المظاهر و الحقيقة


وقفات :

* نحن نعتقد أن وظيفة العين أن ترى .. حسناً هذا الإعتقاد خاطيء ! .. لأن وظيفة العين هي أن تُمرر ما تًصادفه من صور و أحداث إلى القلب ، و في القلب تتم عملية الإبصار .. من كان مبصراً بقلبه فسيرى و إن تعطلت لديه قدرات العين !

* كأننا نصر على تجاهل حقيقة هذا العصر ، و هي أن أكثر ما يُميز هذا العصر هو القدرة " الشيطانية " على إخفاء الحقائق و إبراز المظاهر الخادعة .

* إن المظهر في هذا العصر هو الذي يطغى و يـُـعمي عن الحقيقة .. لأنه ببساطة أجمل للناظر .. فالإنسان لم يعد يسأل نفسه مالذي خلف هذا الجمال .. وإكتفى بالنظر إليه .

* إن أغلب ما نراه بأعيننا هو صورة تم تجميلها فقط .. صورة تختلف جداً عن الحقيقة


----------   ----------
( 1 )
في هذا العصر عصر التقنية و الإعلام ، الصوت و الصورة ، عصر السرعة .. أصبح هنالك فرقاً ضئيلاً بين المظاهر و الحقيقة ، فرق يكاد أن لا يُرى .
نرى اليوم الأشياء برؤى العين ، أشياءً نُؤمن تمامً أننا نراها ، و مُتأكدين من سلامة أعيننا ، لكنها ليست سوى مظهر خادع مزيف بعيداً جداً عن الحقيقة !
فما الذي نراه ؟
لماذا الكثيرون يُفضلون الطعام السريع الذي تـُقدمه " ماكدونالدز ،  كنتاكي .... إلخ " ؟
الجواب : لأن مظهرها الذي نراه بأعيننا يدل على أن طعمها شهي ، و نحن في الحقيقة قد بنينا هذا الإعتقاد بصحية الأطعمة السريعة بناءً على الدعاية الجميلة و المكثفة ، الدعاية الجذابة ، بالإضافة إلى أن طعمها فعلاً لذيذ ! ... لكن كل ذلك ليس أكثر من مظهر خداع زائف .
لأن الحقيقة هي أن الأطعمة السريعة التي نراها شهية و نتذوقها فنستطعم مذاقها فعلاُ ليست أطعمة إنما مُنتجات يتم تحضيرها في معامل ، منتجات تُحضر في مصنع حيواني لا مزرعة .
و لأننا لا نرى الحقيقة ، أو لا نهتم برؤية الحقيقة ، نكتفي بالمظهر الجميل و إن كان خادع بل و إن كان مضراً بالصحة .
-----
( 2 )
فتاة الغلاف الجميلة الجذابة الساحرة ، و التي تظهر لنا في أكمل صورة و أجمل ما تراه العين ، بل إنها لو خرجت من الغلاف و رأيناها أمامنا فلن يتغير منظرها ، ستبقى جميلة جذابة ساحرة ، و رغم أننا نرى جمالها من على الغلاف أو في الواقع و نستطيع أن نتأكد من إبصارنا ، إلا أن ما نراه ليس إلا مظهراً خادعاً !
لأنها في الحقيقة ليست أكثر من مُنتج ، يتم إنتاجه في مؤسسات يهمها أن تروج لبضاعتها عبر " الجمال " و إن كان خادعاً ، مؤسسات أكثر ما تتقنه هو نشر المظاهر على أنها حقيقة .
يا سادة إن ما خلف قناع الجمال الذي ترتديه " فتاة الغلاف " العديد من عمليات التجميل التي تُؤلم الفتاة نفسها لكي يكون " مظهرها " جميلاً ، حتى يسهل ترويج البضائع .. لا أكثر !
حتى أصبحت المرأة اليوم لا تـُؤمن بجمالها الطبيعي ، لا تؤمن بأنوثتها الطبيعية ، فراحت تكذب في ملامح وجهها و تكذب في تصرفاتها ، و تكذب و تكذب حتى لا نرى الحقيقة !
يُشجعها على هذا ، عدم إهتمامنا بالبحث عن الحقيقة .
-----
( 3 )
نحكم على العالم أو القسيس أو الشيخ أو الراهب ، نحكم على ما يُسمى بـ " رجل الدين " فقط من خلال ملامح السكينة " الظاهرة " على وجهه ، ثم نعيش معهم في حالة روحانية ، ثم نصفق لهم من خلال المظهر حتى نرفع من قدرهم .
حتى أصبح الكثيرين منهم يهتم جداً بمظهره ، جداً جداً ، و الهدف واضح ، أننا نحن من أصبحنا لا نُلمع إلا المظاهر
نراه يخطب بسكينة ، فنبكي بخشوع .. نسمعه يتحدث في خشوع ، فننصت بإجلال .. يبتسم لنا بين الفينة و الأخرى ثم تذرف منه دمعة ، فنـُقسم أنه على الحق بل و نلعن من يقول أنه ليس أكثر من كاذب !
فأين الحقيقة ؟
الحقيقة أن معظمهم ليسوا أكثر من مُنتج يتم تحضيره بعناية فائقة في معامل الإستبداد ، حتى يتوه الناس عن الحق بإعتناق ديناً زائف .
-----
هل نحن نتعرض لخداع ؟ !
مجرد طرح هذا السؤال في هذا العصر ، سذاجة .
-----
( 4 )
في عصر الإعلام و الصوت و الصورة ، عصر التقنية .. أصبحت المعلومة و الصورة تأتينا في لمح البصر ، سريعاً جداً للدرجة التي تختفي معها الحقيقة .
فأفلام الكرتون والألعاب التي تقدم للأطفال ، تعتمد على دقة الإخراج و البهرجة و الإتقان لإخفاء الحقيقة .
في الظاهر نحن نعتبرها مجرد أدوات ترفيهية للطفل ، في الحقيقة أنها تهدم مبادئهم و عقيدتهم و تشوه فطرتهم .
هي عبارة عن منتجات يتم تحضيرها في معامل سينمائية ، و أثناء عملية التحضير يتم زرع رسائل الهدم داخلها و بشكل مُكثف و مُتقن ، لتكون النتيجة أن يتحرش طفل لم يتجاوز السابعة بطفلة أصغر منه ، لتكون النتيجة ما يـٌعرف بالبلوغ المبكر للأطفال !
فمن المسئول ؟ .. إن لم يكن نحن الذين لم يعد يهمنا أن نعلم الحقيقة .
إن الطفل الذي من المفترض به أن يلعب ويضحك بشكل بريء أصبح يرى يومياً مشاهد فيها إباحة و عنف ، و محاولات مستميته لنشر الرذيلة و العهر و الكفر .
حينها من المنطقي أن يتربى الأطفال على " مظاهر " جميلة المنظر لكنها مسمومة .. و الأدهى أننا لا نهتم !!
ونستمر مع الإعلام ،،،
الإعلام الذي يقدم لنا الجنس كبضاعة في كل مواده ، في الأغاني ، الأفلام ، الدعايات ، الإذاعات .. في الإنترنت و المجلات .
حتى أصبح الجنس أنجح مادة يستثمر فيها الإنسان ، لأنه " الجنس " حاجة بشرية طبيعية تعتمد تمامً على المظهر الجميل لتنجح .. وهنا يلعب الإعلام لعبته .
بالتالي أصبحنا نرى ونسمع بجرائم جنسية غريبة على البشرية ، جرائم منتشرة بشكل مخيف ، حتى دخلت تلك الجرائم بين أقدس علاقة بشرية " بين العائلة "
فكيف الحال بباقي العلاقات إذاً ؟ .. بين الجيران ، في المدارس .. بل وحتى في أماكن العبادة !
لماذا كل هذا ؟ .. لأنه قد تم عرض الجنس الغير طبيعي في الإعلام على أنه طبيعي ، ثم تمت عملية إظهار ذلك الجنس بعد الكثير من عمليات التجميل .
كمثال : إن أسمى علاقات الحب هي التي تأتي عن طريق الزواج " بين الزوج و الزوجة " ، غير أن الإعلام يُصر على أن يظهر العلاقات المحرمة على أنها الأسمى !
----------   ----------
في الحقيقة إن الحديث عن المظاهر و الحقيقة ، حديثً طويل ، و من أراد يستطيع البحث عنه وسيجد العجب .
سيجد أن الشاب الشيعي ليس " رافضي " دائمً !
سيجد أن الشاب السني ليس " وهابي " دائمً !
سيجد أن المسيحي ليس " يميني " دائمً !
حتى اليهودي ليس " صهيوني " دائمً !
نحن إذاً نتقاتل بناءً على المظاهر  فقط ، حتى فجرنا في الخصومة لأننا في الأساس لا نبحث و لا نريد أن نبحث عن الحقائق خلف كل هذا الكم من المظاهر المحيطة بنا .
و أكبر دليل على أننا في عصر يهتم بالمظاهر على حساب الحقيقة ، هي الصورة التي يحملها الغربي عن العربي بأنه بدوي يعيش في خيمة وسط الصحراء ، كذلك الصورة التي نحملها نحن أيضاً عن الأفريقي بأنه همجي يعيش في غابة ويركض خلف زرافة .. و هكذا .
إن الحل سهل و بسيط ، و هو أن نتعامل مع العينين أنهما أدوات لتمرير ما تصادفه إلى القلب ، أن نبصر بقلوبنا .
أن ننظر حولنا و نتسائل على الدوام ، هل ما نراه حقيقة ؟
أن ينظر أحدنا إلى المرآة ، هل ما يراه " فقط " إنسانً ضعيف ليس بيده حولاً و لا قوة ! أم إن ما يراه في المرآة مظهراً هو الأخر قد أجبر على رؤيته لإخفاء الحقيقة ، حقيقة أنه يستطيع أن يمزق كل مظاهر الزيف و الخداع من حوله .
لأن الإنسان الذي يصدق ما يراه في المرآة ، و هو متأثراُ بالمظاهر الخادعة من حوله ، هو أقرب لأن يدخل في قوله تعالى : { ... لهم قلوب لا يفقهون بها و لهم أعين لا يبصرون بها و لهم آذان لا يسمعون بها أؤلئك كالأنعام بل هم أضل أؤلئك هم الغافلون }
----------   ----------


وقفة ،،،
من المستفيد من إظهار العالم أنه قرية واحدة ، و على الرغم من جمال هذا المظهر إلا أن الحقيقة تكمن في أن " العولمة " شيء قبيح .



..... و اللحديث ذو شجون .....

هناك 6 تعليقات :