ساخطون بلا إلـــه


من الطبيعي إذا ما وجد فساد في أي مجتمع أن يتولد شعوراً بالسخط و رغبة في الصراخ لدى الأفراد ، فالفوضى لا تـُنتج إلا ضجيج ، و المساس بكرامة الإنسان ستـُحطِمه ، و الإنسان الذي تحطمت كرامته سيشوه ملامح مجتمعه !
فماذا سيحدث إذا كانت كرامة جيل كامل في الحضيض بلا رغبة جادة تلوح في الأفق بأن تـُعاد لهذا الجيل كرامته ؟ .. الذي سيحدث هو ما نعيشه على أرض الواقع ، سخط من الكل في جميع الإتجاهات ، و تفرداً تام لكلمة ( لا ) في قاموس الساخطين .
[ لا للواسطة ، لا للإستبداد ، لا للمحسوبية ، لا للإحتكار ، لا للبطالة ، لا لوأد الأحلام .... لا لا لا ]
لكن .. لأن الله أرحم الرحمين بينما النظام ذو إنتقام ، و لأن الحكومة لا تغفر لمن يُطالب بحقوقه و إن كان من أولياء الله الصالحين ، و لأن كل ( لا ) في وجه الفساد تـفتح أبواب السجون .. لهذا كله و أكثر تسيدت (لا إله ) وحدها المشهد !
تسيدت لأن كل الأبواب أمام هذا الجيل قد تم إغلاقها و تـُرِك باب الكفر بالله مفتوحاً على مصراعيه ، كنوع من التنفيس لا أكثر ، فالكفر أهون من المطالبة بالإصلاح ، و السجون ما وجدت للمشككين في الإسلام ، وكاذب من يقول بأن السياسة " تغار " على الدين .

هنالك من يـُـريد أن يُصور سخط هذا الجيل أنه من أجل الإنعتاق من الدين ، من أجل الجنس و الخمر ، و من أجل الإنحلال و إشباع الشهوات بأي ثمن .. و الأسوأ أن هنالك جهلاء يُصدقون بأن هذا الجيل غوغائي لا هم له إلا أن يبصق على كل الأخلاق .
إن من يُريد أن يُصور هذا الجيل بتلك الصورة هو حتماً يريد إخفاء الحقيقة ، حقيقة أن هذا الجيل يُريد فقط أن يُصلح أمر دنياه ، وأن المسألة ليست بينه و بين الله و أنبيائه و رسله إنما بينه و بين المفسدين في الأرض .
إن كل هذا السخط ما هو إلا صرخات من جيل موجوع مسلوب الحقوق ، غير أن الفساد فسرها على أنها إلحاد و إنحلال ، لكي يصرف الأنظار عنه .. فأنصرفنا !
إن مسألة الكفر بالله أو عدم الإقتناع بالدين وكل هذا التيه الذي بدأنا نسمع عنه هو في الواقع ليس أمراً دينياً إنما هو دنيوي بحت ، و لو كنا حقاً وصدقاً نهتم بأمر الدين و أمر الحفاظ عليه لسارعنا بإصلاح حال المجتمع ، فالدين يقوى بالتوظيف و توزيع الثروات و إشراك المواطن في القرار ، أما الإكثار من قال الله و قال الرسول بلا تطبيق عملي فهذا لن يجدي ، لأن هذا الجيل يعلم عن دينه أكثر من دنياه و أكثر من علماءه و شيوخه و رجاله ! .. يعلم عدد الملائكة التي تجر جهنم في الأخرة و لا يعلم عدد من يجر الوطن إلى الهاوية ، يعلم كم بابً للجنة و كم باب للنار لكنه لا يعلم للإصلاح بابً يُطرق .
هذا الجيل لم يعد يرغب في الإستماع لشيخ يحثه على الصبر ، فالصلاة لم تعد تنهاه عن المنكر ، و الصوم ليس بديلاً مطروحاً أمامه عن الزواج ! .. إن كل تلك الأمور ليست أكثر من مُسكنات قد تعود عليها هذا الجيل حتى لم تعد تـُؤثر فيه ، و البشر ليسوا سواسية في الرضا بقضاء الله .
لهذا فهو يحتاج إلى علاج فعلي ، يحتاج إلى أن يعيش بكرامة .. لأن الشاب في هذا الوطن مُحارباً في رزقه و ليس في عقيدته و لهذا فهو يحتاج إلى أن يعيش دنياه منعماً ثم يُفكر في أخراه .
ولو أن فينا رجلاُ رشيد ، لألغى فوراً حد الردة و المهاترات التي يتلاعب بها رجال الدين ، بل لأوجب منع عمليات " إستتابة " المشككين في الدين ، لأن هذا الجيل يُعاني من جوع كرامة أشد من تلك المجاعة التي عطل بسببها عمر رضي الله عنه حد السرقة .
و طالما لا أحد يبحث في الإصلاح جدياً ، لن أصدق أننا قوماً نخاف على الإسلام .


وصلت ؟


إذاً يا ليت قومي يعلمون 

0 التعليقات :

إرسال تعليق