( ليس أقوى
أفراد النوع هو الذي يبقى ولا أكثرهم ذكاء ، بل إنه الأقدرهم على التأقلم مع
التغيرات ) .. تشارلز داروين
كيف يكون هذا التأقلم ؟
للتوضيح : كلما إرتفعت درجات الحرارة
في الجو فإن الإنسان يـُنتج كميات أكبر خلال عملية التعرق ،وهذا يـُعتبر نوعاً من
أنواع التأقلم مع حرارة الجو . كذلك يستطيع الإنسان أن يتأقلم مع الضغط العالي أو الضغط
المنخفض بتمارين بسيطة .
إن الغاية من التأقلم و التكيف هي أن
يضمن الإنسان إستمراريته في الحياة لأنه بدون هذا التأقلم سينقرض بكل بساطة . ثم
إن الإنسان أكثر الكائنات القادرة على التأقلم و التكيف مع كل محيط يتواجد فيه
ومرد تلك القــُدرة لا يعود فقط إلى ملكة التفكير التي يتميز بها إنما هنالك
أسباباً أخرى منها " الخـُبث ، المكر ، الخداع ، العقل ، الضمير ، المنطق ،
المصلحة .... إلخ "
.
وفي البيئة أو المجتمع الصحي يـُصنف
التأقلم أو التكيف معها بأنه صحي، كمثال عندما يزور العربي دولة متحضرة فإنه
يتأقلم معها ويتحضر .
أما في المجتمع أو البيئة الفاسدة
يـُمكن تصنيف التأقلم أو التكيف بأنه ضار، كمثال عندما يزور أحد مواطني الدول
المتحضرة دولة عربية فإنه يتأقلم مع التخلف فيتخلف ! .
س: ما الذي يصنعه الفساد ؟
إن الفساد في أي دولة يصنع ثقافة
مشوهة في المجتمع ، يـُمكن القول عن تلك الثقافة أنها نوعاً من التأقلم ( تأقلم
المجتمع مع البيئة الفاسدة ) .
وكنتيجة للفساد سيـُصبح كل شيء ذو
لون رمادي .
س: كيف نعرف أنها ثقافة مشوهة ؟
نعرف مدى تشوه الثقافة بطول أمد
الفساد و إستمراريته لعقوداً متتالية ، مما يجعل المعاني الإنسانية الجميلة تنحصر
في قصص ما قبل النوم ، و حينها سيكون من الصعب جداً أن يكتشف الإنسان الفاسد أنه
فاسداً ، أو أن يجزم بأن ثقافة مجتمعه مشوهة .
س: كيف نُـحدد مدى تشوه الثقافة
للمجتمع ؟
الحل بسيط ، أن نـُقارن بين مجتمعين
، مجتمعاً صحي و أخر فاسد ، ثم ستكتشف أن ثقافة المجتمع الفاسد مشوهة ، كيف ؟
علينا أن نبحث عن " البديل
" في كلا المجتمعين ، لأننا حتماً ستجد أن كلا المجتمعين متشابهون في كثيراً
من الأشياء بإستثناء ذلك " البديل "
للتوضيح ففي المجتمع الصحي وكذلك في
المجتمع الفاسد ستجد ( أن بديل الصدق هو الكذب ، بديل الأمانة هي الخيانة ، بديل القوة هو الضعف ) وهذا الأمر طبيعي
كصفة بشرية ، لأنه في كل المجتمعات الإنسانية دائماً ما يكون بديل الأسود هو
الأبيض .
أيضاً لأن الكثير من الصفات تشترك
فيها كل المجتمعات " اللون الأسود أسود في كل مكان ، واللون الأبيض أبيض في
كل مجتمع "
لكن لكي نعرف حجم المأساة في الوطن
العربي ، وكيف أن الفساد قد تغلغل فيه حتى النخاع .فتعالوا نتفحص ذلك "
البديل " .
ولا أتحدث هنا عن البديل الواضح
الصريح كالكذب الذي هو بديل الصدق ، أو الخيانة التي هي بديل الأمانة . إنما أتحدث
عن البديل ذو اللون الرمادي .
أي أن يكون بديل الصدق ليس الكذب
إنما كلاماً لا يـُفيد ، أن يكون بديل الأمانة ليست الخيانة إنما الوقوف على
الحياد . ذلك البديل هو أحد أخطر أنواع التأقلم البشري مع البيئة الفاسدة .
س: لماذا هذا البديل ؟
لأنه سهل أثناء التطبيق والممارسة ،
فهو لا يتصادم مع أي جهة في المجتمع. فعندما يكون كل هم المسلم محصوراً في تربية
لحيته وتقصير ثوبه وتغطية زوجته ومنع الإختلاط ومحاربة الموسيقى ..... إلخ ، فهذا
المسلم تأقلم مع بيئته الفاسدة لدرجة أن كل همه بات مـُنصباً في القشور ناسياً
جوهر الإسلام الذي يـُـركز على العدل و الحرية والمساواة بالإضافة إلى أن هذا
الشخص لم يساير الفساد لكنه أيضاُ لم يتواجه معه هو وقف على الحياد أو بمعنى أنه
فضل التلون باللون الرمادي طلباُ للسلامة ! ، وهنا يكون " البديل " في
أسواء حالاته .
ولا يوجد في المجتمع من سيقول لهذا
الإنسان أنه على خطاء لأنه ظاهرياً قد وقف بعيداً عن الخطاء .
بمعنى أخر : من سيـُحدد لنا بأن
ديننا وإلتزامنا في هذا الوقت كله قشور ! طالما نحن قد تربينا أصلاً على هذه
القشور ؟!
أمثلة أخرى ،،،
- عندما تجد إنساناً عربياً حاصلاً
على شهادة الدكتوراة ثم يحني ركبتيه أمام شيخ في الدين لم يتخطى المستوى التعليمي
الثانوي ثم يتلقى منه كل أمور دينه ودنياه ، حينها فإن الذي يـُسير العلم هو الجهل
ويـُسيره كيفما شاء !
- عندما يكون الحاكم هو سيد الشعب لا
خادمه وتكون السلطة و القضاء و التجارة و السياسة وأكثر بيديه ، مـُستنداً في هذا
على فكر ديني يمجده وينفي عنه أي خطاء ، وعلى ثقافة تؤصل لعملية إبعاده عن
المحاسبة.
سيُصبح المواطن الذي يـُطالب بالحرية
أو العدل حينها هو المـُذنب من رأسه حتى أخمص قدميه ، وبهذا تتقوى السلطة شيئاً
فشيئاً ويضعف الشعب .
- عندما يكون سبب تخلف المجتمع
العربي عائداً إلى أسباب كثيرة منها تقصير العباد في أداء العبادات ، ويكون تخلفنا
عقاباً من الله على ذلك التقصير ، بالتالي لن يتحمل المـُخطيء الحقيقي "
النظام " ذرة مسئولية ، فالله هو الذي عاقب ، وذنوبنا هي السبب ، بالتالي فما
دخل المسئول " النظام " ؟!
إن الأمثلة كثيرة ، كلها تؤكد بأن
هنالك ثقافة مشوهة بلوناً رمادي ، وهي ثقافة بديلة عن الثقافة الطبيعية ، وهي
المتسيدة للأسف . تلك الثقافة هي ما يُـسمى بعملية تأقلم المجتمع مع بيئته الفاسدة
.
ثقافة تمنح الإنسان شعوراً كاذباً
بالراحة والطمأنينة ، وبأن الله قد رضي عنه ، فطالما هو ملتزم ظاهرياً بالدين ولم
يكذب ولم يسرق ولم يزني، إذاً
هو قد أدى الأمانة على أكمل وجه !
ثقافة لا تـُؤمن بأن للمواطن حقوق
سياسية وبأن الديمقراطية رجساً من عمل الشيطان وأن الحرية حتماً ستـُعري المرأة
أمام الملأ .
ثقافة تـُركز دائماً على أن أقصى
درجات تغيير المنكر التي يقدر عليها الإنسان أن يسجد لله ثم يدعوا ( آللهم أرزق
حاكمنا البطانة الصالحة ، وألعن
بطانته الفاسدة ) .
ثقافة مشوهة لا تـُجرِم معتنقها
قانونياً ، بالإضافة إلى أنها نوعاً ما تجعل الإنسان ظاهرياً سينتهي إلي الجنة و
الحور العين .
ثقافة لها مـُنظـِـر أو مـُؤسس واحد
وهو ( طول أمد الفساد ) .
يبقى هنالك سؤالاً سيجعلنا ننظر
للموضوع كله بنظرة مختلفة ، هل الفكر الديني و الأدبي هو الذي صنع هذه الثقافة
المشوهة ؟ ، أم أن ثقافتنا المشوهة هي التي أنتجت فـِكرنا الديني و الأدبي ؟ ، أم
أن الثقافة المشوهة و الفكرين الديني و الأدبي مجتمعون هم من صنعوا الفساد في
الوطن العربي ؟ ، أم أنهم جميعاً أبناءً أبراراً للبيئة الفاسدة ؟
كل شيء جائز والله أعلم .
0 التعليقات :
إرسال تعليق