فلسفة بين الخير و الشر


إن أحد أهم القوانين و النواميس الكونية التي تتكرر في كل الكون ، إبتداءً من النجوم و الكواكب و إنتهاءً بعالم الذرات المتناهي الصغر ، هو " قانون التصادم " .
ولا أتحدث هنا عن قوانين التصادم الفيزيائي إنما حديثي عن التصادم بمفهومه الشامل .
مثلاً مجموعتنا الشمسية دائماً ومنذ وجدت وهي في حالة تصادمات عنيفة ، نيازك تتصادم ببعضها ، و شهب تصطدم بالكواكب ، و كواكب تتجاذب بأقمارها و تتنافر .
لكن لأن الوقت خارج الكرة الأرضية يختلف عن وقتنا في الأرض لا نشعر بهذا التصادم ، والمسألة مسألة وقت فقط حتى تصطدم الكواكب ببعضها البعض .

إن قانون التصادم هو الشيء الذي يتكرر بثبات في كل أجزاء الكون ، فعلى الأرض نجد أن كل شيء هنا يتصادم ولكن بمسميات وكيفيات مختلفة ، في عالم الحيوان كمثال لا يستطيع الذكر أن يُسيطر على القطيع إلا بأن يتصادم مع ذكوراً أخرى ، في عالم النبات الساكن الهاديء أمام ناظرنا لكنه في الحقيقة يغلي بالتصادمات عبر مد الجذور ، حتى في عالم الذرة المتطرف في الصغر نجد النيترونات في حالة تصادم جنوني بل إن التصادم في داخل الذرة من أشد أنواع التصادم عنفاً .

ولا يُمكن أن يُوجد التصادم في كل الكون إلا وتوجد معه الدفاعات ، فالغلاف الجوي للأرض هو أحد هذه الدفاعات ، الشحنات الكهربائية بين البروتونات هي أحد تلك الدفاعات .
يُمكن القول أن تلك الدفاعات هي جزء من قانون التصادم الكوني فبها ستتحدد الغلبة لمن وبالدفاعات يُخلق النظام في الكون كله ، لأن الأمر لو ترك للتصادم فقط لما وجد الكون أساساً .


أما في عالم الإنسان في البشرية فإن التصادم هو ببساطة ما يخلق الحياة ، فنجده في كل أمر يخص البشر ، فهذا مجتمعً يتصادم مع مجتمع أخر ، جيشً مع جيش ، دولة مع دولة ، الحرب العالمية الأولى ثم الثانية !
ونستمر في طريق التصادم داخل الإنسانية حتى نجده يتغلغل في كل أجزاء الحياة ، حتى في داخل الإنسان الفرد نفسه هنالك صراعات لا تكاد تـُحصى ، صراعات متأججة بين الخير و الشر ، بين الرغبة و الإمتناع ، بين الشك و اليقين ، بين الكفر و الإيمان .
أيضاً في عالم البشر نجد أن ما يُنظم هذا التصادم هو الدفاعات فكما أن القوة العسكرية لأي دولة هي أحد هذه الدفاعات ، و أن الغلاف الجوي المحيط بالأرض هو أحد تلك الدفاعات ، كذلك الإيمان داخل الإنسان هو أحد هذه الدفاعات .
ومتى ما إختفت تلك الدفاعات في الكون سيتلاشى الكون ، و إن إختفت عن عالم البشر ستختفي البشرية ، ومتى ما تلاشت الدفاعات داخل الإنسان الفرد سيتمزق .


( إن الكون كله يسير وفق نفس النواميس و القوانين لكن بكيفيات مختلفة )

أكتب هذا الموضوع نتيجة ما قرأته وإطلعت عليه عن الماسونية و القوى الخفية ، وفي الحقيقة أشفق على من يُؤمن بتلك الأفكار من باب أننا غلابا و قـُصّر وأن اليهود و إسرائيل ووو يكيدون لنا ، صحيح أن الماسونية موجودة و مُلاحظ جداً أن هنالك قلة من العالم تعمل في الخفاء ، لكن الماسونية و المؤامرة و القوى الخفية وكل ذلك أضعف من أن يُسير البشر وفقاً لخطط مرسومة " بشرياً " ، لأننا بذلك نُعطيهم هالة من القوة و السيطرة تجعل باقي البشر بلا حول ولا قوة ، بل و تجعل الله نفسه ليس هو المـُسير للأمور على الأرض ! .
لنقل أن 99.99% مما يُثار حول سيطرة اليهود والماسونية على العالم هو من نسج خيالاتنا البحت ، كقضية وائل غنيم مثلاً !
إن الأمر يا سادة لا يخرج عن كونه قانون طبيعي يحكم الكون كله بما فيهم البشر ، وهو " قانون التصادم ".
من حق الماسونية و اليهود أن ينشروا أفكارهم ومن حق غيرهم أن ينشر أفكاره ، من حق أمريكا أن تغزوا العراق ، و من حق العراق أن تغزوا أمريكا ، فالتصادمات في البشرية ليست إلا بحثاً مصلحة .
قد يعترض المهزوم على تجبر المنتصر ، لكن الأولى به أن يلوم نفسه قبل أن يلوم عدوه .
في الأخير تبقى الغلبة لمن ؟ ، إنها لمن تكون دفاعاته أقوى .
وهنا المشكلة .. أن دفاعاتنا نحن أصبحت ضعيفة ، وفي نفس الوقت قويت دفاعات الأخر ، والأضعف دائماً يكون هو الأسير عند الأقوى .
سأوضح الأمر كالتالي ، بعيداً عن نظريات المؤامرة .
أن الإنسان منذ أن وجد على الأرض وجدت معه قوتان عظيمتان وهي قوى الخير و قوى الشر ، قوتان دائماً في حالة تصادم ، والتصادم بين هذه القوى قديم بقدم التاريخ نفسه ، أحياناً الخير ينتصر و أحياناً الشر ينتصر ، و رغم المآسي و الخسائر التي تُرافق هذا التصادم بين الخير و الشر يبقى الأمر طبيعي لا يخرج عن كونه سُنة كونية .
و لو تفكرنا في الأمر سنجد أنه لولا تصادم قوى الخير و الشر لما بـُنيت الحضارة الإنسانية من الأساس !

ولا أريد أن أطيل الحديث عن ذلك التصادم لأنني سأتوه ، لكنني سأتحدث عن دفاعاتنا اليوم ، لماذا هي ضعيفة ؟
لنفترض أن إنساناً أتته الرغبة الملحة في أن يقتل صديقه ثم قرر أن لا يقتله ، هذا الإنسان دخل في صراع بين الخير و الشر " داخله " ، فأنتصر الخير ولم يقتل ذلك الصديق ، فلماذا إنتصر الخير فيه ؟ مع إفتراض أنه ملحد ؟
يقول ( مصطفى محمود ) : إن ما يُحدد أفعال الإنسان في الخير ليس الإيمان في المقام الأول إنما تراكم الخبرات البشرية على مر التاريخ ثم تتولد الرغبات نتيجة لتلك الخبرات .
إذاً لكي يفعل الإنسان الخير لا يعني أنه مؤمن فقد يكون ملحداً أو مشركاً ثم يكون من أخير الناس .
إن الإيمان هو عملية تنظيم العلاقة بين الإنسان و بين الله لا عملية تنظيم علاقة الإنسان بإنسان ، و من قطع تلك العلاقة بينه وبين الله فليذهب إلى الجحيم لكنه ليس بالضرورة أن يعيش كالبهيمة ، لأن الكفر بالله لا يعني أن يتجرد الإنسان من إنسانيته .
الخلاصة ،،،
أن للإنسان طبيعتان " طبيعة روحية " و " طبيعة مادية " من يكفر بالله فقد إستغنى عن طبيعته الروحية ومن أمن بالله فقد وازن بين الطبيعتين ، لكن من تشدد في الإيمان سيستغني عن طبيعته المادية وهذا حتماً سيفشل حتى في علاقته مع الله .
إذاً يُمكن القول أن سبب ضعف الدفاعات حولنا هو أننا كمجتمعات مسلمة لم نفصل بين الدين و الدنيا " سياسياً " { فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها }  لم نفهم أن الكفر و الإيمان مواضيع مرتبطة بين الإنسان وخالقه ، الله يُكافيء المؤمن أو يُعذب الكافر ، فأتينا نحن لنُكافيء المؤمن و نُعذب الكافر قبل أن يموت " بقوة القانون " !
ما أريد أن أرمي إليه هو أننا بهذا النهج قد ألغينا الحرية " حرية الإختيار " من الإنسان ، تلك الحرية التي وهبها الله له ! ، والإنسان الذي لا يمتلك الحرية حتى حرية إرتكاب الأخطاء لن يبني مجتمعاً سليماً وأي مجتمع لا يتحلى بالحرية " العقدية و الفكرية و السياسية .... " هو مجتمع لن يستطيع أن يتقدم خطوة واحدة ، سيكون مجتمعً ضعيف جداً مهما تشدد في الدين .
وليس كونك مؤمناً فأنت في صف الخير ، و ليس كونك كافراً فأنت في صف الشر ، فما يُحدد في أي صف أنت هو الأفعال التي ستأتي بعد الكفر و الإيمان ، قد تكون مؤمنا وتصلي وتصوم ثم تسرق من المال العام ، وقد تكون كافراً أو ملحداً ثم تـُؤدي الأمانات .

إذاً الماسونية اليوم نـُؤمن أنها أقوى ، لأننا نحن الأضعف ، و نحن أضعف لأننا نتعامل فيما بيننا بمنطق { لا أريكم إلا ما أرى } ، ولا مجال لأي حرية فردية أو إجتماعية .

----------   ----------

كما قلت السُنة الكونية في عالم البشر هي التصادم ، ولهذا التصادم أنواع و أشكال مختلفة لكن أعظم التصادمات تكون بين قوى الخير و قوى الشر .
وللأسف كثيرون جداً من المسلمين اليوم يقفون في صف قوى الشر رغم إيمانهم بالله ، فهم يحسبون أنهم يُحسنون صنعاً .
مثلاُ من يستطيع أن يُحدد أين الخير وأين الشر بين بناء مسجد أو بناء ملهى ؟
الجواب أنه لا يوجد خير أو شر في الإثنان فكلاهما مباني من طوب و حجارة ، لكن ما يحدد طبيعة المبنى هي الأفعال التي تمارس فيه ، فهنالك مساجد يُقام فيها ذكر الله وأخرى تكون مأوى لأسلحة الإرهابيين ، هنالك ملهى يُبيح الزنا و الخمر فيه ، وهنالك ملهى لا يخرج عن كونه وسيلة ترفيه .
فمن يستطيع أن يُحدد ؟

---

إن موضوع التصادم بين قوى الخير و الشر أزلي ، أحياناً ينتصر الخير و أحياناً ينتصر الشر ، غير أن سلاح الإيمان هو أقوى سلاح في يد كلتا القوتان  !
ونحن للأسف خوفنا على ضياع الإيمان جعلنا نُسارع في ضياع هذا السلاح من أيدينا حين إستخدمناه بإستبداد ، فعندما يأتي من يمنعني عن دخول الملهى ثم يُجبرني على دخول المسجد فهو قد منعني عن إرتكاب معصية ليجعلني أكره الدين ، لأنه أجبرني بالقوة على الصلاة .
ولم ننتبه إلى إن من أخطر الأمور في عالم الإنسانية ليس نشر الكفر و الإلحاد و الفـُـحش والرذيلة ، وأيضاً ليس نشر الفوضى و الزنى و اللواط هنا و هناك ، إنما الخطر الحقيقي يأتي من الإستبداد في نشر ما يريده الإنسان ، سواءً كان إستبداداً لنشر الشر أو لنشر الخير .
غير أن الإستبداد بهدف نشر الخير و الإيمان ، الإستبداد بإسم الله ، هو السلاح الأقوى لأنه سيـشوه ملامح الخير ، حينها سيذهب الإنسان إلى الشر ليس حباً فيه إنما كرهاً في الخير !
ولا أريد أن يتحامل علي أحد .حين أصف التشدد في الدين بهذه الأوصاف ، فكل قوى الشر تسعى لأن تزرع الشر والرذيلة بالمكر و الحيلة وحينها يستطيع الإنسان أن يُقاوم ، بينما التشدد في الدين يهدف إلى نشر الخير بالعنف و القوة وحينها سيقاوم الإنسان هذا الإجبار على الخير بأن يعتنق الشر للخلاص .

والأن أجيبوني ،،،
من الذي يخدم جانب الشر أكثر يهودي يبني قناة إباحية أم ملتزم متشدد يُحرم التلفاز ؟
الأول يُرغبني و الثاني يُرهبني ، والإنسان لا يُحب أن يتم إجباره على شيء حتى و إن كان ذلك الشيء هو فعل الخير ، حينها سيُشاهد القناة الإباحية بكل طيب خاطر ليس رغبة فيما تعرضه إنما كرهاً في في الخير الذي تشوهت ملامحه بسبب التشدد .
إذاً المتشدد دينياً هو خادم و أداة عند قوى الشر دون أن يدري ، أو ربما يدري !

----

الشر كثيراً ما يظهر بمظهر الخير
فعندما يتم تحريم الإختلاط الذي هو صفة طبيعية في البشر بحجة الخوف على الفطرة السليمة ، فهذا التحريم سيجعل الإنسان يسعى إلى التعويض هنا بطرق غير سليمة .
عندما يتم تحريم ومنع كل وسائل الترفيه الطبيعية في البشر ، سيبحث الإنسان عن أموراً غير سليمة تعوضه ذلك الحرمان .
عندما يكون جـُـل إهتمامً المتشددين هو المظهر سيكون لدينا أوطان إسلامية ضعيفة خاوية .
عندما تكون طاعة الله و فرض العبادة بالقوة و الإستبداد فنحن نهدم و لانبني .
عندما لا نُفكر سوى ببناء الإيمان في النفوس و أن تتلبس الدول رداء الإسلام فنحن نتجاهل عالم الماديات ، نتجاهل حقيقة أن الحياة دين ودنيا ، الدين فيها شيء إختياري غير أن الدنيا شيء مُجبرين عليه

في الختام ،،،
هنالك تصادم بين الخير والشر في كل أجزاء الكون ، و في هذا الوقت قليلون جداً من يقفون في صف الخير ، بينما الأغلبية تقف في صف الشر .
قد يكون ذلك الواقف ماسوني أو يهودي أو شيعي أو سلفي أو ، قد يكون مسلماً أو مسيحي أو يهودي ، قد يكون موحداً أو مشركاً ، قد تشابهت أوجه الشر !
بعضهم يدعوا للشر علانية وبعضهم بالمكر و الخداع وبعضهم عن طريق إكراه الناس لفعل الخير .

هنالك سؤال يدور بخاطري الأن ،،،
أيهم أعظم ذنباً ، أن تزني المرأة أم أن نُجبرها بالقوة و الإستبداد على العفاف ؟



وأسف عالإطالة .. لكنها فلسفة أو محاولة للفلسفة بين الخير و الشر لا أكثر .

هناك 4 تعليقات :

  1. رائع جدا لاكن ماذا يقبع بينهما اي الشيئ المشترك

    ردحذف
  2. شكرا الك امين طلال موضوع حلو كتير .. يا ريت اكتر من هالمواضيع ... الجواب من وجهة نظري لو البنت زنت فاكيد شيء سيء لانه بمس بالشرف والكرامة و كذا ... بس لو اجبرتها على العفة فرح يكون في ردة فعل سلبية بالمستقبل و عالاغلب رح تزني بالمستقبل بس تتاح لها فرصة .. فالافضل تجيها بالترغيب بالايمان و التخويف من الشر على اساس انه بشع مو انه مخيف

    ردحذف
    الردود
    1. من واقع التجربة ي عزيزي كلام غير صحيح أنا ارغبك وتارة ارهبك لاجعلك تصلي الفجر في وقتها مثلا لكن ان اتيح لك المجال فقد تتمرد وترفض وقد يعجبك الكلام فتمشي على ما قلت لك لكن لفترة وجيزة لكن لو أني قد ثبت هالشيء كعقيدة لديك فلست بحاجة لاراقبك او ارهبك او ارغبك فهي عقيدة والعقيدة دائما اقوى فلو تربت الفتاة على عقيدة لما دخلنا في هالجدل اساسا واعطيك مثال حي الدواعش او الخوارج الانتحاريين ومن يقتل امه وابيه هذا طبق عقيدة

      حذف