شكراً يا سادة يا مثقفين


واقعنا قد أصابنا بنشوة ، لأنا نرى الشمس تـُشرق على وطناً جميلاً هانئاً لا كـِدر فيه ، ولم ننتبه أن ضوء الشمس هو المسئول عن صنع الظـِلال ، وفي الظـِـلال قد إستقر بنا المقام ، وفي الظـِلال وكنوعاً من التأقلم فإن قدرة العين على الإبصار تضعف ، و يتشح الضمير بالسواد ، ثم يصبح التوجس طبعاً في الإنسان .
و السـِـيادة في الضلال للمسترزقين .

سحقاً لمثقفاً قد رفض مـُعاقرة الكتب ، وإمتنع عن إثراء الفـِكر ، و ترفع عن إرهاق التفكير ليزرع في المجتمع رأياً يستحق الإحترام ، ثم إستبدل كل ذلك بشهادة مهما علت درجاتها فلن تـُسمن ، لأن تعليمنا قد إحتل القاع بكل جدارة عندما لم يعتمد إلا على الحفظ دون الفـِهم ، ومثل هذا التعليم لن يـُخرج إلا الزبد . هذا إن لم يتحصل مثقفنا المحترم على شهادته بالتزوير من الأساس !

إذاً : أول معيار يجب أن نضعه أمامنا أن الألقاب التي تسبق الأسماء ليست مقياساً لمدى وعي المثقف ، بالتالي ومنطقياً سيكون المعيار الوحيد هو إسهاماته في المجتمع ، وبما أن المجتمع غارقاً في الفساد و الفوضى فهذا يقودنا إلى أن الساحة شبه خالية من أي مثقفاً له وزن يـُذكر ، وإن وجد هذا المثقف فحتماً سيـُسجن ، وإن لم يـُسجن فعلياً فستسجنه عقول العامة خلف الإهمال ، ومنبع الإهمال هنا ليس كرهاً في من يفكر إنما لأن الذي يطفوا على ساحة الثقافة الأن " الأغلبية إلا من رحم الله " ليسوا بمثقفين إنما هم أقرب لديدان الكتب القديمة ، أناساً ليس لهم من إسهام إلا طرح الأراء البالية تلك التي عفى عليها الزمن ، أو طرح أراءً مستوردة قد بصقها الأخر حينما عافها

مثقفينا " بلا تعميم " يسكنون أبراجاً عاجية ، ومنها يقذفون إلى المجتمع بالأراء الهشة و اللمم ، ثم يجبرونه أن يتلقف كل ما يـُقذف بالكثير من الإجلال و التقدير
لماذا ؟ لا أحد يعلم ، لكن هكذا علينا أن نتعايش مع رواد الفـِكر و الثقافة حالنا حال الغريق الذي لا يـُنجده المارة إلا بالنـُصح و الدعاء !

إن الفساد قد إستشرى في كامل الوطن ، ولم يكن له أن يصل لهذا الحد من التضخم إلا لأنه إستشرى أولاً وقبل كل شيء في المؤسسة الثقافية ، فمنذ عقوداً ونحن لا نجد على الساحة إلا أبيات شعر كلها شحاذة ، و مقالات عن حفر الشوارع و أعمدة الإنارة ، وكتباً عن الثقافة الجنسية أو إثارتها !

إن الخطيئة الأعظم لهذا المجتمع أنه أغدق على المثقفين بنظرات الإعجاب و الإطراء ، و عبارات المديح و الثناء ، وفداحة فعله أنه إستمر في التبجيل رغم الجحود و النكران ، أعطاهم دون أن يأخذ ومازالوا يـُطالبون بالمزيد ، وليته لقي منهم غير نظرات التعالي و العجرفة و الترفع عن قضاياه الأساسية ! لم يجد إلا أحاديثاً سطحية مـُطعمة بكلمات مـُستوردة توضع بين ثنايا الجـُمل في تركيبة باهته ! رغم هذا نستمر بالتصفيق العميق بلا وعي ! مبهورون بأقبح عملية ليٌ للحقيقة عن موضعها .

فما الحل ؟
ربما يكون الحل في أن نعترف بأن مثقفينا الكـِرام " إلا من رحم الله " هم أحد أهم الركائز التي يتقوى بها الإستبداد ، و أنهم بلا شك أحد أول من وضع حجر الأساس للفساد . الحل أيضاً أن نـُفكر خارج الصندوق الذي حـُشرنا داخله و أن نبداء في التفكير بعيداً عن محيطهم 
لكن الحل الأجدى و الأهم أن نقف كلنا خلف المخلصين منهم ، الجاديين بإزاحة الفساد.

عموماً : شكراً لكم يا سادة يا مثقفين ، هذه بضاعتكم ردت إليكم ، تالله إنكم لضالون ، إلا الذين آمنوا بأن الوطن أولى بالتضحية ، أولئك الذين يخوضون عنا اليوم " محاكمة حسم " هم من يستحقون شيئاً من الشكر .

إستقلالية التفكير


جميعنا إذا ما أردنا أن نلبس ثوباً سنلبسه بشكلاً يتناسب وشخصيتنا فنحن حينها نستشعر بكامل الحرية عند إختيار لون الثوب و طوله و تفاصيله . و جميعنا إذا ما أردنا أن نأكل سنأكل ما نرغب فيه نحن و نستشعر أيضاً بكامل الحرية عند إختيار نوع الطعام و الإضافات التي عليه . وهذا هو ما يـُسمى بالذوق الخاص و بحرية الإختيار .
بعضنا يُضيف إلى الطعام ملحاً زائد ، بعضنا لا يـُحب الملح . بعضنا يـُفضل لبس البنطال و القميص على أن يلبس ثوباً ، بعضنا يـُفضل الشماغ على الغترة ، وهكذا نجد أنفسنا عندما نُمارس يومنا بكل مافيه فإننا نـُمارسه وفق شخصياتنا نحن ، مشينا ، نومنا ، ضحكنا ، طريقة مشاهدتنا للتلفاز ، أسلوب قيادتنا للسيارة .... إلخ .
وإن لم يكن كل شيء نـُمارسه يأتي متوافقاً مع شخصياتنا فستستحيل الحياة عذاباً لا يـُطاق ، سيكون الموت حينها أرحم " هذا في حال نزع حرية الإختيار من بين يدينا بالقوة " ، غير أن هنالك أناساً قد دخلوا في التبعية بشكل إختياري ، وهؤلاء بإختصار هم موتى مبتسمين ، فأحدهم يلبس فقط لأنه رأى فلاناً يلبس بهذا الشكل ، أحدهم لا يأكل من الطعام إلا ما يختاره الأخر ، هنالك من يقلد الأخرين حتى في مشيتهم أو في ضحكاتهم أو نومهم ! ، وهؤلاء حياتهم لا لون فيها و لا طعماً يتميزون به ، فهم أتباع بالإرادة .
والأولى إن كان الإنسان قد إختار لنفسه أن يعيش هذه الحياة كتابعاً فقط للأخرين مـُتتبعاً لخطواتهم أن يحفر لنفسه حفرة ثم يـُلقي فيها بنفسه ، وإن كان سعيداً في تبعيته .

إن كل التبعية أعلاه تهون و تتصاغر إذا ما قارناها بالتبعية في التفكير ، هذه المـَلكة التي تـُعتبر أعظم أداة تـُميز الإنسان عن باقي الكائنات ، وهي الوسيلة الوحيدة التي عن طريقها قد عمر الإنسان هذه الأرض ، من المـُؤلم جداً أن يختار الإنسان لنفسه طريق التبعية في التفكير ، لأنه بإختصار ما فائدته كإنسان حينها ! .
إن الكثيرون و بشكل غريب و بكل إصرار لا يـُريدون التفكير إلا كتابعين ، ربما لأن هذا أسهل رغم ما فيه من إحتقاراً للعقل ، أو ربما لأن الكثيرون تعودوا أن لا يـُفكروا بكل بساطة ! .
المـُؤلم أكثر أن هنالك من يرى " عن قناعة " بأن من يـُفكر بشكلاً مستقل فهو إما غبي ساذج أو ضالاً مـُضل ، ومن يرى الأخرين من هذا المنطلق فهم الأكثرية للأسف ، لأن الأقلية هنا هي من تفكر بإستقلالية.

إن للتبعية الفـِكرية أسباباً كثيرة ، منها الثقافة الدينية أو لأن المؤسسة الدينية قد وضعت خطوطاً حمراء أمام كل ومضة فـِكر ، يجب على الدوام مراجعة الفـِكرة و الخاطرة و الهمسة ، وهذا أمراً مـُرهق للإنسان لذلك تأتي التبعية هنا من باب السلامة ! ، وللأسف حتى المثقفين و المفكرين و الأدباء و المتعلمين قد أستسلموا لهذه السياط بإسم الدين و الدين منها براء .
هنالك أيضاً تبعية تنشاء من ضعف ، ضعف حضاري في المجتمع أو إقتصادي أو سياسي ، فيظهر الطرف الأقوى في هذه النواحي أنه الأجدر بأن يـُتبع ، تماماً كما يحدث عند الكثيرين منا أمام الحضارة الغربية ، تبعية فيها إنبهار بالغرب و إحتقاراً للذات ، كأننا سنرتقي بالإنسلاخ ! .
إذاً الجنة لن تكون مثوى لمن يرضى لنفسه بالتبعية الفكرية العمياء خلف المؤسسة الدينية ، إعتقاداً منه أن هذا هو سبيل النجاة ، كذلك التحضر و الرقي لن يكونا مـُحصلة من يرضى لنفسه بالتبعية الفكرية المـُطلقة خلف الحضارة الغربية أو أي حضارة مختلفة ، لأن التبعية هنا لن تزيدنا إلا تخلفنا مهما طربنا .

----------   ----------

لو أن أحدنا نام في العراء و أكل من أوراق الشجر ، ثم أطلق العنان لتفكيره بشكلاً مـُستقل لا تبعيه فيه ، لعاش في نعيم . ولو أن أحدنا سكن القصور وأكل من الطعام أشهاه ، ثم قيد تفكيره بعقول الأخرين كتابع أسير ، فحياة هذا هي الجحيم .

----------   ----------

إن التفكير يا سادة ليس فيه حرام ، ليس فيه عيب ، وليس منه ضرر .
أن يقراء أحدنا لإماماً من أئمة المسلمين أو أن يقراء لأحد اقدم المـُلحدين ، فكلا القرآتان لا حرام فيهما ، إنما الحرام أن لا نقراء ، أن لا نـُعمل عقولنا. والعقل أبداً لن يـُورد صاحبه المهالك إلا إذا عطله الإنسان بالتبعية .
ولنكن على ثقة تامة بأن الله لم يخلق حتى الأن ذلك الإنسان الذي يعلم ، لأن الجميع إلى الجهل أقرب . ولا أحد يمتلك الحقيقة المطلقة ولن يمتلكها أحد ، لكن الجميع يستطيعون إمتلاك الجهل المُطلق .

بإختصار ،،،
الأخرين لن يهدوك إلى سبيل الرشاد .



أسأل الله العلي القدير أن يهبنا تفكيراً لا تبعية فيه

التفكك الأسري .. والإصلاح



في هذا الوطن عندما تبكي المرأة على ضياع حقوقها الإجتماعيةيتبادر إلى الأذهان أن الرجل هو من سلبها تلك الحقوق ، وهذه مغالطة كارثية لأنه و بإختصار ( الإثنين في الهوا سوا ، بلا حقوق ولا يحزنون ، يخرجان من الدنيا حفاة عراة " حقوقياً " كما دخلاها .
إن كانت المرأة لا تقود سيارتها فإن الرجل لا يقود إلا سيارته ! لا قطارات ، لا متروا ، لا باصات ، لا حناطير أو حتى حمير أو على الأقل تـُك تـُك . حتى أصبحت قيادة الرجل للسيارة تـُقربه إلى جهنم درجة من كثرة الشتائم التي يصرخ بها في وسط الزحام .
و إن كانت المرأة لا تجد وظائف في سوق العمل تحفظ لها كرامتها ، كذلك الرجل ما فتيء يشحذ أمام أبواب كل القطاعات حتى إخضَر شِماغة وهو يستخدم الملف الأخضر الشهير لإتقاء حرارة الشمس .
و إن كان الرجل يـُمارس العنف الجسدي أو النفسي أو المادي تجاه المرأة ، أو تمارس هي تجاهه أنواع أخرى من العنف ، فعلينا أن نبحث عن الأسباب ، ولست هنا أحاول إيجاد الأعذار لأحدهما لكني أتحدث بعيداً عن العاطفة .
مالذي يدفع بالرجل إلى إرتكاب العنف ضد المرأة أو العكس ؟
في رأيي أن عدم حصولهما على حقوقهما في وطنها فهذا هو السبب الأهم بل والمحوري ، فضياع الحقوق تجعل الرجل في الغالب يقوم بتفريغ غضبه المكبوت تجاه المرأة ، وهي كذلك ستلعنه أو تحتقره و إن كان في سرها ! ، سيعيشان في منزلاً واحد لكن بشكل منفصل وإن كان الإنفصال عاطفياً .
عندما لا يجدان وظيفة ، وتضيع سنين دراستهما بسبب المحسوبية و الواسطة ، أو أن يجدان تلك الوظيفة لكن براتب لا يـُغني من جوع ، بالإضافة إلى عملية الإغتصاب التي تـُمارسها البنوك في حق ما بقي من الراتب .
عندما يجدان أصحاب السمو و المعالي و الوزراء و القضاة يتمرغون في النعيم ، بينما هما يشحذان ، على موائد الكـِبار ، أو يجدان أنواع السياج تـُحيط بالأراضي فتنزع أي أمل في التملك أو حتى التنزه ! ، كأنهما من بهائم الأنعام في هذا الوطن .
عندما يجد هو أو تجد هي ومهما وجدا ففي ظل غياب الحقوق ، حتماً ستنعكس أثار ما يجداه من فساد في الوطن داخل عش الزوجية، سيُفرغان هذا الكم الهائل من الكبت داخل جدران المنزل ، فمن الطبيعي حينها أن يُعنفها و تعنفه ، من الطبيعي أن ترتفع عندنا معدلات الطلاق ، من الطبيعي أن ينتشر العنف الأسري ، وتكثر حالات قتل أو حبس الأبناء .
ولا أقول أن من حق الرجل أو المرأة أن يفعلا هذا في ظل الظروف الراهنة، لكن لنتحدث بشفافية ، هل نحن ملائكة ؟ ، أم أنبياء ؟ ، أم معصومون عن الزلل ؟
لا .. إنما نحن بشراً قيمهم الإنسانية ليست متساوية ، إيماننا ليس بنفس الدرجة . ومن الخطاء أن يُبنى النظام في الوطن على رهان الإيمان أو العقل أو الإلتزام  فهذا رهاناً خاسر ، لأن المفترض أن يعيش الجميع في الوطن حياة كريمة ، المجنون و العاقل ، الصغير و الكبير ، المُحسن و العاصي ، المؤمن و الكافر ، سواءً كان ذكراً أو أنثى . أما أن نُراهن على أننا لن ننحرف إلى الحضيض لأننا قوماً مؤمنون فهذا ببساطة مجرد غباء لا أكثر .

يا سادة ،،،
إذا لم يتقدم المسئول المُخطيء للمحاكمة ستستمر حالات الطلاق في إرتفاع ، إذا لم يتم تحجيم التسلط الديني و الفكري سيُمارس الوالدان العنف تجاه الأبناء ، إذا لم تتحرر الحرية من قيدها سيعـُق الأبناء أبائهم و الأباء سيُعنفون أبنائهم .
إن لم تـُخفض إيجارات العقار ، ولم يتصف القضاء بالعدل ، ولم تـُحدد صلاحيات الوجهاء ، إن و إن ... إن لم نـُصحح المسار فسيظل الرجل يُعنـِـف المرأة وسترد له الصاع صاعين ، وإن لم تـُعنفه صراحة فلن تـُغلب مـُكرا .
قد يقول قائل : ما العلاقة بين هذا و ذاك ؟
إن العلاقة جلية واضحة لا تحتاج لإيضاح ، إثنان " رجلاً و إمرأة " غـُلقت عليهما أبواب قفص الزوجية بلا مقدمات ، وبعد شهر سينتهي شهر العسل وتأتي المسئولية لتتضح معالم المصاريف والطلبات وكلما إستمرت العلاقة ستكبر الإلتزامات ، فبناء الأسرة يتطلب مادة أكثر من إيمان وحب و تفاهم ، و الزواج ليس جنساً وشهوة إنما مؤسسة متكاملة .
هو يريد منها ، هي تريد منه ، كلاهما يريد من الأخر أشياء و أشياء حتى تتصف حياتهم بأنها " كريمة " ، ثم يـُفاجاء الإثنان بأن الوطن يأبى أن يمنحهما تلك الحياة لأن فيه فاسدون قد عاثوا في الأرض الفساد بلا حساب .
ألن تكون النتيجة حينها مأساوية ؟ ، بل ستكون مأساوية بحق بعضهما البعض و بحق الجيل القادم . ووحده المتضرر هنا هو الوطن .
أتحدث عن الأسرة لأن ما حفظناه عن ظهر قلب بأن الأسرة هي اللبنة الأولى في بناء المجتمع ، فإن كان التعامل تجاه هذه اللبنة يتم بالسحق و الإضطهاد فماذا سنجني ؟
سينتج لدينا مستقبلاً ممزق وجيلاً يرث التـِيه و أبناء عاقون تجاه أبائهم و تجاه الوطن ، وحتماً سيخرج من رحم هذه الأسر المسحوقة من يتعين في الوظائف حينها ستُعيد عجلة الفساد دورتها ، ستكثر الرشاوي و المحسوبية ونهب المال العام . والإبن في المستقبل لن يحتمل أن يحيا حياة أبيه فمن أبوه غيري أنا و أنت .
والبنت لن تحتمل أن تدخل في عبائة أمها لتعيش في الظل الإجتماعي ، وسيرتفع عند الجميع شعار " نفسي نفسي .. لن أعيش في جلباب أبي " . ثم تـُعاد الكره وسينتشر الكفر وإن عينوا لكل مواطناً شيخاً جليل ، وسيكثر الإنحلال و إن لم ينطق الإعلام إلا بالتوعية ، وستتسع رقعة الفساد و إن إلتزم الجميع بحفظ القرآن.
إن السبيل الوحيد لنعيم الأخرة أن يعيش الإنسان دنياه في نعيم ، فإذا ما فسدت الأرض وضاقت على الفرد فلن يهتم بالأخرة سيكفر إن لزم الأمر لأن الجوع كافر و الجوع إلى الكرامة و الحقوق أشدا مرارة .

*****
( 1 )
ثم قالوا بعد كل هذا الواقع المزري و الفساد كخطاباً تقليدي لم يعد يحرك ورقة ، بأن فساد أخلاقنا مؤامرة !
وأنه كانت فوق طاولتي قلماً و ورقة فأين أختفيا ؟ ، إنها مؤامرة !
( 2 )
أيها الأب و الزوج: عليك أن تتجول بأسرتك بعيداً عن مضلات الفتن و مزالق الريب ، وأن تـُبادر بأهل بيتك إلى مواطن الخير ، و أقطع موارد الشر والفساد عن أهلك ، وأنصحك بأن لا يخلوا بيتك و سيارتك من كتاب نافع أو " شريط " مفيد ، ثم إحذر كل الحذر أن تلبس زوجتك أو إبنتك عبائة مزركشة أو مفصلة فأنت المسئول أمام الله عنها .
( 3 )
أيتها الأم و الزوجة :يا منبع الحنان و نهر العطاء ، أنصحك بطاعة زوجك وأن لا تتركين مجالاً للعادات السيئة و الأخلاق الذميمة أن تدخل إلى بيتك ، كشرب الدخان و مشاهدة التلفاز فتلك دعاوي تغريبية فلا تسمحي له أن تتسلل إلى داخل بيتك و أنت لاهية ساهية .
( 4 )
أيها الشاب " الإبن "  :إن عافيتك التي تمرح فيها زائلة ، فإحذر أن تنزلق إلى الحرام وأنت بصحتك اليوم لأنك ستندم عند مرضك على كبر ، و تمسك بعرى الإيمان و لا تنجر خلف زارعي الفتن أولئك الذين يُـصورون لك كل قبيح على أنه من حقوقك المسلوبة فوالله كم من شاباً سار على درب الحرام ثم وجد أهل بيته يغرقون فيه دون علمه ! فهل ترضاها لأختك أو أمك أو إبنتك ؟ .
( 5 )
أيتها الفتاة  :إنهم يريدون أن يجعلوا منك ألعوبة بين يدي الشيطان فتنزعين الحجاب و تتبخترين بلا حياء وتقودين السيارة بلا محرم ، ثم تنهشك الذئاب  لا محالة لأنك أنت التي رضيتي أن تكون لقمة سائغة ، وكم من فتاة تتمنى ان تختفى من على وجه الارض بسبب دعاوي التغريب الباطلة .

هذه خمسة عينات من رسائل لن و لم تحل أي مشكلة من مشاكل المجتمع ، ولا حتى ستـُخدر مواضع الألم ، إذاً علينا أن نتوقف عن الخطابات الفارغة ، يكفينا تلاعباً بالعواطف ، لأن مشكلتنا في دنيانا لا في ديننا وعقيدتنا ، لم تـُمس أخرتنا كما تدنس واقعنا .

*****

إن الأسرة هي اللبنة الأولى في المجتمع ، و المجتمع الذي يتعمد الهرب من الدنيا طمعاً بالنجاة في الأخرة لن ينجوا في الإثنتين ، والرهان على خصوصيتنا و عاداتنا و ثقافتنا و حتى على إيماننا رهاناً خاسر .
ولا سبيل من تخفيف حِـدة العنف الأسري و تقليل حالات الطلاق إلا بالمسارعة في الإصلاح .
إن ( قال الله و قال الرسول بلا عمل ) ، و ( أفتى الشيخ الجليل ، وإرتأى صاحب الفضيلة ) كل هذا لن يبني مجتمعاً سليم .
و أي مجتمع أفراده لا يطالون حقوقهم لن يصح إيمانهم ، وطالما الكثير من الأسر الأن لا تجد مسكناً لها ولا تجد رزقاً كريما فالنتيجة الحتمية أنه سيكون لدينا مجتمعاً بلا أخلاق وإن صلى الجميع و صام .
لأنه لا يُمكن زرع الأخلاقيات في البيت الكبير طالما نحن نهدمه في البيت الصغير ، وطالما المسئول بعيداً عن المحاسبة والسياج مازالت تحيط بالأراضي ، فلن تهنىء اللبنة الأولى بحياة كريمة .
وإن وجدتم أسرة تعيش بكرامة فأخبروها أن ما أنتم فيه مجرد وهم .

*****

إن اللبنة الأولى في المجتمع هي الأسرة والأسرة تتكون من " زوج و زوجة و أبناء " ، هذه اللبنة لن تستقر إلا بالإصلاح ولأننا تجاهلنا الإصلاح فقد أرغمنا الأبناء أن يكونوا هم المسامير التي ثبيت الزواج !

الــبــديـــــل بلونه الرمادي


( ليس أقوى أفراد النوع هو الذي يبقى ولا أكثرهم ذكاء ، بل إنه الأقدرهم على التأقلم مع التغيرات ) .. تشارلز داروين

كيف يكون هذا التأقلم ؟
للتوضيح : كلما إرتفعت درجات الحرارة في الجو فإن الإنسان يـُنتج كميات أكبر خلال عملية التعرق ،وهذا يـُعتبر نوعاً من أنواع التأقلم مع حرارة الجو . كذلك يستطيع الإنسان أن يتأقلم مع الضغط العالي أو الضغط المنخفض بتمارين بسيطة .
إن الغاية من التأقلم و التكيف هي أن يضمن الإنسان إستمراريته في الحياة لأنه بدون هذا التأقلم سينقرض بكل بساطة . ثم إن الإنسان أكثر الكائنات القادرة على التأقلم و التكيف مع كل محيط يتواجد فيه ومرد تلك القــُدرة لا يعود فقط إلى ملكة التفكير التي يتميز بها إنما هنالك أسباباً أخرى منها " الخـُبث ، المكر ، الخداع ، العقل ، الضمير ، المنطق ، المصلحة .... إلخ   " .
وفي البيئة أو المجتمع الصحي يـُصنف التأقلم أو التكيف معها بأنه صحي، كمثال عندما يزور العربي دولة متحضرة فإنه يتأقلم معها ويتحضر .
أما في المجتمع أو البيئة الفاسدة يـُمكن تصنيف التأقلم أو التكيف بأنه ضار، كمثال عندما يزور أحد مواطني الدول المتحضرة دولة عربية فإنه يتأقلم مع التخلف فيتخلف ! .

س: ما الذي يصنعه الفساد ؟
إن الفساد في أي دولة يصنع ثقافة مشوهة في المجتمع ، يـُمكن القول عن تلك الثقافة أنها نوعاً من التأقلم ( تأقلم المجتمع مع البيئة الفاسدة ) .
وكنتيجة للفساد سيـُصبح كل شيء ذو لون رمادي .

س: كيف نعرف أنها ثقافة مشوهة ؟
نعرف مدى تشوه الثقافة بطول أمد الفساد و إستمراريته لعقوداً متتالية ، مما يجعل المعاني الإنسانية الجميلة تنحصر في قصص ما قبل النوم ، و حينها سيكون من الصعب جداً أن يكتشف الإنسان الفاسد أنه فاسداً ، أو أن يجزم بأن ثقافة مجتمعه مشوهة .

س: كيف نُـحدد مدى تشوه الثقافة للمجتمع ؟
الحل بسيط ، أن نـُقارن بين مجتمعين ، مجتمعاً صحي و أخر فاسد ، ثم ستكتشف أن ثقافة المجتمع الفاسد مشوهة ، كيف ؟
علينا أن نبحث عن " البديل " في كلا المجتمعين ، لأننا حتماً ستجد أن كلا المجتمعين متشابهون في كثيراً من الأشياء بإستثناء ذلك " البديل "
للتوضيح ففي المجتمع الصحي وكذلك في المجتمع الفاسد ستجد ( أن بديل الصدق هو الكذب ، بديل الأمانة هي الخيانة ،  بديل القوة هو الضعف ) وهذا الأمر طبيعي كصفة بشرية ، لأنه في كل المجتمعات الإنسانية دائماً ما يكون بديل الأسود هو الأبيض .
أيضاً لأن الكثير من الصفات تشترك فيها كل المجتمعات " اللون الأسود أسود في كل مكان ، واللون الأبيض أبيض في كل مجتمع "
لكن لكي نعرف حجم المأساة في الوطن العربي ، وكيف أن الفساد قد تغلغل فيه حتى النخاع .فتعالوا نتفحص ذلك " البديل   " .
ولا أتحدث هنا عن البديل الواضح الصريح كالكذب الذي هو بديل الصدق ، أو الخيانة التي هي بديل الأمانة . إنما أتحدث عن البديل ذو اللون الرمادي .
أي أن يكون بديل الصدق ليس الكذب إنما كلاماً لا يـُفيد ، أن يكون بديل الأمانة ليست الخيانة إنما الوقوف على الحياد . ذلك البديل هو أحد أخطر أنواع التأقلم البشري مع البيئة الفاسدة .

س: لماذا هذا البديل ؟
لأنه سهل أثناء التطبيق والممارسة ، فهو لا يتصادم مع أي جهة في المجتمع. فعندما يكون كل هم المسلم محصوراً في تربية لحيته وتقصير ثوبه وتغطية زوجته ومنع الإختلاط ومحاربة الموسيقى ..... إلخ ، فهذا المسلم تأقلم مع بيئته الفاسدة لدرجة أن كل همه بات مـُنصباً في القشور ناسياً جوهر الإسلام الذي يـُـركز على العدل و الحرية والمساواة بالإضافة إلى أن هذا الشخص لم يساير الفساد لكنه أيضاُ لم يتواجه معه هو وقف على الحياد أو بمعنى أنه فضل التلون باللون الرمادي طلباُ للسلامة ! ، وهنا يكون " البديل " في أسواء حالاته .
ولا يوجد في المجتمع من سيقول لهذا الإنسان أنه على خطاء لأنه ظاهرياً قد وقف بعيداً عن الخطاء .
بمعنى أخر : من سيـُحدد لنا بأن ديننا وإلتزامنا في هذا الوقت كله قشور ! طالما نحن قد تربينا أصلاً على هذه القشور ؟!

أمثلة أخرى ،،،
- عندما تجد إنساناً عربياً حاصلاً على شهادة الدكتوراة ثم يحني ركبتيه أمام شيخ في الدين لم يتخطى المستوى التعليمي الثانوي ثم يتلقى منه كل أمور دينه ودنياه ، حينها فإن الذي يـُسير العلم هو الجهل ويـُسيره كيفما شاء !
- عندما يكون الحاكم هو سيد الشعب لا خادمه وتكون السلطة و القضاء و التجارة و السياسة وأكثر بيديه ، مـُستنداً في هذا على فكر ديني يمجده وينفي عنه أي خطاء ، وعلى ثقافة تؤصل لعملية إبعاده عن المحاسبة.
سيُصبح المواطن الذي يـُطالب بالحرية أو العدل حينها هو المـُذنب من رأسه حتى أخمص قدميه ، وبهذا تتقوى السلطة شيئاً فشيئاً ويضعف الشعب .
- عندما يكون سبب تخلف المجتمع العربي عائداً إلى أسباب كثيرة منها تقصير العباد في أداء العبادات ، ويكون تخلفنا عقاباً من الله على ذلك التقصير ، بالتالي لن يتحمل المـُخطيء الحقيقي " النظام " ذرة مسئولية ، فالله هو الذي عاقب ، وذنوبنا هي السبب ، بالتالي فما دخل المسئول " النظام " ؟!

إن الأمثلة كثيرة ، كلها تؤكد بأن هنالك ثقافة مشوهة بلوناً رمادي ، وهي ثقافة بديلة عن الثقافة الطبيعية ، وهي المتسيدة للأسف . تلك الثقافة هي ما يُـسمى بعملية تأقلم المجتمع مع بيئته الفاسدة .
ثقافة تمنح الإنسان شعوراً كاذباً بالراحة والطمأنينة ، وبأن الله قد رضي عنه ، فطالما هو ملتزم ظاهرياً بالدين ولم يكذب ولم يسرق ولم يزني،  إذاً هو قد أدى الأمانة على أكمل وجه !
ثقافة لا تـُؤمن بأن للمواطن حقوق سياسية وبأن الديمقراطية رجساً من عمل الشيطان وأن الحرية حتماً ستـُعري المرأة أمام الملأ .
ثقافة تـُركز دائماً على أن أقصى درجات تغيير المنكر التي يقدر عليها الإنسان أن يسجد لله ثم يدعوا ( آللهم أرزق حاكمنا البطانة الصالحة ، وألعن بطانته الفاسدة ) .
ثقافة مشوهة لا تـُجرِم معتنقها قانونياً ، بالإضافة إلى أنها نوعاً ما تجعل الإنسان ظاهرياً سينتهي إلي الجنة و الحور العين .
ثقافة لها مـُنظـِـر أو مـُؤسس واحد وهو ( طول أمد الفساد ) .

يبقى هنالك سؤالاً سيجعلنا ننظر للموضوع كله بنظرة مختلفة ، هل الفكر الديني و الأدبي هو الذي صنع هذه الثقافة المشوهة ؟ ، أم أن ثقافتنا المشوهة هي التي أنتجت فـِكرنا الديني و الأدبي ؟ ، أم أن الثقافة المشوهة و الفكرين الديني و الأدبي مجتمعون هم من صنعوا الفساد في الوطن العربي ؟ ، أم أنهم جميعاً أبناءً أبراراً للبيئة الفاسدة ؟
كل شيء جائز والله أعلم .

أخطأ عـُـمر الفاروق .. وأصبنا نحن



نحن إن أردنا أن نُحاكِم عمر الفاروق ونحكم عليه، بمفاهيمنا، بمقاييسنا، بمعاييرنا، بقضائنا النزيه، فحتماً سينتهي به المطاف مذنباً، مُخطِئاً في كل شئون خلافته، مُخطئاً أخطاءً لا تُغتفر. هذا لأن الشرف والعزة والكرامة بمقاييس اليوم مجرد دروشة وضعف وأبواباً للهزيمة.


**********


قد أخطأت يا "عمر" حين عشت مع الرعية، بين الرعية، حين كنت مثلهم ترتدي ملابساً تشبه ملابسهم وتأكل طعاماً يشبه طعامهم، صحيح أن هذا النهج قد مكنك من تلمس حاجات الناس والإستماع لمطالبهم وحمل الدقيق لإطعام أطفالهم، بل وأن تدعوا الله ألا يحاسبك على تعثر بغالهم!.

لكن الأولى بالحاكم يا "عمر" أن يترفع عن كل هذا، الأولى به ألا يختلط أبداً بالرعاع من العامة، أن يبتعد عن دروبهم قدر المستطاع، أن ينظر لهم كجراثيم لا يصح الإقتراب منها بحال طمعاً في الصحة والسلامة.

الأولى بمن كانت له حاجة من الرعية ألا يطلبها من الحاكم، ولا السادة الوزراء أو مدراء الإدارات أو حتى رؤساء الأقسام، إنما يكتفي بالدعاء أن يجنبه الله شر الوشاية والإعتقال، فالحاجة في هذا الزمان شراً والمطالبة بها فتنة!.

الأولى بالحاكم إن وصلت إليه حاجات الناس أن يأمر فوراً بتشكيل ألف لجنة، عن كل لجنةٍ منها لِجانٌ منبثقة، ثم لِجانٌ تنوب عن اللِجان المنبثقة مهمتها إخبار كل صاحب حاجة أن حاجته قيد الدراسة، ثم لِجانٌ تراقب بشدة أعمال كل اللجان وترفع تقاريراً دورية للجانٍ مختصة بعرض كل التقارير على جلالة الحاكم. وبهذا النهج تبقى هيبة الحاكم مصانة لا تضيع رغم ضياع كل الحقوق وذهاب المطالب أدراج الرياح، بهذا النهج تظل الرعية متأملة خيراً في حاكمها البعيد عن كل الشبهات بدلالة أنه دوماً يستجيب لكل المطالب بتشكيل ألف ألف لجنة ولجنة.


**********


كذلك قد أخطأت يا "عمر" حين لم تتحصن بالحرس والعسكر وفرق الأشاوس الخاصة، أخطأت حين لم تعين رجالاً كأجساد البغال يحيطون بك لحمايتك من الرعية، وأخطأت حين لم ترتدي سترة مضادة للرصاص، ولم تركب سيارة مضادة للصواريخ، ولم تعين لكل مواطن مُخبراً وجلاد.

فالأولى بالحاكم أن يهرب من الموت قدر المستطاع، فحياة الحاكم يا "عمر" أولى أولويات الوطن، وكل الخطط الإستراتيجية تدور حول الحفاظ على آمنه وسلامته وصحته، فهو الوطن يا "عمر" والوطن هو، وهو الذي إذا ما اشتكى فيه عضواً تداعى له كامل الوطن بالسهر والدعاء بطول العمر.

ثم إن الحاكم في زماننا يا "عمر" لا يتحصن ويبني حوله الحواجز المنيعة خوفاً من شراً مجهول قد يضمره أحد أفراد الرعية، بل هنالك أسباباً أخرى أكثر منطقية، فربما أحد أفراد الرعية مُصاباً بالزكام فتنتقل العدوى منه إلى الحاكم في حال الملامسة أو القرب الشديد، وحينها، حين يُصاب جلالته بالرشح ستتعطل البلاد وأمور العباد، من هنا نشأ الحذر من الرعية، وباتت الحيطة من هي الغاية.


**********


أخطأت يا "عمر" حين لم تنتهج العنف والقمع والإستبداد والقتل على النية، فكل هذه الأدوات ليست إلا دعائم تسند الكرسي، لا أكثر! .. أخطأت حين لم تأمر بهتك عرض أو إغتصاب أرض، أو سحل فرداً من بين الجموع كي تتعظ البقية، فالخوف، خوف الرعية ورعبهم وترهيبهم هو الضامن لإستمرارية الحُكم، ولو فعلت يا "عمر" كما يفعل الحاكم اليوم، فما كان لسكين "أبو لؤلؤة المجوسي" سبيلاً إليك، ولا حتى صواريخه وطائراته، بل ولا حتى دعائه عليك بالهلاك.


**********


أخطأت يا "عمر" حين ظننت بأن الجهاد وإرسال الجيوش وإعداد العُدد هو السبيل الأنسب والأضمن لفرض الهيبة عند بقية الدول .. أين أنت عن معاهدات السلام، وسلام الشجعان، والتطبيق مقابل السلام؟!، أين أنت عن مثل هذه الحلول السلمية الموادعة التي لم تفرض لنا هيبة؟!، أين إحترامك للمواثيق وإلتزامك بتقسيمات "سايس بيكو"؟!.

إن الجهاد يا أيها الفاروق هو جهاد النفس، وأن يطيع الإبن أباه، ويدور الأب في كل الأزقة لتأمين قوت يوم أبنائه، هذا هو الجهاد الأسمى، أما القتال والسيوف والخيول، وشراء الأسلحة من مصانع الأمريكان والروس فلا هدف منه إلا تأمين ظل الحاكم، أدام الله ظله.


**********


أخطأت يا "عمر" حين عينت على جيوشك (خالد بن الوليد، وأبو عبيد الثقفي، ولفيف من أصحاب الحـِنكة و الخبرة العسكرية، وأصحاب الآراء المستقلة والشخصيات الفريدة) .. فالأولى بالحاكم يا "عمر" أن لا يعين غير أصحاب الكروش، الذين يقضون فترات الصيف في أوروبا، والشتاء في شرق أسيا، ومن هناك يتابعون آمن الوطن و أمانه، من هناك يأمرون مصانعهم العسكرية بالبدء فوراً في صناعة المكرونة والشيبس وصابون الغسيل، فحياة البذخ التي يعيشها الجنرالات والألوية تستنزف كامل الميزانية العسكرية مما يتطلب منهم البحث عن مصادر دخل مساندة.

الأولى بالحاكم يا "عمر" ألا يعين على الجيش إلا من لا يملك رأياً وليست له شخصية ولا حتى ملامحاً محددة، إن أعلى رتبة عسكرية في جيوشنا العربية يا "عمر" أخف وزناً من حذاء "خالد بن الوليد" فضلاً عن سيفه، وهؤلاء تحديداً من يضمنون للحاكم أن يكون الواحد الأحد، لا شريك له.


**********


أخطأت يا "عمر" بل هذه أكبر أخطائك، أن تُعين على القضاء "علي بن أبي طالب" !.

كيف بالله يتم تعيين إنساناً يتلمس العدل على القضاء؟!، كيف بمن يخاف الله أن يحكم بين الناس؟!، هل يحق للتقي أن يكون قاضياً؟!.

إن من شروط تولي القضاء يا "عمر" أن يكون الإنسان متفتح الذهن "فهلوي" فيقبل الرشوة ويجيد التلاعب بأوراق القضايا، وأن يحابي الكبير على حساب الصغير، وإن لزم الأمر فلا بأس أن يزور لنفسه بضع أوراق ليستولي على أرض هذا وجزءً من ميراث ذاك.

إن القضاء اليوم منصباً عظيم، يفتح أمام صاحبه مجالات أرحب للفساد والإفساد، لهذا فقد أخطأت يا "عمر" حين وليت "علي بن أبي طالب" في هذا المنصب المُهم، فالقاعدة التي تعلمناها في زماننا أن نشر العدل وتطبيقه من دلالات ضعف الحكم.


**********


أخطأت يا "عمر" حين لم تُورِث الحكم لأبنائك، ففي زماننا يولد للحاكم حاكِماً، وللزعيم زعيماً مثله، في زماننا يولد الحاكم والزعامة في جيناته، فهو إذاً الأجدر والأقدر والأجدى بالحكم، لا لشيء إلا لأن أبيه في إحدى الليالي الشاعرية أنجبه.

إن أبناء حُكام اليوم يا "عمر" كالنمل، يتكاثرون فيأكلون الأخضر واليابس، والأقدر فيهم على البطش هو الأجدر بالحكم، لهذا يُعين إبن الحاكم حاكماً وإن لم يطلب أبيه هذا الأمر صراحةً، فالمسألة باتت مسألة عقيدة وإيمان، أن نسل الزعيم كل زعماء، حتى الزاني فيهم والقاتل.

إن الجلوس على كرسي الحكم في عرفنا يا "عمر" يجب ما قبله.


**********


أخطأت يا "عمر" عندما قلت بأننا قومٌ أعزنا الله بالإسلام فإن إبتغينا العزة بغيره أذلنا الله، والخطأ هنا أن هذه المقولة ليست صحيحة بالمطلق، كون إسلامنا اليوم ما عاد إسلاماً واحد، فهنالك إسلاماً ضد الإسلام الذي تقصده، وهنالك إسلاماً نهى إسلامك عن اعتناقه، وهنا رهبانية ابتدعناها، وأصنام نحتناها لنطوف حولها تقرباً لله، وهنا أولياءً يستلمون رواتبهم آخر الشهر من الدولة، ودعاة ينطلقون إحتساباً لتكفير الجموع.

حدد أولاً يا "عمر" طبيعة الإسلام الذي تقصده، هل تقصد إسلام سحق الجماجم وبتر الأطراف والتنكيل بكل معارض حتى وإن كانت معارضته سراً وفي الخفاء؟!.

هل تقصد هذا الإسلام الذي يرى كل فعل وقول هو حراماً بالضرورة، وأن الإنسان عاصياً مذنباً بالفطرة؟!.

هل تقصد إسلام تتبع عورات الناس بغرض تقويم سلوكهم، والتجسس عليهم لنهيهم عن المنكر، وملاحقتهم في الأزقة والطرقات على الصغائر؟!.

أم تقصد هذا الإسلام الجديد والذي يجيز خلوة الفتاة بصديقها طالما ليس في الأمر إيلاج؟!، هذا الإسلام الذي لا يرى شيوخه أي غضاضة بأن تخرج الفتاة للشارع المكتظ بالمارة وهي بقميص النوم، فإن تحرش بها أحد الشباب يُعاقب بالسجن لأنه سمح لنفسه الأمارة بالسوء أن تُفتن؟!، هل تقصد هذا الإسلام مثلاً؟، الإسلام الذي حابى الغرب حتى أجاز إشتهاء الرجل للرجل والمرأة للمرأة تأييداً ودعماً للمثليين؟!.

أي إسلام تقصد يا "عمر"؟ .. هذا الإسلام الذي يعتبر صلاة الشيعي خلف السني كالكفر أو أشد، أم الإسلام الذي يعتبر أن من أبسط حقوق المسلم أن يرتد؟! .. عن أي إسلام تحدثت يا "عمر"؟.
فالإسلام الذي أعزك به الله بات غريباً اليوم، بل من المستحسن ألا نتحدث عنه فضلاً عن السعي لتطبيقه، فكل المعاهدات الدولية لا تقبل بأي حال أن يتم تطبيق الإسلام الذي قصدته، كل المواثيق الأممية اليوم تصنف إسلامك وإسلام صاحبيك في خانة الإرهاب. ونحن يا "عمر" لزاماً عليناً أن نحترم المعاهدات والمواثيق، ففيهما شريعة اليوم.


******************************


تعلم يا "عمر" من واقعنا الذي نعيشه كل يوم، كيف نحيا على الكفاف، بلا كرامة، بلا حقوق، بلا أحلام .. تعلم كيف يكون المهم لديك، بل الأهم، أن تحيا فقط وأن ترضى بأي حياةٍ والسلام، أي حياةٍ تحافظ فيها فقط على حققك في هدر الأكسجين.

تعلم كيف أن القانون لا يحمي المغفلين، مع التنويه أن الجميع يصنفون مغفلين بإستثناء المفسدين وأصحاب المناصب الرفيعة والفضيلة ولفيفاً من أصحاب المعالي والنيافة وكبار رجالات الصحافة .. القانون لا يحمي المغفلين، والمغفل هو تحديداً الذي يلتزم بالقانون!.

تعلم كيف تجلب الإحترام إلى دولتك، وذلك بأن تركع أنت وتُركِع الشعب كله أمام جميع شعوب الأرض، وأن تدعوا أمام أي نازلة ومصيبة إلى عقد المفاوضات السلمية، وأن تدعوا في نفس الوقت إلى إستهلاك المال العام في شراء أسلحة وهمية، ليكون لديك أعظم جيشاً من ورق.

تعلم كيف يخافك الرعية بأن تصلب فرداً من الشعب في مكانٍ عام .. وتُقيم لك تمثالاً مهيب في نفس المكان.

تعلم يا "عمر" أن الدعوة لا تنتشر بالعدل والمعاملة الحسنة ومراقبة الله في السر والعلن ومحاسبة الكبير قبل الصغير، لأنه في واقعنا اليوم تكفي قليلاً من المنشورات والأشرطة الدينية، وجزى الله المحسنين إذا جلبوا معهم كتيباً يتحدث عن الإسلام باللغة الأسبانية، مع ضرورة صرف مبلغ الإنتداب مقدماً، وحجز فندق خمس نجوم شامل الإفطار والمساج، لأن الدعوة لله اليوم باتت وظيفة مربحة.

تعلم منا فـ والله إننا برجالنا ونسائنا وشيوخنا، بالرضع والمساكين والفقراء منا، بوجهائنا ومغفلينا، علمائنا والجهلاء فينا، وبكل حدودنا الجغرافية وملامحنا المنبسطة، لم نعد نساوي في عُرف الأمم إلا الغثاء.

تعلم فإنك لو تعلمت هذا كله أو بعضه، لما بنى الفرس لقاتلك ضريحاً، لو تعلمت لبنى الجميع لك تمثالاً من ذهب يُطاف حوله إلى اليوم، كعادتنا دائماً أمام كل طاغية، كعادتنا دائماً حين ننصاع لمن ينشر الظلم ونقول لمن ينتشر العدل في الأرض قد أخطأت.

مع مرتبة الغطرسة




لبن مراعي ، عصائر مراعي ، حليب السعودية ، شوية عـِـلك ، شامبو ، مطبق أبو زيد ، بروست البيك ، سطـُول ، وشوية لمبات ، بالإضافة إلى حلاوة مصاص ، وحلاوة لإزالة الشعر .
هذه ليست ورقة مقاضي البيت ، و ليست سـِلع تـُعرض في محل بيع الخردوات ، إنما أتحدث هنا عن إنتاجات وطن ، صادراته العـُظمى ! ، أتحدث عن تلك الصناعات الوطنية " الإستراتيجية"  التي يـُختم على قفاها بعبارة ( صناعة سعودية ) ومن ثـُم يتلقفها المواطن أنها رمز التقدم الصناعي الذي تشهده البلاد !

وبعد كل هذه الصناعات " الخردوات " التي يتم إستثمار الأموال الضخمة لتصنيعها وجلب الأدوات المتقدمة والألات الحديثة و الخبراء الأوروبيون و الأسيويون والكثير من الجهد و العرق ليخرج الناتج النهائي بعد كل هذا المجهود والإستنزاف المادي ( بي كولا ) بي كولا يعزك ولا بيبسي يذلك فإنه صـُـنع في السعودية ، فأقتنيه ثكلتك أمك .
فمن قال بعد كل هذه الخردوات التي نصنعها أننا دولة إستهلاكية ؟
من ذا المـُتشائم القبيح الذي صاح أننا في وطناً لا يـُنتج ولا يصنع ؟
نسي هذا الدعي أننا شعباً وحكومة وعامة وخاصة وفـُـجار و أتقياء جميعنا مـُنتجين صـُناع ، وإذا إستنكر هذا المـُستنكر قولي فعليه أن يفتح عينيه وسيجد أننا خير أمة في الأرض ولا نحتاج لصناعة أو تطور أو تقدم لنمتلك الأفضلية بين الأمم فشوية تلك الخردوات هي فقط عشان " العين " ! .
**********
إننا يا سادة يا كرام وسأصيح هنا مع ذلك المتشائم القبيح ، بأننا في وطناً لا يصنع ما يأكله ، وأن الأخر دائماً هو من يصنع لنا ما نلبسه ، وعلى الرغم من كل تخلفنا إلا أننا إحتكرنا " الغطرسة و الكـِبر " وجعلناه بكل جدارة .. ثقافة .
فكيف إستطعنا أن نكون متغطرسين ونحن عالة على بقية الأمم ؟
هل بأنسابنا و كيف آنا قبائل بعضها يعتدي على بعض ؟
أم بإسلامنا الذي إبتكرناه وشوهنا به معالم الحياة حتى بات أداة إضطهاد ؟
أم بماذا ، ولماذا ، وكيف ، جائت هذه الغطرسة والخيلاء لتكون هي الصفة الحاضرة في كل المجالس الرسمية و الشعبية .
نتغطرس على الدول القريبة و على الدول البعيدة ، نتغطرس على الأعداء و الأشقاء ، نتغرطس على بعضنا وفي سرنا و علننا ، الكل هنا إلا من رحم الله مـُتعالياً مـُتغطرساً ، السعودي يتغطرس على الأجنبي و من ثم يتغطرس القبيلي على الحضري أو العكس ، و يتغطرس الموظف على العاطل .
قد يأتي التغطرس بشكل هرمي من الأعلى إلى الأسفل " أحياناً " ، لكن الأغلب أنه يأتي بشكل فوضوي حتى أنك ترى الداشر السربوت يتعامل مع غيره بخيلاء لا نظير لها مستنداً على الهواء الذي يستنشقه ولا غير ذلك " مالت " .
ولا ننسى بل كيف ننسى هذا التغطرس الذي يـُمارسه الرجل على المرأة ، أو ذلك التغطرس الذي يـُمارسه العالم الفاضل على المجتمع كـُـله أو ذلك المثقف على الجميع !.

والحسابة بتحسب !
**********
صحيح أن الغطرسة و الكـِبر صفة ومطلب طبيعي في كل مجتمع عندما تكون في حدود المعقول أو من باب الإعتزاز و الإنتماء ، لكن أن تكون بهذا المقدار القبيح الذي لا نرى فيه أحداً سوانا وكأننا أمة من الملائكة و أن البشر دائماً في المرتبة الأدنى .
الأمر يا سادة يتطلب إلى " حـِكمة ، تواضع ، لـِـين " ، لا إلى غطرسة وعنجهة وتعامل بفوقية تجاه الأخر سواءً في الداخل أو الخارج .
إن المجتمع المـُتغطرس هو مجتمع في الغالب لا يملك مقومات حضارية أو صناعية أو قوة يزهو بها ، هو إذاً مـُجتمع فاشل يـُعوض فشله بالغطرسة والتكبر والتعالي حتى يتغاضى عن واقعه المـُحبط .
نـُؤمن أننا شعب الله التقي النقي الطاهر مُقتنعون بأن العالم كله يكيد لنا كيداً ويتأمر ضدنا ليلاً ونهاراً ، مـُـتناسين أننا في الأساس أمة لم تـُولد إلا من قريب ، هي فترة قصيرة مـُقارنة بالأمم الأخرى وأن غطرستنا أعظم من كل إنجازاتنا و حضارتنا ، وأن حاضرنا مليء بالزعيق .
فعلام الكـِبر و الغطرسة ؟
**********
هذه الغطرسة الإيمانية أو العشائرية أو القومية دائماً تتكررفي خطاباتنا الرسمية و الشعبية ، فلا مثيل لدفاعنا الجوي ولا يوجد جيش كجيشنا وهذا إن كان صحيح إلا أننا إستخدمناه ليعزز إستعلائنا ويـُغدي كـِبريائنا .
وعلى المستوى الشعبي فالصفات البشرية في الأخر دائماً مختلفة ، دائماً نراه ناقصاً وأقل منا كقيمة إنسانية ، بل لا وجه للمقارنة بيننا وبين " المصري ، السوري ، الأردني ، المغربي ..... " ، ثم نتدحدر إلى مستوى أبشع عندما نتفرغ للإستعلاء على بعضنا البعض .
وطالما الأمر سيبقى دائماً مرهوناً بغطرستنا فلن نرى أنفسنا سوى أننا نحن فقط من يسير في المسار الصحيح وبهذا نبتعد كل يوم عن الحل ونتقرب إلى تفاقم المشكلة .
**********
إن عدم الخروج من هذه الغطرسة التي تعترينا سيجعلنا أمة مـُنقسمة داخلياً ضعيفة خارجياً ، وسيؤول الوضع إلى طريق لا يـُمكن تصحيحه أو حتى تجميله .
فعلى الجانب الديني أو الغطرسة الدينية التي نـُمارسها بجدارة تجاه كل من يختلف معنا سواء من أبناء جلدتنا أو من الخارج ، فنحن نسير إلى تأصيل هذه الغطرسة و تعميقها و زرعها في النفوس بأسلوب ديني ، حتى بات الكـِبر و الإستعلاء جزء من الشريعة ونرى هذا واضحاً في تعاملنا مع كل عالم خارج حدود هذه الدولة أو داخلها عندما يختلف .
وهنالك جوانب عديدة ساهمت في صـُنع غطرستنا ، جوانب لا حصر لها ، منها :
- ثقافتنا التي أصل لها مثقفون متغطرسون ! حتى منعونا من التعايش مع الأخر " الأحقر " حتى لا نتعرف عليه ونتقرب منه .
- عاداتنا وتقاليدنا التي لا نتنازل عنها حتى و إن ثبت تخلفها .
- أخلاقياتنا التي هي أوهام نسعى دائماً من خلالها إلى التأكيد على أننا نعيش " المدينة الأفلاطونية " وغيرنا يـُعذب في بلده ولا يجد ما يكسوه .
إن الكثير عن غطرستنا لم يـُقال بعد ولن يكفي المقام هنا لسرد جميع أشكال إستعلائنا .
لذلك سأكتفي بأن أدعوا الله أن يـُوفقنا ، فطالما نحن خير أمة أخرجت فلن يهم أن تكون إنجازاتنا و إنتاجاتنا شوية خردوات لا تـُغني أو أكلات دسمة دائماً تـُسمن أو ديناً يؤسس للإستحقار أو قصائد و أشعار تـُعمق الشعور بالإستعلاء .