أنا لست يوسف .. يا وطن



كثيراً ما تـُرادوني أفكاراُ .. كثيرة جداً .. جداً .. منها :
لماذا أغضب ، و أحلم بحقوقً مُهدرة ، و أرغب في أن أثور فأحُطِم وغالباً وحدي سأتحطم .. ربما سأكسب لكن الأكيد أنني لن أكسب قبل أن أتكبد ألاف الخسائر ، فأضرب كفً على كف ، فما يُدريني أن المكسب الذي حققته لم يكن سوى مقلب !
لماذا .. من أجل ماذا ؟ .. هل يستحق الوطن ؟ .. هل تستحق الحرية ؟ .. هل تستحق الديمقراطية ؟

---

من أنا ، و من نحن ؟
أنا المواطن ، و أنتم ، و كلنا إلا اللمم ، لا نُطالب بأي إصلاح إلا من خلف شاشات الكمبيوتر ، أسلحتنا في هذا النضال ( كيبورد ، علب بيسبي ، هيتفون ، دردشة و الكثير من الرغي ..... إلخ من الغثاء )
بعدها نتهيأ ، ثم نبداء الكتابة بشكل عنيف عن " الفساد ، البطالة ، البطانة ، عن كل أشكال العُهر السياسي "
ثم نُسارع إلى إطفاء الأجهزة و الجوالات و نُغلق الأبواب ، كل هذا ليس من الخوف و شدة الخوف ، إنما من مبدأ الحذر ، لأن الحرب كر و فر ... و نحن من دهاة الأمم في الإختباء !
و أغلبنا ما إن ينتهي ، يدعوا الله أن يُقلد منصباً في حِزب البطانة ، أو مسئولاً في وزارة ، و إن أشير إليه باللعن! .. هذا ليس من باب النفاق إنما لأننا نحب الحياة " آي حياة " و إن كانت حياة الفاسدين الذين نلعنهم صباح مساء .
وهكذا .. يستمر الوضع بهذا الروتين ، فنحن في وطن لم يترك لأحدنا أي خيار مُتاح سوى الهرب و الإختباء ، خلف أسماء مستعارة أو لـُـثـّم أو اللعن و الصراخ من بعيد ، وما إن يقترب منا أحد حتى يتحول صراخنا إلى تغريد !
أو أن نشخمط  على جدران المدارس و الأغلب أنها جدران الحمامات ، ثم نلود بالفرار مولين غير مدبرين ، حتى أن أحدنا قد يترك فردةَ من حذائه أو كلا الفردتان من سرعة الإختباء .

---

كم أتمنى أن أرفع شعاراً في الطريق العام دون أن أخاف أو أترقب ، و والله لن أكتب في الشعار سوى كلمتان : ( أصلح الله النظام )
كم أتمنى أن أحرق نفسي إحتجاجاً لأصبح مصدر إلهام ! .. ماذا سيحدث إن أحرقت نفسي ؟ .. غالباً لا شيء ، سوى أن عشيرتي كلهم يتقدمهم أبي ، سيُعلِنون في كل وسائل الإعلام : أن إبننا المأفون كان من عبدة الشيطان !

----

أحياناً كثيرة .. كثيرة جداً .. جداً .. اسأل نفسي : لماذا زرعوا فيني كل هذا الخوف ؟
لماذا قيدوني بالديون ، بالبطالة ، بالفقر ، بالفساد ، بالقبلية ، بالعنصرية ، بالتذلل ، بالجمود ، بالروتين ،بتحطيم أحلامي ، بتهميشي ، و بنزع صفة التفكير عني ، و حق الإعتراض ؟ .. لماذا ؟
لماذا حين أصرخ : انزعوا هذي القيود عني يتم إتهامي بأني خارج عن القانون و بأني أسعى لقلب النظام ، أو أنني معتوه ، مجنون ، حقير ، علماني ، ليبرالي ، سلفي ،  يهودي ، ملحد ، وهابي ، زوار سفارات ، ........ إبــن كــلــب ؟
أيُ وطن هذا ؟ .. أي حياة هذه ؟
إلى متى سأستمر في الركض ؟ .. إلى أين الركض ؟ .. متى سأصل إلى ذلك اللامكان ؟

دائماً أحاول أن أقطف قوت يومي ، وما إن أصل حتى أجد فاسداً قد جمع كل المحصول
دائماً أنا في سعي مُجهِدً أن لا أغرق في الديون ، إلا أن الوطن لا يُربِت إلا على أكتاف البنوك !
دائماً تتمزق سنين عمري بالدراسة ، ثم يسن الرصيف سكينه لتمزيق ما بقي من سنين
زوجتي ، أبنائي ، أمي ، أبي .. دائماً أطمئن كل من حولي بأن غدي حتماً سيكون أجمل ، فيأتي الغد بلا شمسٍ و لا أمل ، لأصبح في نظر الجميع من الكاذبين .. ولا أحد يريد تصديق أن الوطن هو الذي أصبح مجرد سراب .

متى وكيف بعد كل هذا سيعيش المواطن ؟ .. و يعيش لمن ؟
من سيلومه إن وضع يده بيدي الإرهاب ؟
من سيردعه إن نشر في الأرض الخراب ؟
من ذا الذي سيقف حائلاً بينه و بين الحياة ؟ .. سيحيا و لو على أكل الرماد ، و سيقطف حصاد غيره ، تباً لغيره فالمسألة في هذا الوطن باتت مسألة حياة أو لا حياة .

----

تمر السنين على هذا الوطن .. بنفس المنطق .. نفس الضياع .. نفس الكذبات .. نفس الخداع
تمر السنين والفساد يصرخ في الجميع : ( أخرجوا المخلصين ، إنهم أناس يتطهرون )
تمر السنين .. تتبعها سنينً مُهدرات .. ومايزال هذا الوطن في ذيل الأمم ، حتى سقط في القاع !
تمر السنين و لم يستشعر هذا الوطن بقيمة الإنسان ؟
وطنً مُقبلً على الضياع و إن بقي مكانه ، بنفس الحدود !

---

أيها الوطن ..
أنا مواطن يبحث عن الإنصاف
أنا لم ولن أكون يوما ( يوسف )
أنا الذي قد قـُدٌ قميصه من كل إتجاه .. تمزقت أحلامه في كل إتجاه
أنا البريء الذي قتلوه بالحياة ، ثم ألقوا به في غيابة وطنه ، ثم جائوا بوطنِ كذب ، ثم غلقوا عليه الأبواب وقالوا: إنا له لحافظون .. الكاذبون