التطور .. وجهة نظر مختلفة ( 1 )


تحذير 1 : أحاول هنا التحدث بلغة مبسطة لأني أكره الإستعراضات اللغوية ، فالموضوع أولاً وأخيراً أراء خاصة وليس بحث علمي
تحذير 2 : الموضوع سأدرجه على دفعات ، كلما إنتهيت من جزء سأدرجه ، وهنا سأدرج المحور الأول ، مع العلم أنني لحد الآن إنتهيت من ستة محاور ، وهذا يقودنا إلى التحذير الثالث
تحذير 3 : الموضوع طويل ، طويل يا ليل .. فـ إلي ما عنده نفس ، وما يحب الفلسفة المطولة ، أنا آسف إني أطلب منه يِشوف له شي مفيد :)



مقدمة ،،،

كبداية .. إن الذي ينظر إلى الإيمان على أنه شيء مُنفصِل عن العِلم فهو بنظرته تلك يُشوه صورة الإيمان لدى الأخرين ، كذلك من ينظر إلى العلم أنه شيء مُنفصل عن الإيمان فهو يُشوه صورة العلم لدى الأخرين.
كلاهما متطرف في إتجاهه ، و دائماً نقاط التطرف تكون الأبعد عن الحقيقة .
وكما أن المتطرف دينياً قد يُفسِر الآيات لتوافق تطرفه ، كذلك المادي قد يُزيف المعلومات لتُوافق تطرفه .. وقد يأتي المتطرف دينياً بمظهر العالم الذي يُشار له بالبنان، كذلك يأتي المتطرف المادي بمظهر العالم الحائز على أعلى الجوائز و الشهادات .
في الأخير لا يُمكن " بالنسبة لي على الأقل " أن أقبل أراء الإثنان ، لأنها اراء مبنية على تعصب ، والتعصب يجعلهما  بعيدين تمامً عن الحقيقة .

وهذا لا يعني أبداً بأن العلم والإيمان شيئاً واحداً ، فهما شيئان مختلفان لكنهما ليسوا منفصلين ، يُمكن تشبيه الأمر بـ " التوائِم " رغم أنهم يتشابهون فيما بينهم إلا أن لكل واحداً منهم شخصيته المستقلة ، كذلك العلم والإيمان يُكمِلان بعضهما وذلك التكامل يتضح إذا علمنا أن للعلم أدواته وللإيمان أدواته والإثنان يؤديان إلى نفس النتيجة .

إن الماديِّين الذين يُنكرون وجود خالق لهذا الكون سيقفون عاجزون تمامً عند الإجابة على كل الأسئلة التي تبدأ بـ ( كيف ؟ ، من ؟ ، متى ؟ ... ) وعلى الرغم من أن تلك الأسئلة غالباً هي التي قادتهم إلى إنكار الخالق إلا أن عملية إنكارهم له –سبحانه- لم تُوصِلهُم إلى الإجابات ! .. ولن يجدوا الجواب أبداً طالما أنهم قد كفروا بالجواب من البداية .

أحد تلك الأسئلة التي يحتار العقل أمامها هو ( كيف تحيا الكائنات ؟ )
فالصفة المشتركة لدى جميع الكائنات ( الحيوانات والطيور والحشرات والإنسان ... إلخ ) أن لها جسداً يتكون من أعضاء " بغض النظر عن طبيعة تلك الأعضاء " إلا أن الجميع لديه جسد يحتويه .
وبنظرة مادية نستطيع أن نفسر طبيعة تلك الأجساد و طبيعة مكوناتها بأن أجساد جميع الكائنات تتكون من مواد كيميائية محددة ، وتسري بين تلك المواد الكيميائية طاقة وهكذا تتحرك الكائنات .
ثم يأتي سؤال : لماذا تتوقف الكائنات عن الحركة فور الموت ؟ .. رغم أن المواد الكيميائية المُكوِنة للجسد ماتزال كما هي !
وهذا السؤال لا جواب له إلا إن آمن المرء بوجود روح  داخل هذا الجسد ، بالتالي فإن إنكار وجود الروح يعني تِّيهً وتخبط عن الجواب .
فما هي الروح ؟
هنا يأتي دور الإيمان .. وللمعلومية فالإيمان لا يأتي فقط بسبب عجز العقل عن إدراك الشيء ، إنما يأتي كإعتراف من الإنسان بمحدودية عقله ، ومحدودية العقل تلك من الطبيعي أن توجِد علمً قاصراً ، لأن العلم في الأساس هو نتيجة وليس غاية ، نتيجة تطرأ أثناء إعمال العقل أما الغاية هنا فهي الإيمان !
ولا أقول الإيمان بوجود خالق إنما الإيمان بأن وجود خالق هو الجواب الذي يُمنطِق جميع الأجوبة الحائرة .

*****************

المحور الأول ،،،

إن مفهوم التطور العام و " ليس النظرية " ، مبني على فِكرة أن الكائن قد إستمر لسنين عديدة في التجربة ثم وعن طريق المحاولات تلو المحاولات ثم الفشل وتكرار المحاولة من جديد ، ومع الوقت قد تطور إلى ماهو عليه اليوم .
هذا المفهوم " المُبسط جداً " عن التطور حتمً سيقودنا إلى نفي ( نظرية الصدفة ) لأن القول بالصدفة لن يجعل الجواب منطقياً ، فالصدفة لا تستلزم وجود حاجة والكائن يتطور لحاجة ، تلك الحاجة هي أن يستمر في الحياة .
ولو قلنا بصحة نظرية الصدفة فهذا لا يستلزم وجود حاجة لكي يتطور الكائن ، مثلاً : لا يجب أن يطرأ تغيراً في البيئة حتى يتغير الكائن لأنه عن طريق الصدفة قد يتغير فقط ، وإن تغير حينها فلا يوجد ضامن أنه لن يتغير إلى ما لا يتناسب مع البيئة !
وإن قال قائل أن نظرية الصدفة لا تتحدث عن هذا إنما تتحدث عن نشأة الكون ، فيستحيل حينها القبول برأيه ، لأن فِكرة الصدفة تجاه أمراً بسيط كالتطور بالمقارنة مع نشأة الكون غير منطقية فكيف ستتمنطق الصدفة تجاه أمراً أكثر تعقيداً كنشأة الكون !
عموماً .. إن فِكرة التطور العامة ستقود تِباعً إلى الإيمان بوجود خالق ، خالقً يُغير الكائن بنمط مُحدد ومُقدر ومتناسب مع أي تغير يطرأ في البيئة .. فتطور الكائنات أبداً ليس بالعملية العمياء إنما هي عملية واعية جداً ، تدل على وجود وعيً في الوجود الكلي يقوده بمقادير محددة متوازنة لا خلل فيها ، وإلا لتطور القرد فعلاً إلى إنسان !
وهذا سيقودنا إلى الفكرة الأهم في التطور .
( هل يتطور الكائن من كائنً أدنى إلى كائنً أرقى ؟ ) .. هل يتطور القرد إلى بشر مثلاً ؟
حسناً .. في البداية فِكرة تطور الإنسان من قرد ليست واردة هنا ، لأنها في الغالب ليست أكثر من خزعبلات تم زرعها في نظرية داروين لتشويه نظريته لا أكثر ، والمفارقة أن تلك الفكرة هي الركيزة التي يستند عليها الداروينيون !
لكن فِكرة أن يتطور الإنسان من كائنً أدنى إلى كائنً أخر أرقى ، تستلزم القول بأن هنالك كائنً أدنى وكائنً أرقى فعلاً ! .. بمعنى أخر أدق : لو أن الكائنات البدائية تطورت إلى كائنات متقدمة لأختفت الصورة البدائية لها ، أي إن القردة لو تطورت إلى بشر لما بقي قردة اليوم ! .. فإما أن يسري التطور على كامل النوع أو ستبقى الأجوبة معلقة .
والنقطة الأخرى أن القول بأن الكائنات تطورت من حالة أدنى إلى حالة أرقى يعني أن هنالك فعلاً كائنات أدنى ، والحقيقة أنه لا وجود لكائنات أدنى ! ، فكل الكائنات بالنسبة لبيئتها تُعتبر متطورة ، الأسماك في البحار متطورة أكثر من غيرها ، والطيور في السماء متطورة أكثر من غيرها ، والديدان داخل الأرض متطورة أكثر من غيرها .
ولا يعني إدراك الإنسان لهذا ، ومقدرته على مسايرة تلك الكائنات في بيئاتها أنه الأكثر تطوراً ، فغرور الإنسان وحده هو ما جعله يعتقد أنه الأكثر رقيً وتطوراً .
من هنا يُمكن القول أن التطور ينشأ في نفس النوع ولا يخرج عنه ، أي أن يتطور الإنسان إلى إنسان كمثال.
وهذه النقطة لا تعني أيضاً بأن الإنسان كان بدائياً " أدنى " ثم تطور إلى ما هو عليه اليوم ! فبدائية الإنسان البدائي كما يتم تصويره اليوم وأنه كان يعيش كبهيمة بلا عقل أو فِكر هي في الأخير فِكرة تم زرعها أيضاً عبر الضجيج العلمي لا أكثر ، فلا يوجد دليل على بدائية الإنسان إلا في الأفلام الوثائقية بلا إستناد علمي ، والمبدأ الوحيد المُعتمد هنا هو مبدأ " إكذب ثم إكذب " حتى تخلق فكرة عامة لدى الجميع !
بالتالي ، وكما أن الكائن لا يتطور من نوع أدنى إلى نوع أرقى ، كذلك هو لا يتطور من حالة أدنى إلى حالة أرقى ، فبالنسبة لتطور الكائن إلى نفس نوعه يُمكن شرحها بأن النوع نفسه يتأقلم مع التغيرات البيئية الخاصة بفترة زمنية معينة ، فإذا ما طرأت تغيرات بيئية جديدة سيتأقلم الكائن معها .
تلك العملية تُسمى بالتكيف والتأقلم وليس بالتطور ، غير أن التطور يأتي في اللوحة العامة ، في الصورة النهائية ، بمعنى أن عمليات التغير البيئي المتعاقبة وما يرافقها من عمليات تأقلم للكائنات على الدوام ، هذه العملية بالمُجمل تُسمى تطور .
ولو قلنا بأن الإنسان كان بدائياً ثم تطور فهذا لن يُجيبنا على سؤال : لماذا كان الإنسان قديمً أكثر قدرة على مقاومة الأمراض؟ ، لماذا كان جسدياً أقوى ؟ .. ألا يُخالف هذا فكرة التطور على إعتبار أننا اليوم أقل مقاومة للأمراض وأضعف جسدياً عن أجدادنا حتى الماضي القريب !
صحيح أننا تقدمنا صناعياً وعلمياً لكن هذا التقدم تم على حساب خسارتنا لصفات أخرى ، إذاً المسألة ليست أكثر من تعويض عن خسارة ، أو أننا تعرضنا لتلك الخسارة حين تقدمنا علمياً وصناعياً .
وأقرب توضيح للمسألة أن الإنسان والكائنات عموماً ، تتكيف إلى أقصى درجة مع كل تغير بيئي يطرأ في زمن معين ، هذا التكيف لن يتوقف أبداً .
ولو طرأ تغير في المستقبل ، تغيراً يمحوا كل دلالات الحضارة التي نعيشها اليوم ، فهل هذا سيعني أن يخلفنا خلف أكثر تطوراً أم لأ ؟
إن جاء أكثر تقدمً وتطوراً فهل سنتقبل منه وصفنا بأننا أدنى ؟
وإن جاء ذلك الخلف غير متقدم علمياً ويعيش في الغابات والسهول " عيشه بدائية " ، فهل سنقول حينها أنه تطور ؟
إذاً مسألة التطور ليست أكثر من عمليات تكيف وتأقلم متراكمة متعاقبة .






التطور .. وجهة نظر مختلفة ( 2 )