لقد أصابتنا نشوة بلا
سبب ، و تغنينا بأمجاداً ليست من صنعِ يدينا ، و بنينا واقعاً بِجهود الأخرين
.. ثم جلسنا على الهواء نتفاخر بلا شيء تمامً ولم يكلف أحدنا نفسه عناء النظر للأسفل فإن نظرلصرخ فينا " إنـكـُم سَـاقِـطــوُن".
إن واقعنا اليوم قد
أصابنا بِحالة مِن الهذيان ، فنَحن نرى الشمس تـشرق على وطناً جميلاً هانئاً لا كدر
فيه ثم لم ننتبِه إلى أن ضوء الشمس هو المسئول الأول عن صنعِ الظِلال و أننا في الظِلال
قَد بنينا مًستقراً لنا و مقام ، ولكبريائنا لم نخجل من هذا المُستقر إنما رحنَا نتفاخر
بِشروقِ الشمس !
يجب أن نَعترف أن طول
فترةِ مكوثنا في الظِلالِ قد جعلتنا نتكيف مع هذا الوضع ، حتى أصبحت لنا أعيناً لا
تـبصِر ، و ضمائر عمياء ، و التوجس أصبح وسيلة تواصل .
لم ننتبه أيضاً إلى
أن سادة الظِلال مُرتَزقة .
---
سـحقاً لمثـقـفاً يرفـض
أن يعاقر الكتب ، يمتنع عن إثراء الفِكر ، يترفع عن إرهاق تَفكيره من أجل أن يزرع
في مجتمعه رأياً يستحقُ الإحترام .
ثم يستغني عن كل تلك
التضحيات بشهادة مهما علت درجاتها فلن تـسمن ، لأن تعليمنا من الأساس لا يغني فقد
إحتل القاع بكل جدارة عندما لم يعتمد إلا على الحفظ دون الفـهم و التلقين دون
الإستيعاب ، و إن مثل هذا التعليم لن يخرج إلا الزبد ، هذا إن لم يتحصل مثقفنا
النابغة على شهادته بالوهم و التزوير !
إذاً : أول معيار يجب
أن نضعه أمامنا هو أن الألقاب التي تسبق الأسماء ليست مقياساً لمدى وعي المثقف ،
بالتالي ومنطقياً سيكون المعيار الوحيد هو إسهاماته في المجتمع ، وبما أن المجتمع
غارقاً في الفساد و الفوضى فهذا يقودنا إلى أن الساحة اليوم شبه خالية من أي مثقف
له وزنً يذكر ، وإن وجد هذا المثقف فحتماً سيسجن خلف أسوار إهمال المجتمع .
والمجتمع لن يهمل
المثقف الحقيقي كرهاً فيما عـِنده إنما إعجاباً فيما عند الأقزام ، لأن ما يطفوا
على ساحة الثقافة هو إسهامات من كائنات تشبه ديدان الكتب القديمة ، أناساً ليس
لهم من الثقافة إلا إحياء أراءً بالية قد عفى عليها الزمن ، أو إستيراد أفكاراً قد
بصقها الأخر حين عافها فتلقفها مثقفونا كأنها النصر المبين !
وبلا تعميم فإن مـثقفينا
باتوا يسكنون أبراجاً عالية ومنها يقذفون إلى المجتمع بأراءً هشة و لمم ثم
يجبروننا أن نتلقف كل ما يقذف إلينا منهم بكل إجلال و تقدير كأنه " ماء زمزم "
رغم علمنا أن نبعهم " ماءٌ آســِـن "
لماذا ؟ لا أحد يعلم
، لكن هكذا علينا أن نتعايش مع رواد الفكر و الثقافة ، حالنا حال الغريق الذي لا
ينجده المارة إلا بالنصح و الدعاء " لـه أو عـلـيـه " !
---
لم يكن للفساد أن يصل
إلى هذا الحد من الإرتفاع و التضخم إلا لأنه بدء في التغلغل أولاً وقبل كل شيء
داخل المؤسسة الثقافية ، فمنذ عقود و نحن لا نجد أو لا يراد لنا إلا أن نجد أكثر
من أبيات شعر كلها شحاذة و بعض المقالات عن حفر الشوارع و أعمدة الإنارة و كتباً
لا تهيج إلا الشهوات الجنسية ، وإن صادف و لمحنا نوراً في أخر النفق سنكتشف أنه
نار غليون لشخص منهمك في ترديد أحاديث " ديكارت و نيتشة " ليوهمنا أنه
فاهم ! .
إن الخطيئة الأعظم
لهذا المجتمع أنه أغدق على المثقفين بنظرات الإعجاب و الإطراء ، و عبارات المديح و
الثناء ، و يتعاظم ذنب المجتمع أكثر كلما إستمر في التبجيل و التقدير رغم الجحود و
النكران .
المجتمع قد أعطى دون
أن يأخذ ، و المثقفين مازالوا يطلبون المزيد وهم لم يعد في أيديهم ما يقدموه ! و
ما زال المجتمع يعطي و يعطي ، ولم يتحصل إلا على نظرات
التعالي و العجرفة و الترفع حتى عن طرح قضاياه الأساسية للنقاش ! لم يجد منهم إلا
أحاديثاً سطحية مطعمة بكلمات مستوردة توضع بين ثنايا الجمل لتخرج التركيبة
النهائية " باهتة " ، الغريب أن هذا الإسفاف الفـكري يقابل من
الجمهور دائماً بالتصفيق العميق المتواصل كأنه يأتي بلا وعي ، كأن الجمهور يطرب لا
إراداياً أمام هذه الثقافة الهشة رغم أنها ليست أكثر من عملية قبيحة للي عنق
التفكير .
فما الحل ؟
ربما تكون أول خطوة
في الحل أن نعترف بأن مثقفينا الكرام " إلا من رحم الله " هم أحد أهم الركائز
التي يتقوى بها الفساد ، و أنهم بلا شك أحد أول من وضع حجر الأساس للفساد .
الحل أيضاً أن نفكر
خارج الصندوق الذي حشرنا داخله عنوة ، و أن نبداء في التفكير بعيداً عن محيطهم
الذي لم يطرح فكرة الوصول لبر الأمان كخيار حتى الأن ! .
لكن الحل الأجدى و
الأهم أن نقف كلنا خلف المخلصين منهم ، الجادين بإزاحة الفساد .
عموماً : شكراً لكم
يا سادة يا مثقفين ، هذه بضاعتكم ردت إليكم ، تالله إنكم لضالون ، إلا الذين آمنوا
بأن الوطن أولى بالتضحية .
0 التعليقات :
إرسال تعليق