الله سخر لنا الغرب

فضيلته يستيقظ من على سريره الماليزي ، و ينتعل حذائة المصنوع في الصين ، ثم يلبس ثوباً فصله عاملاً من الهند ، و شماغاً صنع في إنجلترا ! ، ثم يـُسارع إلى سيارته الألمانية . كل هذا ليلحق بالصلاة جامعة .

في المسجد وبكل خطى ثابتة يملأها الخشوع يخطوا فوق السجاد الإيراني ، يؤم المصلين و بعد الصلاة يعتلي المنبر و يلتقم المايكروفون أمريكي الصنع ، ثم بعد الحمد و الثناء يستلهم الخطبة بـ ( آللهم دمر اليهود و النصارى ، و أحرقهم و أبدهم و لا تـُبقي منهم أحداً ، ويتم أطفالهم ثم رمل نسائهم ثم أحرق زرعهم ، ولا تبقي منهم أو لهم أحداً ، أنت القادر على ذلك يا عزيز يا جبار " !!!
لحظة ،، الله ليس أداة إنتقام في يدي فضيلتك ، ثم ماذا لو إستجاب الله لدعاء فضيلتك ؟ ، ماذا سيتبقى لك من كل هذه الأبهة سوى السواك ؟ ، فحتى ملابسك الداخلية صـُنعت في تايلاند ! ، فهل سترضى بلبس جلود الغنم ، وأن تركب بعيراً ، هل ستقدر على إيصال صوتك لجميع المصلين لإختفاء المايكروفون !

----------   ---------

للأسف إن الكثير من المسلمين ينظرون للواقع من بُعداً غارقاً في الفوقيه ، فهو لا يكتفي ويرضى بالواقع المتخلف الذي يعيشه إنما راح يبحث عما يزيح عن كاهله هم الواقع المتخلف الذي يعيشه .
بمعنى أن دهاء بعض المسلمين قادهم إلى أهم إكتشاف في القرن العشرين ، كأنهم تسائلوا فيما بينهم " لماذا الغرب متقدماً علينا تقنياً و علمياً ؟ " ولم يجدوا سوى جواباً وحيداً أقنعهم وهو ، أن الله أمد الغرب بهذا التطور لسبباً وحيد " أن يتفرغ المسلمون لعبادة الرحمن على أكمل وجه " !!
إذاً لا مناص من الإعتراف بأن الله قد سخر لنا الغرب .

حسناً لنترك " فضيلته " يدعوا بما شاء ، دعاءً إن تحقق فسيكون " فضيلته " أول الخاسرين ، ولنتحدث بواقعية.
إن القصة التي أوردتها عن فضيلته هي نوعاً ما ساخرة إلا أنها موجودة ومشاهدة ، وللأمانة هي ليست حِـكراً على مجتمعاً عربي دون سواه ، إنما وللأسف هي ثقافة مـُنتشرة في الكثير من البقاع العربية ، ثقافة أننا نحن المسلمون أفضل البشر ، وأن الأخرون مهما تحضروا سيبقون الأقل شأناً .
وهذا الشعور طبيعي جداً ، فهو نوعاً ما ليس وصفاً منا لحقيقة تطور الغرب ، إنما مواساة لنا أمام التخلف الذي نعيشه .
عموماً ، لا أعلم كم من النقاط التي ستدخل ضمن هذا الموضوع . لكن من تلك النقاط :
- موضوع الإعجاز العلمي في القرأن الكريم :
فعلى الرغم من إيماني بأن القرآن كتاباً عظيم ، إلا أنه وللحقيقة كتاب ديني وليس علمي ،  بمعنى أنه ليس من المفترض على المسلم أن يفتح القرآن على سورة الأنعام آية 125 ثم يقراء قوله تعالى { فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء .... الآية } ، وما إن ينتهي حتى يصرخ في وجه علماء الفلك " أنظروا إن القرآن ومنذ الف وأربعمائة عام وضح لنا طبقات الغلاف الجوي و طبيعة الصعود فيه  ! " .
هذه صورة واحدة فقط من صور تأصيل الإتكالية لدى المسلمين ، فنحن لم نبني معملاً أو مختبراً ولا حتى درسنا وتعمقنا في علم الغلاف الجوي ، إنما فقط فتحنا القرآن على سورة الأنعام آية 125 .
بل وحتى علماء المسلمين في الماضي وعلى قدر الإمكانيات العلمية المتواضعة سابقاً إستطاعوا أن يتوصلوا إلى معلومات و حقائق علمية و نظريات أفادت ومازالت تفيد البشرية ، بينما نحن في هذا العصر لم نُقدم شيء سوى إزعاجاً أسميناه إعجازاً .
فمتى نـُدرك أن الإسلام لا ينتشر بالإعجاز إنما بالعلم و العمل ؟ ، لأن زمن المعجزات و الإعجازات إنتهى ، ولم يتبقى سوى العلم و العمل و التطبيق .
طبعاً موضوع الإعجاز العلمي في القرآن ما هو سوى صورة واحدة من صور إتكاليتنا ، كما أنه ليس سوى تأكيداً لثقافة أن الله سخر لنا الغرب بعلومه و تطوره لنتفرغ نحن للعبادة .
وعلى إفتراض أن هذه الفكرة صحيحة وأننا تفرغنا لعبادة الله حقاً فما هي العبادة ؟
هل هي الجلوس في المسجد و قرأة القرأن ووضع آيات من القرآن كنغمات في الجوال ؟
إن العبادة هي كل شيء في الحياة ، خارج المسجد و داخله ، في السر و العلن ، وأسمى درجات العبادة تكمن في الأخلاق و العلم و العمل .
ثم إننا للأسف أحط الأمم كافة في الأخلاق و العلم "اليوم " ! ، فما هي العبادة التي تفرغنا لها ، والتي بسببها سخر لنا الله الغرب ؟ .
إن كانت وفق ما نتصوره أنها مجرد ركعات و تلاوة قرآن فنحن مخطئين ، لأن كثرة الصلاة و الإكثار من قرأة القرآن لم تجعلنا نرتقي درجة واحدة في سلم الإنسانية ، لأننا في الأساس تركنا العلم و العمل للغرب ، تركنا لهم جوهر العبادة وتفرغنا للقشور .
تفرغنا تماماً لدعاء دخول الحمام ، ودعاء ركوب الزوجة ، و الإستغفار الماحي لكل الخطايا .
---
هنالك قصة عن شاب أراد أن يهاجر من قريته الفقيرة وفي طريقه وجد طائراً كسيحاً لا يطير ، ثم وجد الشاب أن رزق الطائر الكسيح يأتيه عن طريق طائراً أخر .
عاد الشاب إلى قريته الفقيرة فرحاً وقابل شيخ القرية وقال له : لقد رأيت طيراً كسيحاً يأتيه طائراً أخراً بالرزق ، فأدركت أن الله قد قسم الأرزاق و أن رزقي سيأتيني سواءً رحلت عن القرية أم مكثت فيها ، لذلك عدت أنتظر رزقي .
فرد عليه الشيخ : ويحك أرضيت أن تكون أنت الكسيح ، و كرهت أن تكون من يسعى في الأرض ؟ .


يا سادة ،،،
إن العلم الشرعي وحدة لن يبني أمة ، و الصلاة و الصيام والقيام لن يصنعوا إنساناً ، و العبادة بمفهوما السطحي الذي نمارسه جميعاً ليس عبادة إنما قشور .
ولكي نعرف معنى الإسلام وجوهره سنجده في الغرب ، فهم قد طبقوا كل ما نعرفه عن الإسلام بحذافيره إلا الصلاة و الصيام .
فمتى ، فقط متى نـُـدرك كيف ننهض ؟
متى وأحد الدعاة قد خطب ذات مرة قائلاً : " الحمدلله الذي سخّر لنا الإفرنج الكفرة ليصنعوا لنا ما نريد من متاع الدنيا وسخّرنا نحن لطاعته " .
وليتنا بعد هذا عبدنا الله حق عبادته ، فكثيراً منا ما إن ينتهي من صلاته إلا ويسرع إلى بيت المال ليغرف ماشاء ثم يستغفر الله !

نحن بإختصار قوماً لا دين لهم ولا دنيا ، وهذه الحقيقة ليست عيباً إنما حالة طبيعية ، فالدين هو ما يدين به الفرد .. لأن الجمع لا دين لهم .
ومشكلتنا إذاً في الأساس أننا أسلمنا المجتمع ، وهذا ما جعلنا نهدم في المقابل إسلام الفرد داخل المجتمع ، وفي الأخير نُكابر إستنكاراً أمام الحقيقة التي تقول أنه لا ينبغي تديين المجتمع .

كلمة أخيرة : لقد أصبحنا عالة على الأمم ، لأسباباً عديدة أحدها فقط إيماننا بأن الله سخر لها الغرب لنتفرغ نحن للعبادة ! . فهل تفرغنا ؟


ودمتم

0 التعليقات :

إرسال تعليق