التطور .. وجهة نظر مختلفة ( 2 )




المحور الثاني ،،،


إن الأحاجي التي يقف أمامها الإنسان وهو عاجزاً عن الوصول لأي جواب شافي حولها ، تتعدد بلا حصر .

نوعاً ما يُمكِن القول أن أحاجي الكون تلك تنتظم إلى درجة كبيرة عندما يُؤمِن المرء بوجود خالق ، خالق جعل كل أسرار الكون تتكرر في كل ذرة من ذراته ، ذلك التكرار يُعتبر كعملية حِفظ معقدة لكل الأسرار .. خالق يُسيِّر أنظمة الوجود وفق إنضباط شديد وقوانين ثابتة ، وعندما نقول أن الوجود يسير وفق قوانين منضبطة فهذا يعني أن هنالك " وعيً " يُسير الوجود ، ولا مكان هنا للعشوائية أو التخبط .

( كُن فيكون ) .. ( كُن ) هي أمر والأمر هنا يتطلب إدراج كافة المُتطلبات في الكائن ليكون .. ( فيكون ) لا تعني أبداً أنه سيكون فجأة بلا تدرج في المسألة !

عموماً ..

الماديون أو الداروينيون أو غيرهم ، لديهم وجهة نظر مختلفة ، وللأمانة فأولئك الذين يُنكرون وجود خالق لا يختلفون كثيراً عن " الأخرون " الذين يُؤمنون بوجود خالق إيمانً أعمى .

الطرفين في الأخير يتبعون أراء و معتقدات أشخاص ولا يتبعون الحقيقة .. هذا في الغالب

أيضاً .. سنجد أن موقف مُنكري الخالق من نظرية التطور وعملية تأييدهم لها تأييداً أعمى لا يختلف كثيراً عن الرافضين للنظرية على عماه إيمانً بالخالق !

وأحد دلالات تطرف الطرفان أنهم يتقاتلون حول الأفكار الهامشية لنظرية التطور ، كفكرة تطور الإنسان من قرد .. وصراعهم على هذه الهوامش تحمل دلالات واضحة أن المسألة برمتها ليست أكثر من صراع بين جميع الأطراف ، صراعً غايته فرض الرأي بغض النظر عن صحته أو عدم منطقيته ، صراعً ليُثبِت من خلاله كل طرف وجهة نظره عبر الضجيج والصراخ في كل مكان .. ولهم من الصراع مآرِّب أخرى !


***


لقد شهِدت نظرية التطور خلال العقود الماضية ألاف الأبحاث والدراسات والإكتشافات التي تمت وأجريت لهدف واحد وهو إثبات صِحة أن الإنسان تطور من قرد ، لدرجة أن الإعلام وعبر الأفلام والأفلام الوثائقية وحتى الرسوم المتحركة كثيراً ما عرض الفكرة بشكل أو بأخر ، كل ذلك حتى يُزرَع وهمً عالمي يُحول تلك الفكرة إلى عقيدة يُؤمِن بها الناس !

ولو تآملنا في المسألة سنجد أن كل ذلك الضجيج العلمي والإعلامي هو في وزن اللاشيء ، فلا توجد إلى الآن وبعد كل تلك الدراسات إجابة منطقية للكثير من الأسئلة ، أسئلة على شاكلة : كيف توصل العلم إلى أن لسلف الإنسان شعراً يكسوه كالقرد ؟ ، كيف إستنتج العلماء أن ملامح سلف الإنسان  كانت بالضبط ملامح قرد ؟

إن الأحافير لا تُجيب عن هذا أبداً ، لكن الأجوبة التي وصلت إلينا هي عبارة عن عملية تزييف للحقائق وإظهارها بمظهر علمي يتوافق مع فِكر ومعتقد العلماء أنفسهم !

وحين جاء الدور على الجينات لعب الداروينيين على وتر التشابه الجيني بنسبة 98% بين الإنسان و القرد، مع العلم أن نسبة التشابه الجيني بين الإنسان والفأر هي 99% !

إن تلك التشابهات الجينية لا تدل على تطور كائنً من كائن ، ولا تدل على أن الأمر تم بالصدفة ، إنما تدل على وحدانية المُوجد الذي أوجد الحياة بكل ما يدب فيها من جوهراً واحد ، لدرجة أن إختلاف 1% في الجينات يُفرِق بين إنسان وفأر .

بل إن التغير في الجينات واضح أنه تغيراً بوعي وبحِكمة وليس عشوائياً ، تغيراً بهدف ، ولو أنه كان عشوائياً ربما لوجدنا مخلوقاً مشوهاً ، خليط بين الفأر والإنسان والقرد .


ثم يأتي سؤال أخر لا جواب له عند الداروينيون : كيف نستطيع عن طريق أحفورة لها ملايين السنين أن نكتشف طبيعة حياتها " إجتماعياً وثقافياً " ؟

أحد الأفلام الوثاقية التي أجريت على أحفورة ، عرضت من خلال سياق الأحداث في الفلم رحلة إكتشاف الأحفورة ثم عرضها على العلماء والمختبرات والمعامل ، ثم توصل الجميع إلى أصلها وفصلها بل ورسموا رسمً توضيحياً لملامح الأحفورة وياللمصادفة .. لقد كانت تشبه القِردة إلى حد بعيد !

كل هذا يهون أمام التفاصيل الأخرى ، فقد جعلوا الرسم التوضيحي للأحفورة يظهر وهو مرتدياً جلد حيوان وشعره كـّث ولا يتحدث إلا كهمهة أو صراخ .

عن نفسي لا مانع لدي من تصديق تلك الخزعبلات ، لكن أن يعرضون الأحفورة من خلال المشاهد التخيلية المتضمنة للفلم أنه كان يمشي مع مجموعة بسيطة وهم يحملون العُصي والحجارة لإصطياد الحيوانات ، وكيف أنهم بعد صيد أحد الحيوانات راحوا ينهشون اللحم كأنهم بهائم !

في الحقيقة إن تلك التخاريف تتكرر في كل الأفلام الوثائقية ، وهي نفسها تتكرر في كل الكتب العلمية التي تتحدث عن التطور .

والسؤال : كيف توصولوا إلى تلك المعلومات من خلال العِظام ؟

طبعً هنا يتوهم السائل أن مجرد طرح السؤال دليلاً على غبائه ، لأن معامل ( الغرب ) و مختبراتهم و علمائهم الأجلاء هم الذين قالوا لنا هذا ، بالتالي لا يحق لأحداً بعدها أن يُشكك .

هي عملية فرض رأي بقوة إدعاء العلم .. لا أكثر


إن هنالك تصوراً يُراد لنا أن نؤمن به وهو أن الإنسان كان بدائياً كبهيمة الأنعام ، يعيش ليتزاوج ثم يختبيء خوفاً من الضواري، ولكي تكتمل حبكة الرواية قالوا أنه كان يعيش في جماعات كجماعات النمل مثلاً لا تستدعي منه أن يكون مفكراً أو واعياً حتى يستمر في الحياة !

فإن كانت تلك هي الحقيقة فعلاً فما هو الدليل هنا ؟ .. هنا سنجد ألاف الأدلة المزورة التي تعتمد على مبدأ الكذب المُغلف بغلاف العِلم ، كذبً لحد الضجيج حتى يصدق الناس بدون دليل !


دعونا نُحلل المسألة من خلال حاضرنا اليوم ..

اليوم وفي مجتمعنا البشري كما نعرفه فنحن نقوم بدفن موتانا من خلال مراسم معينة ، وبالمناسبة فإن مراسم الدفن تُعتبر أحد الأدلة التي يتخذها علماء الأحافير اليوم لمعرفة تحضر الإنسان المدفون إجتماعياً من عدمه ، بمعنى أنه لو كانت الجثة مدفونة بشكل عشوائي فهذا دليل عدم تحضر أما لو كانت في مقبرة فهذا يقود إلى تحضر .

عمومً .. إن عملية دفننا لموتانا في مقابر مخصصة وفق مراسم معينة ستؤدي إلى تفتت الجثة وتحللها إلى عناصرها الأولية ، بالتالي لن يبقى في الجثة شيئاً للمستقبل يقود الأجيال القادمة إلينا !

إن الجثث التي ستُحفظ في الأرض غالباً هي تلك الجثث التي تموت في حوادث معينة ولا تُدفن ، كأن يموت الإنسان في الجليد أو أن يغرق في الوحل ، حينها إذا ما جاء إنسانً ما في المستقبل ووجد هذه الجثة أو تلك وبمنطقنا اليوم فإنه فوراً سيبني إفتراضه بأن هذا النوع من البشر ( نحن ) كان إنسانً بدائياً كبهيمة الأنعام بدليل أنه لا يدفن موتاه !

ولو أردنا البحث في الموضوع من زاوية أشمل وأوسع .


الحضارة التي نعيشها اليوم ، المباني والآلات والكتب والأجهزة ، كل شيء بلا إستثناء وجوده مُرتبط بالكلية بعمليات الصيانة والعناية والإهتمام التي يقوم بها البشر ، فإذا ما طرأ طاريء من أي نوع كحرب عالمية مثلاً أو تغيير مناخي أو بيئي هائل أو أي تغيير عمومً يجعلنا عاجزين عن القيام بعمليات الصيانة تلك فسينهار الجزء الأكبر من حضارتنا !

إن أي إهتزاز في المجتمع البشري يعني غياب القدرة على الحفاظ على ما أنتجه المجتمع سابقاً ، لأن عملية الحِفاظ على الحضارة تستنزف الكثير جداً من المجهودات المادية والموارد البشرية ، والمجتمع البشري أمام الفواجع تُصبِح مسألة الحفاظ على إستمرارية الحياة بالنسبة له أهم من الحفاظ عما سواها بما في ذلك الحضارة نفسها !

النتيجة الحتمية هي إنهيار الحضارة في تلك الحالات الإستثنائية ، ولن يتبقى في المستقبل إلا اليسير مما يقود إلى وجودنا اليوم ، ذلك اليسير إذا إكتشفه علماء المستقبل – فرضً- وبحسب عقليتنا اليوم فالإستنتاج الطبيعي الذي سيتوصلون إليه سيكون مشوهاً لأنه سيبنون فرضيات علمية بناءً على أشياءً بسيطة .

ماذا لو أن ذلك اليسير الذي سيبقى من حضارة اليوم هو بيوت الطين أو البيوت المحفورة في الصخر ! .. ماذا سيستنتج علماء الغد من خلال بيوت الطين ؟

الجواب هو أنهم سيفترضون في المستقبل بأن حضارتنا اليوم حضارة بدائية .

فماذا إن دفنت الأرض حتى بيوت الطين والأدوات المستخدمة ؟

الجواب بأن الإنسان في المستقبل سيضحك في وجه من يقول أنه كانت على الأرض حضارة متقدمة ! .. وفي أحسن الأحوال قد تصبح حضارتنا اليوم مجرد أسطورة يرفضها علماء المستقبل لتندرج في خانة التخاريف ، تمامً كما أدرجنا حضارة قارة أطلانطس في نفس الخانة !


المباني ستنهار و تتحلل .. النباتات ستُغطي الأرض لتدفن أكثر المعالم البشرية فيها .. التربة ستزحف على المدنة لتدفنها تدريجياً .. الكتب ستتحلل هي الأخرى إن لم تتوفر لها ظروفاً معينة تحفظها .. الحديد الذي نصنع منه الآلات سيصدأ ويتفتت ويعود للتراب .

في الأخير لن يبقى من كل هذه الحضارة إلا أشياءً قليلة ربما أبرزها رسومات اليد على جدران الكهوف !

وبمناسبة الحديث عن رسومات اليد على جدران الكهوف .. نحن اليوم نعتقد أنها عملية بدائية كان الإنسان ، ثم إفترضنا أنها في أحسن الأحوال هي دليل على بداية تطور الإنسان .

حسناً .. لماذا لا نرى الأمر أنه صورة أخرى لما يُعرف اليوم بـ " صك الملكية " ؟

أو لنفترض أن الإنسان في ذلك الوقت لم يعد قادراً على صناعة أدوات يُثبت بها وجوده فأضطر لحفر الصخر بالحجر .

كل شيء وارد ، والعِلم أساسً ليس إلا فرضيات


إن ما نعلمه عن أسلافنا القدماء في أغلبه ليس أكثر من صورة وهمية يُراد لنا أن نراها كما يتم عرضها دون أن نعترض .

وما يتم عرضه اليوم هو ما يُوافق أهواء ومعتقدات فئة معينة لغرض ما ، صورة تم رسمها بعناية فائقة لتجعل حقيقة بدائية الإنسان القديم وبهيميته حقيقة لا تقبل الجدل رغم عدم وجود دليل منطقي عليها .

وهذا ما يُسمى بالضجيج العلمي والتزييف والكذب ، وأن يظهر الكاذب بمظهر البرفسور العبقري خريج أرقى الجامعات حينها ستكون كل كذباته قابلة للتصديق !


أخيراً ،،

هي حلقات مترابطة ، والإنسان عليه أن يُعمِل عقله ، وأن يبحث عن الحقيقة بكل حيادية ، فالجهل ليس أن الإنسان لا يعلم إنما أن لا يعلم إلا ما يُراد له أن يعلم !

أن يُقال له إن أصل الإنسان قرد ، أو أنه كان بدائياً أو بهيمياً ... إلخ ، حينها سيؤمن بهذه المقولة كحقيقة علمية ثابتة كثبوت شروق الشمس ! لأن مصدر المعلومة يبدوا علمياً .

وهذا لا يعني أن ( فرضية ) بدائية الإنسان غير واردة أبداً ، بل هي واردة وإحتمال أن يكون الإنسان فعلاً كان بدائياً في القِدم ، لكن يجب أن نتعامل معها على أساس أنها مجرد فرضية لا حقيقة علمية ، فرضية من ضمن عِدة فرضيات .

غير أن ( فرضية ) بدائية الإنسان هي الفرضية الوحيدة التي يُسلط عليها كامل الضؤ في تهميش متعمد لباقي الفرضيات ، وعملية تسليط الضؤ هذه تجعلنا نتسائل عن الهدف ! .. فقط




وإلى المحور الثالث بإذن الله .

التطور .. وجهة نظر مختلفة ( 1 )


تحذير 1 : أحاول هنا التحدث بلغة مبسطة لأني أكره الإستعراضات اللغوية ، فالموضوع أولاً وأخيراً أراء خاصة وليس بحث علمي
تحذير 2 : الموضوع سأدرجه على دفعات ، كلما إنتهيت من جزء سأدرجه ، وهنا سأدرج المحور الأول ، مع العلم أنني لحد الآن إنتهيت من ستة محاور ، وهذا يقودنا إلى التحذير الثالث
تحذير 3 : الموضوع طويل ، طويل يا ليل .. فـ إلي ما عنده نفس ، وما يحب الفلسفة المطولة ، أنا آسف إني أطلب منه يِشوف له شي مفيد :)



مقدمة ،،،

كبداية .. إن الذي ينظر إلى الإيمان على أنه شيء مُنفصِل عن العِلم فهو بنظرته تلك يُشوه صورة الإيمان لدى الأخرين ، كذلك من ينظر إلى العلم أنه شيء مُنفصل عن الإيمان فهو يُشوه صورة العلم لدى الأخرين.
كلاهما متطرف في إتجاهه ، و دائماً نقاط التطرف تكون الأبعد عن الحقيقة .
وكما أن المتطرف دينياً قد يُفسِر الآيات لتوافق تطرفه ، كذلك المادي قد يُزيف المعلومات لتُوافق تطرفه .. وقد يأتي المتطرف دينياً بمظهر العالم الذي يُشار له بالبنان، كذلك يأتي المتطرف المادي بمظهر العالم الحائز على أعلى الجوائز و الشهادات .
في الأخير لا يُمكن " بالنسبة لي على الأقل " أن أقبل أراء الإثنان ، لأنها اراء مبنية على تعصب ، والتعصب يجعلهما  بعيدين تمامً عن الحقيقة .

وهذا لا يعني أبداً بأن العلم والإيمان شيئاً واحداً ، فهما شيئان مختلفان لكنهما ليسوا منفصلين ، يُمكن تشبيه الأمر بـ " التوائِم " رغم أنهم يتشابهون فيما بينهم إلا أن لكل واحداً منهم شخصيته المستقلة ، كذلك العلم والإيمان يُكمِلان بعضهما وذلك التكامل يتضح إذا علمنا أن للعلم أدواته وللإيمان أدواته والإثنان يؤديان إلى نفس النتيجة .

إن الماديِّين الذين يُنكرون وجود خالق لهذا الكون سيقفون عاجزون تمامً عند الإجابة على كل الأسئلة التي تبدأ بـ ( كيف ؟ ، من ؟ ، متى ؟ ... ) وعلى الرغم من أن تلك الأسئلة غالباً هي التي قادتهم إلى إنكار الخالق إلا أن عملية إنكارهم له –سبحانه- لم تُوصِلهُم إلى الإجابات ! .. ولن يجدوا الجواب أبداً طالما أنهم قد كفروا بالجواب من البداية .

أحد تلك الأسئلة التي يحتار العقل أمامها هو ( كيف تحيا الكائنات ؟ )
فالصفة المشتركة لدى جميع الكائنات ( الحيوانات والطيور والحشرات والإنسان ... إلخ ) أن لها جسداً يتكون من أعضاء " بغض النظر عن طبيعة تلك الأعضاء " إلا أن الجميع لديه جسد يحتويه .
وبنظرة مادية نستطيع أن نفسر طبيعة تلك الأجساد و طبيعة مكوناتها بأن أجساد جميع الكائنات تتكون من مواد كيميائية محددة ، وتسري بين تلك المواد الكيميائية طاقة وهكذا تتحرك الكائنات .
ثم يأتي سؤال : لماذا تتوقف الكائنات عن الحركة فور الموت ؟ .. رغم أن المواد الكيميائية المُكوِنة للجسد ماتزال كما هي !
وهذا السؤال لا جواب له إلا إن آمن المرء بوجود روح  داخل هذا الجسد ، بالتالي فإن إنكار وجود الروح يعني تِّيهً وتخبط عن الجواب .
فما هي الروح ؟
هنا يأتي دور الإيمان .. وللمعلومية فالإيمان لا يأتي فقط بسبب عجز العقل عن إدراك الشيء ، إنما يأتي كإعتراف من الإنسان بمحدودية عقله ، ومحدودية العقل تلك من الطبيعي أن توجِد علمً قاصراً ، لأن العلم في الأساس هو نتيجة وليس غاية ، نتيجة تطرأ أثناء إعمال العقل أما الغاية هنا فهي الإيمان !
ولا أقول الإيمان بوجود خالق إنما الإيمان بأن وجود خالق هو الجواب الذي يُمنطِق جميع الأجوبة الحائرة .

*****************

المحور الأول ،،،

إن مفهوم التطور العام و " ليس النظرية " ، مبني على فِكرة أن الكائن قد إستمر لسنين عديدة في التجربة ثم وعن طريق المحاولات تلو المحاولات ثم الفشل وتكرار المحاولة من جديد ، ومع الوقت قد تطور إلى ماهو عليه اليوم .
هذا المفهوم " المُبسط جداً " عن التطور حتمً سيقودنا إلى نفي ( نظرية الصدفة ) لأن القول بالصدفة لن يجعل الجواب منطقياً ، فالصدفة لا تستلزم وجود حاجة والكائن يتطور لحاجة ، تلك الحاجة هي أن يستمر في الحياة .
ولو قلنا بصحة نظرية الصدفة فهذا لا يستلزم وجود حاجة لكي يتطور الكائن ، مثلاً : لا يجب أن يطرأ تغيراً في البيئة حتى يتغير الكائن لأنه عن طريق الصدفة قد يتغير فقط ، وإن تغير حينها فلا يوجد ضامن أنه لن يتغير إلى ما لا يتناسب مع البيئة !
وإن قال قائل أن نظرية الصدفة لا تتحدث عن هذا إنما تتحدث عن نشأة الكون ، فيستحيل حينها القبول برأيه ، لأن فِكرة الصدفة تجاه أمراً بسيط كالتطور بالمقارنة مع نشأة الكون غير منطقية فكيف ستتمنطق الصدفة تجاه أمراً أكثر تعقيداً كنشأة الكون !
عموماً .. إن فِكرة التطور العامة ستقود تِباعً إلى الإيمان بوجود خالق ، خالقً يُغير الكائن بنمط مُحدد ومُقدر ومتناسب مع أي تغير يطرأ في البيئة .. فتطور الكائنات أبداً ليس بالعملية العمياء إنما هي عملية واعية جداً ، تدل على وجود وعيً في الوجود الكلي يقوده بمقادير محددة متوازنة لا خلل فيها ، وإلا لتطور القرد فعلاً إلى إنسان !
وهذا سيقودنا إلى الفكرة الأهم في التطور .
( هل يتطور الكائن من كائنً أدنى إلى كائنً أرقى ؟ ) .. هل يتطور القرد إلى بشر مثلاً ؟
حسناً .. في البداية فِكرة تطور الإنسان من قرد ليست واردة هنا ، لأنها في الغالب ليست أكثر من خزعبلات تم زرعها في نظرية داروين لتشويه نظريته لا أكثر ، والمفارقة أن تلك الفكرة هي الركيزة التي يستند عليها الداروينيون !
لكن فِكرة أن يتطور الإنسان من كائنً أدنى إلى كائنً أخر أرقى ، تستلزم القول بأن هنالك كائنً أدنى وكائنً أرقى فعلاً ! .. بمعنى أخر أدق : لو أن الكائنات البدائية تطورت إلى كائنات متقدمة لأختفت الصورة البدائية لها ، أي إن القردة لو تطورت إلى بشر لما بقي قردة اليوم ! .. فإما أن يسري التطور على كامل النوع أو ستبقى الأجوبة معلقة .
والنقطة الأخرى أن القول بأن الكائنات تطورت من حالة أدنى إلى حالة أرقى يعني أن هنالك فعلاً كائنات أدنى ، والحقيقة أنه لا وجود لكائنات أدنى ! ، فكل الكائنات بالنسبة لبيئتها تُعتبر متطورة ، الأسماك في البحار متطورة أكثر من غيرها ، والطيور في السماء متطورة أكثر من غيرها ، والديدان داخل الأرض متطورة أكثر من غيرها .
ولا يعني إدراك الإنسان لهذا ، ومقدرته على مسايرة تلك الكائنات في بيئاتها أنه الأكثر تطوراً ، فغرور الإنسان وحده هو ما جعله يعتقد أنه الأكثر رقيً وتطوراً .
من هنا يُمكن القول أن التطور ينشأ في نفس النوع ولا يخرج عنه ، أي أن يتطور الإنسان إلى إنسان كمثال.
وهذه النقطة لا تعني أيضاً بأن الإنسان كان بدائياً " أدنى " ثم تطور إلى ما هو عليه اليوم ! فبدائية الإنسان البدائي كما يتم تصويره اليوم وأنه كان يعيش كبهيمة بلا عقل أو فِكر هي في الأخير فِكرة تم زرعها أيضاً عبر الضجيج العلمي لا أكثر ، فلا يوجد دليل على بدائية الإنسان إلا في الأفلام الوثائقية بلا إستناد علمي ، والمبدأ الوحيد المُعتمد هنا هو مبدأ " إكذب ثم إكذب " حتى تخلق فكرة عامة لدى الجميع !
بالتالي ، وكما أن الكائن لا يتطور من نوع أدنى إلى نوع أرقى ، كذلك هو لا يتطور من حالة أدنى إلى حالة أرقى ، فبالنسبة لتطور الكائن إلى نفس نوعه يُمكن شرحها بأن النوع نفسه يتأقلم مع التغيرات البيئية الخاصة بفترة زمنية معينة ، فإذا ما طرأت تغيرات بيئية جديدة سيتأقلم الكائن معها .
تلك العملية تُسمى بالتكيف والتأقلم وليس بالتطور ، غير أن التطور يأتي في اللوحة العامة ، في الصورة النهائية ، بمعنى أن عمليات التغير البيئي المتعاقبة وما يرافقها من عمليات تأقلم للكائنات على الدوام ، هذه العملية بالمُجمل تُسمى تطور .
ولو قلنا بأن الإنسان كان بدائياً ثم تطور فهذا لن يُجيبنا على سؤال : لماذا كان الإنسان قديمً أكثر قدرة على مقاومة الأمراض؟ ، لماذا كان جسدياً أقوى ؟ .. ألا يُخالف هذا فكرة التطور على إعتبار أننا اليوم أقل مقاومة للأمراض وأضعف جسدياً عن أجدادنا حتى الماضي القريب !
صحيح أننا تقدمنا صناعياً وعلمياً لكن هذا التقدم تم على حساب خسارتنا لصفات أخرى ، إذاً المسألة ليست أكثر من تعويض عن خسارة ، أو أننا تعرضنا لتلك الخسارة حين تقدمنا علمياً وصناعياً .
وأقرب توضيح للمسألة أن الإنسان والكائنات عموماً ، تتكيف إلى أقصى درجة مع كل تغير بيئي يطرأ في زمن معين ، هذا التكيف لن يتوقف أبداً .
ولو طرأ تغير في المستقبل ، تغيراً يمحوا كل دلالات الحضارة التي نعيشها اليوم ، فهل هذا سيعني أن يخلفنا خلف أكثر تطوراً أم لأ ؟
إن جاء أكثر تقدمً وتطوراً فهل سنتقبل منه وصفنا بأننا أدنى ؟
وإن جاء ذلك الخلف غير متقدم علمياً ويعيش في الغابات والسهول " عيشه بدائية " ، فهل سنقول حينها أنه تطور ؟
إذاً مسألة التطور ليست أكثر من عمليات تكيف وتأقلم متراكمة متعاقبة .






التطور .. وجهة نظر مختلفة ( 2 )

جدة "مو غير"

أبرز الفعاليات التي تُقام سنوياً في مدينة جدة، كالتالي:
( تطعيس، سفاري، تزحلق على الرمال، مهرجان القلزم، فلكلور شعبي، تنظيف الشاطئ!، صيد سمك، عروض سيارات، كرة قدم الحواري، مهرجان المأكولات، فعاليات الأسواق، مهرجان العودة للمدارس ) .. وأنتهت الصيفية !
إلا أن هنالك بعض المهرجانات الخاصة بالأطفال بالإضافة إلى مسابقات تجري داخل المولات لم أشأ إدراجها لكثرتها وقلة بركتها.

ومن أراد فليبحث عن الفعاليات التي تُقام في صيف جدة، وسيجد أغلب تلك الفعاليات تندرج تحت بند ( خلك في بيتك أبرك )

*****

عزيزي الزائر ..
نصيحة من محب، قبل أن تباشر القدوم إلى مدينة جدة، وبما أني أحد أبناء هذه المدينة، أحب أن أخبرك عن أشياء تحدث هنا قد تكون خافيةً عليك.
في البداية لابد أن تعلم أن كل ما يحدث هنا من فعاليات ومهرجانات لن تُسمنك أو تغنيك من جوع، لأن الأماكن الوحيدة التي تستقطب زوار جدة هي (المطاعم، الأسواق، الشاليهات، المستشفيات!)، ما عدا هذه الأماكن فليس إلا عملية "تعبئة فراغ" كل الهدف منها أن لا يُقال أن جدة ليس بها فعاليات.
فيا من تريد القدوم إلى جدة من أجل الترفيه، فكر ثم اسأل نفسك: هل يستحق أن أقطع ألاف الكيلومترات من أجل حضور مهرجان للزي الرسمي أو للوقوف في طوابير المولات؟!، اسأل نفسك: هل أنا أقطع كل هذه المسافة من أجل البرامج الترفيهية التي تُعلِن عنها "هيئة السياحة" أم أحضر من أجل مزاحمة الناس في الأسواق والشاليهات؟!.
إن قلت –وهذا المتوقع- أنك تأتي لجدة من أجل الأسواق والشاليهات فدعني أخبرك أن أسواق جدة ليس فيها شيئاً غريب، فالموجود هنا موجود في كل المدن السعودية، بنفس الديكورات وأشكال البائعين ! .. أما عن الشاليهات فدعني أهمس في أذنك بأن أكثر رواد الشاليهات هم الناموس والبعوض والذباب يرافق كل هذا رطوبة خانقة ومراهقين تائهين.

**

أنا كأحد أبناء مدينة جدة، لا أخرج من بيتي إلا لضرورة قصوى أو لقضاء حاجة مُلِحة، كأن أزور مريض أو أحضر عزاء أو ألبس دعوة، أما الخروج للترفيه كالذهاب للشاطئ فهذا أمراً نادر الحدوث، فالزحام شديد والشوارع حفريات، وهنالك إشارة بين الإشارة والإشارة يقف بجانبها رجل مرور يتهاوش مع أحد المخالفين للسير تاركاً الإشارة حمراء قدر المستطاع، وما يزيد الطين بلة أن كاميرة "ساهر" دائماً تتواجد في الأماكن غير المتوقعة، خلف أعمدة الإنارة أو داخل برميل القمامة.
أشياءً كثيرة في جدة تمنع أهل جدة من الخروج إلا لضرورة قصوى، حتى أصبح هنالك ما يشبه القناعة بأن الخروج لقضاء مشوار بات نوعاً من أنواع الجهاد!.

**

إنك إن قدمت فستُرحِب بك مدينة جدة لكنك في نفس الوقت لن تجد غرفة في فندق بسعر أقل من ألف ريال، فإن وجدت غرفة بأقل من هذا السعر فغالباً هذا لأن خلفها "مكب نفايات" أو تُطِل على شارع فرعي.
هنالك المطعم الدوار، ولا أدري صراحة لماذا وعلى ماذا بالضبط يدور؟، إن وجبة لشخصين في هذا المطعم ستكلفك أكثر من خمسمائة ريال فقط لأن المطعم يدور!، المشكلة ليست هنا، المشكلة أن كل الجهات التي يدور عليها المطعم عبارة عن خراب وضجيج، فجهة الغرب شارع مزدحم، وجهة الشرق حي شعبي، أما من جهة الشمال والجنوب ستجد الكثير من البوفيهات ومطاعم البخاري بالإضافة إلى بعض الحفريات.
وكلمة في سرِك: بالأمس قتلت "ناموسة" لها شكلٌ غريب، كانت شبيهة جداً بالهليكوبتر، فتذكرت "بحيرة المسك" فقلت: ربما هذه من نسلك تلك الحشرة التي عاشت على ضفاف "بحيرة المسك"، تلك الحشرة التي وجدها المختصون وبعد أن تفحصوها جيداً وجدوا أن هذا النوع من الحشرات المفترض أنه لا يعيش إلا في أحراش "الأمازون" وبعد الدراسة المستفيضة توصلوا إلى أن هذا النوع المتواجد بكثرة حول "بحيرة المسك" ليس إلى ناموس طبيعي تعرض للتشويه في تكوينه البيولوجي بسبب مياه الصرف الصحي.

ما علينا ...

*****

إنه من الغباء أن يتم إفتراض تطور السياحة في مدينة جدة نظراً لقدوم الزوار من مختلف المدن، فأشياءً كثيرة هنا لا تجذب أي زائر، ولا تفسير منطقي لتواجد الزوار بكثرة إلا أنهم يتواجدون لأنهم قد اعتادوا على التواجد في جدة كل صيفية، إلا أن بعضهم قد يكون مجبراً أم مُكرهاً أو فضولياً يأتي فيصاب بالإحباط.
هذا كل ما في الأمر، الناس اعتادت التواجد في جدة من باب تغيير الروتين فقط، تغيير روتين التواجد في مكان سيء بالقدوم إلى مكان سيء مثله، من الرياض إلى جدة مثلاً .

هذه هي الحقيقة ..
ليس في جدة أي معلم سياحي يستحق الزيارة، تم وأد بعض المعالم، وتم إخفاء بعضها الأخر، وما بقي فتم حشره في متاحف لا تفتح أبوابها إلا لوفد رسمي رفيع المستوى أو لرحلة مدرسية.
هنالك "مهرجان جدة الكوميدي" والذي يخرج منه المرء وقد زاد إكتئاباً وإحباط.

*****

وأخيراً، عزيزي الزائر ..
إن كنت تبحث عن الروحانيات، فهذه قائمة بأهم المحاضرات الدينية التي ستقام في مدينة جدة، وهي كالتالي:
- قواعد الأصول ومعاقد الفصول.
- التوضيح المبين لتوحيد الأنبياء والمرسلين.
- الكافية الشافية.
- شرح متن الاجرومية والرسالة التدمرية والرسالة الحموية والعقيدة الواسطية.
- ما ذئبان جائعان ؟!
ولا تنسى أن هنالك مفحط تائب سيحكي قصة توبته على الشاطئ، ليتعظ كل من تسول له نفسه بالسباحة !

فـ " خلك في بيتك أبرك " .. جدة مو غير ولا أي شيء، يضحك عليك إلي يقول إن جدة غير.

خارج الصندوق


(1)
قبل مدة قامت كوكبة من العلماء والمشايخ والدعاة بزعامة اللجنة الدائمة ، بإصدار بيانً يُندد ويُطالب بوقف هجمة الإلحاد المُنتِنة والتي ظهرت في بلاد الحرمين.
ما كانوا يبغون من وراء ذلك إلا الآجر والمثوبة ، والحفاظ على حَّياض الدين ، ومآرب آخرى أن يهِشوا بالبيان على القطيع حتى لا يهرب بعيداً عن السياج .. فخروج القطيع عن السياج معناه ضياع كل المكاسب التي تحصل عليها الراعي سابقاً وضياع المكاسب التي ما يزال يقطف ثمارها !
إذاً .. جانبً كبيراً من المسألة يدور حول تجنب الخسائر المادية والإجتماعية ، فالأرباح يسيل لها اللعاب والوجاهة تستحق التمسح بالدين ، وطالما الدين بات بضاعة لاتبور فمرحباً بالتخلف و أهلاً وسهلاً .

(2)
والسؤال الذي يُطرح أحياناً : هل في بلاد الحرمين إلحاد بمعنى إلحاد ؟
حسناً .. مجتمعنا ليس أفضل من مجتمع (خير القرون) ، فينا الفاسق والتقي ، فينا الفاجر والورِّع ، فينا المؤمن ومن يُخفي كُفره .. وغالبيتنا لا تهتم .
غير أننا المجتمع الوحيد الذي يآبى الإعتراف بأنه مجتمعً طبيعي ، ولهذا نًصِر جميعً على إدعاء أفلاطونية ليست فينا وتنزيه حاضرنا عن كل الرزايا .. نًصِر أن نُظهِّر إسلامنا أنه أشد وأقوى من إسلام الصحابة والتابعين وتابعي التابعين !
وتلك مسألة طبيعية بالنسبة لأي مجتمع تكثر فيه العيوب والتناقضات ، أن يدعي الطُهر والعفاف تمويهاً للناظرين .
لهذا كله سيكون جواب السؤال ، بسؤال : هل ما نراه اليوم كإلحاد هو في حقيقته إلحاد أم محاولة للخروج عن السائد ؟

(3)
( زنديق .. فاجر .. كافر .. ملعون .. عميل .. مُلحِد ...... )
إن عملية الخروج عن السائد مُؤلمة ، والجديد دائمً في عُرف المجهول ، والإنسان في طبعه الخوف من المجهول.
لذلك نستأثر الإنغلاق و الإنزواء و الإبتعاد عن إعمال العقل والتوجس من الأخرين لكي نرضى بالمألوف ، فنحن نعتقد اليوم أن السائد هو الحق المبين ! .. لم ننتبه إلى أن السائد وإن كان فيه من الحق إلا أن عدم التجديد فيه سيجعله مع الوقت آسن ومن يعيش في الأسْن لفترات طويلة سيعتاد الأمر إلى أن تُصبِح كل الممارسات فيه كعادة ، والعادة تِباعاً ستخلق عدم رغبة في التجديد .
سلسلة من عدة حلقات نحن من صنعها بإدعاء الحق .. سلسة إذا ما سقطت فيها حلقة واحدة سينفرط كامل العقد ، هنا يكون الألم الناتج عن إنفراط كامل العقد مؤلم لكن آلامه مؤقتة وعلينا أن نتحملها لأن الرضى بالسائد وإن كانت آلامه أخف إلا أنها ستدوم .
وكمحاولة لتجنب ألم إنفراط العقد نُسارع فوراً بإتهام من يُحاوِل تحريك حلقة واحدة من حلقات السلسلة بالزندقة والفجور والكُفر والإلحاد ، ونلعنه في صلاتنا وسجودنا و نُؤلِب عليه القانون.

(4)
نحن لا نريد أن نسأل أنفسنا : هل الإلحاد أو ما يُشاع أنه ظاهرة باتت تنتشر في المجتمع هل هو أمر ( ديني أم دنيوي ) ؟
فلو أننا نظرنا للواقع من حولنا سنجد أن المجتمع يُعاني جداً في كثيراً من جوانبه الحياتية الدنيوية .. البطالة ، المحسوبية ، الإحتكار، غلاء الأسعار، شُح الأراضي!، الفقر، ...... إلخ من الأمراض التي تندرج ضمن دائرة الفساد ، والمؤسسة الدينية هي جزء من أجزاء هذا المجتمع ساهمت في إفساده كما أنها تأثرت بالفساد.
فأين ومتى وكيف أصبحت مشكلة هذا المجتمع مشكلة دينية ؟
الأقرب للعقل وللباحث بإنصاف أن مظاهر الإنعتاق والإنحلال عن الدين ليست أكثر من صرخات مِن جيلاً مكلوم يُعاني منذ أن يستيقظ إلى المنام .. جيلاً يريد ويسعى إلى إيجاد حلاً يضمن له حياة طبيعية لكن الأبواب أمامه كلها مُغلقة بإحكام ، وتُرِك باب ( لا إله ) مفتوحاً كنوع من التنفيس.
إذاً .. جزءً مما يظهر كملامح إنعتاق عن الدين وصراخ وإنحلال ليس أكثر من لعبة سياسية !
والمسألة مسألة وقت حتى تختفي كلمة ( إلــه ) من صرخاته وتبرز ( لا ) .. لا لأي شكل من أشكال الفساد .. حينها لن يستطيع أحداً الوقوف في وجه لائاتِه .

حضرات الشيوخ الأفاضل إما أنهم لم يعوا الحقيقة أو لا يراد لهم أن يعوها ، حقيقة أنهم وأثناء البحث عن حل لإستشراء ( لا إلـه ) قد خلقوا مشاكل أعظم ، ومرد هذا إلى أن الشيوخ قد إستفردوا بالمواجهة رغم أن ( لا إلـه ) اليوم غالباً ليست موجهة إلى ذات الله إنما إلى من يعيث في الأرض الفساد وهو مُتلحفً برداء المتحدث بإسم الله أو يحميه وكيلاً من وكلاء الله.
كان الأولى أن يتنازل علماء الإجتماع و النفس والإقتصاد و غيرهم من لفيف المثقفين بمعاونة علماء الشريعة للبحث في أبعاد المشكلة ثم مُباشرة الحل .. الحل دنيوياً ثم دنيوياً فإصلاح واقع الفرد في المجتمع خير سبيل لضمان الراحة في أخرته .. هذا إن كان هنا من يهتم بأمر حيّاض الدين .
أما أن يكون البتر هو الخطوة الأولى في العلاج فهذا سيجعل من يتصدر للعلاج أول المتضررين.

(5)
إن المريض إذا ما كممنا فمه لمنعه من إطلاق صرخات الوجع فهذا لا يعني أنه لا يتألم .. إنما يعني شيئاً واحداً لا غير ، وهو أن الذي قد كمم فمه لا يُريد أن يُفتضح أمره ، لا يريد أن يظهر للعلن على حقيقته وأنه دجال وليس معالجاً
كطفلً يضرب أخاه ثم يسارع بوضع يديه على فم أخيه حتى يمنعه من البكاء ، الغاية من هذا التصرف الطفولي هي أن لا ينتبه الأب النائم في الغرفة المجاورة فيُعاقب المُخطيء .
كمعلمٍ يُهدد الطلبة أنه سيتقعد لهم إذا ما أشتكوه عند الإدارة ، حتى لا يتم نقله تأديبياً .
كشاب مستهتر من عائلة غنية يصدم بسيارته أحد المارة ثم يُسارع أبوه إلى دفع الأموال حتى يُلمم الفضيحة.
إن لتكميم الأفواه أشكالاً عديدة !
والأمثلة السابقة تنطبق تمامً على رجل الدين الذي يُسارع إلى قمع أصوات مُخالفيه ، وإتهامهم بالكفر والزندقة والإلحاد .. تصرفه ( ظاهرياً ) هو الخوف على حيّاض الدين ، لكن حقيقته أن رجل الدين يُريد أن يُخفي الحقيقة

(6)
ما يزال بيننا من يثور ويزبد ويرعد ويتوعد .. من أجل صندوق .
ما يزال بيننا من يريد إحكام إغلاق الصندوق وإعادته إلى سابق عهده ، مُغلقً بحُكم الشرع والقانون والعُرف !
ولم ينتبه هؤلاء أن الصندوق قد تكسر وتداعت أركانه ، فماذا سيفعل القفل والمفتاح ؟
من يبكي على الصندوق فليتنعم وحده بالتباكي عليه ، فهذا الجيل لن يكتفي بكسر القفل إنما سيُكسر كامل الصندوق سعياً إلى حياة طبيعية هانئة .. حياة فيها ربً أكبر ورسولً أعظم وإسلامً أوسع وأرحب .. حياةً لا يُحشر فيها المؤمنون في صندوق.

(7)
رسالة أخيرة :
إن ما ترونه يا أصحاب الفضيلة ويا دعاة ويا شيوخ ، يا مُفكرين ويا مثقفين .. بأنه من الكفر و الإلحاد يراه البعض بأنه ليس أكثر من محاولة للفِهم و إعمال العقل و السعي للبحث عن مخرج يُخرجه عن السائد الذي حشرتموه في أساسات الدين .
ومهما إرتأيتم ومهما إرتأى الأخرون ، فلم يُوكلكم الله على هؤلاء ولم يُوكلهم عليكم
يقول الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي :
[ ما من يوم إلا ويستأذن البحر ربه يقول يا رب إأذن لي أن أُغرق ابن ادم فأنة أكل رزقك وعبد غيرك .. وتقول السماوات يا رب إأذن لي أن أطبق على ابن ادم فأنة أكل رزقك وعبد غيرك .. و تقول الأرض يارب إأذن لي أن ابتلع ابن ادم فأنة أكل رزقك وعبد غيرك .. فيقول الله تعالى دعوهم لو خلقتموهم لرحمتموهم ]

فدعونا يا هؤلاء .. للخالق
فأنتم ولله الحمد .. لم تخلقونا

أسئلة حائرة


مُشفِقاً لا شامِتاً .. مُتأمِلاً لا مُتمَلمِلاً
ان يغير هذا الوطن من وجهته التي يسير إليها ، أو أن يُبطيء خُطاه المتسارعة والثابته إلى التِّيه .. هناك ستتشابه الأشياء ويختلط السواد بالبيّاض ، وسيُحارَب الإسلام بالإسلام ، ودعاة التنوير سينحتون ملامح التحضر على الأصنام .
سيتبراء الوالد من ولده إن لم يُحيي ثارات الأجداد ، وستتسم الخصومة بالفجور لأن الحديث حينها سيغدوا كالصراخ ، والهمس سيصدر كالنِباح .. وسيُتقِن الجميع زرع الجراح . 
إن وصلنا إلى التِّيه فلن نجد هناك إلا الفوضى .. وإرتكاب كل الرذائل في الفوضى مُباح .

 *** 

لماذا لا أحد هنا يُجِيب على ألاف الأسئلة الحائرات .. رغم كثرة الأفواه التي لا تصمت في أي محفل ؟
هل الناس تتأمل أم تتمنى ، أم هي واهمة لا مُنتظرة .. وصول الوطن إلى بّرِ الآمان ؟
هل برُ الآمان حقيقة أم مجرد سراب ، نحسبه ماءً لشِدة الظمأ ؟
هل الوطن يسير في الإتجاه الخطأ ؟ .. أم هذا هو إتجاهه الصحيح منذ أن بدأ المسير ؟
هل نحن نخاف من التحضر والإنفتاح حِرصاً على صفاء العقيدة ، أم نحن ندعي الفضيلة لنستر بها جهلنا بالتحضر ؟
هل هنالك من يدري ؟ .. أم لا أحد يدري !

***

الإعلام وكل يوم يعرض أمامنا نماذجً لا تُجيد سوى الصياح ، لماذا لم يتجرأ أحداً منهم ان يبدأ في تطبيق الحلول ؟ .. أم لم يعد أمامنا من حل سوى إنتظار صوت الإرتطام ؟

قِّيل أن الوطن كان قد بدأ في الحبوِ نحو الرُقي ، و أنه قد خطى خُطواته الأولى إلى التحضر فعلاً ، ثم جاءت حادثة (جهيمان) لتبتر الساق ، ومن يومها عجِز الوطن عن إكمال المسير .. وأنه أصبح كالكسيح !
آلا يُجيد الكسيح الزحف تشبثً في الحياة ، أم أن إدعاء الموت كان أفضل الحلول لضمان أيُ حياة والسلام ؟
لماذا كرِه المتأسلمين ملامح التحضر في البدايات ؟
لماذا يُعتبر التحضر عدواً للإيمان في الأساس ؟
لماذا يتم تشويه الحياة من باب الغِيرة على الدين ؟ .. وأيُ دين بالضبط ؟
هل لو أن الوطن حاول الزحف بعد تلك الحادثة ليُنهي مابدأه سيضمن الإستمرار ؟ .. أم إنه بإدعاء الموت قد ضمن الحياة فعلاً ؟
هل إحتلال الحرم كان حدثاً عّرضياً ؟ .. أم إنهُ مبدأً أصيل في ثقافة التوجس والإنغلاق ؟
هل السبب في بيئة الصحراء ! .. حيث التوجس طبع والحيطة من كل دخيل أسلوب حياة ؟
آلا يُفسِر هذا لماذا البعض هنا يكره الرّي و قطرات الندى ؟
ألن نفهم حينها لماذا يتم الحفاظ على نقاء العقيدة بحف التراب في وجيه العُصاة ؟

***


لماذا يتحمل المتأسلمين أكبر الأوزار ، وكأن مُخالفِيهِم فعلاً مُتنورين ؟
ألا تتساوى فوضى التدين عندنا مع فوضى التنوير ؟ .. إن كان الجواب بـ نعم فلماذا تتساوى الفوضى في كل الإتجاهات ؟ .. وإن كان بـ لأ فأين الإختلاف بالتحديد ؟
هل صحيح  ما يُقال بأن هناك من الإسلاميين من يُغلِّق كل الأبواب أمام المجتمع ويُشرعها للمُقربين منه ؟
وأن هناك من الليبراليين من يُشرِع كل الأبواب أمام المجتمع ويُغلِقها أمام أقرب المقربين منه إلى أن يكرهوا الحياة ؟
هل النفاق طبعٌ أصيل في جميع الأطراف ، أم أن ثقافة الكبت لا تُنتِج إلا النفاق ؟
ما يدور بين الإسلاميين والليبراليين ، هل يُحال إلى قانون الصراع الإنساني الطبيعي رغم مرارته أم هو صراعً شيطاني مُفتعل ؟
هل المنظومة كلها خرِّبة لا تُنتج إلا الخراب ، أم هنالك أجزاء دون غيرها هي الفاسدة ؟
ألم نتعلم أن التفاحة الفاسدة ستُفسِد باقي التُفاح ، أم إن كل التفاح في الصندوق فاسداً من الأساس ؟
هل الفوضى هُنا خَّلاقَة أم خَّنَاقة ؟

***

إن كان كل ما فات يُعتبر طبيعي حالنا حال أي مجتمع
فأين الخلل ؟
هل الخلل كما يُقال في النفط الذي جاء إلى بيئة لا تُقدِر النِعم ؟ .. أم النِفط جاءنا كبلاء ، أم البلاء في عقولنا؟
أخذنا نغرف بلا حِساب حتى أصبنا بالتُخمة !
هل زمن الطفرة هو السبب في جعلنا نتوهم حياة الترف ، أم نحن الذين عشنا في ترفٍ بلا ترشيد ؟
ألا يشعر الجائع بالشبَّع إن عاجلاً أم أجلاً ؟ .. فلماذا إذاً يستمر بعض الجائعون هنا بلا شبع ؟
ألا يكفي ملياراً ليشبع اللص ؟
ولماذا نهب المال العام من الأساس ؟ .. وإلى أين تذهب كل الأموال المنهوبة ؟
لماذا لا يبني اللص مصنعاً على أقل تقدير ؟ .. لماذا و لمن يتم التكديس ؟

هل كُنا قبل الطفرة أكثر تسامحً وتعايشً ؟ .. إن كان الجواب بـ نعم فهل من صفات ذو الأخلاق العالية أن ينهار سريعً عند أول إختبار ؟ .. وإن كال الجواب بـ لأ فمتى كُنا بأخلاق ؟

***

هل في كثرة المال خلل ؟
أم في الثقافة ككل ؟
أم في البيئة التي فرضت على طبائعنا الجفاف ؟
أم في التدين بلا وعي ؟
أم في الإنفتاح على عماه ؟

***

هل المواطن يتوجس بلا معنى ؟ .. أم أن المُحيِط من حوله مُحبِط ؟
هل المواطن يُريد أشياءً ليست من حقه ؟ .. أم أن حقوقه فوق قدرات الوطن ؟
هل ما نعيشه يُعتبر طبيعي وأن الفوضى من طبيعة المجتمعات ؟
هل الجنة مثوانا أجمعين ؟ .. ومتى إشترط الله بأن الجنة لا يصلها إلا من عاش حياته في جحيم ؟
هل كثرة المساجد دليلُ حِرص على الدين ؟ .. أم هي وسيلة لإلهاء المستضعفين ؟
كيف نُثني من يرى الهجرة عن الوطن هي الحل الوحيد ؟ .. نحن إن قلنا له هذا ليس بالحل سيُحاجج بأن معظم (النخبة) فعلاً مُهاجرين ؟
لماذا المسئول عن الصحة إن عطس سافر للخارج بحثً عن علاج ؟
لماذا أبناء المسئول عن التعليم يدرسون في الخارج ؟
لماذا القادم من الخارج يُعامل بشكلٍ أرقى ، وإبن الوطن يُعتبر كعالة ؟
هل الأجنبي أعلى شأنً أم المواطن هو الحقير ؟
هل الوافد يأتينا طامعً في المال ، أم هو يستغل تدهور الأوضاع لا أكثر ؟
من المُلام ؟
من الضحية ؟
من الغريم ؟
وأين الخلل ؟ .. أم أننا نتوهم فقط فلا يوجد أي خلل ؟

***********

 س: من هو ( روبرت لاسي ) ؟
ج: هو مؤرخ وكاتب سِّيّر وصحافي بريطاني .. درس التاريخ في جامعة كامبريدج
لا يهم
الذي يهم أنه صاحب كتاب (The Kingdom )
وصاحب كتاب ( المملكة من الداخل ) تاريخ المملكة العربية السعودية من عام 1979 حتى الآن
وبعد أن إنتهى من تأليف الكتابين ، وبعد أن إستغرق في تأليفهما جهداً في البحث و الدراسة توصل إلى نتيجة مفادها : [ إن السعودية واحدة من اكثر بلاد العالم لغزا ]