مع مرتبة الغطرسة




لبن مراعي ، عصائر مراعي ، حليب السعودية ، شوية عـِـلك ، شامبو ، مطبق أبو زيد ، بروست البيك ، سطـُول ، وشوية لمبات ، بالإضافة إلى حلاوة مصاص ، وحلاوة لإزالة الشعر .
هذه ليست ورقة مقاضي البيت ، و ليست سـِلع تـُعرض في محل بيع الخردوات ، إنما أتحدث هنا عن إنتاجات وطن ، صادراته العـُظمى ! ، أتحدث عن تلك الصناعات الوطنية " الإستراتيجية"  التي يـُختم على قفاها بعبارة ( صناعة سعودية ) ومن ثـُم يتلقفها المواطن أنها رمز التقدم الصناعي الذي تشهده البلاد !

وبعد كل هذه الصناعات " الخردوات " التي يتم إستثمار الأموال الضخمة لتصنيعها وجلب الأدوات المتقدمة والألات الحديثة و الخبراء الأوروبيون و الأسيويون والكثير من الجهد و العرق ليخرج الناتج النهائي بعد كل هذا المجهود والإستنزاف المادي ( بي كولا ) بي كولا يعزك ولا بيبسي يذلك فإنه صـُـنع في السعودية ، فأقتنيه ثكلتك أمك .
فمن قال بعد كل هذه الخردوات التي نصنعها أننا دولة إستهلاكية ؟
من ذا المـُتشائم القبيح الذي صاح أننا في وطناً لا يـُنتج ولا يصنع ؟
نسي هذا الدعي أننا شعباً وحكومة وعامة وخاصة وفـُـجار و أتقياء جميعنا مـُنتجين صـُناع ، وإذا إستنكر هذا المـُستنكر قولي فعليه أن يفتح عينيه وسيجد أننا خير أمة في الأرض ولا نحتاج لصناعة أو تطور أو تقدم لنمتلك الأفضلية بين الأمم فشوية تلك الخردوات هي فقط عشان " العين " ! .
**********
إننا يا سادة يا كرام وسأصيح هنا مع ذلك المتشائم القبيح ، بأننا في وطناً لا يصنع ما يأكله ، وأن الأخر دائماً هو من يصنع لنا ما نلبسه ، وعلى الرغم من كل تخلفنا إلا أننا إحتكرنا " الغطرسة و الكـِبر " وجعلناه بكل جدارة .. ثقافة .
فكيف إستطعنا أن نكون متغطرسين ونحن عالة على بقية الأمم ؟
هل بأنسابنا و كيف آنا قبائل بعضها يعتدي على بعض ؟
أم بإسلامنا الذي إبتكرناه وشوهنا به معالم الحياة حتى بات أداة إضطهاد ؟
أم بماذا ، ولماذا ، وكيف ، جائت هذه الغطرسة والخيلاء لتكون هي الصفة الحاضرة في كل المجالس الرسمية و الشعبية .
نتغطرس على الدول القريبة و على الدول البعيدة ، نتغطرس على الأعداء و الأشقاء ، نتغرطس على بعضنا وفي سرنا و علننا ، الكل هنا إلا من رحم الله مـُتعالياً مـُتغطرساً ، السعودي يتغطرس على الأجنبي و من ثم يتغطرس القبيلي على الحضري أو العكس ، و يتغطرس الموظف على العاطل .
قد يأتي التغطرس بشكل هرمي من الأعلى إلى الأسفل " أحياناً " ، لكن الأغلب أنه يأتي بشكل فوضوي حتى أنك ترى الداشر السربوت يتعامل مع غيره بخيلاء لا نظير لها مستنداً على الهواء الذي يستنشقه ولا غير ذلك " مالت " .
ولا ننسى بل كيف ننسى هذا التغطرس الذي يـُمارسه الرجل على المرأة ، أو ذلك التغطرس الذي يـُمارسه العالم الفاضل على المجتمع كـُـله أو ذلك المثقف على الجميع !.

والحسابة بتحسب !
**********
صحيح أن الغطرسة و الكـِبر صفة ومطلب طبيعي في كل مجتمع عندما تكون في حدود المعقول أو من باب الإعتزاز و الإنتماء ، لكن أن تكون بهذا المقدار القبيح الذي لا نرى فيه أحداً سوانا وكأننا أمة من الملائكة و أن البشر دائماً في المرتبة الأدنى .
الأمر يا سادة يتطلب إلى " حـِكمة ، تواضع ، لـِـين " ، لا إلى غطرسة وعنجهة وتعامل بفوقية تجاه الأخر سواءً في الداخل أو الخارج .
إن المجتمع المـُتغطرس هو مجتمع في الغالب لا يملك مقومات حضارية أو صناعية أو قوة يزهو بها ، هو إذاً مـُجتمع فاشل يـُعوض فشله بالغطرسة والتكبر والتعالي حتى يتغاضى عن واقعه المـُحبط .
نـُؤمن أننا شعب الله التقي النقي الطاهر مُقتنعون بأن العالم كله يكيد لنا كيداً ويتأمر ضدنا ليلاً ونهاراً ، مـُـتناسين أننا في الأساس أمة لم تـُولد إلا من قريب ، هي فترة قصيرة مـُقارنة بالأمم الأخرى وأن غطرستنا أعظم من كل إنجازاتنا و حضارتنا ، وأن حاضرنا مليء بالزعيق .
فعلام الكـِبر و الغطرسة ؟
**********
هذه الغطرسة الإيمانية أو العشائرية أو القومية دائماً تتكررفي خطاباتنا الرسمية و الشعبية ، فلا مثيل لدفاعنا الجوي ولا يوجد جيش كجيشنا وهذا إن كان صحيح إلا أننا إستخدمناه ليعزز إستعلائنا ويـُغدي كـِبريائنا .
وعلى المستوى الشعبي فالصفات البشرية في الأخر دائماً مختلفة ، دائماً نراه ناقصاً وأقل منا كقيمة إنسانية ، بل لا وجه للمقارنة بيننا وبين " المصري ، السوري ، الأردني ، المغربي ..... " ، ثم نتدحدر إلى مستوى أبشع عندما نتفرغ للإستعلاء على بعضنا البعض .
وطالما الأمر سيبقى دائماً مرهوناً بغطرستنا فلن نرى أنفسنا سوى أننا نحن فقط من يسير في المسار الصحيح وبهذا نبتعد كل يوم عن الحل ونتقرب إلى تفاقم المشكلة .
**********
إن عدم الخروج من هذه الغطرسة التي تعترينا سيجعلنا أمة مـُنقسمة داخلياً ضعيفة خارجياً ، وسيؤول الوضع إلى طريق لا يـُمكن تصحيحه أو حتى تجميله .
فعلى الجانب الديني أو الغطرسة الدينية التي نـُمارسها بجدارة تجاه كل من يختلف معنا سواء من أبناء جلدتنا أو من الخارج ، فنحن نسير إلى تأصيل هذه الغطرسة و تعميقها و زرعها في النفوس بأسلوب ديني ، حتى بات الكـِبر و الإستعلاء جزء من الشريعة ونرى هذا واضحاً في تعاملنا مع كل عالم خارج حدود هذه الدولة أو داخلها عندما يختلف .
وهنالك جوانب عديدة ساهمت في صـُنع غطرستنا ، جوانب لا حصر لها ، منها :
- ثقافتنا التي أصل لها مثقفون متغطرسون ! حتى منعونا من التعايش مع الأخر " الأحقر " حتى لا نتعرف عليه ونتقرب منه .
- عاداتنا وتقاليدنا التي لا نتنازل عنها حتى و إن ثبت تخلفها .
- أخلاقياتنا التي هي أوهام نسعى دائماً من خلالها إلى التأكيد على أننا نعيش " المدينة الأفلاطونية " وغيرنا يـُعذب في بلده ولا يجد ما يكسوه .
إن الكثير عن غطرستنا لم يـُقال بعد ولن يكفي المقام هنا لسرد جميع أشكال إستعلائنا .
لذلك سأكتفي بأن أدعوا الله أن يـُوفقنا ، فطالما نحن خير أمة أخرجت فلن يهم أن تكون إنجازاتنا و إنتاجاتنا شوية خردوات لا تـُغني أو أكلات دسمة دائماً تـُسمن أو ديناً يؤسس للإستحقار أو قصائد و أشعار تـُعمق الشعور بالإستعلاء .

0 التعليقات :

إرسال تعليق