عفواً .. الطريق إلى جهنم ليس من هنا


الكواكبي : كلما زاد المستبد عسفا وجورا زاد خوفه من رعيته ، وكلما زاد خوفه من رعيته زاد عسفاً وجورا
الكواكبي : إن المستبد خواف رعديد يخاف من أفراد رعيته أكثر مما يخافون منه 


أنا السيد ، المالك ، المُطعِم ، الكاسي ، أنا الذي إن شئت تحققت مشيئتي ، وإن قلت " لا " خضع الكل لي .
أنا الحكيم ، التقي ، النقي ، الحامي ، و أنا السد المنيع .. أنا الإيمان و اليقين ، و ما كان قبلي إلا العدم ، و بعدي عدم ، فأنا الحاكم و أنا الوطن بكل أخلاقياته و القـِيم .
هكذا هو .. مليء بالأنا ، مُعجباً بشخصه حد التقديس ، مزهواً بذاته حتى تخطى الجاذبية .. يرى أنه أعلى دائماً أعلى ، و أن إنعكاس صورته في المرأة يجب أن تكون ( إلـه ) ، لذلك هو لا يتوقع من شعبه إلا أن يراه معبوداً
هكذا هو الحاكم العربي ، يعتقد أن لا سيداً سواه ، و أن الكل مجرد خادم وعبد تحت قدميه .. والحاكم هنا ليس الملك أو الرئيس أو الزعيم أو القائد " فقط " إنما هو النظام كله بكل مافيه من لصوص و عملاء و مستبدون ومرضى ، إجتمعوا تحت ثوب الحاكم ليتستروا و من تحته يتحكمون و يحكمون بالنيابة عنه ، يُؤلهونه و يصورون له أن الواحد الأحد ليستفردوا بالإستبداد ، و يرضي هو غروره .. هو إذاً ليس أكثر من صورة وجودها ضروري لتكتمل صورة الفساد .
 ثم جائت الثورات ، فرآى الحاكم صورة جديدة له لم يكن يعهدها من قبل ، و بدأ يُشاهد إنعكاسه في المرآة ينقلب إلى بشراً ناقصاً معيباً .. و طبيعي جداً أن الشخص الذي يكون ممتلئاً بالإعجاب تجاه نفسه و يراها في منزلة أعلى من البشر أنه سيُكذب فوراً و بشدة حقيقته التي أخفتها أطماع المتنفعين ، و سيلعن طبيعته و يرفض الحقيقة التي يُخبره بها المجتمع !
 لذلك و من الطبيعي أن تـُصدم الأنظمة وتخاف ، و خوفها هنا له عدة أوجه " خوفاً على المكانة ، خوفاً على الحُكم ، خوفاً على الأموال ، خوفاً على الأنفس " .. و الخوف الأكبر هو الخوف أن ينظر الناس إليها أنها منهم لا عليهم ، لأنه حينها ستفقد هذه الأنظمة كل المكتسبات التي إكتسبتها بالباطل ، وهي ليست مكتسبات بسيطة حتى تتنازل عنها الأنظمة بـ ( عدل ) .
لكن من رحمة الله أنه جعل الظالم المستبد دائمً في حالة خوف ، خوف يجعله في أحياناً كثيرة يهرب إلى هلاكه إلى الهاوية دون أن يشعر ، لأن الخوف يُعمي الظالم ! .. فكيف بمن أعماه الإستبداد و الكـِبر و الزهو ثم زاده الله عماً على عماه بالخوف و الهلع ؟ .. أين سيصل هذا ؟ سوى إلى الهاوية بقدميه ! .

----------   ----------

ما العلاقة بين الإستبداد و الخوف ؟ ، وبين التكبر و النقص ؟
إن العلاقة بين الإستبداد و الخوف تكمن في أن الإستبداد ناتج في الأساس من شعور المستبد بالخوف ، خوفاً من الرعيه .. ثم يزداد مع الوقت خوفه و كلما زاد خوفه زاد إستبداده و هكذا يستمر إلى أن يهلك .
لكن إن طال أمد الإستبداد سيتبلد شعور الرعية ، سينقلب خنوعهم إلى ثقافة ، لتتحول في المقابل حالة الخوف في الحاكم إلى كـِبر و إستعلاء ، فهو قد أمن جانب الرعية و اعتقد فيهم السجود له ، سيعتقد الناس أن خضوعهم له طاعة لله ، و سيعتقد هو أن إستبداده عليهم واجبً عليه !
---
نحن إذاً أمام حاكم ( نظام ) يستبد لأنه خائف ثم يتكبر لأنه ناقص ، ثم جائت الثورات لتنقلب المفاهيم تمامً وتتضح الصورة بشكل جلي " على الأقل بالنسبة لي " فالحاكم وبعد أن آمن جانب الرعية هاهو يعود لحالته الأولى ، فبعد أن اطمئن ومارس ( آلوهيته ) عليهم ها هو يرى التهديد على منصبه و على حياته قادماً من الشعب الذي كان يعتقد فيه الخضوع التام .
هنا من الطبيعي أن نجده ينتهج المزيد من الإستبداد ليُعيِد صورته الأولى ، فعقليته أساسً غارقة في الإستبداد لذلك لن يفقه سوى الإستبداد و البطش ليحل كل مشاكله .. فما بالنا و أن المشكلة التي تواجهه اليوم هي أن خوفه الذي دفعه أساسً للإستبداد بدء يتحقق ؟ .. سيُمارس الإستبداد هذه المرة بشكل أشد و أشرس و لن يتجمل هذه المرة بالغطاء الشرعي ، و لن يُبالي بكل هذه الأعين التي تُراقبه و تُعريه في عصر الإعلام و الصوت و الصورة ، بل إنه لن يهتم هذه المرة بسمعته أو شرعيته .
لماذا ؟ .. لأن الله قد إبتلاه بالخوف الذي يُعمي الأبصار !
---
على الرغم من مرارة الواقع الذي يعيشه الوطن العربي جراء هذا الإستبداد ، لننظر إلى الجانب المشرق في الأمر ، و الجانب المشرق أن الأنظمة العربية اليوم بكل جبروتها ليست إلا في حالة من التخبط ! .. فالمجروح في كبريائه أعمى ، و الخائف حد الرعب أعمى ، و الأنظمة اليوم مجروحة في كبريائها و خائفة ترتعب ، قد زادها الله على عماها عمى .
لهذا السبب وحده قد إختارت طريق الإستبداد و الترهيب  والتنكيل بشكل مكثف كطوق نجاة ، لكنها لم تنتبه بسبب ما بها من عمى أن هذا الطريق بالضبط هو الطريق الذي سيُؤدي إلى هلاكها .

أتخيل الأمر كالتالي : أن الحاكم ( النظام ) يركض اليوم خائفاً مدعوراً مجروحاً في كبريائه ، يركض بشكل هستيري لدرجة أنه لا يستمع إلى مطالب الشعب ، و لا يستطيع أن ينظر أمامه لأن عينيه متوجهة للخلف إلى الشعب الذي يريد أن يثأر منه .. المفروض به أن يقف و يستمع إليهم ليتفهم سبب غضبهم و يحاول إحتوائه ، لكن الخائف لن يقف أبداً و لن يستمع أبداً و لن ينظر أمامه أبداً .
مثل هذا هل من المفترض أن يوقفه شخصً ما ليوضح له بأن نهاية الطريق الذي يسلكه هو بالضبط ( جهنم ) أم يتركه يمضي في غيه و إستبداده حتى يهلك نفسه بنفسه ؟
في الحقيقة إن مثل هذا النظام الأولى أن نبارك له إختياره للطريق الذي يسلكه ، فكلما باركنا له زاد إستبداً و كلما زاد إستبداداً زارده الله على عماه عمى .. مثل هذا النظام يجب أن نقنعه أنه بالإستبداد فقط سينجوا ، ليكتشف غير مأسوفاً عليه و بعد أن يستقر به المقام في جهنم أنه في جهنم فعلاً ، سيكتشف أنه حتى مادحوه كانوا يريدون له الهلاك !
مثل هذا النظام الأولى أن نقول له : عفواً .. إن طريق جهنم ليس من هنا ، ليكتشف بنفسه أن نهاية طريقه هي جهنم ! 

 عموماً ،،،
إن الأنظمة العربية بلا إستثناء لم تعد تركض خائفة فقط بل هي قد وصلت إلى الهاوية ثم تخطتها ، بمعنى أدق هي الأن تقف على الفراغ تمامً كأحد مشاهد الرسوم المتحركة عندما تركض الشخصية الكرتونية ثم و بدون أن تشعر تتخطى هاوية الجبل لتقف فوق الهواء وتلتفت إلى من يُطاردها مُستهزئة به و فجائة تنظر تحتها لتجد نفسها معلقة في الهواء ، و لا تسقط إلا بعد أن تتحسس الفراغ تحتها و تتأكد بأنها معلقة في الهواء ، حينها فقط ستهوي سريعاً .
و هذا هو وضع الأنظمة العربية اليوم ، هي فقط لم تنظر تحتها حتى الأن ، و المسألة مسألة وقت فقط حتى تكتشف بأنها معلقة في الهواء ولم تعد هنالك أي شرعية تقف عليها .. و حتماً ستسقط سريعاً .

0 التعليقات :

إرسال تعليق