أشياء من هرطقة - 2



[ أي تعريف سيأتي هنا ، ليس إلا وجهة نظر فقط تحتمل كامل الخطأ ]

----------   ----------   ----------   ----------
المثقف ،،،
هل المثقف هو من يمتلك المعلومة ؟ .. هل المثقف من يمتلك المعرفة ؟ .. هل هو من جمع بين المعلومة و المعرفة الواسعة ؟
هل نتخيله كجهاز " USB " يحتوي عقله على معلومات كثيرة جداً في مجالات محددة ، أو معلومات بسيطة في كل شيء !
غالباً ما يرتبط المثقف في الأذهان بسعة الإطلاع أكثر شيء ، غير أن هنالك أداة أو طريقة أكثر أهمية من سعة الإطلاع ، و للتوضيح فمن يقرأ عن الفيلسوف " أفلاطون " سيجد أنه كان دائماً ينزل إلى العامة ، ثم يطرح عليهم فِكرة ، ثم و من خلال أرائهم و النقاشات معهم يبني ما يصلح كأساس للفلسفة .
طبعاً هنالك فرق بين الفيلسوف و المثقف ، إلا أن الرابط الرئيسي هنا هو ( نحن ، العامة ، المجتمع )
فمن هو المثقف ؟
الجواب : هو ذلك الشخص الذي يُطوع سِعة إطلاعه لهدف توعية المجتمع " عبر " إستخدام اللغة التي يتحدث بها العامة ، كذلك " عبر " إقناع العامة بأن منبع فِكرته " هم " !
إذاً .. الإنسان واسع الإطلاع إن لم يتشارك مع مجتمعه ، و يضيف إليه و الأهم أن يأخذ منه ، سيكون إنسان مُطلِع أو قاريء أو حافظ جيد لكنه لن يكون مثقفً طالما هو منفصلاً عن مجتمعه
فإذا ما أراد أن يطل على مجتمعه بمظهر المثقف الذي يجب أن يُنظر إليه بنظرة ملئها الإنبهار لغرازة ثقافته رغم حالة الإنفصال أو الإستعلاء التي يعيشها تجاه المجتمع ، فهذا ليس أكثر من عِلة أو عالة تُضاف إلى المجتمع .. حيث يصبح مُستهلك فقط .
**********
نزع المسمار ،،،
نحن إن أحضرنا جميع مكبرات الصوت و أحطناها حول مسمار مغروس في جدار ، ثم أخذنا نصرخ جميعاً و بصوت واحد رحنا نعظ و ننصح و نُلقي الحِكم ، فربما سينهار الجدار على رؤوسنا من الضجيج الذي نُحدثه ، لكن المسمار لن يتزحزح عن موقعه .
و لكي يخرج المسمار من مكانه عبر الوعظ فقط فنحن في حاجة إلى معجزة " أو " أن يتقدم أحدنا بمطرقة و ينزع المسمار !
كذلك الأمر بالنسبة للمجتمع ، فالمجتمع لن ينصلح حاله قيد أنملة عبر الوعظ فقط ، و إن صرخ الجميع في الجميع ، و على التسبيح و الإستغفار عنان السماء ، فإن مشاكل المجتمع ستبقى ، و فساده سيزداد ، و أخلاقه ستنحدر
لأن الوعظ لن يُغني عن العمل ، و إن أغنى ففي هذه الحالة نحن أمام معجزة ! ، غير أن الواقع يعيدنا إلى حقيقة أن الوعظ بذاته ليس أكثر من صراخ قد ملء المكان ضجيجاً ، حتى إنهارت كل الجدران على رؤوسنا .
ولا أتحدث عن الوعظ الديني فقط ، فحتى المثقفين عندنا لا يُقدمون للمجتمع إلا الوعظ و الإرشاد .. فالأول يريد من الجميع أن يتعبدون الله " مثله " ، و الثاني يُريد من الجميع أن يُفكرون " مثله " ، و الإثنان يقدمان أنفسهما على أنهما الـ " قدوة " التي يجب إتباعها للإرتقاء بالمجتمع
هذا النوع من الوعظ الساذج ، أحد أبرز أسباب سقوطنا
ثم نتساءل بعد هذا : لماذا نبكي من خشية الله عند سماع موعظة ، وما إن تنتهي حتى نُمارس حياة لا خشية فيها من الله ؟
**********
أصلِح نفسك ،،،
عندما يُخبرك شخص ما أن الإصلاح يجب أن يبدأ من الفرد ، بمعنى أن الفرد في المجتمع عليه أن يبدأ بنفسه و يُصلحها حتى ينصلح حال المجتمع تِباعاً .. إن أخبرك أحداً بهذا فقل له "كذبت"
إن ظاهر هذا الإعتقاد أنه صائب ، لكن إن تفحصناه بتأني سنجد أنه لا يقل عن كونه كارثة فكرية
و السبب أو الأسباب  :
أولاً : أن الناس ليسوا سواسية ، فيهم البر و فيهم الفاجر ، فيهم الصادق و فيهم الكاذب ... إلخ ، و إن نجى مجتمع من الوقوع في الخطايا فالأحرى أن ينجوا المجتمع الذي أحاط بالنبي عليه الصلاة و السلام ، الأولى أن يكون مجتمع النبي مجتمعاً " ملائكي " لكن الحقيقة أنه حتى بوجود النبي لم يخرج المجتمع عن إطار بشريته .
ثانياً : ما هو الأساس الذي يبني عليه الفساد و يرتكز ؟
الجواب هو أن الفساد لن يستطيع التواجد إلا بعد نشر ثقافة تُحمِل المجتمع كامل أسباب المشاكل التي يُعاني منها .. بمعنى أخر أن يتصور الفرد و يؤمن فعلياً بأن الخطوة الأولى نحو الإصلاح تبدأ بذهابه إلى المسجد ليتعبد ، ومنه إلى المكتبة ليتعلم ، و منهما إلى مقر عمله ولا يتأخر .
إن ثقافة مثل هذه تجعل المواطن الفرد يعيش في حالة من الصراع النفسي ، فهو من ناحية "إن" أخلص في كل شيء و صلى و صام و سهر الليالي ففي الأخير لن ينال العُلى
في أي مجتمع يوجد " عامة و نخبة " ، و لا توجد آية أو حديث أو كتاب أو مقال أو أي شيء أخر في إستطاعته إلزام الفرد من العامة أو النخبة بالأخلاقيات ، و لا شيء سيُلزم جميع الأفراد بالأخلاقيات إلا القانون الواضح الصارم الذي لا يُحابي
إن " الكذب ، الخداع ، البخل ، الشهوة ، الحسد .... إلخ " من الصفات التي نُصنفها كصفات سيئة هي في واقع الأمر صفات أساسية في الإنسان ، تختلف من فرد إلى فرد في المقدار فقط .
وحده العدل الإجتماعي الذي يرتبط بالقانون هو من يستطيع التخفيف من حِدة تلك الصفات الإنسانية الأساسية ، " يُخففها و لا يُخفيها "
فإذا ما خف العدل في المجتمع ستطفوا تلك الصفات حتى تطغى !
ولا يُمكن بأي حال أو بأي منطق أن يُقال للمواطن الفرد : إستغني عن إنسانيتك ، و كن ملائكياً حتى تتحصل على حقوقك

الخلاصة : أن المجتمع الذي يغيب فيه القانون ، ستتواجد فيه ثقافة تُحمِل الفرد كامل الأخطاء .
**********
[ إن العلم لا يُستحدث من العدم إلا نادراً ]
إن أغلب العلوم التي نعرفها اليوم ليست علومً جديدة ، إنما هي صوراً مـُنقحة لعلوم السابقين ، من الطب إلى الهندسة إلى الأدب إلى الفيزياء ثم الكيمياء و الرياضيات .... إلخ ، ليس بيننا اليوم علمً جديد " إلا " فيما ندر
( إلا ) في العبارة أعلاه هي الخط الفاصل بين المجتمع المتخلف و المجتمع المتقدم !
فالمجتمع المتخلف هو المجتمع الذي يكون لديه يقين تام بأن ما جاء به الأولون هو الحق المبين ، و أن أي إضافة ليست إلا بدعة أو كفر بيِّن ، لهذا نجد الأفراد في مثل هذا المجتمع لا يهتمون بالعلوم أساسً إعتقاداً منهم بأنهم حازوا على المجد حين أمنوا إيمانً أعمى بأجتهادات الأموات .
أما المجتمع المتقدم فتقدمه هو الذي يُقِر بفضل علوم الأسبقين ، مع إيمانه التام بأن له كامل الأحقية في " تجديد " تلك العلوم و تطويرها كل يوم و ساعة و دقيقة ، غير أن هذا ليس هو السبب الرئيسي في تقدمه ، السبب الرئيسي هو في بحثه عما بعد ( إلا ) في العبارة أعلاه ، أن المجتمع المتقدم هو الذي يبحث عن ذلك العلم الذي من النادرإستحداثه من عدم فيستحدثه ، و لا يُمكن إستحداث علم جديد إلا أثناء الإنغماس التام في تطوير كل علم قديم ، لأن هذه العملية تفتح أفاقً أوسع تأخذ بالمجتمع إلى التقدم .
أما الذي يعتقد أنه لم يعد هنالك من جديد ، سيظل في مصاف المتأخرين ، فما بالكم بمجتمع يتخذ من " إجتهادات " الأقدمين ثابتً من ضمن ثوابت الدين التي يكفر من يضيف إليها ؟ .. و نفس الشيء ينطبق على من يعتقد بأنه لا يجوز لنا أن نُغير فيما جاء من عند الأخرين ؟ .. نفس الشيء ينطبق على كل أنواع العلوم ، فما إن يحاول فرداً في المجتمع أن يُضيف أو يُعدل أو يقولب في هذا العلم أو ذاك " الكيمياء كمثال " فسيُصدم بعبارة ( مين إنت يا .... ؟ ) أو ( ما بقى إلا أنت ! )
طبعاً بعد هذا نستطيع أن نقول بأن المجتمع الذي يعتمد بالكلية على ثقافة الأموات ، هو مجتمع ميت يُحرم الحياة و يُحارب التجديد .. تارة تأتي محاربة التجديد بإسم الدين و تارة بإسم الثقافة و تارة تأتي من الجامعات و تارة من أقرب المقربين
**********
البحث عن الجنة ،،،
أنا لا أكره الدعاء و الإستغفار و التسبيح و التهليل ، أتمنى و أدعوا الله أن لا أكون من الضالين
لكن في ظاهرة مقيتة ، الواحد منا لا يفتح جواله أو اللابتوب إلا وتأتيه رسائل تلو الرسائل عبر الواتس أو رسائل الجوال أو في مواقع التواصل الإجتماعي إلا ويجد أمراً يتكرر كل يوم و كل لحظة .
رسائل تحمل فكرة واحدة ، أن الجنة لا تحتاج إلى كثير عمل ولا إخلاص و لا إجتهاد و لا مصابرة ، إنما كل ما يحتاجه المرء لضمان الجنة هو ترديد بعض الأدعية و الأذكار
في أحد الرسائل : هل تريد ألف حسنة في الدقيقة ؟ .. إذاً ردد لا إله إلا الله عشراً و أستغفر عشراً و سبِح عشراً ، ولن يأخذ الأمر من وقتك أكثر من دقيقة ! .... ما هذا الإستخفاف ؟
رسالة أخرى تم فيها عدد الحسنات التي سيتحصل عليها المرء فوجد أنها تصل إلى أكثر من مليون حسنة خلال يوم واحد !
رسائل أخرى تأتي عبر وسائل التواصل فيها طلب بأن تُمرر إلى الغير ، و فإن تم التمرير سيتحصل من يُمرر على أجر من سيقرأها بعده ثم أجر من ستُمرر إليه و هكذا حتى يتفاجأ المرء يوم القيامة بحسنات كعدد قطرات مياه البحر ، رغم أنه في واقع الأمر لم يقم إلا بعمل ( رتويت ) لإستغفار !
دائماً يراودني سؤال هنا : لماذا تحمل النبي -عليه الصلاة و السلام- كل تلك المشاق من أجل الدين ؟ .. لماذا عانا الصحابة الأمرين من أجل الدين ؟ .. لماذا خالد إبن الوليد جاهد حتى أثقل جسده بالجراح ؟ .. لماذا عمر إبن عبدالعزيز تخلى عن الترف الذي كان فيه ؟ .. لماذا البخاري كان يركب بغلته و يقطع المسافات الشاسعة ؟
لماذا لم ينتبه كل أولئك إلى أن الأمر لا يحتاج سوى إلى إستغفار و تسبيح حتى يدخلوا الجنة ؟
إما أنهم كانوا متشددون حين أرادوا دخول الجنة عبر إهلاك النفس ، أو أننا نحن الهالكون ؟
الله ليس في حاجة إلى عبادتنا و كثرة إستغفارنا ، إنما نحن نعبده لأننا نحن المحتاجون ، و المسلم يجب أن يعي بأنه لا يعبد الله شفهياً فقط ، لأن الغاية من العبادة في الأخير هي " إعمار الأرض " لا ضمان الجنة ، و إعمار الأرض أبداً لا يتم عن طريق اللسان

في الحقيقة إن هذه المسألة التي في ظاهرها الخير و الصلاح إلا أن باطنها يجلب الحزن و الهم ، فنحن اليوم لدينا ثقافة أن أنسب طريقة لطلب الحقوق عبر الإستجداء ، و أن أفضل أسلوب لإنهاء معاملة حكومية ما أن نتسجدي المسئول .
في ثقافتنا تنتشر مصطلحات على شاكلة : تكفى ، طلبتك ، نخيتك ، قل تم ، لا تردني .. أو أن نقدم لمن نحاول إسترضاءه الدبائح حتى يُسهل لنا الحصول على ما نريد
بنفس المنطق أصبحنا نتعامل مع الله ، نُسبحه عشرة ألاف مرة في اليوم لننال رضاه ، ثم نستغفره عشرة ألاف مرة ليبني لنا بيتاً في الجنة ، ثم نقرأ أياتً معينة بتكرار معين حتى نُجاور النبي في الجنة ! نريد أن نكون مع الأنبياء في الجنة رغم أن الأنبياء منهم من دخل في بطن الحوت ، و منهم من فضل السجن على الحرية ، و منهم من تم إغتياله ، و منهم من حاربه حتى أبوه .. و نحن نريد مجاورتهم بترديد بضع حروف تحت التكييف !
ثم تأتي الطامة عندما تأتيك رسالة فحواها آيات و أذكار تقرأها لتتحصل على ألف حسنة ، فإن مررتها لغيرك و غيرك مررها لغيره ستـُلقب بـ " صلى الله عليك وسلم " !
الطامة الأكبر أن الناس تؤمن فعلاً بأنها بهذه الثقافة قد ضمنت الجنة .... و الله أرحم الراحمين
**********
تُجّار الدين ،،،
الزاني .. المرتشي .. اللص .. الفاسد .. كل هؤلاء أقرب إلى الله من ذلك الذي يُتاجر بالدين ، لأن أي تجارة بالدين لا تنجح إلا بعد ممارسة ما يُسمى بـ الإكراه على الدين
للتوضيح : في عالم التجارة فإن التاجر " الشاطر " هو الذي يُجيد صناعة الدعاية و الإعلان حول بضاعته ، وحتى إن كان التاجر نزيهاَ شريفاً فإن مجرد إتقانه لصنعة الإعلان ستجعل الناس يُفضلون بضاعته و في نفس الوقت يبغضون بضاعة الأخرين .. هذا الأمر في عالم التجارة ضرورة لا غبار عليها إذا ما انطلقت من مبدأ التنافس الشريف .
الأمر نفسه ينطبق على المتاجر بالدين ، ببساطة إن بضاعته لن تجذب الزبائن إلا بعد أن يُكرههم على الدين ، وإكراهه لهم على الدين تعني تصوير كل فكرة أو معتقد لا يتناسب معه بأنه الضلال المبين ، فإن آمن الناس بهذا سيكونون مهيئون لتقبل أنه هو بنفسه من المقدسين ، حينها سيستبد عليهم بإسم الدين و سيطيعونه ، حينها أيضاً سيستبدون على بعضهم البعض بناءً على رسائله إليهم .
إن المتاجرة بالدين و الإكراه على الدين شيئان لا ينفصلان ، أحدهما أو كلاهما قطعاً مع الوقت سيُشوهان صورة الخير في عقول العامة ، حينها سيُبنى تصوراً لديهم أن في اللجوء إلى الشر منجاة !
بمعنى أخر ، أن الزاني لن يستطيع أن يزني بالمجتمع ، و المرتشي حتماً لن يدفع له كل المجتمع ، و اللص لا يستطيع السطو على كل بيت في المجتمع ، غير أن المتاجرة بالدين ستشوه ملامح الدين الحق في ثقافة معظم المجتمع .


وعذراً على إطالة الهرطقة