تخاريف : إن
العدد ألف كناية عن الكثرة و العدد واحد كذلك هو كناية عن قِلة البركة .
بمعنى أخر أن
الإسلام سيسترد عافيته ويعود كما كان إذا ما توقفنا عن الحديث عنه صباح مساء لدرجة
أنه تحول بقدراتنا الخطابية وثرثتنا إلى هاجس مرضي ! . فالإنسان يأكل لكي يعيش لا
يعيش لكي يأكل .
نحن أكثرنا من
الرغي عن الإسلام ، تحدثنا في ألف خُطبة عن الإسلام ، أنشأنا القنوات الإعلامية
التي لا تهتم سوى بالإسلام ، إخترعنا الأناشيد الإسلامية ، الفن الإسلامي ، اللباس
الإسلامي ، حتى المايوه " البكيني " أسلمناه !
حشرنا الإسلام
في كل صغائر الحياة و كبائرها ، كيف نأكل على الطريقة الإسلامية ، كيف ننام إسلامياً
، هل يدخل أحدنا المسجد باليمين أم بالشمال .
ورغم أن الكثير
من تلك الأمور حقاً إلا أن الخطاء أن لا يخطوا المسلم خطوة واحدة قبل أن يتفكر
فيها فإن إطمئن خطاها ، ومرد الخطاء هنا إلى أن الإسلام سيتحول من كونه دين يُسر
إلى دين عُسر .
إن الفضل
الأكبر في هذا التحول من اليسر إلى العسر ، يعود إلى أسباباً عديدة منها : جماعة
الخُطباء و الفـُـقهاء الذين صدئت ميكروفوناتهم و لم تُرهق ألسنتهم وهي تـُثرثر
على مسامعنا كل يوم عن الإسلام .
حتى أصبح مصدر
الإلهام الأول لعقل المسلم ليس قال الله و قال الرسول إنما قال الشيخ ، ولهذا يسأل
الواحد منا شيخه ببلاهة عن كل شيء حتى عن لـِباس زوجته و مكياجها وماذا فعلا
الليلة الماضية !
إنني أتألم
جداً كلما شاهدت شيخاً في الإعلام يستقبل إتصالات الجمهور ، يُجيب هذا ويُفتي لذاك
، يُحرم هذا و يُحلل ذاك ، ولست أتألم لحال الشيخ فهو سيقبض في نهاية الحلقة ماله
كاملاً ، إنما أتألم لحال الجمهور العريض من المُتصلين فهم تماماً كأنهم أطفال في
حضرة بالغ عاقل ، يـُرشدهم لكي لا يضِـلون السبيل !
لم يعد المسلم
يثق بنفسه إنما قد إنصبت ثقته كلها في شخص الشيخ المُترزز خلف كل شاشة ، ثم لم
ينتبه أحداً أنه ليس أكثر من إنسان ثرثار ، يفقه في كل أمور الحياة بداءً من
دخول دورة المياة و إنتهاءً بالعلاقات الدولية ! .
وأعتقد أن من
يتصل ليستفتي ليس أكثر من إنسان أدمن الإستعباد ، حتى لم يعد يرى للحياة طعماً
بعيداً عن سجن الفقهاء ، بل حتى أصبح السجن بالنسبة له هو الحياة وما يقع خارج هذا
السجن من المحرمات بالضرورة ! .
تماماً كالذي
يعيش حياته لكي يأكل الطعام ، أصبح المسلم يعيش حياته فقط لكي لا يخرج عن حدود
الإسلام ، يعيش ليُسلِم لا يُسلِم لكي يعيش بسلام .
لم يعد بين
المُسلمين أنفسهم و بين الإسلام وئام ، وذلك لأنه تحول إلى هاجساً لهم وشغلهم الشاغل
، و الشكر في هذا يعود إلى علمائنا الأجلاء الذي أمطرونا ومازالوا يُمطروننا
بوابلاً من الخُطب في كل يوم و كل لحظة ، خُـطباً عن كل شيء في الحياة و عن ما بعد
الحياة !
حتى أن من
يستمع إلى الخُطباء و الفقهاء سيشعر أن إسلامه دائماً هو ناقص ، دائماً يحتاج إلى
تحسين ، فيعيش المسلم حياته كالذي يسير على حبل رفيع يخاف دوماً من السقوط ،
والإسلام ليس بهذا الضيق . فما أصعب أن يكون الإسلام مُجرد ميزان تـُوزن فيه جميع
أمور الحياة ، و الأصعب أنه لا مكان للنقص ولا مكان للزيادة ، فكيف بالله تستقيم
الحياة ؟
( أنا لا أتحدث عن الزيادة و النقص في الإسلام الشامل كما جاء به
النبي –عليه الصلاة و السلام- إنما أتحدث عن إسلامنا اليوم .. وهنالك فرق )
والسؤال : متى
نخرج من هذه الحالة ؟ ، متى يقتنع المُسلم أن الإسلام ليس قاسياً عصياً ، ليس عصا
تهوي على ظهور العـِباد ، وبأن الإسلام ديناً يُسنِـد المرء في الحياة حتى يقوى
على إكمال المسيرة ، متى ؟
لأنه متى ما إقتنع
المُسلم بأن مصدر التشريع في الإسلام هو طبيعة المتغييرات في الواقع ، سيجد أنه
ديناً مُتجدداً مرن ، ليس في حاجة إلى شيوخ و علماء يشرحون للإنسان كيف يخطوا و
كيف يضجع وكيف يعطس وهل يُداعب زوجته أم يتركها للزمن !
ثم ماذا
إستفدنا بعد كل هذه الدروس و الندوات و المحاضرات ، في كل وسائل الإعلام ؟
ماذا إستفدنا
إلا أننا صورناه وكأنه شبكة تدخلت خيوطها في كل صغائر الحياة و كبائرها ، و
الإسلام ليس شبكة تـُقيد من يدخل فيها ، إنما هو نظاماً و روحاً تسري على الجميع
بهدوء . نظاماً يقوى فقط عندما يعمل المسلمون في هدوء ويعملون بصدق ، يتشوه بالثرثرة
.
---------- ----------
قلت سابقا فوُصِفت
بالجهل و الغباء ، لهذا أعيد الأن :
لو إعتبرنا
الحياة كالمنزل الذي يعيش فيه أحدنا فيُمكن إعتبار الإسلام بالنسبة لهذا المنزل
كالتهوية و الإضائة ، هو أحد الرفاهيات بالنسبة للمنزل وأيضاً من الكماليات ،
وجوده يعني حياة هانئة مريحة مطمئنة ، و عدم وجوده يعني حياة قاسية صعبة لكن ليست
مستحيلة ، بينما نحن اليوم فكل الذي عملناه أننا لا ننفك نُثرثر عن التكييف و
الإضائة ، و أهملنا المنزل ولم نُعِره أي إهتمام . إعتبرنا أن الإسلام هو ذلك
المنزل بينما المنزل هو الحياة و الإسلام جاء ليضفيه عليه الجمال و الراحة .
ختاماً ،،،
إن الحسنة
الوحيدة لثرثرتنا و صياحنا أننا نذكر الله كثيراً في حديثنا ، أما الباقي فسيئات
تموج بنا تتلاطمنا حتى بعدنا عن بر الأمان .
والله أعلم
0 التعليقات :
إرسال تعليق