النبي -عليه الصلاة و السلام- قد كررها
ثلاث ( هلك المتنطعون . هلك المتنطعون . هلك المتنطعون ) ، ومهما قرأنا من
تفسيرات لهذا الحديث فلن تكون أبلغ من الأحداث الجارية حولنا اليوم ، فأن تقرأ شرح
الحديث شيء و أن تعايش الحديث كواقعاً شيء أخر ، وفي الغد حتماً سيأتي من يشرح هذا
الحديث بشكل أعمق لأنه يعايشه اليوم كواقعاً واضح المعالم عنوانه " هلاك
المتنطعون " .
ولهلاكهم دلالات يـُمكن إستخلاصها من الواقع لمن ألقى السمع
، فالترهيب و تأليب النظام و لي أعناق القوانين و سجن المخالفين ، بالإضافة إلى
التكفير و التفسيق و الشتم و التهديد .... إلخ ، كل هذه دلالات على أنها لا تصدر
إلا من صاحب ضلال ، فصاحب الحق ينأى بنفسه عن إتباع سبل الضلال لإثبات رأيه فهو لا
يحتاج لأكثر من اللين ليـُثبت صـدق رأيه عند الأخرين ، بينما المتشدد هو من يلجاء
إلى العنف و الإكراه لأنه لا يمتلك من الحق ما يستند عليه .
ثم إن الله ليس في حاجة من يدافع عنه ، فكيف بمن يدافع عنه
بالإستبداد ! ، والإسلام إنتشر لأنه حق ، فكيف ندافع عن الحق بضلال
!
النقطة الأخرى كدلالة أن من يهتم بالمظهر الخارجي للتدين
فهو إنسان لا يمتلك في قرارة نفسه أي مقومات تساعده على الصمود ، وكلما زاد في
تمظهره كلما خارت قواه أمام المغريات لهذا نجدهم أكثر الناس إفساداً ! ، وإنساناً بهذا
"الشكل" حتماً سينهار سريعاً و إن كان مظهره
يوحي بالصمود . بل ربما لزيادة تمسكه بالمظاهر تراه مكفهراً لا يبتسم كأنه يقبض
بيديه على جمراً ! .... فأي دين في هذا المظهر؟
هؤلاء المتمظهرون المبالغون في المحافظة على شكليات الدين
هم في الحقيقة لا يريدون أن نراهم بهذا الشكل من باب الرياء فقط ، فهنالك سبباً
أهم وهو أنهم لا يريدون منا أن نراهم على شكلهم الحقيقي ، كأنهم يرتدون قناعاً
يـُخبئون خلفه وجهاً قبيح لا يألوا جهدا في إتيان كل أنواع الإفساد
.
ولا يتستر إلا المجرمون ، والتمسك بالمظهر الجميل من أنواع
التستر !
أحد الصفات التي يـُعرف بها المتشددون أيضاً ، ضعف الحجة و
الإفتقار إلى الوعي تمامً ، لذلك هم يـُعوضون هذا الضعف بالظهور بمظهر القوي من خلال
الصراخ و البحث في النوايا و التشكيك في إنتماء من يخالفهم، نوعاً ما هم يخلقون
ضجيجاً في المكان لكي يلتهي الناس عن حقيقة ضعفهم .
يا سادة ،، لقد تعمق التشدد في ثقافتنا الدينية لدرجة أننا
نحينا الله جانباً ثم نصبنا أعرافنا و تقاليدنا ، شيوخنا و علمائنا .. مكان الله
! ، ثقافتنا حولت الكثيرين في المجتمع
إلى آلهة صـِغار يـُشرعون و يـُكفرون كيفما إرتأوا ، وكأن مفاتيح الجنة و النار في
أياديهم يغلقون الجنة في وجه من أرادوا و يفتحون أبواب السعير في وجيه المخالفين
!
متألهين يريدون إلباس الجميع رداءً واحداً في تحديٍ صريح
لصريح القرآن :
{ لست عليهم بمسيطر } .. { وما أنت عليهم بجبار } .. { وما
أنت عليهم بوكيل} .. { فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر
} .. { أفأنت تـُكره الناس حتى يكونوا مؤمنين }
القرآن يشدد على مسألة حرية الإنسان ، و المتشدد يـُشدد
ويـُصر على مخالفة الله !
---
إن ما يحدث اليوم حولنا من أحداث رغم ظلاميتها إلا أنها
تـُبشر بكل خير ، ما يحدث يقودنا إلى أن المتشددون في حالة إحتضار والمسألة مسألة
وقت حتى يهلك المتنطعون .
وسينتصر الحق و إن قتلوا المرتد .. أو سجنوا المفكر .. أو
حاوروا المخالف .
وسأركز هنا على مسألة محاورة المخالف !
تلك المسرحية التي تابعتها كما تابعها الكثيرين من خلال
الحوار الذي أجرته قناة وصال ! ، كان الأمر مجرد حوار و حديث فلم يستطيعوا أن
يثبتوا وجهة نظرهم إلا بالشتم و القذف الصريح و الإتهام بالإنتماء لجهات خارجية ،
و التشكيك بالنوايا !
لم يكونوا في حاجة إلى كل هذا ، فلو كان الحق معهم فعلاً
لعرضوه على الملاء وإنتهت المسألة بتصفيقنا لهم ، لكن الخاوي ليس لديه ما يعرضه ،
و يعرض ماذا من الأساس ؟
ما يضرهم إن كان المالكي من غلاة الشيعة أو من صهاينة
اليهود أو أنه شيطاناً رجيم ؟ ، الرجل عرض حججه ثم إبتسم و كان الأولى أن يـُفندون
حججه و يعرون منطقه لإقناع أتباعهم بأن بضاعتهم هي الحق المبين
.
وإن كان المالكي فعلاً كما يدعون فهي إذاً المرة الأولى في
التاريخ التي ينتصر فيها الباطل على الحق دون اللجؤ لأكثر من إبتسامة ! فالذي
تعودنا عليه أن الباطل لا ينتصر "وقتياً" إلا بالترهيب وهذا ما حدث
فعلاً.
0 التعليقات :
إرسال تعليق