إله المـُـلحدين

من مبداء الصراع وتضاد الأشياء وأن الإختلاف يـضع في الحضارة الإنسانية الإبداع ، لذلك كله فأنا لدي قناعة أن الإلحاد و الإيمان فِكرتان أو قناعتان ساهمتا معاً في تقديم الكثير إلى عقل الإنسان وإلى حضاراته المتعاقبة .
كالخير و الشر ، كالحب و الكره ، كالنور والظلام . إختفاء أحدهما يُفقـِـد الأخر معناه ، فما قيمة الضؤ إن لم نخاف من الظلام ؟! .. أليس بضِدها تُعرف الأشياء ؟ .
ونقيض الإيمان هو الإلحاد ، الإلحاد الذي ينشاء ويترعرع ويزدهر لأن الله غيب لأن الأخرة غيب والبعث شيء لا يـستسيغه المنطق ولأن الأنبياء بشراً ولأن العقل يتفاعل أكثر مع المادة ويستنكر الروح .
الإلحاد عقيدة ودين إن صحت التسمية لكنه بلا طقوس سوى طقس الحُرية المـُتوهمة أو هو وهم إسمه الحرية بمعنى أدق ، فالحرية بلا خضوع لله فوضى ، وإنكار الله حق للإنسان يـُحاسَب عليه فيما بعد .
إن من يسعى للتحرر من العبودية لله سيسجد عند أقدام ألف إلاه ، ستُـذله الدنيا لأنها مُوجدته ، ستحكُمُه الشهوة لأنها معبودته ، سيأخذه العِلم إلى الحِيرة لأنه لا يُشرك بالعلم أحدأً .
وكعبة الإلحاد التي يُيمِمون إليها وجيههم هي العِلم حتى حولها إلى مطاف يطوف حوله مُنظري الإلحاد وفلاسفته ، ويتبعهم في الطواف حالمون بحرية ليس لها وجود ، حينها يسجد التابع للمتبوع ويُسلمه زمام أمره أملاً في تحويل السراب إلى حقيقة ! .
ثم إن العِلم " إله المُلحدين " و معبودهم المهيب هو إله مُخادع ماكر يستطيع أن يُصور للإنسان ويُقنعه أن الماء نار وأن النار تـُطفيء الظماء ، وذلك لأنه صنيعة العقل .. وكم من السهل خِداع العقل !
أيضاً لأن العلم من صُنع بشر وإكتشافات بشر ، والبشر لديهم حداً لا يستطيعون تجاوزه إلى الحقيقة المُطلقة.
ولأشياءً كثيرة لو تتبعناه سنجد أن من السهل تزييف العلم .
وللتوضيح : عندما يبحث العلم في أصل البشر فمعظم إستنتاجاته لن تخرج عن حدود الخيال لا لشيء إلا لأنه يعجز أن يصل إلى الحقيقة .
س: كيف حدد العلم أن الإنسان القديم بدائي ؟
ج: أنه قاس وقارن بين الإنسان القديم و الحديث فأستنتج أننا نحن المتطورون وسلفنا متخلف بدائي ، رغم أن الحقيقة هي أن الإنسان القديم كان أشد مناعة " جسدياً " ضد الأمراض وأكثر تناغماً " إجتماعياً " مع الطبيعة ، و الإنسان القديم هو الذي إخترع اللغة و أوجد العادات وعلمنا عبر أخطائه كيف نُعِـمر الأرض !
ونحن فقط اليوم نجتر من أسلافنا ونستنبط منهم ولا ناتي بجديد .
فمن الأكثر بدائية هنا ؟
وسؤال أخر : كيف حدد العِلم بعد دراسة الأحافير البشرية القديمة، طبيعة الحياة الإجتماعية في ذلك الوقت ؟ ، كيف توصل العلم بأن الإنسان القديم كان يكسوا جسده الشعر كأنه قرد ؟ ، وما أدرى العلم أن الإنسان القديم كان يعيش في هِضاب مفتوحة حتى أصبح هو الفريسة للوحوش ؟ ، أو أنه كان يعيش فوق الأشجار ؟ ، أو أنه كان يمشي على أربع ؟
أسئلة كثيرة لا يُجيب عليها العِلم إلا بالتخمين .
لهذا فقط وأكثر فإن إله المُلحدين "العلم" مليء بالنقص تكسوه الشوائب وإن لم يعترفوا بذلك إلا أن الحقيقة تكمن في كون العـِـلم أضعف من أن يصمد أمام التحريف والتأويل حسب أمزجة عُلماء الإلحاد وأهواء الأتباع .
نحن اليوم نمتلك المعلومة ونمتلك الأدوات التي تمدنا بالمعلومة لكننا لا نمتلك الحِكمة و الوعي لهذا إستبدلنا الله بمصطلح الطبيعة فقط من باب التكبر وعدم الإعتراف بالله .
أصبح العقل البشري اليوم مزهواً في غرور بأنه يستطيع أن يفك شفرات الحقيقة إلا أنه في وسط هذا الزهو نسي أن له حدوداً لا يستطيع تجاوزها .


إن مسألة الإلحاد في الغالب لا تهدف إلى إنكار الله بقدر ما تهدف إلى نشر الفوضى بين البشر ، لأن حرية بلا خضوع فكري وعقدي لله سبحانه هي فوضى وشتات ، هي حرية تـُذمر الإنسان ، فالله ليس فكرة أو قضية أو مادة يُمكن تحليلها في مختبر أو صفها في كتاب الله يقيناً في قلوب المؤمنين متى ما إختفى ذاك اليقين تداعت الأرض من تحت أقدام الملحدين .
الله معناه " أن لهذه المملكة ملِك ، ولهذه الأمر مُدبـِر ، وأن الظالم و المُجرم في الدنيا و الحاكم المستبد لن يفلت من عدل الله ، فبعد الحياة بعث وبعد اللهو حساب ، إن كار هذه الأشياء ستجعل من الحياة عبث .
فما فائدة إنسانيتنا إن كنا سنغدوا تراباً بعد الموت وتنتهي الحكاية فالإنسان هو الكائن الوحيد الذي يُفكِر وضريبة ميزة التفكير أنه بعد الموت سيُحاسب ، لأن تفكيره يمُده بميزة أخرى وهي أنه يستطيع أن يُقرر ، فيُـقرر حينها إما خيراً أو شراً ، ثم وبناءً على قراراته في الحياة سيـُحاسب .
فإذا كفرنا بالله و أنكرنا وجوده ألن يجعلنا هذا نتسائل ، لماذا من الأساس لدينا تفكير ، ونمتلك حق إتخاذ القرار ؟
إن كانت الحياة ستنتهي بالموت وليس بعده إله يـُحاسب ألن تتحول الحياة إلى جحيم ، حين نوقن أن نهاية المجرم و الصالح واحدة !
بل لماذا نحيا بشكل مُـختلف عن الحيوانات ثم نتنهي إلى نفس نهايتها ؟ ، ستكون الحيوانات حينها أعلى شأنا من البشر !

إن العلم يا سادة يقف عاجزاً أمام مثل هذه الأسئلة لأنه محكوم أولاً وأخيراً بعقل الإنسان ، والعقل البشري له حدوداً لا يستطيع تجاوزها مهما حاول ،  ومهما وصل الإنسان في العلم فإن الشيء الوحيد الذي سيُـدركه حينها أنه يجهل أكثر مما وصل إليه . أن يعرف الإنسان إسم نجم في السماء فهذا ليس له سوى معنى واحد أن هنالك مليارات من النجوم يجهلها تمامً !

ثم يسأل المُلحد كإثبات على محدودية العقل ، إن كان الله هو الخالق فمن الذي خلقه ؟
وسؤاله هنا يأتي لأن الإنسان يُولد من أبوين ثم يُـنجب أبناء ، فهو حينها يتصور أن القوانين التي تسري عليه ستسري على الله سبحانه وتعالى بالضرورة .
دون أن يعلم هذا بأن القوانين التي تسري على الإنسان هي من أهم الحواجز التي تمنع عقله أن إدراك الحقيقة المُطلقة لأنه ببساطة لا يستطيع أن يُفكر خارج قوانينه التي تحكمه .
لنفترض أن طفلاً جلس يلعب بدمية فسأله طفلاً أخر أنت الأن تلعب بالدمية وتُحركها فمن الذي يٌحركك أنت؟! ، لو أن أي إنسان عاقل سمع سؤال الطفل الأخر سيُجيبه بأن الدمية من جماد لا تتحرك بذاتها لذلك تحتاج لطفل يُحركها أثناء اللعب !
إذاً بما أن الطفل الذي يلعب هو كائناً حي يتحرك بعكس الدمية ، بالتالي فإن القوانين التي تنطبق على الدمية لا تتطبق على الطفل !
هكذا الأمر بكل بساطة .. القوانين التي تنطبق على المخلوق لا تنطبق على الخالق " ولله المثل الأعلى " .

يقول " عمانويل " : ( أن العقل البشري لا يستطيع أن يُحيط بكِنة الأشياء ، لأنه مُهياء بطبيعته لإدراك الجزئيات و الظواهر فقط دون الكليات ) .
لذلك ولأن العِلم إله المُلحدين هو إبن العقل البشري وصنيعته فلن يصل إلا إلى الظواهر والجزئيات وسيقف عاجزاً تماماً عن إدراك الوجود الإلهي ، والمُلحد من باب التكبر و الزهو بالنفس لا يريد أن يعترف بعجزه فيُنكِر وجود الله من الأساس ، إذاً الإلحاد هنا ليس لإنكار الله إنما لأن إنكار الله أهون على نفس الملحد من الإعتراف بجهله .

يا سادة : إن العقل الواعي سيُوصِـلنا إلى الإيمان بالله والتصديق بوجوده ، لكنه لن يستطيع أن يُوصِـلنا إلى  رؤية ذات الله بأعيننا لكي لا تحترق أو تحترق عقولنا .
ها نحن عندما نرى صوراً لمجرة بعيدة نـُصاب بالذهول و تحتار عقولنا ، وإن سافرنا إليها ربما سنـُجن ، فكيف لو رأينا الله جهرة ؟




والله أعلم

إنهم صرحاً من خيال وهوى

النبي -عليه الصلاة و السلام- قد كررها ثلاث ( هلك المتنطعون . هلك المتنطعون . هلك المتنطعون ) ، ومهما قرأنا من تفسيرات لهذا الحديث فلن تكون أبلغ من الأحداث الجارية حولنا اليوم ، فأن تقرأ شرح الحديث شيء و أن تعايش الحديث كواقعاً شيء أخر ، وفي الغد حتماً سيأتي من يشرح هذا الحديث بشكل أعمق لأنه يعايشه اليوم كواقعاً واضح المعالم عنوانه " هلاك المتنطعون " .

ولهلاكهم دلالات يـُمكن إستخلاصها من الواقع لمن ألقى السمع ، فالترهيب و تأليب النظام و لي أعناق القوانين و سجن المخالفين ، بالإضافة إلى التكفير و التفسيق و الشتم و التهديد .... إلخ ، كل هذه دلالات على أنها لا تصدر إلا من صاحب ضلال ، فصاحب الحق ينأى بنفسه عن إتباع سبل الضلال لإثبات رأيه فهو لا يحتاج لأكثر من اللين ليـُثبت صـدق رأيه عند الأخرين ، بينما المتشدد هو من يلجاء إلى العنف و الإكراه لأنه لا يمتلك من الحق ما يستند عليه .
ثم إن الله ليس في حاجة من يدافع عنه ، فكيف بمن يدافع عنه بالإستبداد ! ، والإسلام إنتشر لأنه حق ، فكيف ندافع عن الحق بضلال !

النقطة الأخرى كدلالة أن من يهتم بالمظهر الخارجي للتدين فهو إنسان لا يمتلك في قرارة نفسه أي مقومات تساعده على الصمود ، وكلما زاد في تمظهره كلما خارت قواه أمام المغريات لهذا نجدهم أكثر الناس إفساداً ! ، وإنساناً بهذا "الشكل" حتماً سينهار سريعاً و إن كان مظهره يوحي بالصمود . بل ربما لزيادة تمسكه بالمظاهر تراه مكفهراً لا يبتسم كأنه يقبض بيديه على جمراً ! .... فأي دين في هذا المظهر؟
هؤلاء المتمظهرون المبالغون في المحافظة على شكليات الدين هم في الحقيقة لا يريدون أن نراهم بهذا الشكل من باب الرياء فقط ، فهنالك سبباً أهم وهو أنهم لا يريدون منا أن نراهم على شكلهم الحقيقي ، كأنهم يرتدون قناعاً يـُخبئون خلفه وجهاً قبيح لا يألوا جهدا في إتيان كل أنواع الإفساد .
ولا يتستر إلا المجرمون ، والتمسك بالمظهر الجميل من أنواع التستر !

أحد الصفات التي يـُعرف بها المتشددون أيضاً ، ضعف الحجة و الإفتقار إلى الوعي تمامً ، لذلك هم يـُعوضون هذا الضعف بالظهور بمظهر القوي من خلال الصراخ و البحث في النوايا و التشكيك في إنتماء من يخالفهم، نوعاً ما هم يخلقون ضجيجاً في المكان لكي يلتهي الناس عن حقيقة ضعفهم .


يا سادة ،، لقد تعمق التشدد في ثقافتنا الدينية لدرجة أننا نحينا الله جانباً ثم نصبنا أعرافنا و تقاليدنا ، شيوخنا و علمائنا .. مكان الله ! ، ثقافتنا حولت الكثيرين في المجتمع إلى آلهة صـِغار يـُشرعون و يـُكفرون كيفما إرتأوا ، وكأن مفاتيح الجنة و النار في أياديهم يغلقون الجنة في وجه من أرادوا و يفتحون أبواب السعير في وجيه المخالفين !
متألهين يريدون إلباس الجميع رداءً واحداً في تحديٍ صريح لصريح القرآن :
{ لست عليهم بمسيطر } .. { وما أنت عليهم بجبار } .. { وما أنت عليهم بوكيل} .. {  فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر } .. { أفأنت تـُكره الناس حتى يكونوا مؤمنين }
القرآن يشدد على مسألة حرية الإنسان ، و المتشدد يـُشدد ويـُصر على مخالفة الله !

---

إن ما يحدث اليوم حولنا من أحداث رغم ظلاميتها إلا أنها تـُبشر بكل خير ، ما يحدث يقودنا إلى أن المتشددون في حالة إحتضار والمسألة مسألة وقت حتى يهلك المتنطعون .
وسينتصر الحق و إن قتلوا المرتد .. أو سجنوا المفكر .. أو حاوروا المخالف .
وسأركز هنا على مسألة محاورة المخالف !
تلك المسرحية التي تابعتها كما تابعها الكثيرين من خلال الحوار الذي أجرته قناة وصال ! ، كان الأمر مجرد حوار و حديث فلم يستطيعوا أن يثبتوا وجهة نظرهم إلا بالشتم و القذف الصريح و الإتهام بالإنتماء لجهات خارجية ، و التشكيك بالنوايا !
لم يكونوا في حاجة إلى كل هذا ، فلو كان الحق معهم فعلاً لعرضوه على الملاء وإنتهت المسألة بتصفيقنا لهم ، لكن الخاوي ليس لديه ما يعرضه ، و يعرض ماذا من الأساس ؟
ما يضرهم إن كان المالكي من غلاة الشيعة أو من صهاينة اليهود أو أنه شيطاناً رجيم ؟ ، الرجل عرض حججه ثم إبتسم و كان الأولى أن يـُفندون حججه و يعرون منطقه لإقناع أتباعهم بأن بضاعتهم هي الحق المبين .
وإن كان المالكي فعلاً كما يدعون فهي إذاً المرة الأولى في التاريخ التي ينتصر فيها الباطل على الحق دون اللجؤ لأكثر من إبتسامة ! فالذي تعودنا عليه أن الباطل لا ينتصر "وقتياً" إلا بالترهيب وهذا ما حدث فعلاً.

لعن معاوية من على منابر الغباء

كحقيقة ثابتة عندي ، أو هي في عـُرف المُطلق أن كل ما يأتي من الإعلام و في الإعلام و إلى الإعلام العربي "اليوم" هو في نظري غثاء لن يخلوا من تزييف وحشوا أباطيل حتى ذكر الله كثيراً ما يرد للتضليل!
لذلك وفي الغالب أعطي التلفاز ظهري ، و أعتبر الإذاعة كشيء يبعث على الغثيان فلا شيء فيها إلا الغثاء ، و التقنية التي دلخناها للهو و الجنس و تصيد العورات خرجنا منها بلا وعي .
و العلم الذي يرفع الأمم نستخدمه فقط لتجديد ما إندثر من أثار الجاهلية ولإحكام أبواب الإنغلاق .
أصبح الإعلام اليوم يمضغ المعلومة مضغاً حتى تختلط باللعاب ثم يبصقها في وسائل الإعلام ، وليس أمام المشاهد إلا أن يفتح فمه ليتلقفها عن إقتناع .

لماذا دائماً نـُـحب أن نتعرى أمام العالم ؟
أليس هناك من طريق أخر نُثبت فيه أننا أمه لم يمسسها " نجس " إلا بأن نعرض عوراتنا على الملاء لتتفحصها باقي الأمم؟
العالم من حولنا يُبدع و يبتكر و يُنتج ، الأدوات المُعقدة والتقنية المتطورة لتسهيل الإتصال بين البشر ونحن نستقبل ذلك الإنتاج فقط ليشتم بعضنا البعض ، هذا يشتم ماضي ذلك ، وذلك يشتم حاضرهذا مستقبل ، والإثنان كلاً منهما يدوس على كل معتقد الأخر و أرائه وحتى أحلامه !! ، نسير بمبداء وحيد " إن لم تكن معي فالله يلعنك و يلعن ...... يا كافر يا زنديق يا قذر !!! " .

----------   ----------


لولا أن محمداً هو خاتم الأنبياء لصار لكل عصابة فينا نبي ، ولأن باب النبوة أغلق بإحكام تحايلنا اليوم بإنشاء ميليشيا حول كل صحابي (1)

----------   ----------

من يشاهد الحروب الإعلامية اليوم يـُدرك أن خلف الصحابيان الجليلان " معاوية و علي -رضي الله عنهما-" ، جيوشاً من الجهل ، أحزاباً تحزبت للقتال على ماضي تليد حتى ضاع الحاضر تمام ! ، لكن يبقى الأمل أن يخرج المستقبل من هذه العتمة حين يعي الأبناء أن أبائهم كانوا قوم جهل .
صحيح أن المعركة حول هذان الصحابيان ليست بذلك الحدثث الجلل لكنها معركة أشغلت و مازالت تُشغل عقول الغوغائيين وتزرع بينهم الفتنة بنفس الحِدة التي بدأت بها إن لم يكن تزيد ، ولا ينتصر هنا إلا الغباء .

----------   ----------

قالوا بأن معاوية هو سبب الفرقة بين المسلمين حتى اليوم .
فأي أمة هذه التي لم تستطع أن تلم شملها طيلة ألف و أربعمائة عام ؟
إن هتلر قد أدخل ألمانيا في فتنة أشد و أنكىمن فتنة معاوية ، حتى تكالبت الأمم بمن فيها نحن على ألمانيا ، أمماً أدخلتها في حرب عالمية ، ثم وفي أعواماً معدودة تعافت ألمانيا من تلك المأساة وتفرغت للحاضر و للبناء !
فهل معاوية أشد جرما من هتلر ؟
أنا لست هنا لأقارن بين الشخصيتين إنما لأقارن بين تعامل الأمتين مع النكسات ، أمة مازالت تضع لوم تخلفها على الأقدمين و أمة إنطلقت للحاضر بكل صحة كأنها لم تكن في فتنة أشد !
لقد تجاهلنا تماماً أن قانون الصراع هو القانون الذي سرى على الإنسانية منذ بدء التاريخ ، وأن الحضارة و الإبداع ليسا إلا وليدا صراع أليم ، وأن هذه سنة الله في البشرية " أن طريق التقدم مليء بالصخور " .
صراعاً بدء بين أدم و الشيطان ، بين قابيل و هابيل ، بين الأنبياء و أقوامهم ، بين الروم و الفرس ، بين المسيحية و الإسلام ، وصولاً حتى الربيع العربي ، صراعات و صراعات لارابط بينها ‘الا قانون الصراع ، القانون الذي ينص على أن نعيم الأبناء يُبنى بدماء الأجداد ، وصراع اليوم سيُحفز الغد .
لكن تقديس المسلمين للصحابة يجعلهم يرفضون مجرد فِكرة أن يسري عليهم ناموس الله في الإنسانية ، يـُنزهونهم حتى عن صفاتهم البشرية ، يرفضون الإعتقاد بأن الصحابة يختلفون و يأتلفون ويتقاتلون ثم يتعانقون ، ولو أراد الله لنبيه صحبة بالصفات التي في خيالنا لأنزل له الملائكة تصحبه !
لكن ما بين معاوية و علي –رضي الله عنهما- ليس إلا دليلاً على بشريتهم ، أنهم بشراً مثلنا يميلون إلى إثبات الوجود ولو بالصراع ، صحيح أنه صراع لا تتقبله نفوس المسلمين لكنه في الأخير سنة الله لإعمار الأرض ، وهذه هي الضريبة الأصعب التي تدفعها البشرية دائماً لكي تتقدم للأمام ، وما حدث بين معاوية و علي ضريبة من ضمن الضرائب التي دفعها المسلمون ليؤسسوا حضارتهم .
ما بين معاوية و علي ليس أمراً مُستحدثاً في البشرية كقابيل و هابيل إنما هو طبعاً في الإنسانية توارثته ، ثم ورثته بالتتابع إلى أن وصل إلينا وسنورثه نحن إلى اللاحقون ، ولا طريق لإيصال الرسالة البشرية إلا عبر هذا الطريق الدامي ، ولن تهداء عجلة الصراع إلا بنهاية الحياة .


من منطلق أخر ،،،
لو إجتمعت الجن و الإنس والحجر و الشجر في مكان واحد و في ليلة واحدة ورفع الجميع أكفهم للعن معاوية فلن يرضخ الله إن كان قد رضي عنه وكتب له الجنة ، فالله لن يتوجه إلى معاوية بخطاب " أن أخرج من رحمتي إلى عذابي لأن عبادي لعنوك بإسمي ! " الله أكبر من أن هذا و آجل ، ومن الظلم أن يُخرج إنساناً من النعيم إلى الجحيم بناءً على رغبة البشر ، فهل الله ظالم ؟
أما إن كتب له العذاب فلن تنفع مع الله الواسطات فقد قضي الأمر .

----------   ----------

توجد فئة من فئات الإسلام هي فرعاً أعوج فيه ، تتعبد الله باللعن فتلعن هذا و تدعوا على ذلك بالهلاك ، تلك الفئة تُسقط طريقة تعبدها على باقي فئات المسلمين فتتصور أننا جميعاً نتقرب إلى الله باللعن ! وأننا نطلب عفوه بالتبرك بـ علي -رضي الله عنه- أو بلعن معاوية ! فئة تبحث عن أخطاء الأولون و زلاتهم حتى نرتقي عند الله درجة .
فئة لم تنتبه أنهم وحدهم من يُلوثون ألسنتهم في السجود فالشتم أبداً لم يكن فيه قُربى إلى الله .
ولا بأس إن كان الأمر من باب البحث التاريخي وتسجيل الأحداث كما وردت ، أما أن يكون الأمر عبادة ! فيا الله كم في هذا تجني على الله .

----------   ----------

عودة إلى الإعلام ،،،
قد أدرت ظهري وعدلت من جلستي وأخذت أقلب بين القنوات ، حتى شاهدت قناة national geographic  تعرض فلماً أنتجه الغرب عن أصعب التصليحات في العالم ، تساءلت : إن كانت هذه العملية المعقد جداً من أجل إصلاح عُطلاً بسيط فكيف بعملية البناء ؟ .. ثم إنتهى العرض .
فتحت اليوتيوب بعدها لأجد دكتوراً مسلماً احترم جميع أرائه و أتابعه متى ما سمح وقتي ، فوجدته يلعن معاوية و يتتبع زلاته ويُحمِلهُ جميع أوزار المسلمين اليوم ، أدركت حينها أن البلاء إذا إستشرى لن تمحوه الشهادات ، أدركت أننا نستخدم الإعلام و نتسلح بالعلم فقط لنُجدد أثار الجاهلية الأولى .

والله أعلم


(1)  محمود درويش .. بتصرف .
ومنه أيضاً ( الهوية هي : ما نُورِث لا ما نـَرِث ، ما نخترع لا ما نتذكر .. والهوية هي المِرآة التي يجب أن نكسرها كـُلَما أعجبتنا الصورة ) .




-------------------------------------------------------------------
-------------------------------------------------------------------
-------------------------------------------------------------------




إضافة مهمة للموضوع بقلم الأستاذ سعد صايل .. من الشبكة الليبرالية العربية

النزوع إلى الماضوية والانهماك في التاريخ وتوهم أنه حاضر شاخص ومُعاش، هو نزوع متأثر بعوامل عديدة ويأتي على رأسها حرمان الإنسان من معايشة حاضره أو فشله في التفاعل مع حاضر مصنوع قسراً يراد له أن يعيشه رغم معارضته له.
وعليه فلكي يترك الناس هذا الإنسجان في التاريخ فإن على الفرد أولاً أن يكون مسموحاً له بالمساهمة في التنمية وأن يعيش كفرد فاعل لا ضحية تهميش وإقصاء. يجب أن يكون المواطن شريكاً في الوطن لا مجرد متفرج. وحين يتسلى المواطنون اليوم بقراءة الروايات وبالخيال على شتى صوره فهذا عائد إلى أنهم معزولون عن الواقع ومصروفون عن المساهمة في الحياة العامة صرفاً واضحاً ومبيناً. ألا ترى مطبوعات الروايات وكتبها عندنا تتصدر أعلى مبيعات الكتب وكتاب الخيال عندنا متفوقون بمراحل على الآخرين ؟ !
هذا يعود إلى أن المثقف مخصي كلياً ومردوع عن المساهمة في الواقع فلجأ للخيال ليتحرر عقله بالسباحة بعيداً عن الواقع، فهو بكل جدية يُعمل قلمه في الوهم إلا إذا سمحت له السلطة بنقد جهة تريد هي نقدها تحت ظرف بعينه (كمثال: تفكيك التطرف السلفي بأوامر من أمريكا) وأما المواطن العامي فإن كان قارئا فهو يبدأ يلتهم هذه الروايات وأما إذا كان يكره الكتب والأوراق فلديه إما كرة القدم كفضاء شبه تخيلي مسموح له فيه بالصراخ والاعتراض دون أن يُسجن أو يجلد أو بإمكانه أن ينضم إلى مهرجانات سوق عكاظ أو شاعر المليون أو مزاين أم رقيبة.
هو هروب للتاريخ إذاً باعتبار التاريخ فضاء شبه تخيلي لا حياة فيه ولا واقع يمكن التأثير عليه. ولا مانع لدى السياسي العربي من حيث المبدأ أن تشتم معاوية بدلا من أن تشتم المفتي أو تطعن في نزاهة مسئول يسرق المال العام. هذه محرمات لأنها تنقلك من سجون الخيال إلى واقع يُسعى لإقصائك منه بأي ثمن. وقس على هذا في حالات الأقليات التى تعتبر أشد عزلة وإبعاداً عن الشأن العام فهي تتلهى باجترار ماضيها الحزين عله يسليها بينما هو يذبحها من الوريد إلى الوريد.

موظف بمـُـسمى داعية

بسم الله الرحمن الرحيم
هذه ملاحظات عشت بعضها و سمعت عن بعضها ، أسردها بحثاً عن الإجابة ، أسردها بحثاً عن الحقيقة .

وقبل السرد يجب أن نعلم أن الإسلام لا تشخيص فيه ، فلا يُمكن أو لا يصح أن نقول أن فلان داعية أو أن فلان الأخر عضو في هيئة الأمر بالمعروف ، كذلك لا يصح أن نُطلق على فلان لقب رجل دين ، ثم إنه لا يوجد شيء إسمه صاحب فضيلة ، وغيرها من الألقاب .
لماذا ؟
لأننا جميعاً مسلمون مُؤمنون مُوحدون ، التاجر الغارق في تجارته إن أخلص أصبح داعية ، السياسي المسلم الذي يرعى الله في سياسته هو رجل دين ، الشاب الصغير الذي يصحب صديقه للصلاة هو يأمر بالمعروف ، الفتاة المسلمة التي تمنع أختها من اللغو في الحديث هي تنهى عن المنكر .
وكلنا ، كل المسلمين ليس فيهم صاحب فضيلة ، لأن إحتكار الفضيلة تعني أن ذلك الإنسان كامل و الكمال لله

عموماً ،،،
الفرق بين الدعوة إلى الله و الدعوة إلى الإسلام ، أن الدعوة إلى الله عامة لكل معتنقي الأديان لأن الله واحد في كل دين بغض النظر عما نشاء في ذلك الدين من تحريف لاحقاً لكن يبقى الله موجوداً في قناعات كثيراً من البشر .
أما الدعوة إلى الإسلام وأقصد هنا رسالة محمد -عليه الصلاة و السلام- فهي دعوة أمرها أصعب لأن الداعي يدعوا إلى الإيمان بنبي لا يُؤمن به الأخرون ، لذلك فسيواجه حينها عقليات مختلفة كلها تُؤمن بأن ما عندها حق ، وعلى المسلم أولاً أن يُقنع الأخر ببطلان ما يؤمن به من حق ثم يبداء في إقناعه بأن مالديه من بضاعة هي الحق ، و طريقة الإقناع هذه لا تتم أبداً بالقوة و الغلظة إنما باللين و الرفق وأثناء تعاملات اليوم الطبيعية ، كما أن أمر الدعوة لا يتم إلا في حالة واحدة وهي أن يستشعر الداعي في أعماقه بحب الخير للأخر لا أن يبحث عن الأجر لنفسه .

يبقى وضعنا نحن كمجتمع سعودي مختلف ، وهو دائماً مُختلف .
فالأغلبية الساحقة من الشعب السعودي هم مُؤمنون بالله و بالنبي ، يُصلون و يصومون و يُزكون ، فلماذا يكثر الدعاة بهذا الشكل ؟ ، وإلى ماذا يدعون بالضبط ؟
نعم يوجد بيننا مسيحيون و بوذيون و لا دينيون أجانب أو سعوديون لكنهم ليسوا بالكثرة التي تستدعي زرع هذا العدد من الدعاة في المجتمع .
ثم لماذا لدينا هيئة عليا للدعوة و الإرشاد ؟
إن قلنا أن من مهام هيئة الدعوة و الإرشاد ومن مهما الدعاة في السعودية إرشاد الناس و تبيين سبل الخير والصلاح فقط ، فما دور هيئة الأمر بالمعروف ؟ أم هو تضارب في المهام ! .
عموماً مرة أخرى ، لن أركز حول هذه النقطة وسأقفز إلى النقطة الأخرى محور الموضوع " الداعية "
من هو الداعية ؟
إن كان هو ذلك الشاب الذي ربى لحيته و إنتسب إلى هيئة الدعوة ليحصل في الأخير على راتب نظير مهامه الدعوية ، فماذا أفعل أنا و غيري ؟
فأنا أؤمن بأن الدعوة واجب إسلامي على الجميع تتم عبر حُسن المعاملة في العمل و السوق و المتجر و في السفر و في الندوات ، هي بإختصار أن نقوم بالدعوة إلى الله أو إلى الإسلام جميعنا وفي كل يوم ، وذلك بأن يعيش المسلم حياته وفق النهج الإسلامي ، حينها سيقتنع الأخربالإسلام بناءُ على ما يراه من حُسن أخلاق المسلمين .
فهل يُعقل أن أعيش حياتي وفق نهج الإسلام ثم أتقاضى راتباً ؟ ، وإن تقاضيت راتباً فهذا معناه أن الدعوة أصبحت وظيفة تجلب الرزق ، أي أنني من الساعة السابعة صباحاً حتى الثانية ظهراُ أدعوا إلى الإسلام و الأخلاق الحميدة ، فماذا أفعل بعد الثانية ؟! ، إن إستمريت في الدعوة لخمس ساعات أخرى فهل أطلب من الدولة بدلات ؟ ..... نهجاً سقيم .
لقد حولنا الدعوة من كونها نهج إسلامي رفيع أحد إنجازاته أن دخل الشعب الأندونيسي إلى الإسلام حتى أصبحت أندونيسيا كدولة فيها أكبر عدد من المسلمين ، فقط بالمعاملة الحسنة .
حولنا كل هذا إلى وظيفة حكومية تـُرصد لها عند كل بداية سنة ميزانية ، حتى أصبح الداعي يدعوا للراتب ، وينضم إلى المراكز الصيفية لزيادة الدخل !
وسواءً إلتزم الشخص الأخر بالدعوة أو لم يلتزم فلن ينقص من راتب الداعية هلله !!

وهنالك من الدعاة من لم يُسعفه الحظ بأن يتعين كموظف حكومي بمُسمى داعية ، وهنالك من فهم المسألة وتوجه للدعوة بحثاً عن الأجر من الله
لكن المؤسف أن الإثنان قد سارا على خُطى الموظف الحكومي الداعية ، فكلاهما إنضما لنفس المراكز الصيفية ، وكلاهما يُـوزعان نفس الأشرطة و المنشورات ! ، هي نفس الصورة تتكرر بنسخ متشابهة مكررة ولاجديد ! ، الفرق أن أحدهم يستلم راتباً أما الأخر فلا .

ما هي الدعوة أو كيف تتم الدعوة ؟ ( وجهة نظر )
فارس الإسلام الشيخ " أحمد ديدات " -رحمه الله- ، كان يجلس ويتناقش مع عالم مُلحد حول مسألة علمية أو فلسفية ويتحاور لساعات طويلة كل يوم وعلى مدى أسابيع بل ربما شهور
ولو قرأنا قصة حياة الشيخ أحمد ديدات سنجد أنه كان يُحدد زمناً مُعينا من عمره يُركز خلاله على شخص واحد حتى يُقنعه بصحة الإسلام .
في المقابل قد قابلت أحد الدعاة في مكتبه وكان مكتبه مليء بشهادات الشكر و التقدير و الميداليات و الأوسمة التي عبئت سطح المكتب ، قابلته للسلام عليه .
وللعلم فهذا الشخص يتخذ من الدعوة هواية وليست وظيفة لأنه موظف في قطاع حكومي أخر غير الدعوة و الإرشاد ، المهم أنني ما إن سلمت عليه حتى أخرج لي كرتون مليء بالمنشورات و الكتيبات و السيديهات .
قلت له ما هذا ؟
قال : إننا داخلون على فصل الصيف وهذه الكمية إستلمتها من أحد مكاتب الدعوة لأوزعها ، فربما يُسلم على يدي أحداً ، أو أن يهدي بي الله إنساناً تائهاً ، ثم أخذ يُحدثني عن فوائد الدعوة .
فقاطعته : كم عدد ما في الكرتون ؟
قال : ألف سيدي و ألف كـُتيب و ألف مطوية ، جميعها باللغة الفلبينية !
ثم وخلال حديثي معه علمت منه أن لديه إيميلات لأكثر من ثلاثة ألاف " كافر " يعيش في السعودية !
قلت له يا شيخ : أولاً الدعوة ليست هكذا ، فهي لا تتم عبر المطويات و السيديهات إنما عبر الإقناع و التضحية و الإخلاص في حياتك ، فأول نهج خالفت فيه الإسلام أنك إستغللت المؤسسة الحكومية التي تعمل فيها وضيعت الوقت الذي يُـفترض بك أن تـُـؤدي فيه مهامك التي تتقاضى عليها أجراً من أجل هذه الكـُـتيبات .
ثانياً : حتى جهاز الكمبيوتر الذي تعمل عليه قد صُرف لك من قبل الحكومة لأهداف معينة تتقاضى عليها راتبك ، فهل يجوز إستغلال الموارد الحكومية من أجل الدعوة ؟
ثم لو ركزت على عشرة أو عشرون أو واحد فقط لكان أفضل وأجدى .

للأسف .. كثيرون لا يُـصدقون أنه حتى قرأة القرأن في نهار رمضان لا تجوز إن كان الشخص في مقر عمله ، فما بالكم بالتجهيز للدعوة و الإرشاد ؟
لدينا خللاً ولا شك ، من الذي صنعه ؟ .. إنه نحن
هاهو المسيحي يُسافر إلى قــرى و أدغال أفريقيا ويبني بيتاً له هناك ويجلب زوجته و أبنائه للسكن في أماكن الفقر و الجفاف ، ثم يستمر على هذا المنوال سنين و سنين ، كل هذا من أجل التنصير و دعوة الأفارقة إلى المسيحية .
بينما دعاتنا يتعاملون مع الأمر أنه " إنتداب " أسبوع أو أسبوعين ، يُـحسب عليه اليوم بـ 400 إلى 1000 ريال لكي يدعوا ، ثم و أول ما إن يحط رحاله في تلك الدولة الأفريقية يبحث عن فندق أو مسكن مُريح ، ومنه ينطلق كل يوم إلى أحد القرى الأفريقية ليقوم بتوزيع بعض الأشرطة و الكـُتيبات ، أو أن يُلقي كل يوم محاضرة في قرية مختلفة .. وإنتهى .
ليعود بعدها إلى السعودية من رحلة عمله ، ويستلم بدل إنتدابه كاملاً !
لقد أصبحت الدعوة وظيفة أو هواية بهيئة وظيفة !
إن المغول عندما إحتلوا بلاد المسلمين ما لبثوا سوى فترة بسيطة حتى دخلوا إلى الإسلام جماعات ، هم لم يدخلوا الإسلام لأنهم سمعوا محاضرات دينية أو قرأوا كتيبات و أشرطة دينية " وإن كانت بلغتهم " ، إنما دخلوه لأن المسلم في ذلك الوقت كان ينظر لحياته كلها بكل تفاصيلها أنها دعوة إلى الله ، حتى نومه و ضحكه و بكائه ، حتى تعامله في الأسواق و التجارة ، حتى إحتوائه وتقبله لأفكار الأخر ومعتقداته و إن كانت مختلفة .
أما نحن في هذا الزمان ، وسواءُ كان الداعية موظف أو هاوياً ، إلا أن ما يجمعهما هو أسلوب واحد ، أسلوب فيه من " اللقافة " وحشر النفس في ذنوب الأخر ومعاصيه .
فكانت النتيجة أن زادت نسبة الكارهين للإسلام و الناكرين له كله بمجمله .

لكن والحق يقال أن دعاتنا ليسوا إلا حلقة في سلسلة .. سلسلة شوهت معالم الإسلام .
لأن الداعية أصبح أناني فهو لا ينطلق من حب الخير للأخر إنما للراتب ، وإن لم يكن موظفاً بمسمى داعية ، فهو حتماً ينطلق بحثاً للأجر من الله لنفسه لكي يرتفع عند الله درجة و درجتان ويدخل الجنة حيث الحور العين ! ، وهذه نوعاً ما أنانية أن تـُحب الخير لنفسك فقط .
ولولا الإطالة لتحدثت عن التكشيرة التي تـُلازم الداعية ، وكيف إذا ما رفضت أخذ كُـتيبه الإسلامي أو رفضت حضور محاضرة دينية سيمقتك بنظرة إحتقار ويبتعد وهو يتمتم " حسبي الله و نعم الوكيل " !
أو حدثتكم عن تلك المقبرة الخاصة بأهل الكتاب في مدينة جدة ، أليس من مهام المسلمين أن يرعونها و يهتمون بها طالما هي في أرض إسلامية ؟ ، لكن أمرها متروك للسفارات الأمريكية و البريطانية .. لماذا ؟ ،  لأنهم مختلفون عنا فلا أجراً نبحثه عندهم ! ، كم كان جميلاً لو أن هيئة الدعوة و الإرشاد هي المسئولة عن مقبرة أهل الكتاب الواقعة في جدة لكن لأنهم كفرة فجار لا تشملهم الدعوة !

الخلاصة ،،،
شاهدت قبل فترة مقطع فيديو لأحد الدعاة السعوديين وكان الداعية نفسه يُـصور إبنه الذي لم يتجاوز العاشرة ، يـُصوره وهو يأخذ كـُتيب وسيدي من يد الأب ثـُم يركض خلف إمرأة ملثمة ويعطيها الكتيب ، والأب يقول : ما شاء الله يا ولدي ، بإذن الله تكبر وتكون داعية !!!
مشهد واقعي جداً فهذه حدود تفكيرنا !