تعالوا نتفاخر حتى نحتقر بعضنا


وقفة :
إن حديث التفاخر ، حديثاً مُؤلم في كثيراً جداً من جوانبه ، لكنه جميلاً في ما بقي له من جوانب ، هذا إن بقي اليوم للتفاخر جوانب جميلة .

----------   ----------
كثيراً من أبناء القبائل يتفاخرون بإنتسابهم إلى قبائلهم ، و تلك الثقافة التفاخرية شملت أيضاً الحضر حينما بدأوا في التفاخر بإنتسابهم إلى العوائل العريقة ، بينما ذهب بعضهم للبحث جدياً عن أصلاً له يجمعه بقبيلة ما تأويه !
ولا أعتقد أن ثقافة كهذه تنشاء إلا عندما يكون الواقع مُزري ، كنوع من التعويض لا أكثر
فالتفاخر بالقبيلة أو بالنسب ، أن يتفاخر شخص بأنه إبن هذه القبيلة ، أو يتفاخر الأخر بأنه إبن تلك العائلة وذلك النسب ، حتى و إن كان نسبه يعود لآل البيت كالسادة أو الأشراف كل هذا يُعتبر قضية ثانوية هامشية إن كان الواقع مزدهر و المجتمع متحضر ، بينما يُعتبر أساسي بل مصيري عندما يتشوه الواقع و يتخلف المجتمع
و من قدر الله له زيارة مصر على سبيل المثال سيُلاحظ أن أبنائها يتصفون بروح وطنية عالية تساوي الروح القبلية أو العشائرية لدينا . 
لماذا ؟ رغم أن مصر ليست دولة متقدمة !
صحيح أنها ليست متقدمة ، لكنها دولة متحضرة و سر تحضرها هو أن ما تم بنائه في مصر " المنشآت ، الكباري ، الأنفاق .. المستشفيات ، المراكز ، المدارس ..... إلخ " و كل شيء و في أي مجال تم بنائه في مصر لم يتم إلا بأيدي أبناء البلد ! .. الجميع تشارك في البناء بغض النظر عن دينهم أو قبائلهم أو عوائلهم ، بغض النظر عن جودة أو ردأة البناء ! ، إلا أن هذا يزرع في الجميع روحً وطنية تعلوا على ما سواها 
وهذا لا يعني أنهم لم يُصابوا بداء التفاخر القبلي أو الأسري، إنما ذلك الداء فيهم هو قضية ثانوية تمامً ، موجودة نعم لكنها موجودة على الهامش .
بينما هنا فالوضع مُختلف .. لدينا ألف قناة تلفزونية ، ألف موقع إلكتروني ، ألاف القصائد ، والكثير جداً من الوسائل التي لا تحمل أي رسالة سوى رسالة التفاخر و التباهي و الخيلاء ! 
حتى أصبح الكل يتباهى على الكل بأشياءً لم تصنعها أياديهم ! فعلى ماذا و بماذا نتفاخر ؟
و لو أن هذا التفاخر يفيد في تقدم الأمم فعلاً لما كثرت فينا البطالة و الفقر و الحاجة إلى معدلات مُخجِلة ! 
فما هذا التناقض الذي نعيشه ؟
ماذا قدمنا لواقعنا حتى نتفاخر ؟ .. لا شيء
حتى الأشمغة و الثياب التي نرتديها صُنعت في الخارج ، ملابسنا الداخلية صنعت بأيدي الأخرين ، حتى الذي يهش غنمنا و يحرسه ليس نحن إنما الوافد .. فبماذا نتفاخر ؟
لا يوجد في كامل الوطن بيت طين أو بيت شعر أو حتى سور متهالك تم بنائه بأيدي أبناء الوطن .. فبماذا نتفاخر؟ 
لم يخرج من المجتمع مفكراً أو فيلسوفاً أو حتى عالم دين أضاف شيئاً إلى البشرية .. فبماذا نتفاخر ؟
 آه .. نسيت
نحن نتفاخر بـ " أنسابنا ، عوائلنا ، قبائلنا ، مذاهبنا .... " وأشياءً أخرى تُسمِن لكنها لا تُغني من جوع 
تلك هي مصادر فخرنا وعزنا ! .. للأسف 

لقد أصبح تفاخرنا في حد ذاته يدعوا للخجل

وما زالت البطالة رغم عراقة أنسابنا ، تقسم ظهورنا
وما زال الفساد يمرح في الوطن ، رغم كثرة القبائل التي يزخر بها 
وما زال الأجنبي يترفل برغد الحياة في هذا الوطن ، تاركاً لنا تفاخرنا بلا شيء

إنه من الواضح جدا أن الخلل ليس في القبائل ، ليس في الأنساب ، ليس في حب الإنتماء أو التفاخر به .. إن الخلل كله في أننا لم نُقدم شيء يستحق الفخر، و مع هذا نصر على التفاخر.
لو فرضنا أن أحد المستشفيات الحكومية كمثال ، بناها أبناء تلك القبيلة أو هذه العائلة لقلنا " يحق لهم التفاخر " ، أما أنهم يتفاخرون و أياديهم لم تتغبر لبناء هذا الوطن فهنا محل الإستغراب !

ثم يأتي من يقول :( يجب أن تكون لدينا روح وطنية ، تُوحد الجميع تحت راية الوطن ) .. يا أخي أتنيل على عينك
الوطنية لا تأتي بالصراخ ، و لا بالإستجداء ، و حتماً لا تأتي عن طريق القبيلة أو الولادة .. فالأرحام تلد و المولود يُولد لهذه القبيلة أو تلك العائلة ، هو في واقع الأمر لم يختار إلى أي جهة يكون .. فكيف يكون وطنياً حينها ؟ 
إن المعيار الوحيد للوطنية هو العطاء و المشاركة في البناء ، و الإنتماء للأرض لا يقوى و لا يشتد إلا عندما تتسخ الأيادي في البناء ، فمن يغرس شجرة بيديه يحق له أن يتفاخر أما الذي يكتفي بمراقبة العمالة الوافدة و هي تسقي الزرع و تقطف الثمار و هو تحت التكييف يحسب الأرباح .. فأي شيء يدعوا للفخر هنا ؟


 خلاصة القول  ،،
عندما يكون الواقع مزدهراً جميل ، عندما يتشارك الجميع في البناء بأيديهم فعلياً .. حينها يكون كل شيء جميل حتى التفاخر بالأنساب و التفاخر بالقبائل سيكون حينها جميلاً
لكن عندما يكون الواقع هو ما نعيشه اليوم فنحن في الحقيقة لا نتفاخر إنما يحتقر بعضنا بعضاً .

0 التعليقات :

إرسال تعليق