( إنه لمجتمع
مخيف في تخلفه ذلك المجتمع الذي تصبح فيه خائفا من أن يتهمك غيرك بالإلحاد أو أن تصبح
فيه مخيفا لأنك قد تتهم غيرك بالإلحاد ) ..... عبد الله القصيمي
يقول عالم
الاجتماع اليهودي الشهير " إيميل دوركايم" بأن المجتمع هو الكائن المطلق
وأن الله نفسه يتجلى في روح المجتمع ، لأن المجتمع قوة متسامية وقيمة متعالية
تحقـق غايات إنسانية ومثلا جمعية ، أما حقائق الدين فسوف تـُصدر من المجتمع نفسه
على اعتبار أنها مسائل اجتماعية مـُغلفة برداءً إلاهي ! ، فالمجتمع إذاً هو الذي
يفرز الدين وليس هناك من كائن أسمى ،و ليس هنالك خـلود أو قداسة .فكل ذلك ورد
إلينا من المجتمع نفسه .
في هذا التعريف
يظهر بشكل واضح إلغاء دور الله وإحلال المجتمع مكانه ، فالمجتمع هو الذي يـشرع ويقرر
الخير من الشر وهو الذي يُـحدد طريق الجنة من النار ، على إعتباره أكثر قدسية و
سمواً وتعالي من الله نفسه ، بل ربما حينما يُؤمن شخصاً ما بهذه الفكرة فهو يُلغي
وجود الله نهائياً .
وفي أضعف
الإيمان أن أصحاب هذا المبداء يُؤمنون أن " الله و المجتمع شيء واحد " .
بإختصار ،،،
يُـمكن القول
بأن هذه النظرية ولدت ونشأت لسبب وحيد وهو أن الذات الإلهية بعيدة عن مُـتناول
العلم فتم إقصائها وإحلالها بفكرة بديلة وهي " المجتمع " ، ليكون العقل
والعلم أكثر مقدرة في التعامل مع المجتمع عنه مع الإله .
وللأسف هذه
الفكرة أتت ثمارها بالفعل سواءً بشكل صريح في المجتمعات الغربية أو بشكل خجول في
المجتمعات العربية . بل وللأسف إن المجتمعات الدينية هي الأكثر عرضة بإلغاء دور
الله ! .
فالمجتمع
الديني يـُخالف حتى مباديء الدين نفسها ، فلا يوجد دين أمر بإلزام تديين المجتمع من
الأساس ، ومن هنا تنشاء الرجعية و التخلف ، ومن هنا تدخل العادات و الأهواء و
الأعراف لتـُبرر عملية تديين المجتمع ، ومع الوقت تـُصبح الدخائل على الدين هي
الجزء الرئيسي فيه .
لدرجة أن الناس
أصبحت تخشى وتخاف من المجتمع الديني أكثر من خوفهم من الله ، أصبح المجتمع هو الذي
يُـشرع و هو الذي يبني الأحكام ، ولا أتحدث هنا عن القوانين و التشريعات الوضعية
الخاصة بالدولة إنما حديثي عن التشريعات الدينية بالخصوص .
ولو تمعنا في
واقع المجتمع العربي نجد فكرة تآليه المجتمع مُـطبقة ولكن
بأسلوب أخر مُـغاير ، فنحن رغم عدم تأثرنا بالفكر الغربي حول هذه المسألة بشكل
صريح لكننا وبشكل أخر وبطريقة ما قد آلهنا المجتمع فعلاً ، سواءً عن قصد أو عن غير
قصد ، لقد طبقنا نفس الفكرة لكن بإتباع طريقاً مُختلف .
فأكثر شرعنا و
ديننا يحتكم إلى الأعراف و التقاليد والعادات لا إلى ماجاء به الإسلام في القرأن و
السنة . نحن وبشكلاً ما ألغينا الله في كثيراً من أمورنا ثم آلهنا المجتمع ، لكن
الذي إستحدثناه أننا آلهنا المجتمع نـُصرةً لله ! .
ولا أقول هذا لتكفير المجتمع -معاذ الله- إنما لأن من تشدد في الدين سـُغلب .. ونحن قد تشددنا في
الدين حتى خرجنا عن تعاليمه ، ثم جئنا بالبديل من أعرافنا وعاداتنا وأهواء أنفسنا
.
---------- ----------
هل المجتمع
العربي متدين حقا ؟
سؤال يستحق
التأمل ويجب أن لا نخاف من قول الحقيقة ، نعم نحن مجتمع متدين ومتدين جداً ، لكن ليس بدين الله ،
ليس بالإسلام ، إنما بدين فضيلة الشيخ وسماحة العلامة وبعادات القبيلة وبالخوف من
الأب وبإسترضاء النظام .
فأنشأنا
إسلاماً مختلف ، إسلام مبني على " العيب ، الغلط
" ! ، أصبنا بهوس أن يكون مظهرنا فقط هو الجميل دائماً ، مظهر المجتمع في
الخارج ، و مظهر الفرد في نظر مجتمعه ، حتى أصبح الفساد و الإفساد ليس حراماً أو
خطاء إذا ما تم في الستر بعيداً عن الأعين ، فأين الخوف من الله ! أم أن خوفنا من
نظرات المجتمع هي الأعظم !
نحن ندعي أننا
مجتمع أخلاقي يسير وفق ما يقوله الله ، لكن ولأننا أسلمنا المجتمع وديناه ، أصبح مجتمعنا
أخلاقي وفق ما ترضاه أهوائنا و تأمر به
العادات .
الحقيقة يا
سادة أننا مجتمع يتمسح بالدين الصحيح ويُـطوعه بشكل لا يتعارض مع المجتمع ، فلا
علاقة لنا إذاً بالدين الصحيح طالما نحن نتلاعب هنا ، بل الأدهى أننا حتى لا
نــفكر بالإحتكام إلي الإسلام إذا إعتقدنا أن النتيجة ستكون ضد ما تعودنا عليه .
---------- ----------
( 1 )
في الحديث
الصحيح ( لا فرق بين عربي أو أعجمي إلا بالتقوى ) ، بينما نحن نأبى إلا وضع
الفوارق بين العربي و العجمي ، بين الحضري و القبلي ، بين الرجل و المرأة ، وكثيراً
ما يتم رفض الزواج بناءً على هذه العنصرية ، والأدهى أننا نبحث في الشرع عما يُـؤكد لنا أن هنالك فعلاً ألاف
الفروقات بين العربي و العجمي غير التقوى !
( 2 )
لا يُـمكن
تجاهل دور المجتمع في تحويل المرأة من كائن له حقوق و ميزات في الإسلام إلى كونها " التابو "
الأكثر حرمانية في المجتمع . فلا يجوز الإختلاط معها لأن " صوتها حرام ، عطرها
حرام ، لبسها حرام ، ضحكاتها حرام ، حتى عملها حرام "
نحن نصر دائماً
بأن الإسلام وضح بأن مكانة المرأة في المجتمع هي أن تقر في بيتها و هذا أعظم تشريف
إلاهي لها ، أن تخدم زوجها وتستغني عن كل أمالها .
ولكي نـُؤكد
صحة معتقدنا نتجاهل بإصرار أن المرأة كانت في صدر الإسلام لها دوراً مُهما ولها
رأياً يـُـؤخذ به دوماً وأنها كانت تُقاتل في الجيش وتُفتي في الدين ، ولا فرق
بينها و بين الرجل سوى في طبيعتها وما تُـلزمها به تلك الطبيعة .
إن الإسلام حرم
الفًحش و التعري لكنه لم يمنع عمل المرأة ، غير أن المجتمع هو الذي منع عمل المرأة
تجنباً للفـُحش ، وكأنها لا تستطيع أن تـُمارس العمل و تلتزم بالأدب !
( 3 )
هنالك أيضاً
عملية تقديس الأشخاص ، ففي الوقت الذي نجد فيه أن النبي حارب أن تكون نظرة
المسلمين إليه فيها تقديس لشخصه ، نجد أن واقعنا الإجتماعي مليء بتقديس الذوات ، فهذا
عالم لا يجوز الإعتراض عليه ، وتلك فتوى لا يُـمكن نقدها ، وشيخاً جليل أرفع
بدرجات من باقي البشر ! .
---------- ----------
لا أدري ما
الذي عقد حياتنا إلى هذا الحد ؟
من الذي أقام
تلك التشريعات بإسم الله ؟
من الذي فصل
لنا ديناً جديد وسماه زوراً بالإسلام ؟
من الذي إصطفى
نفسه ليرسم لنا الله وفق هواه ؟
قيماً ، أخلاقاً
، مباديء ، أعراف ، والكثير أدخلناه في الإسلام و ما أنزل الله به من سُلطان ، بل إن
كثيراً مما نهانا الله عنه بشكل صريح أقره المجتمع و طبقه ! ، حتى أصبح المجتمع له
الفصل في القول وإليه تؤول الأمور.
0 التعليقات :
إرسال تعليق