مُبتسماً ، مزهواً ، مرتاح الضمير .
كيف لا و
الوجاهة تطلبُه وهو إليها يسعى ، و الدنيا إليه تـُقِبل وهو فاتـحاً لها دراعيه ، وعلامات
التُقى و الصلاح البادية على وجنتيه تـُبعِد عنه كُل الشُبهات .
وليس أسواء من
السرقة إلا عدم تأنيب الضمير ، لأنه حينها سيتحول السطو إلى حق مُكتسب والسرقة إلى
رزق مُقدر ، حينها لا حرج من الإبتسام وتقبُل المدح والثناء على كل هذا الكم من
الأفكار النيـِره ، لا حرج من تحويل النصوص من حالة سرقة إلى إنها مـُجرد إقتباس ،
فالحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها نُسبت له .
ويا ليت صاحب
الفضيلة قد أخد المعنى وترك الحرف لكنه سرق الحروف كلها ولم يستوعب أي معنى ، معنى
أن التاريخ لن يُسجِل في صفحاته مآثر مُفكراً عظيماً تسلق على أكتاف الغير ، لأنه
إن كان لايرى حرجاً في لطش أفكار الغير وجُهودهم وسهرهم فبالضرورة أن التاريخ سيعتبر
كُل مآثره في الدنيا ملطوشة ، وستُدون مُلاحظة صغيرة على هامش التاريخ أن شيخاً
مـُـفكراً كان يأخذ أفكار الصعاليك ليشحذ بها على أبواب المترفين ، حتى أتاه يوماً
توعد فيه بالويل و الثبور على كل من قال : أين حقي ؟
---
الحقيقة التي
توجع ، أننا مُجتمع لم يقدم للدنيا مفكراً تترك له بصمة في الحياة أو فيلسوفاً
يحلق بالإنسانية إلى عوالم جديدة أو روائياً يشار له بالبنان، حتى المتدين القدوة الرمز
لا أثراً له ، هذا وقد حرمنا كل أنواع الفنون !
هذا الخواء ترك
في مجتمعنا خللاً وشقاً أكبر من عمليات الرقع ، في الأخير حاولنا أن نتدارك الوضع
قبل فوات الأوان ، وقد فات الآوان عندما رقعنا الشق بدفع صاحب الفضيلة إلى منصة
الفِكر و الثقافة دفعاً ، حتى يقال بأن لدينا مفكرون .
وكمحاولة
لإقناع أنفسنا بأن الرقع قد إتسع لكامل الشق ، تجاهلنا حقيقة أن فضيلته لا يمتلك تلك
الثقافة التي تؤهله لأن يكون في المقدمة ، تجاهلناها لرغبتنا أن لا يـُقال عنا مجتمع
فارغ فِكرياً ، ثم وقفنا له نصفق أمام كل كلمة ينطق بها ، مع علمنا أن كل كلمة
كتبها أو نطق بها أو " إقتبسها " لا تقدم شيئاً مفيد ، لكن التصفيق
إستمر مع هذا ! .
---
الحقيقة التي
توجع أكثر أن أغلب ما يقدمه مفكرينا اليوم لا يخرج عن إحدى إثنتين ، إما أنهم
يسيرون وفق الخط الذي رسمه الخطاب الديني ، أو يسيرون فقط عناداً فيه !
مع العلم أن
الثقافة الدينية لدينا تعتمد فقط على الإقتباسات بالمعنى الحرفي " ليس السرقة
" ، وللتوضيح :
إن النهج
المتبع في ثقافتنا الدينية هو نهجاً واحداً لا يتغير ، يبداء بآيات من الذكر
الحكيم ، ثم الإستشهاد بالأحاديث الشريفة ، يليها تفاسير الأقدمين وشروحاتهم ،
وقليلاً من أبيات شعر لأناس أخرين ، ثم الكثير من زرع الحماس في المتلقين عبر
الإنفعال في الحديث .
المـُحصلة أنه
تتكون من كل ذلك و بتلك الطريقة خـطبة عصماء تحسب لصالح الخطيب .
ثم ماذا ؟
ثم تـصطف تلك
الخـطب الحماسية بعضها ببعض ، وتصنف بعناية ، ثم تـرسل إلى أقرب دار نشر بإعتبارها كتاباً
معتبراً ، من تأليف سماحته .
فأين الجديد ؟
في الحقيقة أن
ثقافتنا الدينية تقف إحتراماً للكم لا للكيف ، تهتم بصاحب أكبر عدد من الإصدارات ولا
يهمها من يضيف ولو فكرة واحدة جديدة إلى عقل المتلقي .
( صوموا
تصـِحوا ، صلوا تتنعموا ، قوموا الليل إلا قليلاً ) وحول هذا تـُدندن ثقافتنا ، لم
يتحدث أحداً كيف نصوم عن كل أنواع الحرام ، عن سرقة المال العام .
كيف نتعامل مع العمل
و الإنتاج كأننا في صلاة !
لماذا قيام
الليل فقط للصلاة ، لماذا لا نشجع على الإبتكار و الناس نيام !
ثم إن فضلته هو
إبن هذه البيئة ، كان خطيباً من الطراز المتوسط " رحم الله عبدالحميد كشك
" ، يصف بعض آيات بجانب أحاديث ، ويحفظ قصائداً لها وقعاً جميل ، ثم يجمع كل
ذلك لزرع الحماسة في قلوب المستمعين .. و السلام !
قد عاش حياته
على هذا المنوال .
ثم فجأة وجد
المجتمع يدفعه دفعاً إلى منصة الفكر وواجهة الثقافة، كأنه لم يعي أن المجتمع يحاول أن يسد به
شقاً لا يرقع ، وكأن المجتمع لم يعي أن رقعته لا تتناسب والشق أبداً .
كل طرف كان سعيداً
بعدم وعي الأخر ، كل طرف كان يبحث في الأخر عن ما يحقق به مصلحة آنية .
وكانت الفاجعة ،
و تفاجاء الجميع .
المجتمع تفاجاء
كيف بمفكراً عظيم ومثقفاً جهبذ ، يسرق النص بالحرف .
و الشريف هو
الأخر تفاجاء كيف كان المجتمع يصفق له عندما كان يقتبس في بداياته ، وكيف الأن
يـُسمي إقتباساته سرقة ! .
بل كيف كانت
إقتباساته في الماضي تقوي إيمان المؤمنين ، ليصبح اليوم في عين الجميع قاطع طريق !
.
يا سادة ،،،
إن المسألة
كلها لا تعدوا كونها سؤ تقدير .
هو كالكسيح إلي
يسرق من الحافي نعاله .
0 التعليقات :
إرسال تعليق