زَّبَدٌ وسَيَذْهَبُ جُفَاءْ


لا شيء يستقِرُ فوق الغثاء لأن طبيعة الغثاء أنهُ لا شيء أكثر من غثاء .. رَغْوة رغم ضخامتها وكثرتها تعجز عن الإحتفاظ بإبرة إن ألقيت عليها لتسقط من فورِها وتستقر على الأرض
من الطبيعي إذاً أن تسقط كل قِيّمُنا و أخلاقِياتُنا و مبادِئُنا و أعرافنا و تقاليدنا .. طبيعي أيضاً أن لا نقدر على حمل كرامتنا ولا إنسانيتنا ولا شرفنا أو عِزُنا ، و أن أي مُحاولة للإحتفاظ بتِلك القيِّم ستغدوا هباء .. فنحن قد أصبحنا مجرد غثاء

***

[ عربٌ قِحاح .. عَارِبة .. مُستَعرِبة ..... ]
نتفاخرُ بأنسابِنا لأننا لم نعد نملك ما يستحق أن نتفاخر به .. نتقاتل على توافِهِ الأمور حين فرطنا بكل دا قيمة
يتفاخر الصغير –يصيح-: أنا إبنُ الأكرمِين .. أنا إبنُ نسلٍ الطاهرِين .. أنا إبنُ قبيلةٍ جُذُورَها ضارِبةُ في أعماق العروبة ! .. أنا و أنا و الكثير الكثير من الغثاء
نتفاخر بأنسابنا و نحن نعاني من البطالة ونئِنُ فقراً وسؤ تعليم وتربية .. ويستمِرُ الشاب يُردد ( عندك سلف تكفى ! ) .. وما إن يستلم المبلغ حتى يذهب إلى أقرب رصيف ليتفاخر بين أصدقائه: أنا إبنُ فُلانِ الذي كان وكان ، أنا إبنُ الكِرام ، و إبنُ عشيِرةٍ تهابها السِباع !
ولو أن هذا و أمثاله كانت لعشائِرِهم و لأهلهم قيمة لأضافوا لحياتهِِم قِيمةُ بعيِداً عْن التفاخُر بِعِظَّامِ موتى و أمَجَّادٍ غابرة

إن أضعف الإيمان الآن أن نعترف جميعاً بأننا غثاء حينها أن نصمت خجلاً خيراٌ من ترديد كل عِبارات الغباء

***

العَالِمُ فينا .. عِلمَهُ غثاء
المُثقفِ فينا .. ثقافته غثاء
الحاكِمُ يَحكُمُنا كأنه إبتلاء
وإنسَانِيةُ الإنسان فينا ليست أكثرُ من غثاء
حتى ملامحنا في زمن الغثاء ليست إلا كصفحةٍ بيضاء .. الكُلُ يكتُب فيها ما يشاء كيفما يشاء
أليسَ كُلُ شيءٍ في الغثاء غثاء ؟
فما بال عالِمُنا يُصنِفٌنا كجُهَلاء ؟
وعلامَ المُثقفِ المُستَنِيرِ ينظُر إلينا نظرته إلى أغبياء ؟
يا أدعياء !
لو أن لكم وزنً لشعر العالَمُ بِوجودِكُم فعلاً ، لكنكم في معمة هذا الغثاء نسيتم عن غباء أنكم من أساسات الغثاء

***

بُلهاء و فينا بلادة ، لم نعد نكترث لما يدور من حولنا و لا نهتم ولا نريد أن نهتم ، حتى إن أردنا الأن أن تَكوّنَ لنا قضِيةً نهتمُ بِها فقد نسينا كيفَ نـُّكوِّنُ لنا قضية لنَهتم بِها
تضيعُ القُدسَ ، تُحرقُ الشّام ، تتخَبَطُ مِصَر ، تتقسّمُ السودان
يحكُمُنا الأراذل ، يتلاعبُ بِنا رِجالُ الدِينْ ، يتصدرُ جُهّالُنا منابِر الإعلام
تنكِحُنَا إسرائيل ، تَعتلِينا أمريكا ، يستهزيءُ بنا الغرب وكُلَ مْن هَب و دَب
ونحنُ لا نهتم ، فلم يعُد في عُرفِنَا شيءً مُهِم .. ولا شيءٌ يستحِقَ مِنا حتى البُكاء

***
يضع السياسي يدَهُ بيدِ كُلِ عدو ثُم يَصِفُ لنا خِيانَتهُ لله و لِرسولِه و للِمؤمِنين بـأنها حِنكة و دهاء ومن ضرورِياتِ السياسة ! ثم يخرجُ لنا من وحلِ الذُل و إحتقارِ الذات رافعاً علامةَ النصرِ المُبِين ، موضِحاً كيف أنهُ قد خرج سالماً مِن غزوِتهِ المُبَاركة التي مارس فيها كُلُ أنواعِ الإنبِطاحِ للأعداء

ويتشبه المُثقف بأفكارِ كُلِ الساقطِين ليجمعُها ثم يَتـَّقيَئُها علينا مُدعياً أنها من مُتطلباتِ الحضارة و الإرتقاء ! وكيف أن كل التحضر و التقدم و الرقي لابد وأن يبتديء بخلع عبائة الدين وشتم المُقربين و أن نقتدي فوراً بالمغضوبِ عليهم والضّاليِّن !

وفضيلة الشيخ يخطُبَ فينا عن أمجادِ ماضيٍ دفين ، وكيف أن في الإحتكام للأموات خلاصاً لنا أجمعين .. نسي أننا منذ ولدنا ونحن نحتكم في كل أمورنا إلى أمواتٍ فما زادوا حياتُنا إلا موتاً ، حتى تحول إسلامنا اليوم إلى دارِ عّزاء

***

في زمن الغثاء .. كل الخيانات بطولة
وكل محاولات رد الكرامة .. خيانة تستوجب العقوبة
وجنسياتنا في زمن الغثاء .. لعنة نحِمِلُ وِزرها في كل مطارِ و ميناء
ولغتنا تتحول إلى عِنوانً للتخلف و الإزدراء ، فيُصبح الناطق بها جاهلاً حتى يُثبِتْ العكس و غالباً لن يثبت العكس إلا بأن يتخلل لسانِهِ إعوجاج
لقد أصبحنا مُطالبين بتغيير ديننا و عقيدتنا و جلودنا و ألسنتنا و تاريخنا وكل شيء له علاقة بأرضنا فقط لنُثبت للعالم أننا لسنا غثاء رغم أن هذا التنكر هو الذي أدخلنا في الغثاء لكننا ما نزال نصر على تقديم التنازلات تلو التنازلات ظنً أننا بهذا نرتقي .. نحن فعلاً نرتقي إلى إنحطاط

***

الشريف يغدوا لصً .. و اللص تُفتح له الأبواب
و المُتهم بثبوت الأدلة يُبرئه القضاء .. لتُفتح السجون في وجيه الأبرياء
و المُحتال يختال بيننا ، يمشي في الأرض (لا مساس) .. و صاحب الضمير الحي تُلفق له التُهم كعقوبة رادعة غايتها تطهير الأرض من الشرفاء

***

نضحك على بعضنا بالأحلام والرؤى .. حتى أقتنعنا بأن المستقبل حتماً ولابد أن يكون لنا
وأننا في قادم الأيام سننتصر بالسيف و الرِماح و الحِجارة و العِصي كما إنتصر القدماء .. إن القُدماء إنتصروا بالعقلِ والعِلم والإجتهاد مُغلِفِين كل ذلك بالتوحيد ، ونحن ننشد النصر بالتقليد !

دائمً حكاية ما قبل النوم نفسها .. لا تتغير:
أنه قريباً جداًً سيهبط ليُصلي خلف رجلاً مِنّا إسمُهُ يُطابِقُ إسم نبينا .. وبعد التشهُدِ الأخير ستُملأ الأرض عدلاً كما ملئت اليوم جوراً و ظلمً .. حينها ستكون السٍيادة حتماً لنا
إنتهت الحكاية
أرأيت كيف أن النصر قادم لا محالة ، فلا تخف وتأكد أن تتلحف لتغط في نومٍ عميق
ودع المُنتَّظَرَوُن مع ربِهِم يُقاتِلون .. إنّا ها هنا نائمون !

***

هذا حالنا .. كزَّبَدٍ سَيَذْهَبُ جُفَاء