لعن معاوية من على منابر الغباء

كحقيقة ثابتة عندي ، أو هي في عـُرف المُطلق أن كل ما يأتي من الإعلام و في الإعلام و إلى الإعلام العربي "اليوم" هو في نظري غثاء لن يخلوا من تزييف وحشوا أباطيل حتى ذكر الله كثيراً ما يرد للتضليل!
لذلك وفي الغالب أعطي التلفاز ظهري ، و أعتبر الإذاعة كشيء يبعث على الغثيان فلا شيء فيها إلا الغثاء ، و التقنية التي دلخناها للهو و الجنس و تصيد العورات خرجنا منها بلا وعي .
و العلم الذي يرفع الأمم نستخدمه فقط لتجديد ما إندثر من أثار الجاهلية ولإحكام أبواب الإنغلاق .
أصبح الإعلام اليوم يمضغ المعلومة مضغاً حتى تختلط باللعاب ثم يبصقها في وسائل الإعلام ، وليس أمام المشاهد إلا أن يفتح فمه ليتلقفها عن إقتناع .

لماذا دائماً نـُـحب أن نتعرى أمام العالم ؟
أليس هناك من طريق أخر نُثبت فيه أننا أمه لم يمسسها " نجس " إلا بأن نعرض عوراتنا على الملاء لتتفحصها باقي الأمم؟
العالم من حولنا يُبدع و يبتكر و يُنتج ، الأدوات المُعقدة والتقنية المتطورة لتسهيل الإتصال بين البشر ونحن نستقبل ذلك الإنتاج فقط ليشتم بعضنا البعض ، هذا يشتم ماضي ذلك ، وذلك يشتم حاضرهذا مستقبل ، والإثنان كلاً منهما يدوس على كل معتقد الأخر و أرائه وحتى أحلامه !! ، نسير بمبداء وحيد " إن لم تكن معي فالله يلعنك و يلعن ...... يا كافر يا زنديق يا قذر !!! " .

----------   ----------


لولا أن محمداً هو خاتم الأنبياء لصار لكل عصابة فينا نبي ، ولأن باب النبوة أغلق بإحكام تحايلنا اليوم بإنشاء ميليشيا حول كل صحابي (1)

----------   ----------

من يشاهد الحروب الإعلامية اليوم يـُدرك أن خلف الصحابيان الجليلان " معاوية و علي -رضي الله عنهما-" ، جيوشاً من الجهل ، أحزاباً تحزبت للقتال على ماضي تليد حتى ضاع الحاضر تمام ! ، لكن يبقى الأمل أن يخرج المستقبل من هذه العتمة حين يعي الأبناء أن أبائهم كانوا قوم جهل .
صحيح أن المعركة حول هذان الصحابيان ليست بذلك الحدثث الجلل لكنها معركة أشغلت و مازالت تُشغل عقول الغوغائيين وتزرع بينهم الفتنة بنفس الحِدة التي بدأت بها إن لم يكن تزيد ، ولا ينتصر هنا إلا الغباء .

----------   ----------

قالوا بأن معاوية هو سبب الفرقة بين المسلمين حتى اليوم .
فأي أمة هذه التي لم تستطع أن تلم شملها طيلة ألف و أربعمائة عام ؟
إن هتلر قد أدخل ألمانيا في فتنة أشد و أنكىمن فتنة معاوية ، حتى تكالبت الأمم بمن فيها نحن على ألمانيا ، أمماً أدخلتها في حرب عالمية ، ثم وفي أعواماً معدودة تعافت ألمانيا من تلك المأساة وتفرغت للحاضر و للبناء !
فهل معاوية أشد جرما من هتلر ؟
أنا لست هنا لأقارن بين الشخصيتين إنما لأقارن بين تعامل الأمتين مع النكسات ، أمة مازالت تضع لوم تخلفها على الأقدمين و أمة إنطلقت للحاضر بكل صحة كأنها لم تكن في فتنة أشد !
لقد تجاهلنا تماماً أن قانون الصراع هو القانون الذي سرى على الإنسانية منذ بدء التاريخ ، وأن الحضارة و الإبداع ليسا إلا وليدا صراع أليم ، وأن هذه سنة الله في البشرية " أن طريق التقدم مليء بالصخور " .
صراعاً بدء بين أدم و الشيطان ، بين قابيل و هابيل ، بين الأنبياء و أقوامهم ، بين الروم و الفرس ، بين المسيحية و الإسلام ، وصولاً حتى الربيع العربي ، صراعات و صراعات لارابط بينها ‘الا قانون الصراع ، القانون الذي ينص على أن نعيم الأبناء يُبنى بدماء الأجداد ، وصراع اليوم سيُحفز الغد .
لكن تقديس المسلمين للصحابة يجعلهم يرفضون مجرد فِكرة أن يسري عليهم ناموس الله في الإنسانية ، يـُنزهونهم حتى عن صفاتهم البشرية ، يرفضون الإعتقاد بأن الصحابة يختلفون و يأتلفون ويتقاتلون ثم يتعانقون ، ولو أراد الله لنبيه صحبة بالصفات التي في خيالنا لأنزل له الملائكة تصحبه !
لكن ما بين معاوية و علي –رضي الله عنهما- ليس إلا دليلاً على بشريتهم ، أنهم بشراً مثلنا يميلون إلى إثبات الوجود ولو بالصراع ، صحيح أنه صراع لا تتقبله نفوس المسلمين لكنه في الأخير سنة الله لإعمار الأرض ، وهذه هي الضريبة الأصعب التي تدفعها البشرية دائماً لكي تتقدم للأمام ، وما حدث بين معاوية و علي ضريبة من ضمن الضرائب التي دفعها المسلمون ليؤسسوا حضارتهم .
ما بين معاوية و علي ليس أمراً مُستحدثاً في البشرية كقابيل و هابيل إنما هو طبعاً في الإنسانية توارثته ، ثم ورثته بالتتابع إلى أن وصل إلينا وسنورثه نحن إلى اللاحقون ، ولا طريق لإيصال الرسالة البشرية إلا عبر هذا الطريق الدامي ، ولن تهداء عجلة الصراع إلا بنهاية الحياة .


من منطلق أخر ،،،
لو إجتمعت الجن و الإنس والحجر و الشجر في مكان واحد و في ليلة واحدة ورفع الجميع أكفهم للعن معاوية فلن يرضخ الله إن كان قد رضي عنه وكتب له الجنة ، فالله لن يتوجه إلى معاوية بخطاب " أن أخرج من رحمتي إلى عذابي لأن عبادي لعنوك بإسمي ! " الله أكبر من أن هذا و آجل ، ومن الظلم أن يُخرج إنساناً من النعيم إلى الجحيم بناءً على رغبة البشر ، فهل الله ظالم ؟
أما إن كتب له العذاب فلن تنفع مع الله الواسطات فقد قضي الأمر .

----------   ----------

توجد فئة من فئات الإسلام هي فرعاً أعوج فيه ، تتعبد الله باللعن فتلعن هذا و تدعوا على ذلك بالهلاك ، تلك الفئة تُسقط طريقة تعبدها على باقي فئات المسلمين فتتصور أننا جميعاً نتقرب إلى الله باللعن ! وأننا نطلب عفوه بالتبرك بـ علي -رضي الله عنه- أو بلعن معاوية ! فئة تبحث عن أخطاء الأولون و زلاتهم حتى نرتقي عند الله درجة .
فئة لم تنتبه أنهم وحدهم من يُلوثون ألسنتهم في السجود فالشتم أبداً لم يكن فيه قُربى إلى الله .
ولا بأس إن كان الأمر من باب البحث التاريخي وتسجيل الأحداث كما وردت ، أما أن يكون الأمر عبادة ! فيا الله كم في هذا تجني على الله .

----------   ----------

عودة إلى الإعلام ،،،
قد أدرت ظهري وعدلت من جلستي وأخذت أقلب بين القنوات ، حتى شاهدت قناة national geographic  تعرض فلماً أنتجه الغرب عن أصعب التصليحات في العالم ، تساءلت : إن كانت هذه العملية المعقد جداً من أجل إصلاح عُطلاً بسيط فكيف بعملية البناء ؟ .. ثم إنتهى العرض .
فتحت اليوتيوب بعدها لأجد دكتوراً مسلماً احترم جميع أرائه و أتابعه متى ما سمح وقتي ، فوجدته يلعن معاوية و يتتبع زلاته ويُحمِلهُ جميع أوزار المسلمين اليوم ، أدركت حينها أن البلاء إذا إستشرى لن تمحوه الشهادات ، أدركت أننا نستخدم الإعلام و نتسلح بالعلم فقط لنُجدد أثار الجاهلية الأولى .

والله أعلم


(1)  محمود درويش .. بتصرف .
ومنه أيضاً ( الهوية هي : ما نُورِث لا ما نـَرِث ، ما نخترع لا ما نتذكر .. والهوية هي المِرآة التي يجب أن نكسرها كـُلَما أعجبتنا الصورة ) .




-------------------------------------------------------------------
-------------------------------------------------------------------
-------------------------------------------------------------------




إضافة مهمة للموضوع بقلم الأستاذ سعد صايل .. من الشبكة الليبرالية العربية

النزوع إلى الماضوية والانهماك في التاريخ وتوهم أنه حاضر شاخص ومُعاش، هو نزوع متأثر بعوامل عديدة ويأتي على رأسها حرمان الإنسان من معايشة حاضره أو فشله في التفاعل مع حاضر مصنوع قسراً يراد له أن يعيشه رغم معارضته له.
وعليه فلكي يترك الناس هذا الإنسجان في التاريخ فإن على الفرد أولاً أن يكون مسموحاً له بالمساهمة في التنمية وأن يعيش كفرد فاعل لا ضحية تهميش وإقصاء. يجب أن يكون المواطن شريكاً في الوطن لا مجرد متفرج. وحين يتسلى المواطنون اليوم بقراءة الروايات وبالخيال على شتى صوره فهذا عائد إلى أنهم معزولون عن الواقع ومصروفون عن المساهمة في الحياة العامة صرفاً واضحاً ومبيناً. ألا ترى مطبوعات الروايات وكتبها عندنا تتصدر أعلى مبيعات الكتب وكتاب الخيال عندنا متفوقون بمراحل على الآخرين ؟ !
هذا يعود إلى أن المثقف مخصي كلياً ومردوع عن المساهمة في الواقع فلجأ للخيال ليتحرر عقله بالسباحة بعيداً عن الواقع، فهو بكل جدية يُعمل قلمه في الوهم إلا إذا سمحت له السلطة بنقد جهة تريد هي نقدها تحت ظرف بعينه (كمثال: تفكيك التطرف السلفي بأوامر من أمريكا) وأما المواطن العامي فإن كان قارئا فهو يبدأ يلتهم هذه الروايات وأما إذا كان يكره الكتب والأوراق فلديه إما كرة القدم كفضاء شبه تخيلي مسموح له فيه بالصراخ والاعتراض دون أن يُسجن أو يجلد أو بإمكانه أن ينضم إلى مهرجانات سوق عكاظ أو شاعر المليون أو مزاين أم رقيبة.
هو هروب للتاريخ إذاً باعتبار التاريخ فضاء شبه تخيلي لا حياة فيه ولا واقع يمكن التأثير عليه. ولا مانع لدى السياسي العربي من حيث المبدأ أن تشتم معاوية بدلا من أن تشتم المفتي أو تطعن في نزاهة مسئول يسرق المال العام. هذه محرمات لأنها تنقلك من سجون الخيال إلى واقع يُسعى لإقصائك منه بأي ثمن. وقس على هذا في حالات الأقليات التى تعتبر أشد عزلة وإبعاداً عن الشأن العام فهي تتلهى باجترار ماضيها الحزين عله يسليها بينما هو يذبحها من الوريد إلى الوريد.

0 التعليقات :

إرسال تعليق