شكراً .. عدنان إبراهيم



يُقال في المثل : ( أنا و أخي على إبن عمي ، و أنا و إبن عمي على الغريب ) ، لكن ماذا لو نظر الإنسان إلى أخيه بأنه هو الغريب ؟
في رأيي أن من يرى أخيه كالغريب فهو المُلام دائماً ، لأن الأخ مهما أخطأ يجب أن يراه المرء كأخ مُخطيء ، فماذا إن لم يكن مخطيء ؟ .. هنا المصيبة أعظم ! و غالباً من يرى أخاه بتلك النظرة فسيصد عنه حتى إن جاءه أخوه بالنُصح فقط ، و سينفر منه ومن حديثه و إن كان أخاه يحمل بين يديه الدليل و البرهان .
بل من زرع في داخله كره أخاه غالباً فسيكفر بالوعي و المنطق إن إستخدمهما أخاه ، لأنه قد حكم عليه مسبقاً بأنه الشيطان الرجيم ، و عليه فقد قرر أن الشيطان لا يُجيد إلا الغواية !
--- --- ---
من هو العالـِـم يا سادة ؟
هنالك شيخاً يحفظ القرآن الكريم ، نقول له : جزاك الله خيراً لكنك لست عالم إنما حافظ للقرآن بالترتيل .
هنالك من يحفظ عشرة ألاف أو مئة ألف حديث ، نقول له أيضاً : جزاك الله خيراً لكنك حافظ أحاديث و لست بالعالم الذي ننشده .
وهنالك من يحفظ القرآن و الأحاديث ، وعِلم الرجال و الجرح و التعديل ، ثم يكتفي بما حفظه و لا يُضيف إلا ترديد " عن و عن ثم عن و عن " و قال فلان بإسناد صحيح .. تسأله ما رأيك أنت يقول : عن فلان بن فلان ! .. هذه بالضبط هي عقيدة الببغاء !
فمن هو العالـِـم ؟
في نظري أن العالم هو من يستطيع أن يُضيف إلى عقل المتلقي فِكرة جديدة ، أو أن يُصحح معنى مغلوط في المجتمع لكنه متعارف عليه .. أو هو من لا يخاف الخروج عن السائد وإن صنفه رجال الدين بالكفر المبين .
الشيء الأخر الذي يُميز العالم هو " التواضع " مصداقاً لقوله –صلى الله عليه و سلم- [ إنما أنا إبن إمرأة من قريش كانت تأكل القديد ] .. في هذا الحديث معنى واضح وهو أن التواضع من صفات العظماء ، و فيه معنى أعمق أن عقيدة المسلم يجب أن لا تـُبنى على تقديس الشخص مهما عظم شأنه ، فإن كان النبي يكره أن يرى في أصحابه تقديساً له ، فمن باب أولى أن تكون أول علامات صلاح من هم دون النبي أن يتحلوا بالتواضع الشديد كما فعل النبي الكريم ثم تبعه في هذا الصحابة رضوان الله عليهم ، حتى أن علي كان يُردد على الدوام ( ما أنا إلا رجلاً من المسلمين ) !
وأحد أبرز علامات تواضع المرء أن لا يدعي بأن قوله هو الحق المبين ، و أن رأيه لا يستقيم إلا بالمشورة ، أسوة بالنبي الكريم !
إن تاريخنا الإسلامي مليء بنماذج إتخذت من النبي قدوة في هذا السلوك العظيم " التواضع " نماذج لم تدعي أن قولها الحق المبين بالتالي لم نسمع أنهم حاربوا مخالفيهم و نشروا بين الناس أن من خالفهم شيطانً رجيم !
وإن الواقع اليوم يصرخ و يئن من تكاثر و إنتشار أولئك المقدسين ، حتى أنه لم يبقى اليوم إلا أن تُصبح القدسية بالوراثة ، وليس ببعيد أن يكونون لهم حزباً في المستقبل !
وعملية تقديس الأشخاص بجانب أنها سلوكً مشين فهي أيضاً تتحمل الوزر الأكبر لتخلف المسلمين اليوم ، فتقديس شخص يعني إلتفاف الناس حوله ، و لن تكتمل عملية تقديس هذا الإنسان إلا إذا تمت في المقابل عمليات تدنيس واسعة لكل من يختلف مع هذا المُقدس ! .. و من هنا تُصنع التحزبات و تتنمى العداوات ، و يُصبح لكل جماعة قديس بمنزلة نبي و مخالفين له بمنزلة إبليس

لهذا كله أحترم الدكتور " عدنان إبراهيم " فهو من ناحية لم يُطِل علينا بمظهر ذلك القديس الذي يُحرم مخالفته ( شرعاً و قانوناً ) ، ومن ناحية أخرى أنه دائمً يُردد عبارة : هذا رأيي في كذا و كذا و ذلك رأيي في كذا و كذا .. و نحن نحتاج في هذا الوقت تحديداً إلى عالمً شُجاع يقول رأيه هو .
لأن السائد اليوم أن يتهرب العلماء تمامً من المسئولية ، و هروبهم يظهر جلياً في تبنيهم لأراء الأولون ، أن يُرددوا أمام كل مسألة ( عن و عن ) فإن كان الرأي خطأ فهو ليس رأيهم إنما رأي الأموات ، و إن كان الرأي صوابً فلن ينال الأموات أي تصفيق ! .. أليس هذا هو الهروب و الجُبن ؟
--- --- ---
تعلمت من " عدنان إبراهيم " أن رأيه لا يُلزمني ، و أنني لن أخاف على عقيدتي إن كفرت برأيً له أو بكل أرائه ، فأنا أساسً ( أتــثــقف ) منه و لا ( أتعبد الله ) بالإنصات إليه .. وهذا ما لم أتعلمه من علمائنا الأفاضل الذين أوهمونا بأن مجرد الحضور إلى محاضراتهم و الإستماع إلى خـُطبهم ، هي عملية ستـُقربنا إلى الله درجة ، و أن الملائكة ستحفنا بأجنحتها إن أثنينا الركب للإستماع لهم !
ومن يتعبد الله بالإنصات إلى كلام الشيخ ، من يُؤمن أن الملائكة تحيط بحلقة الشيخ و هو يعظ و يخطب ، من يؤمن بهذا الشيء كيف سيُعمِل عقله أمام كلام الشيخ ؟ .. سيُصاب بالرهبة وسيقبل كل حديث الشيخ على عـِلاته و إن لم يقتنع به مخافة أن تستثنيه الملائكة من التربيت على كتفيه!
لهذا لا أحد يعترض على كلام العلماء و الشيوخ ، فهم من جهة لهم لحومً مسمومة ، و من جهة أخرى فإن الله و ملائكته يفرحون و يُرحبون بمن يأتي لحضور محاضرة يلقيها الشيخ ، و كل هذا من أهم الأسباب التي تدعوا إلى إغلاق العقل و الـ " تسمر " أمام الشيخ رغبة في الأجر و إن خرج الإنسان من عند الشيخ دون أن يفقه من حديثه شيئاً !
لذلك أنا لم أقتنع بالكثير من الأمور التي قالها عدنان إبراهيم ، فرأيه لا يُلزم المتلقي بالخضوع و الإذعان ، ثم أنا اقتنعت بأشياءً كثيرة قالها عدنان إبراهيم ليس لأنه قالها إنما لأنه تحدث بلغة العقل و المنطق ، فإن لم أقتنع بالعقل و المنطق حينها سأكون أنا الذي يقف على الجانب الخطأ !
أحد أهم الأشياء التي أقنعني بها " عدنان إبراهيم " أن كثيراً من معتقدات المسلمين اليوم ، بل ومن أساسات إيمانهم " الثوابت " هي في حكم الباطل جملة و تفصيلاً ، أو فيها باطل كما فيها حق ، كالصحيح من الأحاديث التي تتناقض مع صريح القرآن ، تلك التناقضات التي غـُيِبت عنا عن سبق إصرار !
قد يكون الخطأ من رواة الأحاديث ، قد يكون هنالك من زرع الأخطاء في تلك الكتب ، قد تكون بعض الإسرائيليات قد تلبست رداء الحديث الصحيح على حين غفلة ، و ما أكثر غفلاتنا !
لا أعلم أين الخلل صراحة ، لكنني أعلم أنه موجود ، و الأولى الأن أن نُنقي ديننا من الشوائب حتى لا تتفاقم .. لا أن نقف موقف المعاداة لمن قال بأن هنالك خلل !

شيئاً أخر ..
اللغة و الحوار و اللهجة بين الخطيب و المتلقي ، هي في الخطاب الديني المعتاد تتصف غالباً بالإستعلاء و إستعراض المفردات ، و بمصطلحات متقعرة في قواعد اللغة العربية الفصحى حد التطرف ، كأن جميع الحضور أحفاد سيبويه !
مثل هذه اللغة و في هذا الوقت تجعل المتلقي يخرج من كل الخطبة و هو فارغ تمامً من أي معلومة جديدة ، فهو لم يسمع شيئاً و لم يفهم شيئاً ، و لا شيء أبهره إلا قدرات الخطيب البلاغية و كيف أنه إستطاع حِفظ هذه المفردات و المصطلحات دون أن يخطيء خطأ واحد !
تسأل المتلقي : ماذا قال الخطيب ؟ ، يُجيب : لا يهم ماذا قال ، المهم أنه قال ما قاله بإتقانً شديد لدرجة لم أفهم منه شيء !
فهل نحن نحتاج لعالم يتباهى علينا أو يستعرض أمامنا قدراته البلاغية أم نحن في حاجة إلى عالم يُحدثنا باللغة التي نستوعبها .. كـ عدنان إبراهيم ؟
--- --- ---
أنا لا أتحدث هنا عن عدنان إبراهيم من باب الإنبهار و الإعجاب ، و لا أحب أن أصفه بمجدد القرن كما يصفه أحبائه ، لكنني أتحدث عنه لأني أشعر بأن لدى الرجل ما يريد أن يقوله ، أن لديه شيء جديد مُبتكر و أن علينا حق الإنصات لما لديه و إعراضنا عن الإنصات له ليس له إلا معنى واحد .. أننا نعتنق الرجعية كأنها من أساس الدين !
ولا أقصد أن من لا يستمع لعدنان إبراهيم إنسان رجعي ، لكني قصدت من لا يستمع إليه فقط لأن شيخه لا يريد منه أن يستمع إليه .. و هنالك فرق .

لماذا البعض يُصِر على أن يبحث في نوايا الرجل و أسراره و داخل ضميره ؟ ، لما أجد جوابً إلا أن من يبحث يريد فقط أن يُبعِد شُبهة التخلف عنه .
لماذا يصر البعض على التعامل مع " عدنان إبراهيم " على أنه عدواً لله و للرسول و المؤمنين ، وحتى إن كان عدواً للجميع ، فهل هذا يعطينا الحق في أن نصم أذاننا عنه ؟
فعدو الله إن لم نستمع إلا حديثه ، لن نفهم أو نستوعب كيف نحاوره لنبين بطلانه ! أليس كذلك ؟
هل أصبحت غايتنا الأسمى أن نلعن من يأتي ليقول لنا : أفيقوا يا مسلمين ؟
هل أمرنا الله في كتابه أن نُحارب كل من يخالفنا !
--- --- ---
إن المؤمن كيسٌ فطِن ولا يحتاج الأمر إلى كياسة و فِطنة حتى نعلم ماذا ينقصنا .. ينقصنا أن نفتح الباب لكل صاحب رأي جديد ليضيف ، خصوصاً إن كان صاحب الرأي يقسم بالله أنه ليس إلا رجلاً يقول ما يعتقد به فإن ناسبنا أخدنا به وإلا رمينا به عرض الحائط ، و لا قدسية له و لا لرأيه .
ينقصنا كذلك أن نقول لأصحاب الرأي المُقدس ، أصحاب الفضيلة ، أحبار الأمة ، العلماء الربانيون ، ظِلال الله في الأرض : سامحكم الله على تخلفنا .. قد آن الأوان أن نقول لكم بأن إحتكار العِلم في الشرع حرام ، وأن إدعاء الحق هو أساس الباطل ، و أن الأصنام التي عـُـبدت من دون الله على مدى التاريخ هي في الأساس تماثيل لأناس قدستهم أقوامهم ، وأن الشيطان يـُسعده دائماً أن تعتقد العامة في من تتبـِعه النزاهة عن الخطاء لأن العامة حينها إن لم تبني له التماثيل فعلاً فلا أقل من تجاهل صريح القرآن و الإكتفاء بإجتهاد " المُقدس " !

ولا إله إلا الله .. محمد رسول الله
--- --- ---
شكراً .. عدنان إبراهيم
أنت مجرد رجلاً من رجال المسلمين ، له رأي عقلاني جداً ، وليست له قـُـدسية .. ورأيه غير مُلزم أبداً فإن كان حقاً أخذنا به و إن كان غير ذلك فيـُرد إليك
أنت رجلاً نحتاج فعلاً أن نسمع منه ، نحتاج أيضاً أن يظهر ألف عدنان إبراهيم حتى يُكسر أساس التخلف فينا .
و عندي .. يكفي الرجل فخراً أنه لم يدعي حتى الأن بأنه " صاحب فضيلة "

أشياء من هرطقة - 2



[ أي تعريف سيأتي هنا ، ليس إلا وجهة نظر فقط تحتمل كامل الخطأ ]

----------   ----------   ----------   ----------
المثقف ،،،
هل المثقف هو من يمتلك المعلومة ؟ .. هل المثقف من يمتلك المعرفة ؟ .. هل هو من جمع بين المعلومة و المعرفة الواسعة ؟
هل نتخيله كجهاز " USB " يحتوي عقله على معلومات كثيرة جداً في مجالات محددة ، أو معلومات بسيطة في كل شيء !
غالباً ما يرتبط المثقف في الأذهان بسعة الإطلاع أكثر شيء ، غير أن هنالك أداة أو طريقة أكثر أهمية من سعة الإطلاع ، و للتوضيح فمن يقرأ عن الفيلسوف " أفلاطون " سيجد أنه كان دائماً ينزل إلى العامة ، ثم يطرح عليهم فِكرة ، ثم و من خلال أرائهم و النقاشات معهم يبني ما يصلح كأساس للفلسفة .
طبعاً هنالك فرق بين الفيلسوف و المثقف ، إلا أن الرابط الرئيسي هنا هو ( نحن ، العامة ، المجتمع )
فمن هو المثقف ؟
الجواب : هو ذلك الشخص الذي يُطوع سِعة إطلاعه لهدف توعية المجتمع " عبر " إستخدام اللغة التي يتحدث بها العامة ، كذلك " عبر " إقناع العامة بأن منبع فِكرته " هم " !
إذاً .. الإنسان واسع الإطلاع إن لم يتشارك مع مجتمعه ، و يضيف إليه و الأهم أن يأخذ منه ، سيكون إنسان مُطلِع أو قاريء أو حافظ جيد لكنه لن يكون مثقفً طالما هو منفصلاً عن مجتمعه
فإذا ما أراد أن يطل على مجتمعه بمظهر المثقف الذي يجب أن يُنظر إليه بنظرة ملئها الإنبهار لغرازة ثقافته رغم حالة الإنفصال أو الإستعلاء التي يعيشها تجاه المجتمع ، فهذا ليس أكثر من عِلة أو عالة تُضاف إلى المجتمع .. حيث يصبح مُستهلك فقط .
**********
نزع المسمار ،،،
نحن إن أحضرنا جميع مكبرات الصوت و أحطناها حول مسمار مغروس في جدار ، ثم أخذنا نصرخ جميعاً و بصوت واحد رحنا نعظ و ننصح و نُلقي الحِكم ، فربما سينهار الجدار على رؤوسنا من الضجيج الذي نُحدثه ، لكن المسمار لن يتزحزح عن موقعه .
و لكي يخرج المسمار من مكانه عبر الوعظ فقط فنحن في حاجة إلى معجزة " أو " أن يتقدم أحدنا بمطرقة و ينزع المسمار !
كذلك الأمر بالنسبة للمجتمع ، فالمجتمع لن ينصلح حاله قيد أنملة عبر الوعظ فقط ، و إن صرخ الجميع في الجميع ، و على التسبيح و الإستغفار عنان السماء ، فإن مشاكل المجتمع ستبقى ، و فساده سيزداد ، و أخلاقه ستنحدر
لأن الوعظ لن يُغني عن العمل ، و إن أغنى ففي هذه الحالة نحن أمام معجزة ! ، غير أن الواقع يعيدنا إلى حقيقة أن الوعظ بذاته ليس أكثر من صراخ قد ملء المكان ضجيجاً ، حتى إنهارت كل الجدران على رؤوسنا .
ولا أتحدث عن الوعظ الديني فقط ، فحتى المثقفين عندنا لا يُقدمون للمجتمع إلا الوعظ و الإرشاد .. فالأول يريد من الجميع أن يتعبدون الله " مثله " ، و الثاني يُريد من الجميع أن يُفكرون " مثله " ، و الإثنان يقدمان أنفسهما على أنهما الـ " قدوة " التي يجب إتباعها للإرتقاء بالمجتمع
هذا النوع من الوعظ الساذج ، أحد أبرز أسباب سقوطنا
ثم نتساءل بعد هذا : لماذا نبكي من خشية الله عند سماع موعظة ، وما إن تنتهي حتى نُمارس حياة لا خشية فيها من الله ؟
**********
أصلِح نفسك ،،،
عندما يُخبرك شخص ما أن الإصلاح يجب أن يبدأ من الفرد ، بمعنى أن الفرد في المجتمع عليه أن يبدأ بنفسه و يُصلحها حتى ينصلح حال المجتمع تِباعاً .. إن أخبرك أحداً بهذا فقل له "كذبت"
إن ظاهر هذا الإعتقاد أنه صائب ، لكن إن تفحصناه بتأني سنجد أنه لا يقل عن كونه كارثة فكرية
و السبب أو الأسباب  :
أولاً : أن الناس ليسوا سواسية ، فيهم البر و فيهم الفاجر ، فيهم الصادق و فيهم الكاذب ... إلخ ، و إن نجى مجتمع من الوقوع في الخطايا فالأحرى أن ينجوا المجتمع الذي أحاط بالنبي عليه الصلاة و السلام ، الأولى أن يكون مجتمع النبي مجتمعاً " ملائكي " لكن الحقيقة أنه حتى بوجود النبي لم يخرج المجتمع عن إطار بشريته .
ثانياً : ما هو الأساس الذي يبني عليه الفساد و يرتكز ؟
الجواب هو أن الفساد لن يستطيع التواجد إلا بعد نشر ثقافة تُحمِل المجتمع كامل أسباب المشاكل التي يُعاني منها .. بمعنى أخر أن يتصور الفرد و يؤمن فعلياً بأن الخطوة الأولى نحو الإصلاح تبدأ بذهابه إلى المسجد ليتعبد ، ومنه إلى المكتبة ليتعلم ، و منهما إلى مقر عمله ولا يتأخر .
إن ثقافة مثل هذه تجعل المواطن الفرد يعيش في حالة من الصراع النفسي ، فهو من ناحية "إن" أخلص في كل شيء و صلى و صام و سهر الليالي ففي الأخير لن ينال العُلى
في أي مجتمع يوجد " عامة و نخبة " ، و لا توجد آية أو حديث أو كتاب أو مقال أو أي شيء أخر في إستطاعته إلزام الفرد من العامة أو النخبة بالأخلاقيات ، و لا شيء سيُلزم جميع الأفراد بالأخلاقيات إلا القانون الواضح الصارم الذي لا يُحابي
إن " الكذب ، الخداع ، البخل ، الشهوة ، الحسد .... إلخ " من الصفات التي نُصنفها كصفات سيئة هي في واقع الأمر صفات أساسية في الإنسان ، تختلف من فرد إلى فرد في المقدار فقط .
وحده العدل الإجتماعي الذي يرتبط بالقانون هو من يستطيع التخفيف من حِدة تلك الصفات الإنسانية الأساسية ، " يُخففها و لا يُخفيها "
فإذا ما خف العدل في المجتمع ستطفوا تلك الصفات حتى تطغى !
ولا يُمكن بأي حال أو بأي منطق أن يُقال للمواطن الفرد : إستغني عن إنسانيتك ، و كن ملائكياً حتى تتحصل على حقوقك

الخلاصة : أن المجتمع الذي يغيب فيه القانون ، ستتواجد فيه ثقافة تُحمِل الفرد كامل الأخطاء .
**********
[ إن العلم لا يُستحدث من العدم إلا نادراً ]
إن أغلب العلوم التي نعرفها اليوم ليست علومً جديدة ، إنما هي صوراً مـُنقحة لعلوم السابقين ، من الطب إلى الهندسة إلى الأدب إلى الفيزياء ثم الكيمياء و الرياضيات .... إلخ ، ليس بيننا اليوم علمً جديد " إلا " فيما ندر
( إلا ) في العبارة أعلاه هي الخط الفاصل بين المجتمع المتخلف و المجتمع المتقدم !
فالمجتمع المتخلف هو المجتمع الذي يكون لديه يقين تام بأن ما جاء به الأولون هو الحق المبين ، و أن أي إضافة ليست إلا بدعة أو كفر بيِّن ، لهذا نجد الأفراد في مثل هذا المجتمع لا يهتمون بالعلوم أساسً إعتقاداً منهم بأنهم حازوا على المجد حين أمنوا إيمانً أعمى بأجتهادات الأموات .
أما المجتمع المتقدم فتقدمه هو الذي يُقِر بفضل علوم الأسبقين ، مع إيمانه التام بأن له كامل الأحقية في " تجديد " تلك العلوم و تطويرها كل يوم و ساعة و دقيقة ، غير أن هذا ليس هو السبب الرئيسي في تقدمه ، السبب الرئيسي هو في بحثه عما بعد ( إلا ) في العبارة أعلاه ، أن المجتمع المتقدم هو الذي يبحث عن ذلك العلم الذي من النادرإستحداثه من عدم فيستحدثه ، و لا يُمكن إستحداث علم جديد إلا أثناء الإنغماس التام في تطوير كل علم قديم ، لأن هذه العملية تفتح أفاقً أوسع تأخذ بالمجتمع إلى التقدم .
أما الذي يعتقد أنه لم يعد هنالك من جديد ، سيظل في مصاف المتأخرين ، فما بالكم بمجتمع يتخذ من " إجتهادات " الأقدمين ثابتً من ضمن ثوابت الدين التي يكفر من يضيف إليها ؟ .. و نفس الشيء ينطبق على من يعتقد بأنه لا يجوز لنا أن نُغير فيما جاء من عند الأخرين ؟ .. نفس الشيء ينطبق على كل أنواع العلوم ، فما إن يحاول فرداً في المجتمع أن يُضيف أو يُعدل أو يقولب في هذا العلم أو ذاك " الكيمياء كمثال " فسيُصدم بعبارة ( مين إنت يا .... ؟ ) أو ( ما بقى إلا أنت ! )
طبعاً بعد هذا نستطيع أن نقول بأن المجتمع الذي يعتمد بالكلية على ثقافة الأموات ، هو مجتمع ميت يُحرم الحياة و يُحارب التجديد .. تارة تأتي محاربة التجديد بإسم الدين و تارة بإسم الثقافة و تارة تأتي من الجامعات و تارة من أقرب المقربين
**********
البحث عن الجنة ،،،
أنا لا أكره الدعاء و الإستغفار و التسبيح و التهليل ، أتمنى و أدعوا الله أن لا أكون من الضالين
لكن في ظاهرة مقيتة ، الواحد منا لا يفتح جواله أو اللابتوب إلا وتأتيه رسائل تلو الرسائل عبر الواتس أو رسائل الجوال أو في مواقع التواصل الإجتماعي إلا ويجد أمراً يتكرر كل يوم و كل لحظة .
رسائل تحمل فكرة واحدة ، أن الجنة لا تحتاج إلى كثير عمل ولا إخلاص و لا إجتهاد و لا مصابرة ، إنما كل ما يحتاجه المرء لضمان الجنة هو ترديد بعض الأدعية و الأذكار
في أحد الرسائل : هل تريد ألف حسنة في الدقيقة ؟ .. إذاً ردد لا إله إلا الله عشراً و أستغفر عشراً و سبِح عشراً ، ولن يأخذ الأمر من وقتك أكثر من دقيقة ! .... ما هذا الإستخفاف ؟
رسالة أخرى تم فيها عدد الحسنات التي سيتحصل عليها المرء فوجد أنها تصل إلى أكثر من مليون حسنة خلال يوم واحد !
رسائل أخرى تأتي عبر وسائل التواصل فيها طلب بأن تُمرر إلى الغير ، و فإن تم التمرير سيتحصل من يُمرر على أجر من سيقرأها بعده ثم أجر من ستُمرر إليه و هكذا حتى يتفاجأ المرء يوم القيامة بحسنات كعدد قطرات مياه البحر ، رغم أنه في واقع الأمر لم يقم إلا بعمل ( رتويت ) لإستغفار !
دائماً يراودني سؤال هنا : لماذا تحمل النبي -عليه الصلاة و السلام- كل تلك المشاق من أجل الدين ؟ .. لماذا عانا الصحابة الأمرين من أجل الدين ؟ .. لماذا خالد إبن الوليد جاهد حتى أثقل جسده بالجراح ؟ .. لماذا عمر إبن عبدالعزيز تخلى عن الترف الذي كان فيه ؟ .. لماذا البخاري كان يركب بغلته و يقطع المسافات الشاسعة ؟
لماذا لم ينتبه كل أولئك إلى أن الأمر لا يحتاج سوى إلى إستغفار و تسبيح حتى يدخلوا الجنة ؟
إما أنهم كانوا متشددون حين أرادوا دخول الجنة عبر إهلاك النفس ، أو أننا نحن الهالكون ؟
الله ليس في حاجة إلى عبادتنا و كثرة إستغفارنا ، إنما نحن نعبده لأننا نحن المحتاجون ، و المسلم يجب أن يعي بأنه لا يعبد الله شفهياً فقط ، لأن الغاية من العبادة في الأخير هي " إعمار الأرض " لا ضمان الجنة ، و إعمار الأرض أبداً لا يتم عن طريق اللسان

في الحقيقة إن هذه المسألة التي في ظاهرها الخير و الصلاح إلا أن باطنها يجلب الحزن و الهم ، فنحن اليوم لدينا ثقافة أن أنسب طريقة لطلب الحقوق عبر الإستجداء ، و أن أفضل أسلوب لإنهاء معاملة حكومية ما أن نتسجدي المسئول .
في ثقافتنا تنتشر مصطلحات على شاكلة : تكفى ، طلبتك ، نخيتك ، قل تم ، لا تردني .. أو أن نقدم لمن نحاول إسترضاءه الدبائح حتى يُسهل لنا الحصول على ما نريد
بنفس المنطق أصبحنا نتعامل مع الله ، نُسبحه عشرة ألاف مرة في اليوم لننال رضاه ، ثم نستغفره عشرة ألاف مرة ليبني لنا بيتاً في الجنة ، ثم نقرأ أياتً معينة بتكرار معين حتى نُجاور النبي في الجنة ! نريد أن نكون مع الأنبياء في الجنة رغم أن الأنبياء منهم من دخل في بطن الحوت ، و منهم من فضل السجن على الحرية ، و منهم من تم إغتياله ، و منهم من حاربه حتى أبوه .. و نحن نريد مجاورتهم بترديد بضع حروف تحت التكييف !
ثم تأتي الطامة عندما تأتيك رسالة فحواها آيات و أذكار تقرأها لتتحصل على ألف حسنة ، فإن مررتها لغيرك و غيرك مررها لغيره ستـُلقب بـ " صلى الله عليك وسلم " !
الطامة الأكبر أن الناس تؤمن فعلاً بأنها بهذه الثقافة قد ضمنت الجنة .... و الله أرحم الراحمين
**********
تُجّار الدين ،،،
الزاني .. المرتشي .. اللص .. الفاسد .. كل هؤلاء أقرب إلى الله من ذلك الذي يُتاجر بالدين ، لأن أي تجارة بالدين لا تنجح إلا بعد ممارسة ما يُسمى بـ الإكراه على الدين
للتوضيح : في عالم التجارة فإن التاجر " الشاطر " هو الذي يُجيد صناعة الدعاية و الإعلان حول بضاعته ، وحتى إن كان التاجر نزيهاَ شريفاً فإن مجرد إتقانه لصنعة الإعلان ستجعل الناس يُفضلون بضاعته و في نفس الوقت يبغضون بضاعة الأخرين .. هذا الأمر في عالم التجارة ضرورة لا غبار عليها إذا ما انطلقت من مبدأ التنافس الشريف .
الأمر نفسه ينطبق على المتاجر بالدين ، ببساطة إن بضاعته لن تجذب الزبائن إلا بعد أن يُكرههم على الدين ، وإكراهه لهم على الدين تعني تصوير كل فكرة أو معتقد لا يتناسب معه بأنه الضلال المبين ، فإن آمن الناس بهذا سيكونون مهيئون لتقبل أنه هو بنفسه من المقدسين ، حينها سيستبد عليهم بإسم الدين و سيطيعونه ، حينها أيضاً سيستبدون على بعضهم البعض بناءً على رسائله إليهم .
إن المتاجرة بالدين و الإكراه على الدين شيئان لا ينفصلان ، أحدهما أو كلاهما قطعاً مع الوقت سيُشوهان صورة الخير في عقول العامة ، حينها سيُبنى تصوراً لديهم أن في اللجوء إلى الشر منجاة !
بمعنى أخر ، أن الزاني لن يستطيع أن يزني بالمجتمع ، و المرتشي حتماً لن يدفع له كل المجتمع ، و اللص لا يستطيع السطو على كل بيت في المجتمع ، غير أن المتاجرة بالدين ستشوه ملامح الدين الحق في ثقافة معظم المجتمع .


وعذراً على إطالة الهرطقة

أشياء من هرطقة - 1





[ لا أقاتل حتى تأتوني بسيف له لسانً و شفتان ، فيقول هذا مؤمن و هذا كافر ] سعد بن أبي وقاص
كلنا نعلم من هو سعد بن أبي وقاص ، لكني صراحة لم أكن أتوقع بأنه من المُمكِن أن يترفع عن الخوض في التكفير ، لأن التكفير كما تعلمنا يُعتبر " فضيلة " و ميزة يتسابق أصحاب الفضيلة على التحلي بها كعلامة بارزة تـُهيء الأتباع أن متبوعهم " المُكفراتي" من أهل الجنة حتماً .
الحقيقة أنه في ذلك الزمن الذي نحسبه جميل ، كان يوجد بشراً متفرغون لمسألة تصنيف الناس من حولهم إلى جنة أم نار .. بالتالي فإن متطرفي اليوم ليسوا سوى نُسخة مكررة ألاف المرات من أصل متطرف لا ينشغل بعبادة الله إنما بمراقبة عِباد الله .
أناسً يتعبدون الله بتصنيف البشر من حولهم إلى ( كفار و مؤمنون ) !! .. قبحها الله من عِبادة لا يُسعد بها إلا الشيطان الرجيم .
عموماً .. كعادة النسخة أنها تأتي أردى من الأصل ، و أن كل نسخة يتم نسخها تزيد ردائة ، أستطيع القول أننا نواجه اليوم نًسخة من أردى نسخ التطرف ، بدلالة أن التكفير اليوم أصبح علم له قواعد و قوانين و منهاج ، و دارسين و علماء و متعلمين ، و طرق و مباديء و خطوط صارمة لا يحيذ عنها المُكفرين ، و لا يتخرج طالب العلم في هذا المجال إلا بدرجة " نِصف إله " لأنه لا إله كامل إلا الله !
القاعدة الرئيسية في علم التكفير اليوم : أن شهادة أن لا إله إلا الله و أن محمد رسول الله ، و إقام الصلاة و إتاء الزكاة و حج البيت .. كل هذه الإدعاءات يجب أن لا يغتر بها المُكفِر وهو يؤدي مهمة التكفير .. بمعنى أخر أن الإنسان و إن أضاء وجهه إيمانً فهذا ليس رادعاً من وقوعه في دائرة الكفر بجميع درجاته ، لأن متطرفي اليوم قد أضافوا إلى أركان الإيمان ركناً لا يقل أهمية عن الشهادتان و هو ( عدم مخالفة الشيوخ )
بالتالي و لتكتمل الشهادة يجب أن تُنطق هكذا : أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمد رسول الله وأن لحوم العلماء مسمومة .

----------

[ عدلت فآمنت فنمت يا عمر ]
قصة العبارة أعلاه ، أن عمر الفاروق -رضي الله عنه- كان نائماً تحت ظل شجرة ، فقدِم أحد قادة الفرس " الهرمزان " للقائه و عندما سئل و استفسر من المسلمين عن مكان قائدهم " عمر " أشار المسلمون إلى الشجرة ، فوجده نائمً تحتها في هذا المكان العام الذي لا حرسً فيه ، مما جعل " الهرمزان " يستغرب و يحتار حتى قال قولته الخالدة [ عدلت فآمنت فنمت يا عمر ]
المفارقة هنا ، أن هذا الخليفة العادل الذي فرق به الله الحق عن الباطل ، لم يستطع أن يغرز مباديء العدل في أقرب الناس إليه ، إبنه " عبيدالله " ..لأن " عبيد الله إبن عمر " ثار لموت أبيه بأن قتل ثلاثة ضن فيهم التآمر على قتل أبيه وكان أول من قُنِل هو " الهرمزان " صاحب المقولة أعلاه

----------

من خلال -1- و -2- يُمكن إستنتاج أن ( أسلمة الدولة ) لا تعني بالضرورة حياة هانئة ، لأن المتطرفون لم يمنعهم تعايشهم تحت حكم الخلفاء الراشدين من ممارسة العنف بكل أشكاله .
لذلك تصوير أن ( المدينة الفاضلة ) لن تتحقق إلا عن طريق ( أسلمة الدولة ) ، فالأمر مجرد خيال محض لن و لم يتحقق .
ببساطة : إن أسلمة الدولة لن تغني الناس ، لن يخرج فاعل الخير يدور الطرقات يبحث عن مسكين ، لن تسود الطمأنينة و الحب ، لن ينتشر الأمن و الآمان ، و الأهم أن " المتشددون " لن يخف تشددهم إن تمت أسلمة الدولة 
و من أراد أن يقرأ بتمعن سيجد أن أجمل فترتين من فترات التاريخ الإسلامي ، الفترتان التي نتغنى بهما هما : فترة حكم عمر بن الخطاب و عمر بن عبد العزيز ، و معلوم أن الثاني كان تلميذ الأول ، كان يُقلده و يُحاكي نظام حكمه قدر المستطاع
فإن تمعنا في نظام حكم الفاروق سنجد أنه لم يكن " إسلامي " بالمعنى الذي نتصوره اليوم ، إنما كان حُكمً أقرب لكونه " مدني " ! .. وهذا يقودنا إلى أن أي عملية أسلمة للدولة دائماً هي لن تُرضي المتطرفين ، إنما ستنمي فيهم التطرف ، بدليل أنهم " المتطرفين " لم يرضوا عن حُكم خير الخلق بعد النبي و هما ( عثمان و علي ) فأغتالوهم تقرباً لله عن قناعة .

----------

بعيداً عن التطرف و التكفير و الأسلمة
لماذا لا يتأمل أحدنا في واقع حياته داخل هذا الوطن ، الوطن العربي ككل أصبح كئيباً فالمواطن في أي بلد عربي لديه خط سير مُحدد خلال يومه يتلخص في : ( الإستيقاظ ، الإغتسال ، الذهاب إلى العمل ، العودة من العمل ، الأكل ، النوم ، الإستيقاظ ، الأكل ، النوم ! ) .. كحمار الساقية ، حياته إن تغيرت قيد أنملة سيُقتل فوراً أو يُعتقل
عليه دائماً إما أن يرضى بحياته كميت أو أن يُقتل

----------

يُمكن القول عن حال المواطن العربي بأن أي مرض يُصيبه سيكون نوعاً ما وسيلة لتغيير روتين الموت الذي يعيشه ، هذا الموت الذي لا يختلف إلا في أنه يمارس فيه الشهيق و الزفير

----------

في الإستبداد هنالك ثلاثة أنواع من السجون ، سجنً خلف قضبان ، سجنً في الهواء الطلق ، سجنً بإسم الدين بعد أن يُحرم العلماء الحياة

----------

حرية الغرب أوصلتهم إلى القمر ، و إستبداد العرب أوصلنا إلى الجنة
لأننا موقنون بأن نهايتنا الحتمية إلى جنة النعيم حيث حور العين .. هذا اليقين غالباً ليس حباً في الجنة إنما لأننا فقدنا كل أمل بالخروج من هذا الجحيم

----------

يُقال : أنهم دفنوا شهيداً و بعد ثلاثة أشهر فتحوا قبره فوجدوا أن شعره و لحيته قد طالا .
يُقال : أنه زنى ، و بعد أن إنتهى إستشعر بعِظم ذنبه ، فتاب توبة خالصة صادقة ، و " حدثني ثقات " أن الملائكة حضرت جنازته .
يُقال : أنها زنت ، ثم زنت ، ثم زنت ، حتى أصبح الزنى لديها عادة ، ثم ماتت فـ " حدثني ثقات " أنهم عندما أرادوا إدخالها إلى القبر وجدوا ثعباناً أسوداً ضخم يطل برأسه
يُقال : أنه مات و هو يقرأ القرآن ، فجاؤا لغسله و تكفينه .. حاولوا نزع القرآن من بين يديه لكن لم يستطيعوا .. ثم توقفوا برهة و خاطبوا الميت قائلين : يا فلان نحن أصدقائك جئنا لتكفينك ، فإذا به يبسط يده ، حينها استطاعوا أخذ القرآن !
يُقال : لقد دفنا الشهيد بأنفسنا ، و لم ندخله القبر إلا بالكفن الأبيض فقط ، و بعد سنتين فتحنا القبر فوجدنا فوقه عبائة من حرير لم نرى مثلها في الأرض أبداً

يــــقــــال : أن أهل العقول في راحة  !

----------

ننصح بعضنا بعضً ، و نحض بعضنا بعضً ، بأن نتحلى بالإنسانية على الدوام ..فعندما نجد الأب يضرب إبنه بعنف ، نسارع إلى تذكيره بالإنسانية ..عندما نسمعه عن فاسداً نهب أرزاق غيره ، نتهمه بأنه لا إنساني
فما هي الإنسانية ؟
التاريخ شاهداً أن الإنسانية ليست أكثر من بحوراً من الدماء ، و إستبداد ، و طغيان .. ألوفً ماتت ، و مدنً خًرِبت ، و حريات أنتهكت  !
إن الجمال في الإنسانية ليس أكثر من وهم أو سراب ، السلام في الإنسانية ليس هو القاعدة إنما حالة شاذة أو هو فترة إستراحة يلتقط فيها الجميع أنفاسهم للقدرة على مواصلة التمزيق  !
علينا إذاً أن نبحث عن شيء أسمى من الإنسانية نتغنى به .
إن المادة الأساسية في الإنسانية هي الإنسان الفرد ، و الصفة الأبرز في الإنسان الفرد " تلك الصفة التي تُميزه عن باقي الكائنات " أنه كائن إجتماعي عاقل مُدرِك حتى النخاع .
فهل هذه ميزة أم عِلة ؟
حسناً ميزة الإنسان أنه إجتماعي لأبعد الحدود ، و هذه الميزة هي نفسها التي تصنع منه مستبداً لأبعد الحدود ، فالفرد يستطيع أن يُقنع الجماعة بأن تتبعه إنتصاراً له ، خصوصاً و أن العقل الجمعي يتصف بأنه أقل وعياً من العقل الفردي ، لذلك تـُقاد الجماعة من قبل الفرد كثيراً .
و التاريخ مليء بحكايات عن فرد ما إستطاعوا أن يُقنع الجماعة بأن تتبعه إلى مبتغاه ، فتتبعه الجماعة إنتصاراً لذلك الفرد الذي إن شفي غليله من الأخرين سيستبد على من تبعه ! .. و هكذا تـُرسم ملامح الإنسانية
إننا نجد في عالم الحيوانات بعض الفصائل التي تتصف بكونها إجتماعية ، لكن الفرد فيها لا يستطيع " إقناع " الجماعة أن تـُؤلهه ، و هذا هو الفرق .
فأين الجمال في الإنسانية ، حتى نتغنى بها ؟

----------

إن الحرف الذي يُكتب ، إن لم يُحرك ولو قطرة في هذا الماء الآسن ، فلن يكون هنالك فرق بينه و بين البكتيريا التي تستوطن نفس الماء الآسن
و كم من مثقف يعيش بيننا ، ينشر فينا الجراثيم .. يحسبها وعياً .

أنا لست يوسف .. يا وطن



كثيراً ما تـُرادوني أفكاراُ .. كثيرة جداً .. جداً .. منها :
لماذا أغضب ، و أحلم بحقوقً مُهدرة ، و أرغب في أن أثور فأحُطِم وغالباً وحدي سأتحطم .. ربما سأكسب لكن الأكيد أنني لن أكسب قبل أن أتكبد ألاف الخسائر ، فأضرب كفً على كف ، فما يُدريني أن المكسب الذي حققته لم يكن سوى مقلب !
لماذا .. من أجل ماذا ؟ .. هل يستحق الوطن ؟ .. هل تستحق الحرية ؟ .. هل تستحق الديمقراطية ؟

---

من أنا ، و من نحن ؟
أنا المواطن ، و أنتم ، و كلنا إلا اللمم ، لا نُطالب بأي إصلاح إلا من خلف شاشات الكمبيوتر ، أسلحتنا في هذا النضال ( كيبورد ، علب بيسبي ، هيتفون ، دردشة و الكثير من الرغي ..... إلخ من الغثاء )
بعدها نتهيأ ، ثم نبداء الكتابة بشكل عنيف عن " الفساد ، البطالة ، البطانة ، عن كل أشكال العُهر السياسي "
ثم نُسارع إلى إطفاء الأجهزة و الجوالات و نُغلق الأبواب ، كل هذا ليس من الخوف و شدة الخوف ، إنما من مبدأ الحذر ، لأن الحرب كر و فر ... و نحن من دهاة الأمم في الإختباء !
و أغلبنا ما إن ينتهي ، يدعوا الله أن يُقلد منصباً في حِزب البطانة ، أو مسئولاً في وزارة ، و إن أشير إليه باللعن! .. هذا ليس من باب النفاق إنما لأننا نحب الحياة " آي حياة " و إن كانت حياة الفاسدين الذين نلعنهم صباح مساء .
وهكذا .. يستمر الوضع بهذا الروتين ، فنحن في وطن لم يترك لأحدنا أي خيار مُتاح سوى الهرب و الإختباء ، خلف أسماء مستعارة أو لـُـثـّم أو اللعن و الصراخ من بعيد ، وما إن يقترب منا أحد حتى يتحول صراخنا إلى تغريد !
أو أن نشخمط  على جدران المدارس و الأغلب أنها جدران الحمامات ، ثم نلود بالفرار مولين غير مدبرين ، حتى أن أحدنا قد يترك فردةَ من حذائه أو كلا الفردتان من سرعة الإختباء .

---

كم أتمنى أن أرفع شعاراً في الطريق العام دون أن أخاف أو أترقب ، و والله لن أكتب في الشعار سوى كلمتان : ( أصلح الله النظام )
كم أتمنى أن أحرق نفسي إحتجاجاً لأصبح مصدر إلهام ! .. ماذا سيحدث إن أحرقت نفسي ؟ .. غالباً لا شيء ، سوى أن عشيرتي كلهم يتقدمهم أبي ، سيُعلِنون في كل وسائل الإعلام : أن إبننا المأفون كان من عبدة الشيطان !

----

أحياناً كثيرة .. كثيرة جداً .. جداً .. اسأل نفسي : لماذا زرعوا فيني كل هذا الخوف ؟
لماذا قيدوني بالديون ، بالبطالة ، بالفقر ، بالفساد ، بالقبلية ، بالعنصرية ، بالتذلل ، بالجمود ، بالروتين ،بتحطيم أحلامي ، بتهميشي ، و بنزع صفة التفكير عني ، و حق الإعتراض ؟ .. لماذا ؟
لماذا حين أصرخ : انزعوا هذي القيود عني يتم إتهامي بأني خارج عن القانون و بأني أسعى لقلب النظام ، أو أنني معتوه ، مجنون ، حقير ، علماني ، ليبرالي ، سلفي ،  يهودي ، ملحد ، وهابي ، زوار سفارات ، ........ إبــن كــلــب ؟
أيُ وطن هذا ؟ .. أي حياة هذه ؟
إلى متى سأستمر في الركض ؟ .. إلى أين الركض ؟ .. متى سأصل إلى ذلك اللامكان ؟

دائماً أحاول أن أقطف قوت يومي ، وما إن أصل حتى أجد فاسداً قد جمع كل المحصول
دائماً أنا في سعي مُجهِدً أن لا أغرق في الديون ، إلا أن الوطن لا يُربِت إلا على أكتاف البنوك !
دائماً تتمزق سنين عمري بالدراسة ، ثم يسن الرصيف سكينه لتمزيق ما بقي من سنين
زوجتي ، أبنائي ، أمي ، أبي .. دائماً أطمئن كل من حولي بأن غدي حتماً سيكون أجمل ، فيأتي الغد بلا شمسٍ و لا أمل ، لأصبح في نظر الجميع من الكاذبين .. ولا أحد يريد تصديق أن الوطن هو الذي أصبح مجرد سراب .

متى وكيف بعد كل هذا سيعيش المواطن ؟ .. و يعيش لمن ؟
من سيلومه إن وضع يده بيدي الإرهاب ؟
من سيردعه إن نشر في الأرض الخراب ؟
من ذا الذي سيقف حائلاً بينه و بين الحياة ؟ .. سيحيا و لو على أكل الرماد ، و سيقطف حصاد غيره ، تباً لغيره فالمسألة في هذا الوطن باتت مسألة حياة أو لا حياة .

----

تمر السنين على هذا الوطن .. بنفس المنطق .. نفس الضياع .. نفس الكذبات .. نفس الخداع
تمر السنين والفساد يصرخ في الجميع : ( أخرجوا المخلصين ، إنهم أناس يتطهرون )
تمر السنين .. تتبعها سنينً مُهدرات .. ومايزال هذا الوطن في ذيل الأمم ، حتى سقط في القاع !
تمر السنين و لم يستشعر هذا الوطن بقيمة الإنسان ؟
وطنً مُقبلً على الضياع و إن بقي مكانه ، بنفس الحدود !

---

أيها الوطن ..
أنا مواطن يبحث عن الإنصاف
أنا لم ولن أكون يوما ( يوسف )
أنا الذي قد قـُدٌ قميصه من كل إتجاه .. تمزقت أحلامه في كل إتجاه
أنا البريء الذي قتلوه بالحياة ، ثم ألقوا به في غيابة وطنه ، ثم جائوا بوطنِ كذب ، ثم غلقوا عليه الأبواب وقالوا: إنا له لحافظون .. الكاذبون