إن الله جميل يحب الجمال


ما هو الجمال ؟
إن الطبيعة بأسرها بما عليها من أشجار و بحار وحيوانات و بشر ، عبارة عن لوحة فنية تفيض بالجمال أينما نظرنا إليها ، بالتالي سنجد أن الجمال ليس شيئاً قابلاً للتوصيف إنما هو شيء يُشاهد ويُحس ويُعايش دون محاولة الدخول في معمعة إيجاد تفسيرات له .
فتعريف الجمال يختلف عندي عن تعريفك له ، و ذلك بإختلاف أذواقنا و بإختلاف ما نصفه ، و كلانا صح .
قد ألبس ثوباً ممزقاً مُرقعاً تراه أنت قبيحاً لكنه الوحيد الذي أملكه فألبسه وأنا شاكراً لله عليه ، فيراه الله جميلاً .
قد تلبس ثوباً فاخراً ثميناً و تتعطر فيراك الله جميلاً .
قد يشتري شخصاً ملابسه بمائة ريال فتكون أجمل من الذي يشتري ملابسه بألف ، لأن المسألة مسألة ذوق ، و إختلاف الأذواق لا يعني أنك أجمل إلا في نظرك .
على الرغم من أن موضوع سعي الإنسان وميله إلى الجمال فطري ، قد جُبِل عليه و لا يستخسر في سبيله الأموال ، و على الرغم من أن مسألة تجمل الإنسان ضرورية لكي تتهذب المشاعر و يستصح السلوك الإنساني بل و يسمو الذوق البشري بالجمال .
إلا أن المظهر الخارجي ليس سوى القشرة الخارجية للجمال ، أو هو أرق طبقة من طبقات الجمال .
لأن هنالك ما هو أعمق وأوسع وأدوم من الجمال الخارجي وهو جمال المخبر ، الجمال الداخلي ، جمال الأخلاق ، جمال الصفات و الطباع و العادات ، جمال الروح .
فكم من إنسان حسن الوجه ، فخم الثياب ، يضع أغلى العطور .. ثم لا نجده مُستساغ المعشر ، بل ربما يكون تجمله بحد ذاته مصدراً لإزعاج الناظرين إليه ، لأن قُبح مخبره أو أخلاقه سيطغى على المظهر .
و كم من إنسان ثيابه مُمزقة فيُرقعها بإبتسامة صادقة ، ليكون حينها مصدر سرور للناظرين إليه .
وفي الحديث { إن الله لاينظر الى أجسامكم ولا الى صوركم ولكن ينظر الى قلوبكم } ، لأن هذا هو الجمال الحقيقي .
فما هو الجمال الذي يحبه الله ؟
هل يُحب جمال مظهرنا ؟ .. نعم ، لأن تجملنا هو نوعاً من أنواع شُكر الله على نعمه .
هل يُحب جمال أرواحنا ؟ .. نعم ، لأن هذا الجمال هو الأعمق و الأصدق .
غير أن هنالك جمال أعمق وأكبر وأهم مما سبق ، ولا أتحدث عن جمال التدين أو جمال العبادة أو جمال الروح أو جمال المظهر أو جمال الفـِكر ، فكل هذا التجمل خاص بالإنسان وحده هو حراً فيه ، أن يمتلكه أو يستغني عنه .
إنما أتحدث عن جمال التحضر ، جمال المجتمع المتمدن ، جمال القانون
وربما أكون مخطئاً .. لكنني أرى أن جمال المجتمع المتحضر هو الجمال الذي يُحبه الله أكثر ، لأن هذا المجتمع هو الذي سيفرض ملامح الجمال على كل ساكنيه ، فإن كان المجتمع غير متحضر سيغدوا الفرد فيه كئيباً مهما تجمل ، بل ربما يصبح تجمله شذوذاً عن القاعدة !
مثلاً :
أين الجمال عندما يكون كل المواطنين في أبها حُلة ، بينما يكون الوطن في أردى ثوب ؟
أين الجمال عندما يكون كل شيء حولك بلون رمادي ، و تكون أنت وحدك بألوان أخرى ؟
إن الطبيعة بأسرها بما عليها من أشجار و بحار وحيوانات و بشر عبارة عن لوحة فنية تفيض بالجمال ، والمجتمعات الإنسانية جزء من الطبيعة ، لا يصمد منها إلا من يُساير الجمال ، بينما يسقط من ينتهج القُبح عبر التخلف الحضاري ، وإن كان الجميع حِسان الوجيه .
فهل في مجتمعنا أي شكل من أشكال الجمال التي يُحبها الله ؟
نحن نلبس أفخم الثياب ، نشتري أغلى السيارات ، نبني الأبراج هنا وهناك .. رغم هذا لا يُوجد جمال ! ، لماذا ؟
نعبد الله ، نبني المساجد ، نخدم الحرمين الشريفين .. رغم هذا لا يوجد جمال ، لماذا ؟
لدينا وزارات ، إدارات ، دوائر ، أمارات ..رغم هذا لا يوجد جمال ، لماذا ؟
لأننا بإختصار ، ليست عندنا حضارة ، و الأدهى أنا لا نريد أن نخطوا إليها !
---
جميل أن يركب القاضي أغلى السيارات و يرتدي أفخم البشوت و يتعطر بالعود و المسك ، لكن الأجمل أن يحكم بعدل و إن كانت ثيابه ممزقة !
جميل أنّ القانون لا يحمي المغفلين ، لكن الأجمل أن لا يتنازل دائماً إن كان المًغفل من المترفين !
جميل أن نبني الأبراج و الفنادق و القصور و المنتجعات ، لكن الأجمل أن لا نستولي على أراضي الضعفاء لنتباهى !
جميل أن نبني و ندشن المدارس والكليات و الجامعات ، لكن الأجمل أن نتعلم !
جميل أن تكون لدينا حكومة ، لكن الأجمل أن تكون لدينا ديمقراطية .
إن كل ملامح الجمال في الوطن أصبحت قبيحة بشعة ، لأننا ركزنا على كل شيء جميل و أهملنا كل شيء أجمل .
ركزنا على بناء الوزارات و أهملنا ترسيخ معاني الأمانة و الإخلاص في العمل .
ركزنا أن يكون لدينا سوق يُغري للإستثمار و أهملنا مصلحة المستهلك .
ركزنا أن نكون دولة شعارها الإسلام و أهملنا التسامح و التعايش .
ركزنا على القشور و أهلمنا ما في الأعماق ، فكانت النتيجة أننا تهنا بين القشور و أبتعدنا عن كل معنى عميق للجمال ، حتى استحققنا بجدارة لقب " مجتمع قبيح " .
فهل فينا جمال يُحبه الله ؟
أين الجمال عندما يذهب المواطن في حال مرضه إلى مستشفى ثم يجد أن موعده بعد شهور ، سينتظر و يـُصبر نفسه بالمرض !
أين الجمال عندما يشتري المواطن لبساً بألف ريال و هو يعلم أنه لم يكلف التاجر سوى مائة ريال !
أين الجمال عندما يتباهى المواطن بوطن صنعه الوافدون ثم احتكره الفاسدون !
إن المجتمع يا سادة هو من يهب الجمال إلى الأفراد فيه ، عبر العدل و المساواة و الديمقراطية ، بدونهم سيغدوا كل شيء قبيح و إن فاحت في الوطن رائحة العنبر .
ولا يُمكن أن يتواجد الجمال في مجتمع رجعي ، أو متخلف ، أو منغلق ، أو حتى مستهلك .. فكل تلك المعاني لا تصنع سوى القبح و المزيد من القبح ، حتى الإنسان الذي يعيش في هذا المجتمع ومهما تجمل سيبقى ضمن دائرة القبح العامة .
لماذا ؟
لأنه لا يُمكن أن نتجمل فقط بالقشور ، ثم نبتسم إعتقاداً أن الله يُحب تجملنا !
ومهما إدعينا من عراقة وأصالة وإسلام وتاريخ ، مهما بالغنا في إدعائنا ، سنبقى في القشور .
ولو قارنـّا بيننا وبين الدول الأخرى ، و إن وجدنا فيها ما نعتبره حسب أعرافنا " تفسخ وماديات " سنجد أنها إستطاعت أن تكون الأجمل ، لماذا ؟ .. لأن تلك المجتمعات قد رمت إلينا بالقشور .
أقول قولي هذا لأني أحب الوطن .. وحب الوطن شيء جميل .. لكن الأجمل أن أحبه لما يوفره لي من حرية و حقوق .

0 التعليقات :

إرسال تعليق