يقول تعالى : { هل جزاء الإحسان إلا الإحسان }
إنطلاقاً من هذه الآية يجب الإقرار بأن في هذا البلد من الأمراء و
التجار و الوزراء ، رجالٌ يُعرفون بسيماهم ، و سيماهم في وجوهِهم من أثر الصلاح و
حب الخير و مساعدة المحتاجين .
رجالٌ يُحبون الخير كحب أحدنا للحياة ، و لا يألون جُهداً في مساعدة
المحتاجين إلا بدلوه ، و هذه حقيقة مُشاهدة في كل مناسبة و موقع ، في السر و العلن
.
و ليس من الأخلاق الحميدة أن لا يُقابل الإحسان إلا بإحسان ، لذلك يجب
الإقرار بفضلهم ، فهم أعطوا وصرفوا في سبيل الخير الشيء الكثير ، و ضحوا و ثابروا
حتى يتحصل المحتاج على ما يحتاجه .
إذاً .. من العيب أن لا نرد لهم إحسانهم بإحسان ، و كلمة الشُكر لا
تُكلف شيئاً ، فشكراً لكل أهل الخير في بلادي
-----
إن للإسلام في هذا البلد الكلمة الفصل في كل أمر ، و منه قد تشكل
الجزء الأكبر من ثقافتنا ، بالإضافة إلى وجود مكة و المدينة ، و مهبط الوحي و منبع
الرسالة ، و قبلة المسلمين .. كل هذه الأسباب جعلت الكثير من الأمراء و التجار و
الوزراء يُقبلون على مساعدة كل مسكين و عابر سبيل و محتاج و فقير .
يبنون الجمعيات الخيرية ، و دور الرعاية ، و سلات غذائية للفقراء ، و
مشاريع إفطار صائم ، و طوابير خلف طوابير من المحتاجين يقفون على أبواب القصور ثم
لا يـُرد أحدهم خائباً !
هم و للأمانة رجالٌ يفعلون كل هذا بكل طيب خاطر و رحابة صدر لا مثيل
لها ، لدرجة أن الناظر لحالهم يظن أنهم لا يخشون الفقر جراء إستنزافهم لتلك
الثروات الهائلة لإغاثة الملهوف .
{ هل جزاء الإحسان إلا الإحسان } ! إذاً جزاكم الله خير الجزاء على ما
بدلتموه و تبدلوه في سبيل الخير
إلا أن الشيء الذي تاه هنا هو أنهم ( سهواً ) قد توجهوا إلى " محبس
الشيطان " في هذا البلد و إليه ولوا وجوههم ، غير مدركين أن الكعبة في الجهة
الأخرى .
-----
إن الإسلام يُشجـِـع على العطاء ، كالكرم ، كإغاثة الملهوف ، كالإحسان
، كالصدقة ، كالتبرع .... إلخ
فالعطاء من أهم الصفات التي حث عليها الإسلام و شجع على أدائها ، و
مسألة الحث هنا لا تعني الإستحداث من العدم ، فالعطاء بجميع أشكاله موجود قبل
الإسلام كطبع إنساني يعزز في الإنسان حب الخير ، لذلك نجد حتى في دول الكُفر نماذجً
رائعة في العطاء بغير حدود .
فهذا ( بيل غيتس ) الذي أعلن بأن هدفه في الحياة أن لا يترك لأولاده سوى
ملايين قليلة من ثروته البالغة مليارات ، لأنه سيصرف كل ما تبقى في وجوه الخير .. فأين
المُتعة هُنا ؟
إنها في الشعور الذي يتولد لدى الشخص المِعطاء بأنه سبباً في إسعاد الكثيرين
، فتلك متعة أعظم من متعة جمع الأموال وتكديسها ، إلا أن تلك المُتعة لا تُصبح
خُلقاً حميداً إلا إن كان العطاء من المال الخاص ، فإن لم يكن من المال الخاص
سيتحول أمر العطاء فوراً إلى فعلاً دنيء .
فالعطاء عندما يكون من مال منهوب لا يُسمى عطاء إنما يُسمى محاولة
لستر عملية النهب ، فاللص يحب أن يظل بعيداً عن الأعين و لا يوجد أمامه مكان للإختباء
إلا خلف أعمال الخير ، حينها لن يسأله أحد ( من أين لك هذا ؟ ) فالكل سيكون حينها
إما مبهوراً بحبه للخير ، أو مشغولاً بأن يطلب منه العطاء !!
-----
في المـُـقابل .. عندما يشعر الإنسان بمُتعة العطاء ، و كلما كان مِعطاءً
أكثر ، فهذا ليس له سوى معنى واحد ، أن أمامه الاف التـُعساء الذين أجبرتهم الحاجة
إلى تسول ما يسد رمقهم من أمام أبواب الأمراء و التجار و الوزراء !
هنا يكمن الخلل و أس البلاء ، فعندما يحتكر أشخاصً معدودون في المجتمع
مليارات لا تـُحصى ولا تـُعد ، بالتالي فإن هذا لوحده كفيلاً بأن يصُنع ملايين المُحتاجين
في نفس المجتمع ! ، حينها مهما كان العطاء كثيفاً و بدل الخير بلا حدود ، فلن تـُحل
المُشكلة ، و لن يخرج من هذه الفوضى مستفيداً إلا من أعطى ، و فائدته تكمن في
الوجاهة الإجتماعية و في التغطية على مصادر أمواله .. أي إن المسألة ، مسألة بروز
أسماءً في هذا البلد كمحبة للخير ليست إلا عملية غسيل أموال فقط !
لأن ملايين المُعدمين سيتولد لديهم شعوراً بالنقص ، فطلب الحاجة لا تجلب
سوى الإهانة ، إهانة لا يمحوها عطفاً من سموه الكريم أو معاليه الباحث عن الأجر .
ولا يُمحى هذا الخلل في المجتمع إلا بالتوزيع العادل للثروات على الجميع
بلا تفرقة أو تمييز ، حينها سيُقال فعلاً بأن هذا الوطن مِعطاء ، لا أن يُقال بأن
هذا الوطن فيه أتقياء .
فإلى متى يا سادة يظل المواطن في هذا الوطن ، في محل مفعولاً به ؟
متى يُصبح فاعلاً ؟ .. فالعطاء خلقاً رفيع ، متى يتخلق به المواطن ؟ ،
لأنه و بالظلم الواقع عليه اليوم لن يستطيع أن يتصدق لأنه في الأصل لا يملك شيئاً
يتصدق به .
-----
على الجانب الأخر .. لو تمعنا سنجد أن الإسلام وعلى الرغم من حثه على العطاء
، إلا أنه شدد على أمراً أهم ، أمراً يُثاب فاعله الثواب الأعظم ، ثواباً أعظم من الصدقة
ومن إغاثة المحتاجين .
ذلك الأمر هو أن يكون العطاء من المال الخاص ، و الأهم أن يكون مصدر
المال الخاص " حلال " ، و المال الحلال لا سبيل إلى الوصول إليه إلا عن
طريق واحد وهو أن يعمل الإنسان و يجتهد و يتعب في سبيل الحصول عليه .
ولا يُعقل أن يفتح أحدهم خزينة الدولة ثم يغرف منها ما يشاء ، و عندما
يشعر بالشبع يُلقي إلى المُحتاجين بالفضلات ، ثم يطلب منهم التصفيق له !
هذا الشخص كأنه لا يريد من المواطن إلا أن يبقى في موضع المحتاج له و
لكرمه و لعطاياه .
كيف و بأي حق يا سادة ، يتسول المواطن ماله الخاص ؟
كيف يظهر أصحاب السمو و الفخامة و السعادة و الفضيلة بمظاهر الكرم و
الخير و العطاء ، و يستمر المواطن دائماً بمظهر المحتاج لكرمهم ! ، رغم أن المال في
الأصل هو مال المواطن المحتاج ! ، ماله الذي يذهب كله و ما بقي يُلقى عليه .
لكن
تعودنا أن لا نسأل ، فنحن في بلدٍ غير معطاء ، إنما فيه أتقياء ، يُعطون
ويُحسِنون بشكل مُلاحظ ومعلوم ، و في كُل محفل ، و في السر و العلن .. بل و
يشهد القاصي و الداني لهم بحب الخير ، و كيف أنهم صرفوا و يصرفون
و سيصرفون في وجيه الخير مليارات لا تـُحصى .. ولا يُنكِر هذا إلا أعمى .
ختامً ،،
لا يسع المرء أمام إحسانهم إلا أن يمتثل بالآية الكريمة { هل جزاء الإحسان
إلا الإحسان }
لنقول لهم شكراً على الخير الذي بدلتموه على المحتاجين في كل مكان
شكراً أنكم تصدقتم علينا من مالنا الخاص
0 التعليقات :
إرسال تعليق