واقعنا قد أصابنا بنشوة ، لأنا نرى الشمس تـُشرق على وطناً جميلاً هانئاً لا كـِدر فيه ، ولم ننتبه أن ضوء الشمس هو المسئول عن صنع الظـِلال ، وفي الظـِـلال قد إستقر بنا المقام ، وفي الظـِلال وكنوعاً من التأقلم فإن قدرة العين على الإبصار تضعف ، و يتشح الضمير بالسواد ، ثم يصبح التوجس طبعاً في الإنسان .
و السـِـيادة في
الضلال للمسترزقين .
سحقاً لمثقفاً قد رفض
مـُعاقرة الكتب ، وإمتنع عن إثراء الفـِكر ، و ترفع عن إرهاق التفكير ليزرع في
المجتمع رأياً يستحق الإحترام ، ثم إستبدل كل ذلك بشهادة مهما علت درجاتها فلن
تـُسمن ، لأن تعليمنا قد إحتل القاع بكل جدارة عندما لم يعتمد إلا على الحفظ دون
الفـِهم ، ومثل هذا التعليم لن يـُخرج إلا الزبد . هذا إن لم يتحصل مثقفنا المحترم
على شهادته بالتزوير من الأساس !
إذاً : أول معيار يجب
أن نضعه أمامنا أن الألقاب التي تسبق الأسماء ليست مقياساً لمدى وعي المثقف ،
بالتالي ومنطقياً سيكون المعيار الوحيد هو إسهاماته في المجتمع ، وبما أن المجتمع
غارقاً في الفساد و الفوضى فهذا يقودنا إلى أن الساحة شبه خالية من أي مثقفاً له
وزن يـُذكر ، وإن وجد هذا المثقف فحتماً سيـُسجن ، وإن لم يـُسجن فعلياً فستسجنه
عقول العامة خلف الإهمال ، ومنبع الإهمال هنا ليس كرهاً في من يفكر إنما لأن الذي
يطفوا على ساحة الثقافة الأن " الأغلبية إلا من رحم الله " ليسوا بمثقفين إنما هم أقرب لديدان
الكتب القديمة ، أناساً ليس لهم من إسهام إلا طرح الأراء البالية تلك التي عفى
عليها الزمن ، أو طرح أراءً مستوردة قد بصقها الأخر حينما عافها
مثقفينا " بلا تعميم " يسكنون أبراجاً عاجية ، ومنها يقذفون إلى المجتمع
بالأراء الهشة و اللمم ، ثم يجبرونه أن يتلقف كل ما يـُقذف بالكثير من الإجلال و
التقدير
لماذا ؟ لا أحد يعلم
، لكن هكذا علينا أن نتعايش مع رواد الفـِكر و الثقافة حالنا حال الغريق الذي لا
يـُنجده المارة إلا بالنـُصح و الدعاء !
إن الفساد قد إستشرى
في كامل الوطن ، ولم يكن له أن يصل لهذا الحد من التضخم إلا لأنه إستشرى أولاً
وقبل كل شيء في المؤسسة الثقافية ، فمنذ عقوداً ونحن لا نجد على الساحة إلا أبيات
شعر كلها شحاذة ، و مقالات عن حفر الشوارع و أعمدة الإنارة ، وكتباً عن الثقافة
الجنسية أو إثارتها !
إن الخطيئة الأعظم
لهذا المجتمع أنه أغدق على المثقفين بنظرات الإعجاب و الإطراء ، و عبارات المديح و
الثناء ، وفداحة فعله أنه إستمر في التبجيل رغم الجحود و النكران ، أعطاهم دون أن
يأخذ ومازالوا يـُطالبون بالمزيد ، وليته لقي منهم غير نظرات التعالي و العجرفة و
الترفع عن قضاياه الأساسية ! لم يجد إلا أحاديثاً سطحية مـُطعمة بكلمات مـُستوردة
توضع بين ثنايا الجـُمل في تركيبة باهته ! رغم هذا نستمر بالتصفيق العميق بلا وعي
! مبهورون بأقبح عملية ليٌ للحقيقة عن موضعها .
فما الحل ؟
ربما يكون الحل في أن
نعترف بأن مثقفينا الكـِرام " إلا من رحم الله " هم أحد أهم الركائز
التي يتقوى بها الإستبداد ، و أنهم بلا شك أحد أول من وضع حجر الأساس للفساد .
الحل أيضاً أن نـُفكر خارج الصندوق الذي حـُشرنا داخله و أن نبداء في التفكير
بعيداً عن محيطهم
لكن الحل الأجدى و
الأهم أن نقف كلنا خلف المخلصين منهم ، الجاديين بإزاحة الفساد.
عموماً : شكراً لكم
يا سادة يا مثقفين ، هذه بضاعتكم ردت إليكم ، تالله إنكم لضالون ، إلا الذين آمنوا
بأن الوطن أولى بالتضحية ، أولئك الذين يخوضون عنا اليوم " محاكمة حسم "
هم من يستحقون شيئاً من الشكر .
0 التعليقات :
إرسال تعليق