حقيقة المهدي المنتظر




كمسلم أدين الله بهذا الدين ، كذلك كعربي فإنني في هذا الوقت في الحاضر ليس أمامي إلا إحدى إثنتين ، إما أن أرجع للخلف لأستنشق عبق الماضي أو أتقدم للأمام بحثاً عن مساحة أمارس فيها حقي في الشهيق و الزفير .

أهرب إلى الخلف أو إلى الإمام ، أو في كلا الإتجاهين في نفس الوقت ! المهم أن لا أبقى في الواقع لكي لا أختنق .

لأني إن عدت للماضي سأجد إما خيراً أو شرا ، إن كان خيراً لعنت الواقع ، إن كان شراً حمّلته سبب ما أنا فيه .

إن هربت للأمام فلن أجد أمامي إلا خيراً أو شراً ، إن كان خيراً تحملت مرارة الواقع ، و إن كان شراً جمّلت مرارة الواقع .
إنني أتفهم تمامً سبب هروبي أحياناً كثيرة إلى الماضي ، فالماضي دائماً جميل .

فأنا أرى فيه عمر بن عبد العزيز الذي حكم دولة مترامية الأطراف و على إتساعها لم يُوجد فقير أو محتاج ، حتى أن صاحب الصدقة يهيم بصدقته في الطرقات ولا يجد إلا الضيف يستضيفه ليتكسب منه الأجر .

أعود للواقع فيصفعني بيمينه وهو يصرخ : يا جاهل أتصدق خزعبلات ماضيك الغابر ؟ ، كيف يغتني الفقير في دولة عمر بن عبد العزيز رغم أن الله لم يرزقه عشرة مليون برميل نفط كل يوم ! ، أجبني كيف سد عمر جوع الجائعين بلا نفط ؟

فأجيبه : ربما لأن الرجل من عدله كان إذا أراد أن يكتب عن شأن خاص يطفئ شمعة الدولة و يـُـضيء شمعة أشتراها بماله الخاص .

يصفعني الواقع بشماله هذه المرة : يا جاهل إنك ومالك و الأرض التي تقف عليها للحاكم ، الوطن له و هو للوطن ، فعن أي مال خاص تتحدث !


اكتشفت أن الإختلاف بيننا و بين الأولون ليس في الأخلاق ، إنما في تعريف كل مِنـّا لها ، فقد كانت السرقة في السابق حرام لأنها تعدي على مال الغير بلا وجه حق ، و الآن أصبحت السرقة شطارة و القانون لا يحمي المغفلين .
لهذا يستغرب المسئول إن سألناه عن حكم السرقة ، و سيجيب و هو مقتنعً تمامً : أيسرق المرء من ماله يا بجم !


حتى الإستبداد في الماضي كان جميلاً يقف فيه الحجاج خطيباً (إني أرى رؤوساً قد أينعت و حان قطافها ) يلقي بكلمته تلك وهو متجهماً عابساً ، أما اليوم فالمستبد يـُحرك ذباباته و طائراته و يُطلق شبيحته في وجيه اليتامى و المساكين ! ثم يبتسم أمام الإعلام ويخطب ( إنني والله أحن على المواطن من أمه و أبيه ) لكن الملعون يعض اليد التي تحن عليه !

المسألة إذاً مسألة إختلاف في التعاريف ، لا أكثر .

الإستبداد كان ظلماً فلا ينام المستبد و هو يئن ( مالي و سعيد) ، أما اليوم فالمستبد لديه فتوى بجواز الإستبداد حلالاً زلالاً بحجة أن زوال كامل الشعب لابد منه إن كان الغرض حفظ الوطن أمام أطماع الطامعين
إني أفهم كل ذلك ، أفهم جيداً لماذا أهرب و يهرب غيري إلى الماضي ، فيكفي أن الأحداث فيه حدثت و إنتهت ، فنهرب إليها للعظة و العبرة ، و للتغني بالأمجاد .

لكني لم أفهم حتى الآن لماذا يهرب الكثيرون إلى المستقبل ؟

قد كان مصطلح المستقبل يندرج تحت " علم الغيب " فتـُقال عبارة مرادفة للمستقبل دائماً " الله أعلم " .

أما اليوم فلم يعد " الله " وحده أعلم لأن الجميع بات يعلم ، و الكل متأكد بما سيأتي في المستقبل .

و أصبح الكثيرون اليوم متأكدون بأن المسألة مسألة وقت " شهور أو سنين معدودة " حتى يُظهر الله علينا " المهدي المنتظر " .

و أنه سيلبس عباءتان من القطن ، أقنى الأنف ، أجلى الجبهة ، يُبايع بين الركن و المقام و هو كاره ، يُقاتل لإحياء السنة كما قاتل النبي لإحياء التوحيد ! ، مدة ملكه سبع سنين ثم يموت .

وأن المهدي في حياته سينتشر الأمن و الأمان و سيفيض المال ، ستنعم الأمة نعيماً لم تنعمه قط و تـُخرج الأرض نباتها ، و تمطر السماء مدراراً .


فمن هو المهدي ؟ ، حقيقة بعيدة جداً عن الخزعبلات !

إن المهدي هو أنا و أنت و هذا و ذاك ، هو كل مواطن عربي يريد أن يهرب من ضلال واقعه إلى طمأنينة المستقبل و إن كانت زيفً .

المهدي هو مجرد محاولة منا لخلق بطلاً مؤمناً لا يحاف في الله لومة لائم ، لأن الواقع ليس فيه إلا غثاء كغثاء السيل .

المهدي هو شخصاً نريد أن نعلق عليه أمالنا ، لكي نُطالبه وحده أن يُحقق ما عجزت عن تحقيقه كل الأمة .

المهدي هو الإنعكاس المُضيء لسواد واقعنا .

المهدي هو إعتراف صريح بفشلنا في إعمار الأرض ، لذلك نريد أن يعمرها في المستقبل إنسانً مـُـؤيداً من الله .

المهدي هو أداة في يد المستبد يلوح بها أمامنا لننشغل عن حقوقنا .

المهدي هو أن تهب الأمة واقعها للتخلف بلا حزن ، إيمانً منها بأن المستقبل سيأتي جميلاً ، فيه مروجاً و أنهاراً كالماضي !

المهدي في أفضل صوره هو أن نقول على إستحياء { إذهب أنت وربك فقاتلا} ، فإننا مـُنهكون في واقعنا .

هناك 3 تعليقات :

  1. جذبتني بعض مواضيعك
    وعند فرفرت صفحتك
    تعجر المنخل عن تصفية شربكات أفكارك
    فلا تهدر حروفك لأجل نثر فكرة ومفكرات
    اسكب حروفك بواقعية وعدل وانصاف للحقيقة
    فتارة تكسر مجاديف فتاوى التكفير
    وتارة يفتر رأسك فتمايل فتاوي التكفير وتهزها نحو سيد الإنتصار
    وهنا ينقلب عقل حتى ضدك وتتنكر لصحابتك واثباتات صحائفهم
    فالإمام المهدي شمس حقيقية تشرق في أعماق روحنا قبل النطفة
    كما كانت نبوءات الأنبياء تشرق عبر الأجيال،،

    فنصيحة كمسلم قدس معتقداتك وباركها

    أحمد

    ردحذف
  2. المهدي كما قلت ولكن التاريخ علمنا ان قفزاتة لاتتم الا من خلال اشخاص ملهمون مسخرين من السمأ اومسلطون الجموع لاتتحرك الاخلف قائدآ ملهم هذا هوا التاريخ وهذا هوا المستقبل وهذة هي سنة اللة في خلقة وكما قالت قد يكون انت اوانا او اي شخص اخر اراد ان يغير الواقع

    ردحذف
    الردود
    1. فرق بين القائد الملهم والقائد الهابط من السماء، الحاكم بأمر وتأييد من الله !

      حذف