الشياطين .. تنطق بالحق !!



مطوع من بريدة يطارد أحد الشباب في مكانٍ عام لمياعةٍ في مشيه ولبسه حتى غدى كالمائلات المميلات ..
مثل هذه المطاردة تتحول لقضية رأي عام، تستحق الصراخ واللطم والنواح وضرب الخدود بالنعال، والبحث في كتب ابن حنبل وتيمية وفي صحيح البخاري ومسلم، ثم المطالبة بتغيير المناهج مع ضرورة مراقبة حلقات التحفيظ والمراكز الدعوية وحلق اللحى وإسبال الثياب وشتم معاوية وإبنه يزيد، ولضمان عدم تكرار مثل هذه المطاردة اللاإنسانية مستقبلاً فلا بد وأن يتم تحرير المرأة وتشجيها على خلع الحجاب، وإقناع المجتمع بضرورة تقبل فكرة الصداقة البريئة بين الجنسين شريطة عدم الإيلاج !!

لكن حين يخرج ألف إرهابي يجوبون شوارع القطيف وبلدة العوامية حاملين أسلحتهم الخفيفة والثقيلة ليطلقون النار عشوائياً كمن به مس .. فهذه أبداً ليست قضية، والأمر لا يستحق حتى النقاش .. إنما هؤلاء مجرد شبابٌ طائش يمرون بفترة تخبط نفسي بسبب التغيرات الجسدية السيكولوجية التي تفرضها طبيعة المرحلة الحرجة التي يمر بها كل البشر أثناء إنتقالهم من فترة المراهقة لعنفوان الشباب .. هذا كل ما في الأمر، ومع الوقت سيكبر هؤلاء الشباب ويرجعون لرشدهم بإذن الله، كما فعل أعضاء خلية «حزب الله الحجاز» حين تطرفوا في شبابهم بسبب نفس التغيرات الجسدية السيكولوجية التي ما إن تجاوزوها مع تقدم العمر حتى أصبحوا أعضاءً فاعلين في المجتمع، مفكرين وباحثين وكُتاب يشتمون مطوعاً طارد أحد الشباب المائع بأقذر الألفاظ، وأمام ألف إرهابي في القطيف والعوامية يردد الجميع: فين المشكلة !!

!!

من قال بأن الساكت عن الحق .. شيطاناً أخرس، وأنه أبكم لا ينطق !!
بل يتحدث، ويتحدث بطلاقة وفصاحة، وينطق بالحق وبكلاماً رائعاً موزوناً لا يختلف على روعته إثنان ..يتحدث عن الوحدة الوطنية، وعن ضرورة إحترام حقوق الأقلية، وعن الطائفية التي لا تظهر إلا عندما تشتكي الأكثرية من تطرف الأقلية.

إن شياطين اليوم، شياطيناً ثرثارة حد الإزعاج !
تُنشر لهم كتباً .. يخطبون في الناس ويقيمون الندوات.. يظهرون في الإعلام كثيراً، لساعاتٍ وساعات لا تتخللها فواصل إعلانية .. ولشياطين اليوم أيضاً ألاف التغريدات، يعلقون فيها على كلام فلان ويرتوتون لعلان، يمدحون في تغريدة «نمر النمر» وفي الأخرى يشتمون قناة «وصال» .. ولهم أيضاً مدونات وحسابات في الإنستقرام والسناب وتتزاحم كلماتهم وصورهم ولقاءاتهم في الواتس ثم تنتشر لكل القروبات.

إن شياطين اليوم ببساطة ..
شياطيناً تتواجد في كل مكان، تحت الأحذية والأحجار وفوق الأشجار، وفي الإعلام المرئي والمسموع والمقروء، ويشخبطون على الجدران وخلف أبواب الحمامات، يتواجدون بهذه الكثرة فقط لكي يتحدثون بشكلٍ متواصل بلا تعب ولا كلل أو ملل، ويتحدثون بلسانٍ أعوج، ومنطق أعرج .. ينطقون بالحق فقط حين يكون المجرم والجاني هو الأخر، إبن الطائفة الأخرى وأتباع المذهب الأخر، حينها يخرج الشياطين من جحورهم، ينتقدون ويعترضون، يشجبون ويستنكرون، يخرجون كالسحالي والأفاعي يلطمون على رؤوسهم بالعُصي والسلاسل والأحذية، ثم يطالبون بالقصاص وبإيقاع أقصى عقوبة ممكنة، بعدها إن نُفذت في الجاني إبن الطائفة الأخرى أقصى عقوبة فعلاً، لا يصمتون بل يستمرون وبلا توقف في لعن هذا الآخر وأم الآخر وأبيه وكل أجداده حتى «أدم»، ثم يبصقون على كل تراث الآخر ومعتقداته وأعز مقدساته، وحين يجف ريقهم، يبدئون من جديد في اللطم !.

لكن، إن كان المُجرِم والمُتطرف من نفس الطائفة والمذهب، فوراً تعود كل الشياطين لجحورها، بكمٌ خُرسٌ خاشعون كأن على رؤوسهم الطير ..يغلقون على أنفسهم و يبدئون في الحديث عن جمال الصباح وزقزقة العصافير وعن لحظة غروب الشمس وروعة إمتزاجها بنهايات البحر، عن صوت فيروز ورقص مريام وحفلة زفاف بلقيس.. وعن وجه «بشار الأسد» الطفولي وملامحه البريئة، وعن أفضلية «الخميني» على أبي بكر وعمر وعثمان وعن علي في رواية لم تصح لكنها مستحسنة لمواقف الولي الفقيه المشرفة تجاه تقبيل شفاه الأطفال دون سن الخامسة ! .. ثم يختمون حفلتهم الصاخبة بالحديث عن جمالية الوحدة الوطنية وقباحة التحدث بأنفاسٍ طائفية.

!!

ملاحظة ،،
عزيزي القارئ، إن كنت تريد أن تكون من أهل الوجاهة، وأن تستضيفك قنوات الإعلام، وأن تتم دعوتك لحضور المؤتمرات والندوات، وربما ستصبح مفكراً جهبذ وباحثاً خبير وعلامة نحرير، فكل المطلوب منك أن تكون شيطاناً ثرثاراً لا تصمت أبداً ولا تترك حجراً إلا نقشت عليه شتيمه، كل المطلوب منك أن تنطق بالحق حين يكون لنطقك به مصلحة، وتسكت عن الحق لكي تحقق بسكوتك مصلحة، مصلحتك أنت ومصلحة من انتشلك كما انتشل كل الشياطين من هذا الحضيض والغباء الصرف ثم رفعهم للوجاهة وأهداهم ألقاباً أضخم من رؤوسهم المجوفة.