إستقلالية التفكير


جميعنا إذا ما أردنا أن نلبس ثوباً سنلبسه بشكلاً يتناسب وشخصيتنا فنحن حينها نستشعر بكامل الحرية عند إختيار لون الثوب و طوله و تفاصيله . و جميعنا إذا ما أردنا أن نأكل سنأكل ما نرغب فيه نحن و نستشعر أيضاً بكامل الحرية عند إختيار نوع الطعام و الإضافات التي عليه . وهذا هو ما يـُسمى بالذوق الخاص و بحرية الإختيار .
بعضنا يُضيف إلى الطعام ملحاً زائد ، بعضنا لا يـُحب الملح . بعضنا يـُفضل لبس البنطال و القميص على أن يلبس ثوباً ، بعضنا يـُفضل الشماغ على الغترة ، وهكذا نجد أنفسنا عندما نُمارس يومنا بكل مافيه فإننا نـُمارسه وفق شخصياتنا نحن ، مشينا ، نومنا ، ضحكنا ، طريقة مشاهدتنا للتلفاز ، أسلوب قيادتنا للسيارة .... إلخ .
وإن لم يكن كل شيء نـُمارسه يأتي متوافقاً مع شخصياتنا فستستحيل الحياة عذاباً لا يـُطاق ، سيكون الموت حينها أرحم " هذا في حال نزع حرية الإختيار من بين يدينا بالقوة " ، غير أن هنالك أناساً قد دخلوا في التبعية بشكل إختياري ، وهؤلاء بإختصار هم موتى مبتسمين ، فأحدهم يلبس فقط لأنه رأى فلاناً يلبس بهذا الشكل ، أحدهم لا يأكل من الطعام إلا ما يختاره الأخر ، هنالك من يقلد الأخرين حتى في مشيتهم أو في ضحكاتهم أو نومهم ! ، وهؤلاء حياتهم لا لون فيها و لا طعماً يتميزون به ، فهم أتباع بالإرادة .
والأولى إن كان الإنسان قد إختار لنفسه أن يعيش هذه الحياة كتابعاً فقط للأخرين مـُتتبعاً لخطواتهم أن يحفر لنفسه حفرة ثم يـُلقي فيها بنفسه ، وإن كان سعيداً في تبعيته .

إن كل التبعية أعلاه تهون و تتصاغر إذا ما قارناها بالتبعية في التفكير ، هذه المـَلكة التي تـُعتبر أعظم أداة تـُميز الإنسان عن باقي الكائنات ، وهي الوسيلة الوحيدة التي عن طريقها قد عمر الإنسان هذه الأرض ، من المـُؤلم جداً أن يختار الإنسان لنفسه طريق التبعية في التفكير ، لأنه بإختصار ما فائدته كإنسان حينها ! .
إن الكثيرون و بشكل غريب و بكل إصرار لا يـُريدون التفكير إلا كتابعين ، ربما لأن هذا أسهل رغم ما فيه من إحتقاراً للعقل ، أو ربما لأن الكثيرون تعودوا أن لا يـُفكروا بكل بساطة ! .
المـُؤلم أكثر أن هنالك من يرى " عن قناعة " بأن من يـُفكر بشكلاً مستقل فهو إما غبي ساذج أو ضالاً مـُضل ، ومن يرى الأخرين من هذا المنطلق فهم الأكثرية للأسف ، لأن الأقلية هنا هي من تفكر بإستقلالية.

إن للتبعية الفـِكرية أسباباً كثيرة ، منها الثقافة الدينية أو لأن المؤسسة الدينية قد وضعت خطوطاً حمراء أمام كل ومضة فـِكر ، يجب على الدوام مراجعة الفـِكرة و الخاطرة و الهمسة ، وهذا أمراً مـُرهق للإنسان لذلك تأتي التبعية هنا من باب السلامة ! ، وللأسف حتى المثقفين و المفكرين و الأدباء و المتعلمين قد أستسلموا لهذه السياط بإسم الدين و الدين منها براء .
هنالك أيضاً تبعية تنشاء من ضعف ، ضعف حضاري في المجتمع أو إقتصادي أو سياسي ، فيظهر الطرف الأقوى في هذه النواحي أنه الأجدر بأن يـُتبع ، تماماً كما يحدث عند الكثيرين منا أمام الحضارة الغربية ، تبعية فيها إنبهار بالغرب و إحتقاراً للذات ، كأننا سنرتقي بالإنسلاخ ! .
إذاً الجنة لن تكون مثوى لمن يرضى لنفسه بالتبعية الفكرية العمياء خلف المؤسسة الدينية ، إعتقاداً منه أن هذا هو سبيل النجاة ، كذلك التحضر و الرقي لن يكونا مـُحصلة من يرضى لنفسه بالتبعية الفكرية المـُطلقة خلف الحضارة الغربية أو أي حضارة مختلفة ، لأن التبعية هنا لن تزيدنا إلا تخلفنا مهما طربنا .

----------   ----------

لو أن أحدنا نام في العراء و أكل من أوراق الشجر ، ثم أطلق العنان لتفكيره بشكلاً مـُستقل لا تبعيه فيه ، لعاش في نعيم . ولو أن أحدنا سكن القصور وأكل من الطعام أشهاه ، ثم قيد تفكيره بعقول الأخرين كتابع أسير ، فحياة هذا هي الجحيم .

----------   ----------

إن التفكير يا سادة ليس فيه حرام ، ليس فيه عيب ، وليس منه ضرر .
أن يقراء أحدنا لإماماً من أئمة المسلمين أو أن يقراء لأحد اقدم المـُلحدين ، فكلا القرآتان لا حرام فيهما ، إنما الحرام أن لا نقراء ، أن لا نـُعمل عقولنا. والعقل أبداً لن يـُورد صاحبه المهالك إلا إذا عطله الإنسان بالتبعية .
ولنكن على ثقة تامة بأن الله لم يخلق حتى الأن ذلك الإنسان الذي يعلم ، لأن الجميع إلى الجهل أقرب . ولا أحد يمتلك الحقيقة المطلقة ولن يمتلكها أحد ، لكن الجميع يستطيعون إمتلاك الجهل المُطلق .

بإختصار ،،،
الأخرين لن يهدوك إلى سبيل الرشاد .



أسأل الله العلي القدير أن يهبنا تفكيراً لا تبعية فيه

هناك تعليق واحد :