"من يكتفي بالضجر والتململ وفي الوقت ذاته ينبذ أي تغيير باعتبار وجود المخاطرة، عليه أن يدرك أن الحياة ذاتها محفوفة بالمخاطر! " -- سلمان العودة
جسد الإنسان في حالات المرض يكون ضعيفً ، لكنه يكون أضعف في فترة العلاج ! ، وهذه هي ضريبة الشفاء .. أن يستنزف جسده أكثر لكي يتخطى المرض ثم يصل إلى الشفاء .
و للأمانة هذه ليست هي الضريبة الوحيدة ، فهنالك آلام العلاج التي
تتفاوت بدرجات ربما أخفها مرارة الدواء .
إن هذه هي سُنة الله في خلقه ، و أنا أؤمن بأن ما ينطبق على اللبنة
الأساسية ينطبق أيضاً على كامل البناء ، بمعنى أن ما ينطبق على الإنسان الفرد ينطبق
كذلك على المجتمع الإنساني ثم على الإنسانية بشكل عام .
الجميع يسير بنفس السنن الكونية ، إلا أن الإختلاف في الكيفية .
مثلاً ،،
كما أن الإنسان يمرض ، كذلك المجتمع الإنساني يمرض ، و على الجميع أن
يدفع الضريبة إن أراد الوصول للشفاء و الضريبة كما أسلفت هي العلاج .
فنجد مجتمعً متهالك هزيل لكنه راضيٍ بضعفه خوفاً من ألم العلاج ، هذا
المجتمع لن يصل إلى الشفاء ، لأن المجتمع كالإنسان الفرد من هذه الناحية "
أحياناً " حين يمنعه خوفه من العلاج أن يفكر في الشفاء ، بالتالي سيحاول أن يتأقلم
مع مرضه ، رغم أن هذا التأقلم سيزيد من حِدة المرض .
يُمكن تلخيص المسألة بأن ألم العلاج وإن كان أشد من آلم المرض إلا
أنه سينتهي ، بينما المرض سيستمر طويلاً وإن كان بألامً أخف !
-----
إن الإنسان الذي يُصاب بنوبة زكام سيتعاطى دواءً ربما يكون طعمه مُر
و ربما تكون له بعض الأعراض الجانبية ، لكنه سيتعاطاه رغبة في الشفاء .
حسناً في المجتمع المريض يُمكن تشبيه " التغيير " بذلك
الدواء المُر الذي ستكون له أعراضً جانبية ، لكن يجب أن يمر المجتمع بالتغيير و أن
يتقبل فكرة التغيير حتى يصل إلى الشفاء ! أو سيظل على عِلاته .. المسألة بهذه البساطة
و مرحلة التغيير " العلاج " هي مرحلة تكثر فيها الأزمات و
التقلبات ، تكثر الأوجاع و الصراعات ، و ستتغير أقنعة و تتبدل ثقافات و سيُهدم
الكثير من المقدسات ! بل و شِبه أكيد أن الباطل سيمتزج بالحق حتى تكون فِتنة تجعل
الحليم حيراناً .
وقفة : إن أسوأ ما في التغيير أن المجتمع سيحلم بالعودة إلى الوهن
القديم تجنباً لمرارة العلاج .
عموماً ،،
نحن كمجتمع عربي سواءً " شِئنا أم أبينا " قد بدأنا في التغيير ، لم يعد بالإمكان العودة إلى ما كان ، و سُنة الله لن تتغير إرضاءً لنا بأن نصل
إلى الشفاء بلا علاج .
سينتهي العلاج " التغيير " الذي بدأ و لن يمر
بسلام أبداً ، فلا وجود للسلام هنا خصوصاً و أن التغيير يتطلب نزع الجلد القديم و
إستبداله بجديد ، و ليس من الممكن أن نقفز إلى الشفاء و نحن لم نستكمل مراحل
العلاج بعد ، كما أن العودة إلى الماضي حيث المرض المصحوب بالهدوء أمراً غير مطروح
الأن .
إن المجتمع في حالة مرضه يبني لنفسه معابداً من الذل ، أو هي محاولة
للتأقلم مع المرض في هيئة معابد ، ثم و مع الوقت سيألف أفراده وجود تلك المعابد
كضرورة لضمان لقمة العيش ، لذلك يتوتر أفراد المجتمع في فترة التغيير ، خصوصاً وهم
يرون تلك المعابد التي بنوها كـ " ثوابت " دينية و ثقافية على مدى عقود
تدروها رياح التغيير ، فيتضح أن ثوابتهم هشة ! ولهذا يتوتر الأفراد .
مع الإنتباه أنه لم يعد من مجال الأن لإعادة تلك المعابد "
الثوابت " إلى مكانها كما كانت فالأرضية نفسها قد تغيرت ، و هنا يزداد الأمر
تعقيداً على المستوى الفردي و الجمعي .
إن التغيير حقاً مُرعب !!
فمثلاً
.. مسألة الكفر بالله و بجميع المقدسات أمراُ وارد جداً إن كانت أحد أسباب مرض
المجتمع هو تشوه الثقافة الدينية ، كذلك مسألة تبدل الثقافات أثناء التغيير و عدم
الثبات أمراً يتم في المجتمعات المنغلقة بشكل سريع جداً مما يزيد من حِدة الإرتباك
.
إلا أن كل ذلك من المسلمات أمام مجتمع يمر بمرحلة لتغيير .
-----
إننا يا سادة نمر اليوم بمأساة حقيقية من جميع النواحي ، داخلياً
و خارجياً ، نُستفز و نستفِز على توافه الأمور ، فالرصانة الوهمية لم تعد موجودة ،
و المكانة التخيلية إنزاحت ، و علينا أن نتقبل فكرة التغيير بكل أوجاعه فالغاية
هنا هي الشفاء و في سبيلها علينا أن نعي بأن مرارة العلاج هنا هي الضريبة .
نحن و برغم جميع المظاهر التي نراها كإنحلال أخلاقي و ديني ، إلا أننا في
الحقيقة لا نسقط إنما ننشد الصعود ، فكيف يسقط من في هو في القاع ؟
إن الجراح التي تـُدمينا اليوم هي جراح من أثر الصعود ، لا أقول هذا من
باب التمني فقط إنما لأن سُنن الله في تغيير المجتمع أن ألم الإنسلاخ هو الضريبة التي
يجب أن تُدفع حتى نصل إلى الشفاء .
سنة الله أن لا يستمر من في القاع ، في القاع .. ومن في القمة حتماً سيسقط
.. سنة الله أن تتبدل الأدوار حتماً .
نقطة
أخيرة ،،
أثناء التغيير " العلاج " سيتم الحُكم بحد الردة ، سيتم
تأليب السلطة ، ستكون النية و المقصد دليل إتهام .
سيتم تهييج المجتمع على بعضه البعض ، و ستلتزم العامة في ظاهرها
بالرضى و الخنوع لكنها في الخفاء ستتحرر من كل القيود .
سيُقال
أنها مؤامرة ، سيدعي من يدعي أن التغيير طفولة فكرية و أعمال صبيانية .
ستقوم
السلطة بإستحداث مسكنات موضعية مؤقته ، لتتفتق في المقابل أوجاع أكبر .
ستحدث أشياءً كثيرة أقل ما يُقال عنها أنها غير عقلانية و بعيدة عن
المنطقية ، لكن هذه هي ضريبة الشفاء أدناها مرارة الدواء و أعلاها يستوجب الصراخ
من ألم العلاج
يبقى المستقبل في علم الله .. نرجوا فقط أن يكون خيراً
0 التعليقات :
إرسال تعليق