير هذين ، أقصد الرأي القائل بوجود حياة بعد الموت و الرأي القائل بأن تحلل الجسد هو النهاية .
هنالك تفسير ثالث عقيم للموت ، فيه أن الإنسان إن مات ستنتقل روحه إلى كائنً أخر ، كعملية أزلية تـُـسمى " تناسخ الأرواح " غير أن هذا التفسير الذي هو تفسير ديني بالمناسبة " بوذي " لم يخبرنا ماذا سيحصل إن إنتهى عمر الأرض وفنيت ، أين ستذهب جميع الأرواح حينها ؟

---

إن الحديث عن ماهية الموت مُعقد و متشعب ، قامت عليه نظريات و حارت فيه عقول ، ثم يأتي الحديث عن ما بعد الموت أشد تعقيداً .

لذلك سأكتفي بسرد حكاية عن صديقين ، أحدهما آمن بالله والأخر أنكر وجوده
الإثنان درسا في نفس المدرسة ، كلاهما تخرجا من نفس الجامعة ، ثم تعين المؤمن في شركة ما وعن سبق إصرار كان زميله في العمل هو صديقه الملحد ! ، فقد تعينا على نفس المرتبة بنفس الراتب و شائت الصدفة أن يشتريا سيارة من نفس المعرض ثم خططا للزواج في نفس الفترة
مرت بهما السنين أنجبا خلالهما أبناء و كون كلاً منهما أسرة
وبعد السنين كانت حياة كلاهما على نفس الوتيرة ، نفس الروتين مابين مسئوليات البيت و بين مسئوليات العمل و بين ملذات الحياة و تأمين المستقبل .
لا فرق أبداً بين الصديقين ، غير أن أحدهما كان مؤمناً بالله و إيمانه أضاف إليه مسئوليات أكثر ، أما الأخر فعدم إيمانه أعفاه من تلك المسئوليات .
ثم شائت الأقدار ان يموت الصديقان في نفس اليوم .
الأن .. أي النهايتين سيلقيان ؟
التفسير الأول حسب فِهم الملحد أن جسده سيتحلل ثم تنتهي الحكاية و بإنتهاء الحكاية على هذا المنوال لن يكون بين الصديقين مُنتصر ، فاللميزة الوحيدة التي تميز بها من أنكر الله أنه عاش حياته بتعبً اقل حينما أزاح عن كاهليه هم العبادات بينما صديقه المؤمن أرهق جسده بتأدية طقوس يومية تقرباً لله .
غير هذا فكلاهما عاشا بنفس الوتيرة بكل ما في الحياة من راحة و شقاء .
والمفارقة أن من أنكر الله لن يسعد و يفرح بتلك الميزة لأنه قد تحلل و إنتهى الأمر !
أما التفسير الثاني حسب فِهم المؤمن أن موته يعني بداية مرحلة أخرى " أطول " وعالم جديد يقف فيه للوهلة الأولى .
حينها ستكون الميزة التي تميز بها الملحد حين أراح نفسه من هم العبادات " وبالاً عليه " فهو لم يحسب حساب أن عقله قد أضله حينما إتخذه ميزاناً يزن به ( الله ) لأنه لم يقتنع بأن عقله عاجزاً و أن العِلم محدود بحدود العقل
هنا .. من الذي سيندم و من الذي سينسى كل همومه الدنيوية و التي عاناها قبل الموت ؟

---

ولأن ما بعد الموت غيب فليس بمقدورنا أمام الغيب إلا بناء الفرضيات ، لذلك فالحكاية هذه عن الصديقين هي مجرد إفتراض وارد جداً أن تكون واقعية ، غير أن اليقين أنه لن يخرج تفسيرنا لما بعد الموت أبداً عن إحدى التفسيرين أعلاه .
لذلك سأترك مساحة لتقرير المصير ، أن يضع الإنسان نفسه في تلك المنطقة التي ما بعد الموت ، هل سيكون هباءً أم سيقف على أعتاب عالم جديد ؟
وقبل أن يأتي من يقول بأن ما بعد الموت حياة أخرى لكن لا " إلـه " فيها
سأسأله سؤال : من إذاً الذي سيذهب إلى تلك الحياة إن كنت أنت كجسد قد تحللت وحتماً ستتحلل وتعود للتراب فمن الذي سينتقل إلى تلك الحياة التي لا إله فيها ؟
إن قال أنا كروح ، فما هي الروح إذاً بدون الله ! .. لا جواب إلا في قوله تعالى ( فإذا سويته و نفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين )

للفائدة .. ليس كل من أنكر الله فهو قد أنكر الروح ، لكن كل من أنكر الله ولم ينكر الروح سيتخبط في تعريف تلك الروح .


-----------
ورغم سطحية الحديث إلا أني أحببت أن اوصل رسالة مفادها أن غياب الله عن فـِـكر الإنسان تِيه بكل ما في الكلمة من ضياع .
وهذا الموضوع للمجادلة فقط ، و إلا فإنه لا يجوز للمؤمن أن يبني إيمانه على رهان ، إن وجد الله بعد الموت يكون قد أدى الأمانة و إن لم يجده فلم يخسر كثيراً ! ، الموضوع للجدال فقط لأن من لا يؤمن بالله عن قناعة و يقين فلا يؤمن أفضل .




---------------------------------------------------------------------------------------------



هنالك بعض الردود التي جاءت عن الموضوع ، و النقاشات التي طرأت حوله ، وهي على الروابط التالية :
الجزء الأول : http://ashtat-fikr.blogspot.com/2013/01/1.html
الجزء الثاني : http://ashtat-fikr.blogspot.com/2013/01/2.html


هناك 4 تعليقات :

  1. لذلك سأترك مساحة لتقرير المصير ، أن يضع الإنسان نفسه في تلك المنطقة التي ما بعد الموت ، هل سيكون هباءً أم سيقف على أعتاب عالم جديد ؟

    تسأل وكأن الايمان من عدمه
    قرار يُتخذ؟؟

    الايمان شعور
    والمشاعر لاتتُخذ عن سابق اصرار وقرار

    ردحذف
  2. يقول تعالى { فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر } ، طالما هنالك مشيئة إذاً يستطيع الإنسان أن يقرر !

    ردحذف
  3. مابعد الموت سوف يتأكد اليقين لكل من المؤمن والملحد
    http://elhad-eman.blogspot.co.uk/2014/09/blog-post.html

    ردحذف
  4. لايوجد اثبات على وجود حياه بعد الموت فلماذا نلزم ونقنع انفسنا بالقوه بهذا الامر وان مت ووجدت هناك حياه اخرى سأؤمن بها لاني لاانكر حدثا ملموسا وواقع اعيشه طبعا ستقولون لن يفيدك ايمانك بعد الموت حينها اسأل لماذا هل يجيب علي ان اؤمن و انا مشكك بالامر ام ان اثبات الاخره بدليل حسي يجعل البشريه تؤمن وبالتالي لييس هناك من سيدخل النار. انه اغتيال للمنطق ياقومنا

    ردحذف