وطنً من الأشواك



في مكانٍ ما .. في زمانٍ ما .. وفي إحدى الأوطان

جاء إلى الدنيا طفلاً ما ..  فحمله أبوه فرِحاً بهذه الهِبة التي رُزِق بها .. فشكر ربه حتى اغرورقت عيناه.
وبينما هو في سعادة غامرة، يحمل هذا الطفل يتأمله .. جاءه نفراً من الإنس وقالوا: إن الشرع قد أمرك بأربعٍ هُن عليك من الواجبات:
* آذِن في أذني طفلك، فالإمتناع عن الآذان، حرام.
* طهِره في التو، فعدم التطهير شرعاً، حرام.
* سمي الله وأذبح له، فإن لم تفعل تكون قد وقعت في الحرام.
* ثم خذه للطواف ببيت الله الحرام.

--- ---

،، كبر الطِفل، حتى بلغ الخمسة أعوام .. قد قضاها بين لعبٍ و لهو و سعادة ،،

فجاء نفراً أخرون من الإنس، وقالوا لأهله:
* إنا لكم من الناصحين، ألحقوه بإحدى حلقات التحفيظ، فيحفظ من القرآن ما يقيه بإذن الله من الوقوع في الحرام.
* وحين يجِن الليل، أفصلوا ما بينه وبين أخته في المنام، مخافة أن يوسوس لهما الشيطان بإرتكاب فعلٌ حرام.
* وحبذا ألا تتركوا بين يديه ألعاب الفتيات، فهذا يسهل عليه التشبه غداً أن يتشبه بالنساء، ومعلومٌ أن تشبه الفتى بالفتاةِ، حرام.
* وآخر النُصحِ ألا يُشاهِد كل ما تعرضه قنوات الإعلام حتى المختصة بعالم الطفولة، فبعض تلك القنوات تتعمد خلط الحلال بالحرام.

--- ---

،، كبر الطِفل أكثر .. وتخطى عامه العاشر ،،

فصرخن نِسوةٌ في أمه:
* أغلقي الباب فوراً، فالفتى ليس بمحرم، وعوراتنا على غيرِ ذي محرمٍ، حرام.
* لا تدعيه يُجالِس فتياتنا الصغيرات، فمخالطته لهُن، حرام.
* أو أخرجيه من هذا المنزل فوراً أو لتسمحي لنا بالإنصراف، فوجودنا معه تحت سقف واحداً، حرام.
* لما لا ترسليه ليلعب مع أبناء جارتنا "أم صالح" الداعية، فنحسب والله حسيبها أن أبنائها من الصحبة الصالحة التي تحميه بعد الله من الوقوع في الحرام.

--- ---

،، كبر إبن العاشرة، بات شاباً وتخطى عامة العشرين ،،

فوعظه الوُعاظ، ونصحه الناصحون:
* لا تدخل السوق أبداً، فأنت الآن في العشرين، والشهوة في هذا السن تتملك من الإنسان إلى أن تجعله كالمسعور يبحث عن فريسة لينهشها، ونحن لن نسمح بوقوع الحرام.
* لا تستمع للمعازف والغناء، فالسير في هذا الطريق ينزع الإيمان من الصدور نزعاً، وضعيف الإيمان عرضه للوقوع في الحرام.
* لا تُكثِر من متابعة الإعلام، فالتركيز في الإعلام لا ينصب إلا على نشر الرذيلة والعري والفجور، حينها ستستهين فعل الحرام.
* لا تتبع الموضة في لبسك وقصة شعرك وحتى في تفكيرك، فالموضة غالباً ليست إلا تشبهاً بالكفار، والتشبه بأولئك القوم، حرام.
* لا تسافر إلا مضطراً، فالغالب في دول العالم اليوم هو إنتشار العهر والفساد والعري، ثم إن السفر لغير ضرورة، حرام.
وآخر نصحنا أن تبتعد عن كل .. حرام.

--- ---

،، كبر الشاب حتى نضج .. وتخطى عامه الثلاثين بقليل ،،

فخطبت له أمه "سلمى" إبنة صديقتها "أم صالح" وفي حفل زفافه جاءه جمع من المعازيم يُباركون ويرشدون لوجه الله:
* لا تدع "سلمى" تعمل في المحاسبة، ولا التمريض، ولا المحاماة، ولا حتى في الأعمال التطوعية، فكل تلك الأعمال على النساء، حرام.
* لا تدعها تعمل من الأساس، فإن جنة الزوجة بيتها، وأي خروجٍ لها بذريعة طلب الرزق سيجعلها أكثر عرضة للوقوع في الحرام.
* لا تجعلها تخرج من بيتك إلا لضرورةً قصوى، كن غيوراً يا رجل، فإن خروج الزوجة لغير ضرورة دلالة على عدم غيرة الزوج، وعدم الغيرة حرام.
* انصحها دوماً بألا تكشف عن وجهها وقدميها وكفيها ولا بأس بإظهار عينيها وفق الضوابط، انصحها أيضاً أن لا تتمختر في المشي أو الحديث، فكل ذلك من الحرام.
* ثم أحرص على أن لا ترتدي عبائة ملونة أو على الأكتاف، فإن كل لباسٍ فيه بهرجة، حرام.
* فإن خرجت لضرورة وكنت معها، فحبذا أن لا تتعطر أو تتكحل، حبذا أن لا تتحدث إلا همساً، فأنوف الغرباء تزني كما تزني أذانهم وأعينهم، ومثلك يعلم أن كل مراتب الزنى، حرام.
* وآخر النصح، من باب التقوى والورع، أن لا تجلس مع النساء الأخريات بلباسٍ يُظهِر كتفيها أو ساقيها فعورة المرأة لا تختلف بإختلاف جنس الحاضرين، وكشف العورة، حرام.

--- ---

،، كبر الشاب وخطى أولى خطواته نحو المشيب .. بلغ للتو عامه الأربعين ،،

فجلس يوماً مع بعض الأصدقاء، وكانوا يتسامرون بأحاديث شتى:
سالم: إن مجرد القراءة أو الإستماع لأصحاب الأفكار التغريبية الليبرالية العلمانية ولكل أصحاب التوجهات الهدامة .. فعلٌ حرام.
حامد: قد حدثنا الشيخ بالأمس عن الصوفية، وكيف أنهم جماعة لها نهجٌ غريب مستهجن لا يمت للإسلام بصلة، وقد عرج –جزاه الله خيراً- في حديثه عن الكثير من تصرفاتهم التي لا تخرج حتماً عن كونها حرام.
منصور: تالله قد صدق شيخك يا "حامد" إلا أن ما تحدث به لا ينطبق على الصوفية وحدها، لأن الغالب في طوائف الإسلام ومذاهبه اليوم أنهم سائرون في طريق الحرام.
ماجد: إن الموضوع يا أصحاب أخطر، الأمة اليوم تحارب من كل إتجاه، ونحن لا نرضى بالحرام.
يريدون تغيير المناهج، وأن نسمح بالإختلاط، وأن تعمل المرأة وتشارك الرجل في كل المجالات رغم ثبوت الأدلة بأن الإختلاط حرام، إننا مستهدفون في ديننا ودنيانا وإنكار هذا الإستهداف، حرام.
ثم ختم الأصحاب جلستهم بدعاء: آللهم ثبتنا على الحق، ولا تضلنا بعد إذ هديتنا، آللهم قد كثر الحرام حولنا فأحمنا يا الله.
فلنأزر بعضنا البعض بالنصح والإرشاد وتبيين الأخطاء، وأن ينبه بعضنا البعض كي لا نقع في الحرام.

--- ---

،، شاب إبن الأربعين .. قد غزاه المشيب واقترب من عامه الخامس والخمسين ،،

نظر إلى جواله، كان المُتصل أحد زملاء الدراسة .. تحدثا عن ذكريات السنين، واسترسلا، وكان مما قاله الصديق:
* بحكم الصداقة الوطيدة بيننا، انصحك بأن لا تقرأ لـ"نزار قباني" من باب الحيطة والحذر، ولا لـ"جبران خليل" ولا حتى لـ"غازي القصيبي" فأكثر قصائد هؤلاء تطوف حول الحرام.
* ويقال أن أكثر إن لم يكن كل الروايات الحاصلة على جوائز عالمية، مليئة بالحرام، بل وكن على ثقة أنك لن تجد عملاً أدبياً تقدم له الجوائز سواءً كان شعراً أو قصصاً أو رواية أو مجرد ذكريات إلا لأنه يدعوا بشكل صريح للحرام.
* وإعمال العقل، ما إعمال العقل!، إنه مسمى فضفاض لا هدف منه إلا إغراء المسلم أن ينتقد ثقافته التي تربى عليها، أن يتشكك في دينه وإسلامه وكل الثوابت التي آمن بها .. والله لا أرى مثل هذه المصطلحات إلا أنها دعوة للحرام.
* أما عن هؤلاء التغريبين أبناء جلدتنا، زوار السفارات، دعاة الإنحلال، فلا إنتاج لهم يخرج عن دائرة الحرام.

--- ---

،، غزا المشيب رأس الرجل، أكثر و أكثر .. قد ناهز السبعين دونما إنتباه ،،

جلس على أريكته، أخرج نظارته وراح يقرأ الصحف حتى شعر بالملل، فألقا بها وأخذ الريموت وبدأ يُقلِب بين القنوات، من قناةٍ لقناة، فلم يجد في الإعلام إلا:
* عزيزي المواطن، إن المشاركة في المظاهرات والإعتصامات أو الدعوة إليها، حرام.
* هذا ومن المرجح أن من يقف خلف الثورات العربية التي تعصف بالشرق الأوسط قد حاكها أبناء الحرام.
* كما ونُهيِب بأن النقد جائز غير أن الإعتراض حرام، ولا تغركم شعارات الحقوق والمطالبات الوطنية فكثيراً من هذه الشعارات غايتها المبطنة هي فتح الباب أمامكم على الحرام.
* هذا وقد صدر بياناً رفيع المستوى بأن التشكيك في كلام العلماء الثقات، حرام.
* ولا يخفى عليك عزيزي المشاهد أن الإصلاح والمطالبة بالحقوق إن كان في همساً وفي السر فهذا لا بأس به، غير أن أي جهراً بهذا الأمر فحكمه شرعاً، حرام.
* خبر عاجل: أفتى الشيخ الجليل قبل لحظات بأنه حتى الإنكار بالقلب، حرام.

----------   ----------   ----------   ----------

أشاح إبن السبعين خريفاً بنظره عن الإعلام، خلع نظارته ثم وضعها على الطاولة، وتوجه إلى حفيده إبن السنتين.
تأمل حفيده وهو يلعب ويصرخ ويضحك، تأمله للحظاتٍ حتى أنتابته راحة غريبة وشعوراً عميق بكرم الحياة.
حمله بين ذراعيه بكل لطفٍ وحنان وأخذه إلى النافذة ليُشاهدا سويةً الشارع حيث الزحام والسيارات والباعة المتجولون والناس يتكدسون فوق الأرصفة، فقال الجد لحفيده:
هل ترى يا صغيري هذه المدينة؟
أخذ الحفيد يلعب في لحية جده بلا مبالاة، فتنهد الجد وأكمل:
هذه المدينة يا صغيري جزءٌ من وطني، وطني الذي قضيت فيه عمري حتى شارفت نهايتي.
لقد قضيت عمري كله تائهاً في هذا الوطن، ووطني تائهاً عني .. لم أخطوا في عمري كله خطوة واحدة إلا بعد ألف إستفتاء، الكل يُفتي وإن لم يُستفتى، وكل الفتاوي تتراوح بين مكروهٍ وحرام، وذريعتهم "سد الذرائع" حتى سُدت في وجهي كل أبواب الإطمئنان والحياة الهانئة.

ولولا أني أحملك بين يدي يا صغيري لقلت أن لا سعادة في هذه الحياة ولا إطمئنان، فأرجوا الله لك ألا تسير كما سار جدك حافياً بين الأشواك حتى أدميت قدماي، أرجوا الله لك أن تتقدم في حياتك بإطمئنان، لا أن تسير خائفاً من التقدم للأمام مخافة السقوط في الحرام.




************ 

ملاحظة : هذا الموضوع أدبي ليس إلا ، لا أحاول من خلاله الإستهزاء بالحلال أو الحرام ، لأن هنالك من قال أن مثل هذه المواضيع ( حرام )




0 التعليقات :

إرسال تعليق