معليش يا عم محمد سعيد .. يا طيب


-1-
الإنسان وخلال مشوار حياته يتعلم الكثير حتى أنه لو أراد تدوين كل ما تعلمه لأحتاج الأمر منه لأكثر من مجلد .. هذا في حال أنه تذكر كل شيء .
أحد تلك الأمور التي تعلمناها منذ الصغر سواءً من خلال الشرع أو العادات هو مبدا (إحترام الكبير وتقديره) سواءً كان كبيراً في السن أو في العطاء أو في التضحية .. فكيف الحال بمن إجتمعت فيه أغلب أو كل موجبات الإحترام ثم أضاف عليها الوعي و الإدراك و العلم والضمير الحي والخلق الرفيع ؟!
سؤالاً أطرحه على الصِغار لأرى كيف يكون الجواب.

**********

-2-

عم محمد سعيد طيب هو أحد أولئك الكِبار في الوطن ، قد حمل هم الوطن وهم المجتمع منذ أن كان كارهوه و مُحبوه على أرصفة الطرقات يلهون ثم عندما مضى العمر بأطفال الأمس حفاة اليوم أخذوا في التسلق على أكتاف هذا الإنسان الطيب ، تارةً بمدحه ليصلوا وتارة بشتمه ليُعرفوا
وحتى لا أكون مُتسلقاً من ضمن المتسلقين قطعت على نفسي عهداً أن لا أحاول الوصول إليه على الرغم من رغبتي الشديدة بأن ألتقي به فقط لكي أقبل رأسه إحتراماً وتقديراً للمجهود الذي قام به في خدمة المواطن و الوطن
وخوفاً من إنحناء هامته أمام جموع المتسلقين .. سأكتفي بأن أقول له شكراً من بعيد

**********

-3-

عم محمد سعيد من عائلة الطيب ، عائلة الكِبار فيها كثيرون وهو أكبرهم
وتمتاز عائلة الطيب عن جميع العوائل المرموقة في البلد بأن فيها عم محمد سعيد ، وأن أفرادها يتمتعون بالخلق الرفيع حتى أنهم يُجبِرون المرء على إحترامهم و إن كان لهم كاره فلا يسعه إلا أن يلتزم أمامهم بالأدب
ولست هنا لأخوض في أموراً عائلية -معاذ الله- لكن لأقول أن الإنسان إبن بيئته وأول بيئة تحتضن الإنسان هي عائلته ، منها يستمد أرائه و أفكاره و أخلاقه ثم يبث ما استمده في البيئة الأكبر " المجتمع "
أما العم محمد سعيد فقد شذ عن هذه القاعدة في جزئية أنه من الناس الذين غرسوا تلك الأخلاقيات و الأفكار و الوعي في بيئته الأصغر " العائلة " ثم غرس أكثر في بيئته الأكبر " المجتمع " .. إذاً هو قد أعطى أكثر مما أخذ .

**********

-4-

أن يُفني الإنسان نصف قرن من عمره وهو حاملاً هم وطن ، ساعياً لدعم حرية الفرد فيه ، سائراً على الشوك من أجل الإصلاح ، مستغنياً عن راحة البال ، متمسكاً بمباديء ثابتة ثبوت الجبال
تلك بحق هي الأمانة التي رفضت الجبال أن تحملها فحملها إنسان زهاء نصف قرن ، دون أن يلين أو يتظاهر أو يفتعل أو يُمثل
هو بالفطرة صاحب مبدء وقضية .. هو إن مثل علينا سيُمثل دور الذي لا يهتم

**********

-5-

أحد الدلائل التي نستطيع من خلالها أن نتعرف على صِحة المجتمع هي وجود شخصيات لا هم لها إلا هم المجتمع ، كالعم محمد سعيد ، شخصيات تُؤثِر على المجتمع
وأحد الدلائل على تدهور صحة المجتمع هي عدم تقدير شخصية كشخصية الطيب
أما التجريح والقدح والإهانات التي تتلقاها الشخصيات الفاعلة في المجتمع ، فهذا لعمري دليلاً على موت المجتمع

**********

-6-

الأسواء من النفي و السجن و الحرمان و المنع من السفر ، بل و الأسواء من تكفير المُكفرين و الإخراج من المِلة
أنه وبعد أكثر من نصف قرن من النضال المُدمي يأتي صِغار المجتمع " دون تحديد أسماء حتى لا يزدحم المقال " أن يأتي هؤلاء ليقولوا عن العم محمد سعيد طيب أنه من المفسدين في الأرض !
والسؤ في الأمر ليس هنا فقط إنما في تأييد بعض أفراد المجتمع لهؤلاء الصبية
طبعاً هذا من وجهة نظري لأني أتأمل أن يكون هذا الإنسان الطيب أشد من أن تحنيه تلك الصرخات الطفولية وإن أصبت في توقعي فهذا لا يعني أن تلك السِهام لن تُوجع فهو في الأخير بشراً يـفرح إذا رأى ثمار ما زرعه تُزهِر ويحزن إن رآى الأطفال يقذفون تلك الثمار بالحصى

**********

-7-

من يتأمل حال المجتمع المقلوب طبيعي أن يجد أحزان الطيب أكثر من أفراحه وأفراحه أشد ألماً من الأحزان
لأن سيره عكس التيار حتماً هو شيءً مُؤلم لكن المُؤلم أكثر أن يسير مع التيار ، فالخنوع و الخضوع و الإنحناء أبداء لم يكونوا رداء للشرفاء
وإن أكثر ما يُؤلم في عملية السير بالعكس هذه أن الإنسان يرى من كان يسير معه في نفس الإتجاه يٌتخطف ليُلقى به في مجلس الشورى أو يُربط في مقعد وزاري
والخُبث في ذلك الخطف أنه يُغري حين يخطف المناضل من نضاله لكنه لا يلقي به في حجرة مُظلمة إنما يضعه تحت دائرة الضؤ الإجتماعي ثم يهبه المال و الوجاهة ، حينها يُهيأ للمناضل أنه قد حاز أخيراً ثمرة نضاله ، ثم لا ينتبه تحت بهرجة الشهرة أنه ليس أكثر من أسير
والعم محمد سعيد طيب سار عكس التيار بوعي فلم يسمح بأن تتخطفه الأموال و المناصب عن نضاله فهرب بوعيه عن دائرة الضؤ إلى مكان مضيء
وبهذا ضرب لنا يكون قد ضرب لنا مثالاً عميقاً في المعنى الحقيقي لحب الوطن ، وطوره في مفهومنا من كونه نشيد صباحي نتغنى به في طابور الصباح إلى كون حب الوطن ( إكسيراً للحياة )

**********

-8-
جميل أن يُدندن الوطن بصوت عذب على مسامع المواطن في أغاني طلال مداح
جميل أن يُقدر الملك إنجازات نادي عريق كالإتحاد فيُكسبه لقب نادي الوطن
و على الرغم من أن الإنسان صاحب الطموح العالي لا يسعى إلى الألقاب لكن من باب التقدير ألا يستحق العم محمد سعيد طيب بعد هذا المشوار الطويل و التجربة الشاقة في الحِراك السِلمي والسعي الدؤوب لإرساء مباديء الحرية في الوطن ، أن يُهدى رسمياً أو شعبياً لقب ( ضمير الوطن ) ؟
متى نتعلم كيف نُقدم هدايا أغلى من الدروع و الميداليات وخطابات الشكر ؟
لا لشيء إلا لكي يطمئن من ضحى بالغالي و النفيس في سبيل المجتمع أن مجهوده قد حاز الرضى ، وأن يطمئن من أراد الإقتداء بالكِبار أنه المجتمع سيُقدر في الأخير !

**********

-9-

أحد عيوب العم محمد سعيد طيب أنه إنسان يُقدس الكيف و يتجاهل الكم ، فلا يُصدَّر له كل يوم مقال في أكثر من صحيفة ، ولا يهرول خلف كل ناعقً في الإعلام ليُلمع صورته ، إنما يعتمد فقط على الكيف
قد يجري حواراً واحداً أو يكتب مقالاً عابراً فيفتح به أفاقاً رحبة للمعرفة ، لتسقط حينها أرائه و أفكاره من فوق الأرفف لتختبيء داخل عقولنا حتى لا يُصيبها الغـِـبار و التلف كما يُصيب رواد البهرجة .
وهذا في المجتمع الذي يُقدِس الكم يُعتبر أحد أبرز العيوب الإنسانية !
فالتصفيق هنا يشتد فقط لمن يترزز خلف الإعلام حتى يُنافس مريام فارس ، و الجمهور يقف إعجاباً لمن يُصيبه بالغثيان من كثرة الظهور و الكثيرون يعشقون الغثاء يا عم

**********

-10-

في فصل الربيع العربي
دعا البعض إلى معاقبة العم محمد سعيد طيب لأنه يُحرِض على الإلحاد
بعضهم قال عنه بأنه إنسان يسعى إلى زعزعة أمن الوطن وتفكيك النسيج الإجتماعي
هنالك من صرح بأنه إنسان تغريبي تأمري
والبعض إتهمه بأنه يُنِفذ أجندات و مشاريع خارجية لصالح شبكات مشبوهة
أخرون قالوا أنه رائد الإرهاب التغريبي المُنظم
ثـُلة لقبوه بالدعي المحرض المعارض المفسد
وقائلون بأنه إنسان ذو توجه معادي للدين
!!!
أعلم أن العم محمد سعيد لا ينتظر النُصح بأن لا يهتم ، و أن القافلة التي يسير بها ستسمر في المسير
لكن ....
معليش يا عم محمد سعيد .. يا طيب
إنت الكبير


******************************

[ أنا لم أقدم الكثير ، ولم أقدم كل ما أتمنى ، و لو بقي في العمر بقية "وقد مضى أكثره" أتمنى أن أكمل مسيرتي وأنا في طريق الإصلاح أولاً ، وقبل الإصلاح المصالحة مع الذات ومع الفئات المختلفة ]
محمد سعيد طيب

******************************



بعد هذه المقدمة الطويلة بعض الشيء و التي حاولت فيها أن أكون على الحياد ففشلت فشلاً دريعاً .. أقول
أما بعد :

قد وحد الملك عبدالعزيز هذه البلاد الشاسعة مترامية الأطراف بحِنكة و شجاعة و جُهد و إصرار حتى آل إليه الأمر بفضل من الله حين أتاه الملك بمشيئته
ولا يُمكن مهما إختلفنا أو إتفقنا مع هذا الملك إلا أن نُقِر له بالدهاء و الوعي و الحِكمة و الكثير من الصفات التي إمتلكها وبها إعتلى سُدة الحُكم
لكن شأن أي وليد أنه في حاجة إلى رعاية و عناية حتى يبلغ الرشد كانت المملكة في بداياتها أرضاً بِكر تحتاج إلى الكثير جداُ من المجهودات لتبلغ مكانتها اليوم ، ولا يُمكن أن يقوم برعاية وطن إلا أناسً فيهم من الحِكمة و بُعد النظر و الصبر على المشاق الشيء الكثير
إن الطريق في البدايات ليس مُعبداً ، و المسير كان شاقً يُدمي ، و المُهمة تكاد أن تكون في عُرف المستحيل
لهذا يسر الله لهذه البلاد العديد من الأسماء التي رعت الوطن في بدايته حتى كبر و أصبح على ما هو عليه اليوم
من تلك الأسماء التي سنتفق جميعاً أنها أثرت في الوطن و في الأجيال اللاحقة لها حتى وإن إختلفنا معها :
[ الملك فيصل ، الشيخ عبدالعزيز بن باز ، أحمد زكي يماني ، محمد بن لادن ، حمد الجاسر ، عبد الله بن خميس ، عبدالكريم الجهيمان ، سليمان الراجحي ، عبدالله عبدالجبار ، غازي القصيبي ، إبراهيم خفاجي ، طارق عبدالحكيم ، طلال مداح ...... إلخ ]
هذه بعض " فقط بعض " الأسماء التي نستطيع بحق أن نفتخر بها و نـُـقدر إنجازاتها ، أسماء ساهمت في تأسيس وطن قابل للحياة ، شخصيات وضعت الأساسات التي نقف عليها اليوم و شيدت البُنى التحتية في شتى المجالات حتى يقف أبنائهم من بعدهم على أرضاً صلبة
وضعوا اللبنات الأولى في ظروف أشد و أصعب من ظروف اليوم ، و إبتعدوا عن الصراعات الفكرية والعقدية ، حتى احترم أحدهم الأخر .. كل هذا كان في سبيل النهوض بالوطن إلى المدنية التي نعيشها اليوم
و العم محمد سعيد طيب .. إسماً لا يُمكن أن لا يُذكر عند الحديث عن المؤسسين للمملكة ، فقد ساهم كما ساهم الرعيل الأول في البناء " البناء بحرص و بإخلاص " بناءً يختص بمفاهيم الحراك السلمي و الحريات الفردية والنضال
لم يكن الطريق مُعبداً أمامه مثله مثل بقية الكِبار في المملكة الذين ذاقوا الأمرين حتى ينعم الأبناء برغد الحياة
ولا يُمكن أن يتم ذكر هذا الرجل الطيب دون الحديث عن تاريخ المملكة كما لا يمكن أن يتم الحديث عن المملكة دون الإشادة بمجهود العم محمد سعيد ، صحيح أن الوطن أكبر لكن الوطن أكبر لوجود جيلاً رعاه بحِكمة ووعي .

ثم جاء الأبناء و الأحفاد ( نحن )
فإزدحمت شوارع الرياض و جدة ، ضاقت الكباري بعابريها ، تم الإستهزاء بـ عِلم " بن باز " و الخوض في نزاهة سليمان الراجحي و التشكيك في وطنية العم محمد سعيد طيب !
فما العلاقة بين إزدحام الشوارع و بين التشكيك في وطنية الطيب ؟
إن العلاقة وثيقة مترابطة فكل أساس يتم بنائه و أي بُنى تحتية لن تصمد أمام الظروف بذاتها إنما هي تحتاج إلى صيانة و رعاية و تطوير بشكل دائم ومستمر وإلا سيسقط المبنى كله
( نحن ) إكتفينا اليوم بما أنجزه الأولون و جلسنا نرقص فوق الأساسات التي شيدها الكِبار دون أن نُطور فيها أو نصنها ، و عوامل التعرية لا ترحم .. قد تناسينا أن الزمن وحده كفيلاً بهدم كل الصروح
فكيف بعد هذا نستغرب من السقوط الذي نحن فيه ؟
إكتفينا بتغيير إنارات الطرقات دون أن نهتم بتخفيف الزحام لهذا ظهر عندنا مقاولون في الباطن يهدمون حتى البنى التحتية !
إكتفينا بالتصفيق للرعيل الأول بمن فيهم العم محمد سعيد دون أن نستلم الراية منهم لهذا ظهر عندنا أشباه مثقفين و أشباه متدينين يهدمون كل أواصر التآخي و يعيشون في مستنقع مُنتن مليء بالصراعات الفكرية


ختاماً ،،،
لا تستغرب يا عم محمد سعيد طيب أن يأتي طالب علم يحمل بكالوريوس شريعة ليُشكك في وطنيتك و يدعوك بالإلحاد ، أو ربما يكون محتسبً  !
أو أن يأتي شخصً من الصِغار للتو قد قرأ كم جملة لفرويد وبها كوَّن قناعة بأن غاية التنوير تكمن في إشاعة الفُحش و لِعب القمار و أنه بهذا بات أعلى شأناً من الكِبار
لا تستغرب يا عم محمد فنحن في زمن قد كثُر فيه الساقطون
وكل ما في الأمر أن طول فترة السقوط وبُعد الهاوية جعلهم يألفون الإنحلال ويُـشككون في الشرفاء الذين أبوا مشاركتهم السقوط


وحسبي الله و نعم الوكيل