موظف بمـُـسمى داعية

بسم الله الرحمن الرحيم
هذه ملاحظات عشت بعضها و سمعت عن بعضها ، أسردها بحثاً عن الإجابة ، أسردها بحثاً عن الحقيقة .

وقبل السرد يجب أن نعلم أن الإسلام لا تشخيص فيه ، فلا يُمكن أو لا يصح أن نقول أن فلان داعية أو أن فلان الأخر عضو في هيئة الأمر بالمعروف ، كذلك لا يصح أن نُطلق على فلان لقب رجل دين ، ثم إنه لا يوجد شيء إسمه صاحب فضيلة ، وغيرها من الألقاب .
لماذا ؟
لأننا جميعاً مسلمون مُؤمنون مُوحدون ، التاجر الغارق في تجارته إن أخلص أصبح داعية ، السياسي المسلم الذي يرعى الله في سياسته هو رجل دين ، الشاب الصغير الذي يصحب صديقه للصلاة هو يأمر بالمعروف ، الفتاة المسلمة التي تمنع أختها من اللغو في الحديث هي تنهى عن المنكر .
وكلنا ، كل المسلمين ليس فيهم صاحب فضيلة ، لأن إحتكار الفضيلة تعني أن ذلك الإنسان كامل و الكمال لله

عموماً ،،،
الفرق بين الدعوة إلى الله و الدعوة إلى الإسلام ، أن الدعوة إلى الله عامة لكل معتنقي الأديان لأن الله واحد في كل دين بغض النظر عما نشاء في ذلك الدين من تحريف لاحقاً لكن يبقى الله موجوداً في قناعات كثيراً من البشر .
أما الدعوة إلى الإسلام وأقصد هنا رسالة محمد -عليه الصلاة و السلام- فهي دعوة أمرها أصعب لأن الداعي يدعوا إلى الإيمان بنبي لا يُؤمن به الأخرون ، لذلك فسيواجه حينها عقليات مختلفة كلها تُؤمن بأن ما عندها حق ، وعلى المسلم أولاً أن يُقنع الأخر ببطلان ما يؤمن به من حق ثم يبداء في إقناعه بأن مالديه من بضاعة هي الحق ، و طريقة الإقناع هذه لا تتم أبداً بالقوة و الغلظة إنما باللين و الرفق وأثناء تعاملات اليوم الطبيعية ، كما أن أمر الدعوة لا يتم إلا في حالة واحدة وهي أن يستشعر الداعي في أعماقه بحب الخير للأخر لا أن يبحث عن الأجر لنفسه .

يبقى وضعنا نحن كمجتمع سعودي مختلف ، وهو دائماً مُختلف .
فالأغلبية الساحقة من الشعب السعودي هم مُؤمنون بالله و بالنبي ، يُصلون و يصومون و يُزكون ، فلماذا يكثر الدعاة بهذا الشكل ؟ ، وإلى ماذا يدعون بالضبط ؟
نعم يوجد بيننا مسيحيون و بوذيون و لا دينيون أجانب أو سعوديون لكنهم ليسوا بالكثرة التي تستدعي زرع هذا العدد من الدعاة في المجتمع .
ثم لماذا لدينا هيئة عليا للدعوة و الإرشاد ؟
إن قلنا أن من مهام هيئة الدعوة و الإرشاد ومن مهما الدعاة في السعودية إرشاد الناس و تبيين سبل الخير والصلاح فقط ، فما دور هيئة الأمر بالمعروف ؟ أم هو تضارب في المهام ! .
عموماً مرة أخرى ، لن أركز حول هذه النقطة وسأقفز إلى النقطة الأخرى محور الموضوع " الداعية "
من هو الداعية ؟
إن كان هو ذلك الشاب الذي ربى لحيته و إنتسب إلى هيئة الدعوة ليحصل في الأخير على راتب نظير مهامه الدعوية ، فماذا أفعل أنا و غيري ؟
فأنا أؤمن بأن الدعوة واجب إسلامي على الجميع تتم عبر حُسن المعاملة في العمل و السوق و المتجر و في السفر و في الندوات ، هي بإختصار أن نقوم بالدعوة إلى الله أو إلى الإسلام جميعنا وفي كل يوم ، وذلك بأن يعيش المسلم حياته وفق النهج الإسلامي ، حينها سيقتنع الأخربالإسلام بناءُ على ما يراه من حُسن أخلاق المسلمين .
فهل يُعقل أن أعيش حياتي وفق نهج الإسلام ثم أتقاضى راتباً ؟ ، وإن تقاضيت راتباً فهذا معناه أن الدعوة أصبحت وظيفة تجلب الرزق ، أي أنني من الساعة السابعة صباحاً حتى الثانية ظهراُ أدعوا إلى الإسلام و الأخلاق الحميدة ، فماذا أفعل بعد الثانية ؟! ، إن إستمريت في الدعوة لخمس ساعات أخرى فهل أطلب من الدولة بدلات ؟ ..... نهجاً سقيم .
لقد حولنا الدعوة من كونها نهج إسلامي رفيع أحد إنجازاته أن دخل الشعب الأندونيسي إلى الإسلام حتى أصبحت أندونيسيا كدولة فيها أكبر عدد من المسلمين ، فقط بالمعاملة الحسنة .
حولنا كل هذا إلى وظيفة حكومية تـُرصد لها عند كل بداية سنة ميزانية ، حتى أصبح الداعي يدعوا للراتب ، وينضم إلى المراكز الصيفية لزيادة الدخل !
وسواءً إلتزم الشخص الأخر بالدعوة أو لم يلتزم فلن ينقص من راتب الداعية هلله !!

وهنالك من الدعاة من لم يُسعفه الحظ بأن يتعين كموظف حكومي بمُسمى داعية ، وهنالك من فهم المسألة وتوجه للدعوة بحثاً عن الأجر من الله
لكن المؤسف أن الإثنان قد سارا على خُطى الموظف الحكومي الداعية ، فكلاهما إنضما لنفس المراكز الصيفية ، وكلاهما يُـوزعان نفس الأشرطة و المنشورات ! ، هي نفس الصورة تتكرر بنسخ متشابهة مكررة ولاجديد ! ، الفرق أن أحدهم يستلم راتباً أما الأخر فلا .

ما هي الدعوة أو كيف تتم الدعوة ؟ ( وجهة نظر )
فارس الإسلام الشيخ " أحمد ديدات " -رحمه الله- ، كان يجلس ويتناقش مع عالم مُلحد حول مسألة علمية أو فلسفية ويتحاور لساعات طويلة كل يوم وعلى مدى أسابيع بل ربما شهور
ولو قرأنا قصة حياة الشيخ أحمد ديدات سنجد أنه كان يُحدد زمناً مُعينا من عمره يُركز خلاله على شخص واحد حتى يُقنعه بصحة الإسلام .
في المقابل قد قابلت أحد الدعاة في مكتبه وكان مكتبه مليء بشهادات الشكر و التقدير و الميداليات و الأوسمة التي عبئت سطح المكتب ، قابلته للسلام عليه .
وللعلم فهذا الشخص يتخذ من الدعوة هواية وليست وظيفة لأنه موظف في قطاع حكومي أخر غير الدعوة و الإرشاد ، المهم أنني ما إن سلمت عليه حتى أخرج لي كرتون مليء بالمنشورات و الكتيبات و السيديهات .
قلت له ما هذا ؟
قال : إننا داخلون على فصل الصيف وهذه الكمية إستلمتها من أحد مكاتب الدعوة لأوزعها ، فربما يُسلم على يدي أحداً ، أو أن يهدي بي الله إنساناً تائهاً ، ثم أخذ يُحدثني عن فوائد الدعوة .
فقاطعته : كم عدد ما في الكرتون ؟
قال : ألف سيدي و ألف كـُتيب و ألف مطوية ، جميعها باللغة الفلبينية !
ثم وخلال حديثي معه علمت منه أن لديه إيميلات لأكثر من ثلاثة ألاف " كافر " يعيش في السعودية !
قلت له يا شيخ : أولاً الدعوة ليست هكذا ، فهي لا تتم عبر المطويات و السيديهات إنما عبر الإقناع و التضحية و الإخلاص في حياتك ، فأول نهج خالفت فيه الإسلام أنك إستغللت المؤسسة الحكومية التي تعمل فيها وضيعت الوقت الذي يُـفترض بك أن تـُـؤدي فيه مهامك التي تتقاضى عليها أجراً من أجل هذه الكـُـتيبات .
ثانياً : حتى جهاز الكمبيوتر الذي تعمل عليه قد صُرف لك من قبل الحكومة لأهداف معينة تتقاضى عليها راتبك ، فهل يجوز إستغلال الموارد الحكومية من أجل الدعوة ؟
ثم لو ركزت على عشرة أو عشرون أو واحد فقط لكان أفضل وأجدى .

للأسف .. كثيرون لا يُـصدقون أنه حتى قرأة القرأن في نهار رمضان لا تجوز إن كان الشخص في مقر عمله ، فما بالكم بالتجهيز للدعوة و الإرشاد ؟
لدينا خللاً ولا شك ، من الذي صنعه ؟ .. إنه نحن
هاهو المسيحي يُسافر إلى قــرى و أدغال أفريقيا ويبني بيتاً له هناك ويجلب زوجته و أبنائه للسكن في أماكن الفقر و الجفاف ، ثم يستمر على هذا المنوال سنين و سنين ، كل هذا من أجل التنصير و دعوة الأفارقة إلى المسيحية .
بينما دعاتنا يتعاملون مع الأمر أنه " إنتداب " أسبوع أو أسبوعين ، يُـحسب عليه اليوم بـ 400 إلى 1000 ريال لكي يدعوا ، ثم و أول ما إن يحط رحاله في تلك الدولة الأفريقية يبحث عن فندق أو مسكن مُريح ، ومنه ينطلق كل يوم إلى أحد القرى الأفريقية ليقوم بتوزيع بعض الأشرطة و الكـُتيبات ، أو أن يُلقي كل يوم محاضرة في قرية مختلفة .. وإنتهى .
ليعود بعدها إلى السعودية من رحلة عمله ، ويستلم بدل إنتدابه كاملاً !
لقد أصبحت الدعوة وظيفة أو هواية بهيئة وظيفة !
إن المغول عندما إحتلوا بلاد المسلمين ما لبثوا سوى فترة بسيطة حتى دخلوا إلى الإسلام جماعات ، هم لم يدخلوا الإسلام لأنهم سمعوا محاضرات دينية أو قرأوا كتيبات و أشرطة دينية " وإن كانت بلغتهم " ، إنما دخلوه لأن المسلم في ذلك الوقت كان ينظر لحياته كلها بكل تفاصيلها أنها دعوة إلى الله ، حتى نومه و ضحكه و بكائه ، حتى تعامله في الأسواق و التجارة ، حتى إحتوائه وتقبله لأفكار الأخر ومعتقداته و إن كانت مختلفة .
أما نحن في هذا الزمان ، وسواءُ كان الداعية موظف أو هاوياً ، إلا أن ما يجمعهما هو أسلوب واحد ، أسلوب فيه من " اللقافة " وحشر النفس في ذنوب الأخر ومعاصيه .
فكانت النتيجة أن زادت نسبة الكارهين للإسلام و الناكرين له كله بمجمله .

لكن والحق يقال أن دعاتنا ليسوا إلا حلقة في سلسلة .. سلسلة شوهت معالم الإسلام .
لأن الداعية أصبح أناني فهو لا ينطلق من حب الخير للأخر إنما للراتب ، وإن لم يكن موظفاً بمسمى داعية ، فهو حتماً ينطلق بحثاً للأجر من الله لنفسه لكي يرتفع عند الله درجة و درجتان ويدخل الجنة حيث الحور العين ! ، وهذه نوعاً ما أنانية أن تـُحب الخير لنفسك فقط .
ولولا الإطالة لتحدثت عن التكشيرة التي تـُلازم الداعية ، وكيف إذا ما رفضت أخذ كُـتيبه الإسلامي أو رفضت حضور محاضرة دينية سيمقتك بنظرة إحتقار ويبتعد وهو يتمتم " حسبي الله و نعم الوكيل " !
أو حدثتكم عن تلك المقبرة الخاصة بأهل الكتاب في مدينة جدة ، أليس من مهام المسلمين أن يرعونها و يهتمون بها طالما هي في أرض إسلامية ؟ ، لكن أمرها متروك للسفارات الأمريكية و البريطانية .. لماذا ؟ ،  لأنهم مختلفون عنا فلا أجراً نبحثه عندهم ! ، كم كان جميلاً لو أن هيئة الدعوة و الإرشاد هي المسئولة عن مقبرة أهل الكتاب الواقعة في جدة لكن لأنهم كفرة فجار لا تشملهم الدعوة !

الخلاصة ،،،
شاهدت قبل فترة مقطع فيديو لأحد الدعاة السعوديين وكان الداعية نفسه يُـصور إبنه الذي لم يتجاوز العاشرة ، يـُصوره وهو يأخذ كـُتيب وسيدي من يد الأب ثـُم يركض خلف إمرأة ملثمة ويعطيها الكتيب ، والأب يقول : ما شاء الله يا ولدي ، بإذن الله تكبر وتكون داعية !!!
مشهد واقعي جداً فهذه حدود تفكيرنا !

0 التعليقات :

إرسال تعليق