أشياء من هرطقة - 1





[ لا أقاتل حتى تأتوني بسيف له لسانً و شفتان ، فيقول هذا مؤمن و هذا كافر ] سعد بن أبي وقاص
كلنا نعلم من هو سعد بن أبي وقاص ، لكني صراحة لم أكن أتوقع بأنه من المُمكِن أن يترفع عن الخوض في التكفير ، لأن التكفير كما تعلمنا يُعتبر " فضيلة " و ميزة يتسابق أصحاب الفضيلة على التحلي بها كعلامة بارزة تـُهيء الأتباع أن متبوعهم " المُكفراتي" من أهل الجنة حتماً .
الحقيقة أنه في ذلك الزمن الذي نحسبه جميل ، كان يوجد بشراً متفرغون لمسألة تصنيف الناس من حولهم إلى جنة أم نار .. بالتالي فإن متطرفي اليوم ليسوا سوى نُسخة مكررة ألاف المرات من أصل متطرف لا ينشغل بعبادة الله إنما بمراقبة عِباد الله .
أناسً يتعبدون الله بتصنيف البشر من حولهم إلى ( كفار و مؤمنون ) !! .. قبحها الله من عِبادة لا يُسعد بها إلا الشيطان الرجيم .
عموماً .. كعادة النسخة أنها تأتي أردى من الأصل ، و أن كل نسخة يتم نسخها تزيد ردائة ، أستطيع القول أننا نواجه اليوم نًسخة من أردى نسخ التطرف ، بدلالة أن التكفير اليوم أصبح علم له قواعد و قوانين و منهاج ، و دارسين و علماء و متعلمين ، و طرق و مباديء و خطوط صارمة لا يحيذ عنها المُكفرين ، و لا يتخرج طالب العلم في هذا المجال إلا بدرجة " نِصف إله " لأنه لا إله كامل إلا الله !
القاعدة الرئيسية في علم التكفير اليوم : أن شهادة أن لا إله إلا الله و أن محمد رسول الله ، و إقام الصلاة و إتاء الزكاة و حج البيت .. كل هذه الإدعاءات يجب أن لا يغتر بها المُكفِر وهو يؤدي مهمة التكفير .. بمعنى أخر أن الإنسان و إن أضاء وجهه إيمانً فهذا ليس رادعاً من وقوعه في دائرة الكفر بجميع درجاته ، لأن متطرفي اليوم قد أضافوا إلى أركان الإيمان ركناً لا يقل أهمية عن الشهادتان و هو ( عدم مخالفة الشيوخ )
بالتالي و لتكتمل الشهادة يجب أن تُنطق هكذا : أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمد رسول الله وأن لحوم العلماء مسمومة .

----------

[ عدلت فآمنت فنمت يا عمر ]
قصة العبارة أعلاه ، أن عمر الفاروق -رضي الله عنه- كان نائماً تحت ظل شجرة ، فقدِم أحد قادة الفرس " الهرمزان " للقائه و عندما سئل و استفسر من المسلمين عن مكان قائدهم " عمر " أشار المسلمون إلى الشجرة ، فوجده نائمً تحتها في هذا المكان العام الذي لا حرسً فيه ، مما جعل " الهرمزان " يستغرب و يحتار حتى قال قولته الخالدة [ عدلت فآمنت فنمت يا عمر ]
المفارقة هنا ، أن هذا الخليفة العادل الذي فرق به الله الحق عن الباطل ، لم يستطع أن يغرز مباديء العدل في أقرب الناس إليه ، إبنه " عبيدالله " ..لأن " عبيد الله إبن عمر " ثار لموت أبيه بأن قتل ثلاثة ضن فيهم التآمر على قتل أبيه وكان أول من قُنِل هو " الهرمزان " صاحب المقولة أعلاه

----------

من خلال -1- و -2- يُمكن إستنتاج أن ( أسلمة الدولة ) لا تعني بالضرورة حياة هانئة ، لأن المتطرفون لم يمنعهم تعايشهم تحت حكم الخلفاء الراشدين من ممارسة العنف بكل أشكاله .
لذلك تصوير أن ( المدينة الفاضلة ) لن تتحقق إلا عن طريق ( أسلمة الدولة ) ، فالأمر مجرد خيال محض لن و لم يتحقق .
ببساطة : إن أسلمة الدولة لن تغني الناس ، لن يخرج فاعل الخير يدور الطرقات يبحث عن مسكين ، لن تسود الطمأنينة و الحب ، لن ينتشر الأمن و الآمان ، و الأهم أن " المتشددون " لن يخف تشددهم إن تمت أسلمة الدولة 
و من أراد أن يقرأ بتمعن سيجد أن أجمل فترتين من فترات التاريخ الإسلامي ، الفترتان التي نتغنى بهما هما : فترة حكم عمر بن الخطاب و عمر بن عبد العزيز ، و معلوم أن الثاني كان تلميذ الأول ، كان يُقلده و يُحاكي نظام حكمه قدر المستطاع
فإن تمعنا في نظام حكم الفاروق سنجد أنه لم يكن " إسلامي " بالمعنى الذي نتصوره اليوم ، إنما كان حُكمً أقرب لكونه " مدني " ! .. وهذا يقودنا إلى أن أي عملية أسلمة للدولة دائماً هي لن تُرضي المتطرفين ، إنما ستنمي فيهم التطرف ، بدليل أنهم " المتطرفين " لم يرضوا عن حُكم خير الخلق بعد النبي و هما ( عثمان و علي ) فأغتالوهم تقرباً لله عن قناعة .

----------

بعيداً عن التطرف و التكفير و الأسلمة
لماذا لا يتأمل أحدنا في واقع حياته داخل هذا الوطن ، الوطن العربي ككل أصبح كئيباً فالمواطن في أي بلد عربي لديه خط سير مُحدد خلال يومه يتلخص في : ( الإستيقاظ ، الإغتسال ، الذهاب إلى العمل ، العودة من العمل ، الأكل ، النوم ، الإستيقاظ ، الأكل ، النوم ! ) .. كحمار الساقية ، حياته إن تغيرت قيد أنملة سيُقتل فوراً أو يُعتقل
عليه دائماً إما أن يرضى بحياته كميت أو أن يُقتل

----------

يُمكن القول عن حال المواطن العربي بأن أي مرض يُصيبه سيكون نوعاً ما وسيلة لتغيير روتين الموت الذي يعيشه ، هذا الموت الذي لا يختلف إلا في أنه يمارس فيه الشهيق و الزفير

----------

في الإستبداد هنالك ثلاثة أنواع من السجون ، سجنً خلف قضبان ، سجنً في الهواء الطلق ، سجنً بإسم الدين بعد أن يُحرم العلماء الحياة

----------

حرية الغرب أوصلتهم إلى القمر ، و إستبداد العرب أوصلنا إلى الجنة
لأننا موقنون بأن نهايتنا الحتمية إلى جنة النعيم حيث حور العين .. هذا اليقين غالباً ليس حباً في الجنة إنما لأننا فقدنا كل أمل بالخروج من هذا الجحيم

----------

يُقال : أنهم دفنوا شهيداً و بعد ثلاثة أشهر فتحوا قبره فوجدوا أن شعره و لحيته قد طالا .
يُقال : أنه زنى ، و بعد أن إنتهى إستشعر بعِظم ذنبه ، فتاب توبة خالصة صادقة ، و " حدثني ثقات " أن الملائكة حضرت جنازته .
يُقال : أنها زنت ، ثم زنت ، ثم زنت ، حتى أصبح الزنى لديها عادة ، ثم ماتت فـ " حدثني ثقات " أنهم عندما أرادوا إدخالها إلى القبر وجدوا ثعباناً أسوداً ضخم يطل برأسه
يُقال : أنه مات و هو يقرأ القرآن ، فجاؤا لغسله و تكفينه .. حاولوا نزع القرآن من بين يديه لكن لم يستطيعوا .. ثم توقفوا برهة و خاطبوا الميت قائلين : يا فلان نحن أصدقائك جئنا لتكفينك ، فإذا به يبسط يده ، حينها استطاعوا أخذ القرآن !
يُقال : لقد دفنا الشهيد بأنفسنا ، و لم ندخله القبر إلا بالكفن الأبيض فقط ، و بعد سنتين فتحنا القبر فوجدنا فوقه عبائة من حرير لم نرى مثلها في الأرض أبداً

يــــقــــال : أن أهل العقول في راحة  !

----------

ننصح بعضنا بعضً ، و نحض بعضنا بعضً ، بأن نتحلى بالإنسانية على الدوام ..فعندما نجد الأب يضرب إبنه بعنف ، نسارع إلى تذكيره بالإنسانية ..عندما نسمعه عن فاسداً نهب أرزاق غيره ، نتهمه بأنه لا إنساني
فما هي الإنسانية ؟
التاريخ شاهداً أن الإنسانية ليست أكثر من بحوراً من الدماء ، و إستبداد ، و طغيان .. ألوفً ماتت ، و مدنً خًرِبت ، و حريات أنتهكت  !
إن الجمال في الإنسانية ليس أكثر من وهم أو سراب ، السلام في الإنسانية ليس هو القاعدة إنما حالة شاذة أو هو فترة إستراحة يلتقط فيها الجميع أنفاسهم للقدرة على مواصلة التمزيق  !
علينا إذاً أن نبحث عن شيء أسمى من الإنسانية نتغنى به .
إن المادة الأساسية في الإنسانية هي الإنسان الفرد ، و الصفة الأبرز في الإنسان الفرد " تلك الصفة التي تُميزه عن باقي الكائنات " أنه كائن إجتماعي عاقل مُدرِك حتى النخاع .
فهل هذه ميزة أم عِلة ؟
حسناً ميزة الإنسان أنه إجتماعي لأبعد الحدود ، و هذه الميزة هي نفسها التي تصنع منه مستبداً لأبعد الحدود ، فالفرد يستطيع أن يُقنع الجماعة بأن تتبعه إنتصاراً له ، خصوصاً و أن العقل الجمعي يتصف بأنه أقل وعياً من العقل الفردي ، لذلك تـُقاد الجماعة من قبل الفرد كثيراً .
و التاريخ مليء بحكايات عن فرد ما إستطاعوا أن يُقنع الجماعة بأن تتبعه إلى مبتغاه ، فتتبعه الجماعة إنتصاراً لذلك الفرد الذي إن شفي غليله من الأخرين سيستبد على من تبعه ! .. و هكذا تـُرسم ملامح الإنسانية
إننا نجد في عالم الحيوانات بعض الفصائل التي تتصف بكونها إجتماعية ، لكن الفرد فيها لا يستطيع " إقناع " الجماعة أن تـُؤلهه ، و هذا هو الفرق .
فأين الجمال في الإنسانية ، حتى نتغنى بها ؟

----------

إن الحرف الذي يُكتب ، إن لم يُحرك ولو قطرة في هذا الماء الآسن ، فلن يكون هنالك فرق بينه و بين البكتيريا التي تستوطن نفس الماء الآسن
و كم من مثقف يعيش بيننا ، ينشر فينا الجراثيم .. يحسبها وعياً .