شكراً .. عدنان إبراهيم



يُقال في المثل : ( أنا و أخي على إبن عمي ، و أنا و إبن عمي على الغريب ) ، لكن ماذا لو نظر الإنسان إلى أخيه بأنه هو الغريب ؟
في رأيي أن من يرى أخيه كالغريب فهو المُلام دائماً ، لأن الأخ مهما أخطأ يجب أن يراه المرء كأخ مُخطيء ، فماذا إن لم يكن مخطيء ؟ .. هنا المصيبة أعظم ! و غالباً من يرى أخاه بتلك النظرة فسيصد عنه حتى إن جاءه أخوه بالنُصح فقط ، و سينفر منه ومن حديثه و إن كان أخاه يحمل بين يديه الدليل و البرهان .
بل من زرع في داخله كره أخاه غالباً فسيكفر بالوعي و المنطق إن إستخدمهما أخاه ، لأنه قد حكم عليه مسبقاً بأنه الشيطان الرجيم ، و عليه فقد قرر أن الشيطان لا يُجيد إلا الغواية !
--- --- ---
من هو العالـِـم يا سادة ؟
هنالك شيخاً يحفظ القرآن الكريم ، نقول له : جزاك الله خيراً لكنك لست عالم إنما حافظ للقرآن بالترتيل .
هنالك من يحفظ عشرة ألاف أو مئة ألف حديث ، نقول له أيضاً : جزاك الله خيراً لكنك حافظ أحاديث و لست بالعالم الذي ننشده .
وهنالك من يحفظ القرآن و الأحاديث ، وعِلم الرجال و الجرح و التعديل ، ثم يكتفي بما حفظه و لا يُضيف إلا ترديد " عن و عن ثم عن و عن " و قال فلان بإسناد صحيح .. تسأله ما رأيك أنت يقول : عن فلان بن فلان ! .. هذه بالضبط هي عقيدة الببغاء !
فمن هو العالـِـم ؟
في نظري أن العالم هو من يستطيع أن يُضيف إلى عقل المتلقي فِكرة جديدة ، أو أن يُصحح معنى مغلوط في المجتمع لكنه متعارف عليه .. أو هو من لا يخاف الخروج عن السائد وإن صنفه رجال الدين بالكفر المبين .
الشيء الأخر الذي يُميز العالم هو " التواضع " مصداقاً لقوله –صلى الله عليه و سلم- [ إنما أنا إبن إمرأة من قريش كانت تأكل القديد ] .. في هذا الحديث معنى واضح وهو أن التواضع من صفات العظماء ، و فيه معنى أعمق أن عقيدة المسلم يجب أن لا تـُبنى على تقديس الشخص مهما عظم شأنه ، فإن كان النبي يكره أن يرى في أصحابه تقديساً له ، فمن باب أولى أن تكون أول علامات صلاح من هم دون النبي أن يتحلوا بالتواضع الشديد كما فعل النبي الكريم ثم تبعه في هذا الصحابة رضوان الله عليهم ، حتى أن علي كان يُردد على الدوام ( ما أنا إلا رجلاً من المسلمين ) !
وأحد أبرز علامات تواضع المرء أن لا يدعي بأن قوله هو الحق المبين ، و أن رأيه لا يستقيم إلا بالمشورة ، أسوة بالنبي الكريم !
إن تاريخنا الإسلامي مليء بنماذج إتخذت من النبي قدوة في هذا السلوك العظيم " التواضع " نماذج لم تدعي أن قولها الحق المبين بالتالي لم نسمع أنهم حاربوا مخالفيهم و نشروا بين الناس أن من خالفهم شيطانً رجيم !
وإن الواقع اليوم يصرخ و يئن من تكاثر و إنتشار أولئك المقدسين ، حتى أنه لم يبقى اليوم إلا أن تُصبح القدسية بالوراثة ، وليس ببعيد أن يكونون لهم حزباً في المستقبل !
وعملية تقديس الأشخاص بجانب أنها سلوكً مشين فهي أيضاً تتحمل الوزر الأكبر لتخلف المسلمين اليوم ، فتقديس شخص يعني إلتفاف الناس حوله ، و لن تكتمل عملية تقديس هذا الإنسان إلا إذا تمت في المقابل عمليات تدنيس واسعة لكل من يختلف مع هذا المُقدس ! .. و من هنا تُصنع التحزبات و تتنمى العداوات ، و يُصبح لكل جماعة قديس بمنزلة نبي و مخالفين له بمنزلة إبليس

لهذا كله أحترم الدكتور " عدنان إبراهيم " فهو من ناحية لم يُطِل علينا بمظهر ذلك القديس الذي يُحرم مخالفته ( شرعاً و قانوناً ) ، ومن ناحية أخرى أنه دائمً يُردد عبارة : هذا رأيي في كذا و كذا و ذلك رأيي في كذا و كذا .. و نحن نحتاج في هذا الوقت تحديداً إلى عالمً شُجاع يقول رأيه هو .
لأن السائد اليوم أن يتهرب العلماء تمامً من المسئولية ، و هروبهم يظهر جلياً في تبنيهم لأراء الأولون ، أن يُرددوا أمام كل مسألة ( عن و عن ) فإن كان الرأي خطأ فهو ليس رأيهم إنما رأي الأموات ، و إن كان الرأي صوابً فلن ينال الأموات أي تصفيق ! .. أليس هذا هو الهروب و الجُبن ؟
--- --- ---
تعلمت من " عدنان إبراهيم " أن رأيه لا يُلزمني ، و أنني لن أخاف على عقيدتي إن كفرت برأيً له أو بكل أرائه ، فأنا أساسً ( أتــثــقف ) منه و لا ( أتعبد الله ) بالإنصات إليه .. وهذا ما لم أتعلمه من علمائنا الأفاضل الذين أوهمونا بأن مجرد الحضور إلى محاضراتهم و الإستماع إلى خـُطبهم ، هي عملية ستـُقربنا إلى الله درجة ، و أن الملائكة ستحفنا بأجنحتها إن أثنينا الركب للإستماع لهم !
ومن يتعبد الله بالإنصات إلى كلام الشيخ ، من يُؤمن أن الملائكة تحيط بحلقة الشيخ و هو يعظ و يخطب ، من يؤمن بهذا الشيء كيف سيُعمِل عقله أمام كلام الشيخ ؟ .. سيُصاب بالرهبة وسيقبل كل حديث الشيخ على عـِلاته و إن لم يقتنع به مخافة أن تستثنيه الملائكة من التربيت على كتفيه!
لهذا لا أحد يعترض على كلام العلماء و الشيوخ ، فهم من جهة لهم لحومً مسمومة ، و من جهة أخرى فإن الله و ملائكته يفرحون و يُرحبون بمن يأتي لحضور محاضرة يلقيها الشيخ ، و كل هذا من أهم الأسباب التي تدعوا إلى إغلاق العقل و الـ " تسمر " أمام الشيخ رغبة في الأجر و إن خرج الإنسان من عند الشيخ دون أن يفقه من حديثه شيئاً !
لذلك أنا لم أقتنع بالكثير من الأمور التي قالها عدنان إبراهيم ، فرأيه لا يُلزم المتلقي بالخضوع و الإذعان ، ثم أنا اقتنعت بأشياءً كثيرة قالها عدنان إبراهيم ليس لأنه قالها إنما لأنه تحدث بلغة العقل و المنطق ، فإن لم أقتنع بالعقل و المنطق حينها سأكون أنا الذي يقف على الجانب الخطأ !
أحد أهم الأشياء التي أقنعني بها " عدنان إبراهيم " أن كثيراً من معتقدات المسلمين اليوم ، بل ومن أساسات إيمانهم " الثوابت " هي في حكم الباطل جملة و تفصيلاً ، أو فيها باطل كما فيها حق ، كالصحيح من الأحاديث التي تتناقض مع صريح القرآن ، تلك التناقضات التي غـُيِبت عنا عن سبق إصرار !
قد يكون الخطأ من رواة الأحاديث ، قد يكون هنالك من زرع الأخطاء في تلك الكتب ، قد تكون بعض الإسرائيليات قد تلبست رداء الحديث الصحيح على حين غفلة ، و ما أكثر غفلاتنا !
لا أعلم أين الخلل صراحة ، لكنني أعلم أنه موجود ، و الأولى الأن أن نُنقي ديننا من الشوائب حتى لا تتفاقم .. لا أن نقف موقف المعاداة لمن قال بأن هنالك خلل !

شيئاً أخر ..
اللغة و الحوار و اللهجة بين الخطيب و المتلقي ، هي في الخطاب الديني المعتاد تتصف غالباً بالإستعلاء و إستعراض المفردات ، و بمصطلحات متقعرة في قواعد اللغة العربية الفصحى حد التطرف ، كأن جميع الحضور أحفاد سيبويه !
مثل هذه اللغة و في هذا الوقت تجعل المتلقي يخرج من كل الخطبة و هو فارغ تمامً من أي معلومة جديدة ، فهو لم يسمع شيئاً و لم يفهم شيئاً ، و لا شيء أبهره إلا قدرات الخطيب البلاغية و كيف أنه إستطاع حِفظ هذه المفردات و المصطلحات دون أن يخطيء خطأ واحد !
تسأل المتلقي : ماذا قال الخطيب ؟ ، يُجيب : لا يهم ماذا قال ، المهم أنه قال ما قاله بإتقانً شديد لدرجة لم أفهم منه شيء !
فهل نحن نحتاج لعالم يتباهى علينا أو يستعرض أمامنا قدراته البلاغية أم نحن في حاجة إلى عالم يُحدثنا باللغة التي نستوعبها .. كـ عدنان إبراهيم ؟
--- --- ---
أنا لا أتحدث هنا عن عدنان إبراهيم من باب الإنبهار و الإعجاب ، و لا أحب أن أصفه بمجدد القرن كما يصفه أحبائه ، لكنني أتحدث عنه لأني أشعر بأن لدى الرجل ما يريد أن يقوله ، أن لديه شيء جديد مُبتكر و أن علينا حق الإنصات لما لديه و إعراضنا عن الإنصات له ليس له إلا معنى واحد .. أننا نعتنق الرجعية كأنها من أساس الدين !
ولا أقصد أن من لا يستمع لعدنان إبراهيم إنسان رجعي ، لكني قصدت من لا يستمع إليه فقط لأن شيخه لا يريد منه أن يستمع إليه .. و هنالك فرق .

لماذا البعض يُصِر على أن يبحث في نوايا الرجل و أسراره و داخل ضميره ؟ ، لما أجد جوابً إلا أن من يبحث يريد فقط أن يُبعِد شُبهة التخلف عنه .
لماذا يصر البعض على التعامل مع " عدنان إبراهيم " على أنه عدواً لله و للرسول و المؤمنين ، وحتى إن كان عدواً للجميع ، فهل هذا يعطينا الحق في أن نصم أذاننا عنه ؟
فعدو الله إن لم نستمع إلا حديثه ، لن نفهم أو نستوعب كيف نحاوره لنبين بطلانه ! أليس كذلك ؟
هل أصبحت غايتنا الأسمى أن نلعن من يأتي ليقول لنا : أفيقوا يا مسلمين ؟
هل أمرنا الله في كتابه أن نُحارب كل من يخالفنا !
--- --- ---
إن المؤمن كيسٌ فطِن ولا يحتاج الأمر إلى كياسة و فِطنة حتى نعلم ماذا ينقصنا .. ينقصنا أن نفتح الباب لكل صاحب رأي جديد ليضيف ، خصوصاً إن كان صاحب الرأي يقسم بالله أنه ليس إلا رجلاً يقول ما يعتقد به فإن ناسبنا أخدنا به وإلا رمينا به عرض الحائط ، و لا قدسية له و لا لرأيه .
ينقصنا كذلك أن نقول لأصحاب الرأي المُقدس ، أصحاب الفضيلة ، أحبار الأمة ، العلماء الربانيون ، ظِلال الله في الأرض : سامحكم الله على تخلفنا .. قد آن الأوان أن نقول لكم بأن إحتكار العِلم في الشرع حرام ، وأن إدعاء الحق هو أساس الباطل ، و أن الأصنام التي عـُـبدت من دون الله على مدى التاريخ هي في الأساس تماثيل لأناس قدستهم أقوامهم ، وأن الشيطان يـُسعده دائماً أن تعتقد العامة في من تتبـِعه النزاهة عن الخطاء لأن العامة حينها إن لم تبني له التماثيل فعلاً فلا أقل من تجاهل صريح القرآن و الإكتفاء بإجتهاد " المُقدس " !

ولا إله إلا الله .. محمد رسول الله
--- --- ---
شكراً .. عدنان إبراهيم
أنت مجرد رجلاً من رجال المسلمين ، له رأي عقلاني جداً ، وليست له قـُـدسية .. ورأيه غير مُلزم أبداً فإن كان حقاً أخذنا به و إن كان غير ذلك فيـُرد إليك
أنت رجلاً نحتاج فعلاً أن نسمع منه ، نحتاج أيضاً أن يظهر ألف عدنان إبراهيم حتى يُكسر أساس التخلف فينا .
و عندي .. يكفي الرجل فخراً أنه لم يدعي حتى الأن بأنه " صاحب فضيلة "

هناك 4 تعليقات :

  1. رائع جدداً أوجزت وبينت كل مافي خاطري تجاه هذا الرجل وكأنك تحدثت بلساني ! ..
    وخصوصاً الجملة التي دوماً ما ارددها وهي قول عدنان ابراهيم " هذا فهمي" "هذا ماتوصلت إليه" "كما تبين لي " "كما أرى" .. عبارات يرددها كثيراً
    وفي المقابل اسمع في اليوم نفسه شيخ آخر يصدر حكماً لم أسمع عنه من قبل ربما لقلة علمي أو ربما لشذوذه ثم يستدل بآية ويردف بعدها : "الآية تقول هذا فأنت عندما تخالفني تخالف الآية تخالف كلام الله لا تخالف رأيي أنا ماجبتش الكلام ده من عندي .. عندك اعتراض انتا مش بتعرض علي انا " وهكذا لا مجال حتى للسامع ان يناقش أو يفكر فكأنما التفكير في غير هذا الرأي يعد كفراً وكأنما لا آراء غير رأيه الحق المطلق الذي لا يقبل النقاش .

    ردحذف
  2. من اروع ما قرات في الدكتور عدنان اشكرك اخي صاحب المقال جزيل الشكر على هذا المقال الرائع الذي اثلج صدري وانا اقرأ وكانك داخل عقلي وتكتب ما اريد لكن باسلوب جميل جدا واسمح لي ان انشر مقالك في الفيس وغيرها لانه من الواجب على كل المسلمين ان يقرأوا هذا الكلام الجميل ويحاول ربما ان يستفيد من الدكتور عدنان ابراهيم

    ردحذف
  3. كلام معظمه جيد ، أنا واحد من الذين يستمعون بتجرد لكل أحد بغض النظر عن لونيته الدينية لان ما يهمني هو فقط الحق وليس غيره ولو كان هذا الحق مع الشيطان لأخذته ولا أبالي

    ردحذف
  4. وماذا تقول على مخالفاته التي اصالها مخالف للشريعه او للعقيدة الصحيحه او ماذا تقول في كلام علماء العصر فيه ؟؟

    ردحذف