إله المـُـلحدين

من مبداء الصراع وتضاد الأشياء وأن الإختلاف يـضع في الحضارة الإنسانية الإبداع ، لذلك كله فأنا لدي قناعة أن الإلحاد و الإيمان فِكرتان أو قناعتان ساهمتا معاً في تقديم الكثير إلى عقل الإنسان وإلى حضاراته المتعاقبة .
كالخير و الشر ، كالحب و الكره ، كالنور والظلام . إختفاء أحدهما يُفقـِـد الأخر معناه ، فما قيمة الضؤ إن لم نخاف من الظلام ؟! .. أليس بضِدها تُعرف الأشياء ؟ .
ونقيض الإيمان هو الإلحاد ، الإلحاد الذي ينشاء ويترعرع ويزدهر لأن الله غيب لأن الأخرة غيب والبعث شيء لا يـستسيغه المنطق ولأن الأنبياء بشراً ولأن العقل يتفاعل أكثر مع المادة ويستنكر الروح .
الإلحاد عقيدة ودين إن صحت التسمية لكنه بلا طقوس سوى طقس الحُرية المـُتوهمة أو هو وهم إسمه الحرية بمعنى أدق ، فالحرية بلا خضوع لله فوضى ، وإنكار الله حق للإنسان يـُحاسَب عليه فيما بعد .
إن من يسعى للتحرر من العبودية لله سيسجد عند أقدام ألف إلاه ، ستُـذله الدنيا لأنها مُوجدته ، ستحكُمُه الشهوة لأنها معبودته ، سيأخذه العِلم إلى الحِيرة لأنه لا يُشرك بالعلم أحدأً .
وكعبة الإلحاد التي يُيمِمون إليها وجيههم هي العِلم حتى حولها إلى مطاف يطوف حوله مُنظري الإلحاد وفلاسفته ، ويتبعهم في الطواف حالمون بحرية ليس لها وجود ، حينها يسجد التابع للمتبوع ويُسلمه زمام أمره أملاً في تحويل السراب إلى حقيقة ! .
ثم إن العِلم " إله المُلحدين " و معبودهم المهيب هو إله مُخادع ماكر يستطيع أن يُصور للإنسان ويُقنعه أن الماء نار وأن النار تـُطفيء الظماء ، وذلك لأنه صنيعة العقل .. وكم من السهل خِداع العقل !
أيضاً لأن العلم من صُنع بشر وإكتشافات بشر ، والبشر لديهم حداً لا يستطيعون تجاوزه إلى الحقيقة المُطلقة.
ولأشياءً كثيرة لو تتبعناه سنجد أن من السهل تزييف العلم .
وللتوضيح : عندما يبحث العلم في أصل البشر فمعظم إستنتاجاته لن تخرج عن حدود الخيال لا لشيء إلا لأنه يعجز أن يصل إلى الحقيقة .
س: كيف حدد العلم أن الإنسان القديم بدائي ؟
ج: أنه قاس وقارن بين الإنسان القديم و الحديث فأستنتج أننا نحن المتطورون وسلفنا متخلف بدائي ، رغم أن الحقيقة هي أن الإنسان القديم كان أشد مناعة " جسدياً " ضد الأمراض وأكثر تناغماً " إجتماعياً " مع الطبيعة ، و الإنسان القديم هو الذي إخترع اللغة و أوجد العادات وعلمنا عبر أخطائه كيف نُعِـمر الأرض !
ونحن فقط اليوم نجتر من أسلافنا ونستنبط منهم ولا ناتي بجديد .
فمن الأكثر بدائية هنا ؟
وسؤال أخر : كيف حدد العِلم بعد دراسة الأحافير البشرية القديمة، طبيعة الحياة الإجتماعية في ذلك الوقت ؟ ، كيف توصل العلم بأن الإنسان القديم كان يكسوا جسده الشعر كأنه قرد ؟ ، وما أدرى العلم أن الإنسان القديم كان يعيش في هِضاب مفتوحة حتى أصبح هو الفريسة للوحوش ؟ ، أو أنه كان يعيش فوق الأشجار ؟ ، أو أنه كان يمشي على أربع ؟
أسئلة كثيرة لا يُجيب عليها العِلم إلا بالتخمين .
لهذا فقط وأكثر فإن إله المُلحدين "العلم" مليء بالنقص تكسوه الشوائب وإن لم يعترفوا بذلك إلا أن الحقيقة تكمن في كون العـِـلم أضعف من أن يصمد أمام التحريف والتأويل حسب أمزجة عُلماء الإلحاد وأهواء الأتباع .
نحن اليوم نمتلك المعلومة ونمتلك الأدوات التي تمدنا بالمعلومة لكننا لا نمتلك الحِكمة و الوعي لهذا إستبدلنا الله بمصطلح الطبيعة فقط من باب التكبر وعدم الإعتراف بالله .
أصبح العقل البشري اليوم مزهواً في غرور بأنه يستطيع أن يفك شفرات الحقيقة إلا أنه في وسط هذا الزهو نسي أن له حدوداً لا يستطيع تجاوزها .


إن مسألة الإلحاد في الغالب لا تهدف إلى إنكار الله بقدر ما تهدف إلى نشر الفوضى بين البشر ، لأن حرية بلا خضوع فكري وعقدي لله سبحانه هي فوضى وشتات ، هي حرية تـُذمر الإنسان ، فالله ليس فكرة أو قضية أو مادة يُمكن تحليلها في مختبر أو صفها في كتاب الله يقيناً في قلوب المؤمنين متى ما إختفى ذاك اليقين تداعت الأرض من تحت أقدام الملحدين .
الله معناه " أن لهذه المملكة ملِك ، ولهذه الأمر مُدبـِر ، وأن الظالم و المُجرم في الدنيا و الحاكم المستبد لن يفلت من عدل الله ، فبعد الحياة بعث وبعد اللهو حساب ، إن كار هذه الأشياء ستجعل من الحياة عبث .
فما فائدة إنسانيتنا إن كنا سنغدوا تراباً بعد الموت وتنتهي الحكاية فالإنسان هو الكائن الوحيد الذي يُفكِر وضريبة ميزة التفكير أنه بعد الموت سيُحاسب ، لأن تفكيره يمُده بميزة أخرى وهي أنه يستطيع أن يُقرر ، فيُـقرر حينها إما خيراً أو شراً ، ثم وبناءً على قراراته في الحياة سيـُحاسب .
فإذا كفرنا بالله و أنكرنا وجوده ألن يجعلنا هذا نتسائل ، لماذا من الأساس لدينا تفكير ، ونمتلك حق إتخاذ القرار ؟
إن كانت الحياة ستنتهي بالموت وليس بعده إله يـُحاسب ألن تتحول الحياة إلى جحيم ، حين نوقن أن نهاية المجرم و الصالح واحدة !
بل لماذا نحيا بشكل مُـختلف عن الحيوانات ثم نتنهي إلى نفس نهايتها ؟ ، ستكون الحيوانات حينها أعلى شأنا من البشر !

إن العلم يا سادة يقف عاجزاً أمام مثل هذه الأسئلة لأنه محكوم أولاً وأخيراً بعقل الإنسان ، والعقل البشري له حدوداً لا يستطيع تجاوزها مهما حاول ،  ومهما وصل الإنسان في العلم فإن الشيء الوحيد الذي سيُـدركه حينها أنه يجهل أكثر مما وصل إليه . أن يعرف الإنسان إسم نجم في السماء فهذا ليس له سوى معنى واحد أن هنالك مليارات من النجوم يجهلها تمامً !

ثم يسأل المُلحد كإثبات على محدودية العقل ، إن كان الله هو الخالق فمن الذي خلقه ؟
وسؤاله هنا يأتي لأن الإنسان يُولد من أبوين ثم يُـنجب أبناء ، فهو حينها يتصور أن القوانين التي تسري عليه ستسري على الله سبحانه وتعالى بالضرورة .
دون أن يعلم هذا بأن القوانين التي تسري على الإنسان هي من أهم الحواجز التي تمنع عقله أن إدراك الحقيقة المُطلقة لأنه ببساطة لا يستطيع أن يُفكر خارج قوانينه التي تحكمه .
لنفترض أن طفلاً جلس يلعب بدمية فسأله طفلاً أخر أنت الأن تلعب بالدمية وتُحركها فمن الذي يٌحركك أنت؟! ، لو أن أي إنسان عاقل سمع سؤال الطفل الأخر سيُجيبه بأن الدمية من جماد لا تتحرك بذاتها لذلك تحتاج لطفل يُحركها أثناء اللعب !
إذاً بما أن الطفل الذي يلعب هو كائناً حي يتحرك بعكس الدمية ، بالتالي فإن القوانين التي تنطبق على الدمية لا تتطبق على الطفل !
هكذا الأمر بكل بساطة .. القوانين التي تنطبق على المخلوق لا تنطبق على الخالق " ولله المثل الأعلى " .

يقول " عمانويل " : ( أن العقل البشري لا يستطيع أن يُحيط بكِنة الأشياء ، لأنه مُهياء بطبيعته لإدراك الجزئيات و الظواهر فقط دون الكليات ) .
لذلك ولأن العِلم إله المُلحدين هو إبن العقل البشري وصنيعته فلن يصل إلا إلى الظواهر والجزئيات وسيقف عاجزاً تماماً عن إدراك الوجود الإلهي ، والمُلحد من باب التكبر و الزهو بالنفس لا يريد أن يعترف بعجزه فيُنكِر وجود الله من الأساس ، إذاً الإلحاد هنا ليس لإنكار الله إنما لأن إنكار الله أهون على نفس الملحد من الإعتراف بجهله .

يا سادة : إن العقل الواعي سيُوصِـلنا إلى الإيمان بالله والتصديق بوجوده ، لكنه لن يستطيع أن يُوصِـلنا إلى  رؤية ذات الله بأعيننا لكي لا تحترق أو تحترق عقولنا .
ها نحن عندما نرى صوراً لمجرة بعيدة نـُصاب بالذهول و تحتار عقولنا ، وإن سافرنا إليها ربما سنـُجن ، فكيف لو رأينا الله جهرة ؟




والله أعلم

0 التعليقات :

إرسال تعليق