رسالة في "الربيع العربي"


"وفي أنفسكم أفلا تبصرون".. ماذا يوجد في أنفسنا حتى نُبصِرهُ ونُعمِل حوله عقولنا؟
إن أوضح جواب على هذا السؤال يتمثل في قول سيدنا علي – كرم الله وجهه - "أتزعم أنك جرمٌ صغير.. وفيك انطوى العالم الأكبر".. هذا البيت الذي هو جزء من قصيدة وفيه عمق فلسفي يضعنا أمام حقيقة أننا لو تبصرنا في أنفسنا سنتوصل إلى الكثير من الإجابات. ولا أقصد هنا مركزية الإنسان، كما في بعض الاعتقادات، إنما أتحدث عن مفهوم أن الإنسان جزء من هذا الوجود، وأننا إذا ما استوعبنا طبيعة الجزء والقوانين التي تسري عليه فسيسهل علينا فهم طبيعة القوانين التي تسري على الكل.. والإنسان الفرد بالنسبة للمجتمع الإنساني ليس جزءا من ضمن أجزاء، إنما هو الجزء الرئيسي أو المادة الأساس هنا، فإذا ما فهمنا القوانين التي تسري على الإنسان الفرد فسنتمكن بشكل ما من استيعاب القوانين التي تسري على المجتمع الإنساني.
ما سبق يعد مقدمة للموضوع.. مقدمة تبادرت إلى ذهني وأنا أقرأ عن "الربيع العربي".. هذا الربيع الذي باغت معظم المحللين السياسيين والاجتماعيين، لتأتي آراؤهم ونظرياتهم متداخلة متضاربة لدرجة أن من يتتبعها سيصاب بحيرة وارتباك يجعلان الحقائق أمامه ضبابية تماماَ. وكمحاولة للخروج من هذه الضبابية كان الحل الأنسب أن أقارن بين القوانين التي تسري على الإنسان وبين القوانين التي تسري على المجتمع. وهذه المقارنات لمجرد تبسيط موضوع غير قابل للتبسيط! فكانت النتيجة – التي قد تكون خاطئة تماماً - أن "الربيع العربي" في حقيقته يعتبر مرحلة علاج، مرحلة وسط بين المرض والشفاء لا مجال أبداً لتجاوزها، بل يمكن اعتبارها ضريبة إلزامية الدفع على المريض حتى يصل للشفاء.. مرحلة بمجرد أن يخوضها المريض ويتحمل آلامها فهذا دليل على تمسكه بالحياة.. وعلى العكس تماماً، لو أنه امتنع عن العلاج لقلنا فوراً إنه قد يئِس من الشفاء واستسلم للمرض، أو بمعنى آخر لو أن واقع المجتمع العربي استمر على ما هو عليه سابقاً دون تغيير حينها سنقول إنه قد يئِس من الشفاء، ورضي بأن يحيا بكل أمراضه منتظراً الموت في هدوء.. وإذا كانت دلالة موت الإنسان هي توقف قلبه عن النبض فإن دلالة موت المجتمع الإنساني هي رضاه بأن يكون مجرد ماء آسن لا ينشر في المجتمعات الأخرى إلا الأوبئة.
المفارقة هنا أننا عندما نرى إنساناً مريضاً يتحمل آلام العلاج نسارع إلى مؤازرته حتى يتحمل أكثر، مدركين ألا طريق آخر أمامه للشفاء إلا هذا الطريق المؤلم، لكننا في حالة "الربيع العربي" نجد الكثيرين يطلقون نداءات رجاء ونصح وتهديد بأن يُحجِم الجميع عن خوض هذه المرحلة وطرح مسألة الرضا بالمرض كحل أنسب للهروب من آلام العلاج! هؤلاء ببساطة يتجاهلون أو يجهلون أن القوانين التي تسري على الإنسان الفرد هي نفسها التي تسري على المجتمع، ويبقى الاختلاف في الكيفية.
إن مرحلة العلاج بكل آلامها وكل أعراضها الجانبية، كما نعايشها اليوم من تصارع بين تيارات إسلامية وليبرالية، أو تناحرات طائفية قد تتطور إلى مواجهات فعلية، أو أن يتطور الوضع إلى حرب أهلية، لا سمح الله.. كل هذا يعتبر أهون من الاستسلام للمرض، لأن مرحلة العلاج بكل تبعاتها تعتبر موقتة وإن كانت آلامها أشد، بينما آلام المرض غالباً ما تدوم أكثر وإن كانت آلامها أخف.
عموماً.. إن عملية إجراء مقارنات بين القوانين التي تسري على الإنسان لمحاولة فهم طبيعة القوانين التي تسري على المجتمع الإنساني لا يسعها المقال، لذلك سأبادر بسؤال: إلى أين سينتهي الربيع العربي؟.. حسناً، هنالك اتجاهان هما الأبرز عند البحث عن جواب لهذا السؤال، الاتجاه الأول يرى أتباعه أن ما يحدث الآن هو "خريف عربي" وليس ربيعاً، حيث النهاية ستكون مأساوية لدرجة تمزق المجتمع العربي إلى أقطار أصغر، مما سيُفقده هويته في الأخير. أصحاب هذا الاتجاه نسوا أن المجتمع العربي أساساً في القاع ولا مجال للانحدار أكثر، بل إلى أين سيسقط من هو في القاع؟! هنا يأتي أتباع الاتجاه الآخر "المتفائلون" ليحاججوا بأن الجِراح التي تُدمي اليوم في المجتمع العربي، سببها هو محاولة الارتقاء، جراح من أثر الصعود.. وهؤلاء "المتفائلون" يرون الربيع العربي فعلاً ربيعا، ويؤمنون بأن النهاية حتماً ستكون سعيدة، حيث سيتعافى المجتمع العربي تماماً، وسيستعيد أمجاده. وهؤلاء أيضاً سيجدون من يحاججهم بأن المجتمع العربي يكاد ينهار فعلياً وهو في بداية الارتقاء، بالتالي ماذا سيتبقى منه للقمة؟
إن جميع الاحتمالات واردة إذا ما أردنا استقراء ملامح "الربيع العربي" وملامح نهايته تِباعاً.. لكن الأمر شبه المؤكد أن ما شهدناه حتى الآن ليس إلا الجزء الأسهل، وهو الجزء الذي ينهار فيه رأس الجبل ثم تزداد الصعوبة عند انهيار باقي الجبل، بمعنى آخر أن تغيير المؤسسات الفاسدة أسهل من تغيير الثقافة منبع الفساد، وتزداد الصعوبة أكثر وأكثر عند محاولة البناء من جديد

انعكاسنا في المرآة

لنتوقف قليلاً لكي نتأمل انعكاسنا في المِرآة، ماذا سنرى؟ .. مجتمعا متحررا أم منغلقا أم منفتحا؟ ماذا سنرى بالضبط؟ أم إننا نخاف النظر في المرآة تجنباً لرؤية الحقيقة؟ وما هي الحقيقة التي نخشى رؤيتها؟ أم أنه ليس هنالك ما نخشاه، لكننا فقط لا نهتم بالنظر إلى المرآة اعتقاداً بأننا قادرون على الوصول إلى طبيعة المجتمع "شفهياً" بأن يصف بعضنا لبعضنا الآخر طبيعة المجتمع كما يعتقدها، فيأتي ذلك البعض الآخر بوصف مغاير، ثم يدعي كل طرف أن الحقيقة لديه وأن الآخر يجهل طبيعة المجتمع.
ولا أدعي أنني قادر على رؤية انعكاسنا في المرآة، لكن ومن خلال نظرة تلصص إلى حال المجتمعات الأخرى يُمكِن القول إن المجتمع الطبيعي هو المجتمع الذي إن نظر في المرآة فسيرى مجموعة انعكسات مختلفة متضادة في كل تفاصيلها لكنها في المجمل ستُعبِر عنه.. الأمر أشبه بلوحة رسام، تكون اللوحة جميلة عندما يضع الرسام في كل جزء تفاصيل وألواناً مختلفة، وتكون بلا معنى إذا ما طلاها بلون واحد ليس فيه أي تفاصيل، كانت مجرد ورقة بيضاء فجعلها خضراء دون أن يرسم عليها شيئاً!
إن كان ما يضفي الجمال على لوحة متزاحمة الألوان هو التناسق، فإن ما يضفي الجمال على مجتمع متزاحم الثقافات هو التعايش، وأي مجتمع لا تتعدد وتتزاحم فيه الثقافات لن توجد في قاموسه كلمة تعايش من الأساس، لعدم الحاجة إلى تنسيق لوحة من لون واحد.
إن جزءاً كبيراً من مشكلتنا أن كل طرف يُريد أن يقنع الطرف الآخر بأن المجتمع لو نظر في المرآة رأى انعكاساً واحداً بعينه، ومن هنا تبدأ محاولات إقصاء الطرف الآخر على اعتبار أنه "ليبرالي" لا يُمثل طبيعة المجتمع أو "إسلامي" أيضاً لا يُمثل طبيعة المجتمع (كمثال)، برغم أن المجتمع يجب أن يتكون من كل الاتجاهات لأن الاختلاف والتضاد هنا سيعرف المجتمع على مفاهيم عدة كالتعايش والتسامح والتكامل.
ويمكن القول إن غياب الاختلاف سيجعل من التشابه داءً، ومع الوقت سيتطور داء التشابه إلى خلاف لينتهي ـ في الأخير ـ إلى صراع.. وفي المثل: "الاختلاف لا يُفسِد للود قضية"، فإن لم يوجد الاختلاف، فمن الطبيعي أن يختفي الود تِباعاً، وبلا ود فإن كل القضايا فاسدة!
الأمر نفسه ينطبق حتى على اللبنة الأولى في المجتع "العائلة"؛ فلو أن أفراد العائلة كلهم يرتدون الزي نفسه ويحملون الأفكار نفسها والطبائع نفسها، لساد جو من الكآبة ككآبة أن يتحدث المرء إلى نفسه في المرآة. الزوج والزوجة إذا ما كانا متشابهين فغالباً ما يلجآن إلى الطلاق العاطفي لأن تشابههما في كل شيء أو فرض تشابه متوهم هنا سيلغي مفهوم التكامل تماما.
والأمر يتكرر حتى على مستوى الإنسان الفرد؛ فعقله ـ على سبيل المثال ـ يتكون من مجموعة من الأضداد من الفكرة ونقيضها والصحيح والخاطئ، ثم ومن خلال تلك الأضداد تولد المعرفة وتتكون المعاني، فإذا ما حذفنا عنصراً اكتفاء بآخر فستتلاشى قدرة العقل على الإبداع.
إن الاختلاف سُنة من سنن الله في الوجود كله، ولو أراد الله استثناء الإنسان والمجتمع الإنساني من هذه السُنة لما خلقنا من الأساس .. نحن إذن بهذا النهج نريد أن نسير عكس الوجود، فطبيعي إذن ألا ننجح ولن ننجح أبداً، لكن عدم النجاح لا يمنع من تكرار المحاولة، هذا التكرار جعلنا نتخذ من النهي القرآني: (لا إكراه في الدين)، نهجاً نسير عليه ونُعممه ليس على الدين فقط إنما على كل شؤوننا.
نمارس عملية إكراه بعضنا بعضا على أن نكون نُسخا متشابهة في كل شيء، ثم يأتي من يأتي بشيء مختلف لنعاديه معاداتنا للشيطان الرجيم اعتقاداً بأن في تشابهنا توحيد صف على الرغم من صعوبة توحيد صف كل شحناته متشابهة!
ومن أجل كل ما سبق، يحق لنا أن نستغرب إذا وجدنا شخصاً يتحدث في الإعلام برأي مستقل حول قضية ما حتى وإن كانت "حفل زواجه"، فقد تعودنا على ترديد عبارة: "شعوري شعور أي مواطن"!
عموماً.. إن من أهم نتائج إصرارنا على أن يكون انعكاسنا في المرآة عبارة عن لون واحد هو "غياب الحوار"؛ هذا الغياب الذي يُؤكد على أننا في خلاف فعلي، خلاف طرأ كنتيجة منطقية عند تلاشي الاختلاف، لتُستبدل حينها لغة الحوار بتراشق اتهامات لا هدف منه إلا إغاظة كل طرف للآخر.
لكن وبعيداً عن نقائصنا، إن الواقع اليوم يشهد أننا في النهاية مجتمع طبيعي، بدلالة أننا نشهد تغيراً في المشهد الثقافي والفكري، تغيراً طرأت عليه العديد من المستجدات وبرزت فيه روح الانعتاق، نعيش مرحلة "العلاج" حيث يؤمن الكثيرون اليوم بأن "المختلف" في هذا الوطن لم يأت بدين جديد، بل لم يقل بأن صلاة الفجر ثلاث ركعات، وما عدا ذلك ففي الأمر سعة!
رسالة أخيرة.. إن في الجسد جراثيم مهتمها أن تقاوم العلاج للحفاظ على المرض وتطويره!.. إليها نقول: ستسمر الحياة.

الهروب إلى الماضي


الماضي ذكرى.. والحاضر واقع.. والمستقبل مجهول.
وطبيعة الإنسان أن يخاف من المستقبل؛ لأنه في مجهول. غير أن التعلق بالماضي بشدة غالبا لا يأتي إلا إن كان الواقع مزريا، وفي هذه الحال فإن الأمر لا يعدو كونه محاولة للهروب من الحاضر، للبحث بين ثنايا التاريخ عن قيمة مُتوهَمة يُطمِئن بها الإنسان نفسه أنه على قيد الحياة ثم لن يطمئن!؛ لأن الحاضر فقط هو ما يُضيف إلى الإنسان قيمة فعلية.
إن سر تفاخرنا اليوم بمآثر الأجداد، يكمن في أنهم أضافوا لحاضرهم ذلك الجديد الذي يتناسب مع واقعهم، ولو أنهم هاموا بسلفهم وتغنوا بماضيهم لما تركوا لنا اليوم ما يستحق أن نتفاخر به.. وحالنا اليوم يُنبيء في الغالب بأن من سيخلفنا لن يجد لديه ماضيا يتفاخر به؛ لأن ماضيه الذي هو حاضرنا لا شيء فيه يُورّث، وأحد الأسباب هنا أننا هائمون بماضينا جدا حتى أصبحنا مُجرد حلقة وصل بين الماضي والمستقبل ولا جديد.
من طبيعة الحياة أنها كتيار متدفق على الدوام، تيار لا يسكن ولا يتباطأ عند مرحلة معينة، ووحده المجتمع الذي يسمح لنفسه بالانجراف مع تيار الحياة بكل ما يحتويه من ثقافات وعادات وتقاليد دون خوف، هو من سيترك للمستقبل أثرا يستحق الإشادة به.. أما المجتمع الذي يخشى الانجراف، فسيتخطاه التيار ويتركه مكانه كأن لم يكن، فالحياة ستستمر دون الالتفات إلى المتخلف عنها سواء كان المتخلف إنسانا أم مجتمعا كاملا.. والتاريخ مليء بأمم مرت فيه دون أن تُضيف لواقعها شيئا يُذكر، فاستخسر التاريخ حينها أن يكتب عنهم شيئا، ليُصبحوا اليوم كأن لم يكونوا، على الرغم من أنهم في حاضرهم ربما كان لهم ثِقل إلا أنهم بالنسبة للتاريخ ليسوا أكثر من ثقل ميت.
هتلر قاد ألمانيا إلى حرب عالمية أنهكتها وتكالبت أغلب الأمم عليها ودخلت بسببه في فتنة شديدة حتى خسرت أغلب مواردها المادية والبشرية، ثم وفي سنين معدودة تعافت ألمانيا من تلك المأساة وحشدت كل طاقاتها للبناء والتعمير، بينما نحن ما نزال بعد ألف وأربعمئة عام نُحمِّل معاوية ـ رضي الله عنه - أغلب اللوم ونضع على عاتقة معظم أوزار حاضرنا.. نحن هنا نُحاكِم معاوية على ما نحن فيه تهربا من تحمل مسؤولية واقعنا كاملة.
وعلى الجانب الآخر، نرى في الماضي عمر بن عبدالعزيز، كماضٍ مُشرِق ، نُحكِمه في واقعنا.. نحن أمام عينة عمر التاريخية نبحث عن مساحة نمارس فيها حقنا الطبيعي من الشهيق والزفير، هذا الحق الذي لم نعد نملكه في الحاضر، والحقيقة أن تغنينا بأمجاد ماضٍ بائد لن يجعلنا نمتلك حق الاستنشاق، إنما نتوهم فقط أننا "أحياء ".
صحيح أن الماضي جزء من الحاضر بوصفه مُكونا رئيسا له، فالحاضر ليس إلا وليد تراكمات الماضي، ولا مجال أبدا للانسلاخ عنه، لكن من غير المنطقي أن يكون الماضي متحكما في الحاضر وفاعلا فيه بالشكل الذي نشهده .
إن المجتمع الطبيعي هو الذي يلجأ إلى الماضي فقط للإسهام في إثراء الواقع، أما المجتمع غير الطبيعي، فهو المجتمع الذي يحتكم إلى الأموات أو يُحاكمهم في كل أمور حاضره.. ونسل الأموات "أشباح ".
قد يعتقد البعض أني أبالغ في تقبيح ماضويتنا، حسنا.. إن الأموات يتحكمون بنا بشكل كبير جدا لدرجة أن هنا معتقدات قائمة على أفعال الأموات، ومذاهب سائرة على خطوات الأجداد، لا حياد ولا انحراف عما فعله السابقون: "إنا وجدنا آباءنا على أُمةٍ وإنا على آثارهم مُقتدون"، دون أن ننتبه إلى حقيقة أن أولئك السلف لو كانوا على نهجنا فعلا لأبقوا على الجاهلية الأولى !
بعد كل ما سبق، يُمكن القول: إن الجزء الأكبر من الماضوية التي نعاني منها اليوم ليست أكثر من لعبة سياسية تلعبها السلطات ككل، فكثير من رجال الدين والإعلام يُبحرون بعيدا عن الواقع، ويغرقون في الوهم.. فلم يعد مسموحا لأحد أن يكون فاعلا في حاضر مجتمعه؛ لأن بعض الأنظمة تخشى أن يلتف الجمهور حول من يُثري الواقع.
الأمر أشبه بالصراخ واستعراض العضلات الذي يُمارس في مجالات الرياضة والفن، فالكل في تلك المجالات يتحلى بأريحية نقدية كاملة؛ لأن الصراخ هناك هو صراخ في فضاءات شِبه تخيلية تخلق في المجتمع حرية زائفة لا أكثر.
كذلك الأمر عند الاحتكام إلى الماضي؛ لأنه أيضا فضاء شِبه تخيلي لا حياة فيه، وتلك السلطات لا تُمانع في ذم أو تقديس من عفى عليه الزمن لكنها تُمانع عند الانتباه إلى المفسدين الذين يعيثون في الحاضر الفساد !


[ الهوية هي ما نُورِث لا ما نَرِث، ما نخترع لا ما نتذكر.. الهوية هي المِرآة التي يجب أن نكسرها كُلما أعجبتنا الصورة ] .. محمود درويش

رسالة إلى السيد حسن نصرالله



تحية إجلال و تقدير و ( تطهير ) لـ ( آل البيت ) ولمن جاء من نسلهم صدقاً بلا تزوير ، إلا من إرتكب منهم جرماً أو فحشاً فهذا لن يُفيده النسب .. فكيف بمن إنتسب إليهم زوراً ليستر فجوره عن أعين الأتباع ؟
إن الصادق في نسبه لآل البيت إن فـَجّر فهو ليس أكثر من بدرة سؤ في أرض طاهرة ، أما من كذب في إنتسابه إليهم فليتبواء مقعده من النار !
إن التزوير في الإنتساب لآل البيت ليس دا جدوى إلا عند أقوامً يُقدسون الأشخاص دون الله ، فتسيل من أجل ما يجلبه التقديس حينها من منافع ، لِعاب الأنجاس .. فالمكاسب الدنيوية هائلة و الأغبياء كُتـُر ، بالإضافة إلى أن هالة القُدسية تُجيز إرتكاب كل فجور فيهون حينها عذاب السعير في عين من كانت غايته الدنيا والإفساد فيها .

تحيتي إليك إن ألقيتها فمرد هذا أننا نعيشُ في زمنً قد تشوهت فيه الأخلاق و تقزمت الرموز .. حتى غدى أطولنا قامة " قزم " ، لذلك سأبعث إليك برسالة لا تحية فيها .

يا سيداً في بيئة تتستر بحب آل البيت لتمارس كل أنواع الضلال .. بيئةَ نشئت بمعية الشيطان
يا سيد قومٍ قد إنحدرت أخلاقهم وسائت ثم فسدت حتى خالفت كل عُرفٍ و خُلقٍ ودين ، بل خالفت حتى المذهب الشيعي الأصيل .. وكيف كان الأوائل فيه يقفون موقف المقاومين للظلم وفي صف المظلومين ، وكيف ترك "زين العابدين" مآثراً قد سجلها التاريخ ، فماذا سيُسجل التاريخ اليوم إلا أن شيطانً إرتدى رداء الدين وراح يُبرر للطاغية كل آثامه و إجرامه ويمده بالمال و الرجال لنحر المستضعفين !

فلا سامح الله البغي .. والوجيه الكالحة
لا سامح الله الكذب .. و الأيادِ الغادرة
لا سامح الله الدجل والزور و الإنتساب عِنوة لنسل فاطمة

هذه الكلمات ليست محاكمة لمذهب إن هي إلا زفرة موجهة لمن جعل من نفسه وصيً على جهلاء العامة حتى أقام فيهم صرحاً من خيال ومنه راح يُنادي بالصمود عبر لطم الخدود و البكاء و جرح الصدور والممانعة بالسجود على تربة الغباء .
قد أعلن السيد في لحظة سِفه و إستعلاء ، موت ( التقية ) و إنتفاء الحاجة إليها ، مستنداً في قراره على سرابٍ يحسبه من شِدة الظمأِ ماءً ، والمسألة مسألة وقت حتى يصل مبغاه ليجد الله عنده ثم سيوفى حسابه .
لقد فات الآوان على إستخدام التقية ، ولن تغفر لك الجموع تماديك في الفجور ، حتى وإن جمعت كل تُربة دمشق لتسجد عليها .

رسالة إلى المخدوعين بسماحته ، المغرورين بطلته البهية ، المُعجبون به كرمزاً للمقاومة .. أولئك الذين رآوا فيه بصيص أمل في زمنٍ أغبر فأتضح أن بصيصهم صوص وأن أمه المجوسية قد نكحها بعلاً عِبريّا .
رسالة إلى المتوهمين بأن الكرامة قد تخرج من رحم المذلة وأن الإنعتاق سيأتي به من خضع للملالي الفارسية .
هذه دمشق كم آوته وناصرته و أيدته حينما كان في المهد يحبو ، و قدمت له كل دعم ، و كم فتحت له أبوابها و قاسمته خبزها .. ثم وفي لحظة سُعِر وهاج وبصق على كل جميلٍ قدمه الشعب لينقلب عليه ويغمِد سكين الغدر في نحر قومٍ أجبنهم أشجعُ من كل عنترياته الفارغة .

هاهو السيد المُهاب يوجه لسانه إلى إسرائيل وسيفه إلى العرب !
هاهو فارس الزمن الرديء يُمارس الممانعة و الصمود على أجساد الثكالى و الأرامل و اليتامى !
هاهو القُبح حين يتسمى بـ حسن !

إن الحقيقة يا سادة أن فارسكم المُهاب يحمِلًُ في أحشائه حِقدُ أبوان ، ويأتيه الحيض مرتان .
قد تضخمت أثدائه وهو يصيح فينا صباحً " ممانعة " وفي المساء تُملي عليه إيران ملامح الصمود ، ليخرج علينا في المساء صائحً بالصمود .. والملايين تجلس كالأبقار تُصفق تصفيقاً حاراً لسيدها الذي قد فُضّت بكارته من الوريد إلى الوريد وهو يصرخ " مقاومة " !
لكن عزائنا الوحيد أن تنتصر الثورة السورية و ينال الشعب حريته .. حينها سيكون للحديث طعمً أخر وسيُلاحق الفاجر أينما حل حتى وإن هرب إلى جحور التقية .

بعد كل هذا ، كنت أريد أن أكتب للسيد حسن رسالة ، أعلم أنها لن تصله لكنني حاولت أن أعبر عما في خاطري ، لكن سأُحجِم عن كتابتها لأن القادم من الزمن يحمِل في طياتِهِ رسالة لن تخيب -بإذن الله-
رسالة عنوانها { فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَاب إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَاد }