التفكك الأسري .. والإصلاح



في هذا الوطن عندما تبكي المرأة على ضياع حقوقها الإجتماعيةيتبادر إلى الأذهان أن الرجل هو من سلبها تلك الحقوق ، وهذه مغالطة كارثية لأنه و بإختصار ( الإثنين في الهوا سوا ، بلا حقوق ولا يحزنون ، يخرجان من الدنيا حفاة عراة " حقوقياً " كما دخلاها .
إن كانت المرأة لا تقود سيارتها فإن الرجل لا يقود إلا سيارته ! لا قطارات ، لا متروا ، لا باصات ، لا حناطير أو حتى حمير أو على الأقل تـُك تـُك . حتى أصبحت قيادة الرجل للسيارة تـُقربه إلى جهنم درجة من كثرة الشتائم التي يصرخ بها في وسط الزحام .
و إن كانت المرأة لا تجد وظائف في سوق العمل تحفظ لها كرامتها ، كذلك الرجل ما فتيء يشحذ أمام أبواب كل القطاعات حتى إخضَر شِماغة وهو يستخدم الملف الأخضر الشهير لإتقاء حرارة الشمس .
و إن كان الرجل يـُمارس العنف الجسدي أو النفسي أو المادي تجاه المرأة ، أو تمارس هي تجاهه أنواع أخرى من العنف ، فعلينا أن نبحث عن الأسباب ، ولست هنا أحاول إيجاد الأعذار لأحدهما لكني أتحدث بعيداً عن العاطفة .
مالذي يدفع بالرجل إلى إرتكاب العنف ضد المرأة أو العكس ؟
في رأيي أن عدم حصولهما على حقوقهما في وطنها فهذا هو السبب الأهم بل والمحوري ، فضياع الحقوق تجعل الرجل في الغالب يقوم بتفريغ غضبه المكبوت تجاه المرأة ، وهي كذلك ستلعنه أو تحتقره و إن كان في سرها ! ، سيعيشان في منزلاً واحد لكن بشكل منفصل وإن كان الإنفصال عاطفياً .
عندما لا يجدان وظيفة ، وتضيع سنين دراستهما بسبب المحسوبية و الواسطة ، أو أن يجدان تلك الوظيفة لكن براتب لا يـُغني من جوع ، بالإضافة إلى عملية الإغتصاب التي تـُمارسها البنوك في حق ما بقي من الراتب .
عندما يجدان أصحاب السمو و المعالي و الوزراء و القضاة يتمرغون في النعيم ، بينما هما يشحذان ، على موائد الكـِبار ، أو يجدان أنواع السياج تـُحيط بالأراضي فتنزع أي أمل في التملك أو حتى التنزه ! ، كأنهما من بهائم الأنعام في هذا الوطن .
عندما يجد هو أو تجد هي ومهما وجدا ففي ظل غياب الحقوق ، حتماً ستنعكس أثار ما يجداه من فساد في الوطن داخل عش الزوجية، سيُفرغان هذا الكم الهائل من الكبت داخل جدران المنزل ، فمن الطبيعي حينها أن يُعنفها و تعنفه ، من الطبيعي أن ترتفع عندنا معدلات الطلاق ، من الطبيعي أن ينتشر العنف الأسري ، وتكثر حالات قتل أو حبس الأبناء .
ولا أقول أن من حق الرجل أو المرأة أن يفعلا هذا في ظل الظروف الراهنة، لكن لنتحدث بشفافية ، هل نحن ملائكة ؟ ، أم أنبياء ؟ ، أم معصومون عن الزلل ؟
لا .. إنما نحن بشراً قيمهم الإنسانية ليست متساوية ، إيماننا ليس بنفس الدرجة . ومن الخطاء أن يُبنى النظام في الوطن على رهان الإيمان أو العقل أو الإلتزام  فهذا رهاناً خاسر ، لأن المفترض أن يعيش الجميع في الوطن حياة كريمة ، المجنون و العاقل ، الصغير و الكبير ، المُحسن و العاصي ، المؤمن و الكافر ، سواءً كان ذكراً أو أنثى . أما أن نُراهن على أننا لن ننحرف إلى الحضيض لأننا قوماً مؤمنون فهذا ببساطة مجرد غباء لا أكثر .

يا سادة ،،،
إذا لم يتقدم المسئول المُخطيء للمحاكمة ستستمر حالات الطلاق في إرتفاع ، إذا لم يتم تحجيم التسلط الديني و الفكري سيُمارس الوالدان العنف تجاه الأبناء ، إذا لم تتحرر الحرية من قيدها سيعـُق الأبناء أبائهم و الأباء سيُعنفون أبنائهم .
إن لم تـُخفض إيجارات العقار ، ولم يتصف القضاء بالعدل ، ولم تـُحدد صلاحيات الوجهاء ، إن و إن ... إن لم نـُصحح المسار فسيظل الرجل يُعنـِـف المرأة وسترد له الصاع صاعين ، وإن لم تـُعنفه صراحة فلن تـُغلب مـُكرا .
قد يقول قائل : ما العلاقة بين هذا و ذاك ؟
إن العلاقة جلية واضحة لا تحتاج لإيضاح ، إثنان " رجلاً و إمرأة " غـُلقت عليهما أبواب قفص الزوجية بلا مقدمات ، وبعد شهر سينتهي شهر العسل وتأتي المسئولية لتتضح معالم المصاريف والطلبات وكلما إستمرت العلاقة ستكبر الإلتزامات ، فبناء الأسرة يتطلب مادة أكثر من إيمان وحب و تفاهم ، و الزواج ليس جنساً وشهوة إنما مؤسسة متكاملة .
هو يريد منها ، هي تريد منه ، كلاهما يريد من الأخر أشياء و أشياء حتى تتصف حياتهم بأنها " كريمة " ، ثم يـُفاجاء الإثنان بأن الوطن يأبى أن يمنحهما تلك الحياة لأن فيه فاسدون قد عاثوا في الأرض الفساد بلا حساب .
ألن تكون النتيجة حينها مأساوية ؟ ، بل ستكون مأساوية بحق بعضهما البعض و بحق الجيل القادم . ووحده المتضرر هنا هو الوطن .
أتحدث عن الأسرة لأن ما حفظناه عن ظهر قلب بأن الأسرة هي اللبنة الأولى في بناء المجتمع ، فإن كان التعامل تجاه هذه اللبنة يتم بالسحق و الإضطهاد فماذا سنجني ؟
سينتج لدينا مستقبلاً ممزق وجيلاً يرث التـِيه و أبناء عاقون تجاه أبائهم و تجاه الوطن ، وحتماً سيخرج من رحم هذه الأسر المسحوقة من يتعين في الوظائف حينها ستُعيد عجلة الفساد دورتها ، ستكثر الرشاوي و المحسوبية ونهب المال العام . والإبن في المستقبل لن يحتمل أن يحيا حياة أبيه فمن أبوه غيري أنا و أنت .
والبنت لن تحتمل أن تدخل في عبائة أمها لتعيش في الظل الإجتماعي ، وسيرتفع عند الجميع شعار " نفسي نفسي .. لن أعيش في جلباب أبي " . ثم تـُعاد الكره وسينتشر الكفر وإن عينوا لكل مواطناً شيخاً جليل ، وسيكثر الإنحلال و إن لم ينطق الإعلام إلا بالتوعية ، وستتسع رقعة الفساد و إن إلتزم الجميع بحفظ القرآن.
إن السبيل الوحيد لنعيم الأخرة أن يعيش الإنسان دنياه في نعيم ، فإذا ما فسدت الأرض وضاقت على الفرد فلن يهتم بالأخرة سيكفر إن لزم الأمر لأن الجوع كافر و الجوع إلى الكرامة و الحقوق أشدا مرارة .

*****
( 1 )
ثم قالوا بعد كل هذا الواقع المزري و الفساد كخطاباً تقليدي لم يعد يحرك ورقة ، بأن فساد أخلاقنا مؤامرة !
وأنه كانت فوق طاولتي قلماً و ورقة فأين أختفيا ؟ ، إنها مؤامرة !
( 2 )
أيها الأب و الزوج: عليك أن تتجول بأسرتك بعيداً عن مضلات الفتن و مزالق الريب ، وأن تـُبادر بأهل بيتك إلى مواطن الخير ، و أقطع موارد الشر والفساد عن أهلك ، وأنصحك بأن لا يخلوا بيتك و سيارتك من كتاب نافع أو " شريط " مفيد ، ثم إحذر كل الحذر أن تلبس زوجتك أو إبنتك عبائة مزركشة أو مفصلة فأنت المسئول أمام الله عنها .
( 3 )
أيتها الأم و الزوجة :يا منبع الحنان و نهر العطاء ، أنصحك بطاعة زوجك وأن لا تتركين مجالاً للعادات السيئة و الأخلاق الذميمة أن تدخل إلى بيتك ، كشرب الدخان و مشاهدة التلفاز فتلك دعاوي تغريبية فلا تسمحي له أن تتسلل إلى داخل بيتك و أنت لاهية ساهية .
( 4 )
أيها الشاب " الإبن "  :إن عافيتك التي تمرح فيها زائلة ، فإحذر أن تنزلق إلى الحرام وأنت بصحتك اليوم لأنك ستندم عند مرضك على كبر ، و تمسك بعرى الإيمان و لا تنجر خلف زارعي الفتن أولئك الذين يُـصورون لك كل قبيح على أنه من حقوقك المسلوبة فوالله كم من شاباً سار على درب الحرام ثم وجد أهل بيته يغرقون فيه دون علمه ! فهل ترضاها لأختك أو أمك أو إبنتك ؟ .
( 5 )
أيتها الفتاة  :إنهم يريدون أن يجعلوا منك ألعوبة بين يدي الشيطان فتنزعين الحجاب و تتبخترين بلا حياء وتقودين السيارة بلا محرم ، ثم تنهشك الذئاب  لا محالة لأنك أنت التي رضيتي أن تكون لقمة سائغة ، وكم من فتاة تتمنى ان تختفى من على وجه الارض بسبب دعاوي التغريب الباطلة .

هذه خمسة عينات من رسائل لن و لم تحل أي مشكلة من مشاكل المجتمع ، ولا حتى ستـُخدر مواضع الألم ، إذاً علينا أن نتوقف عن الخطابات الفارغة ، يكفينا تلاعباً بالعواطف ، لأن مشكلتنا في دنيانا لا في ديننا وعقيدتنا ، لم تـُمس أخرتنا كما تدنس واقعنا .

*****

إن الأسرة هي اللبنة الأولى في المجتمع ، و المجتمع الذي يتعمد الهرب من الدنيا طمعاً بالنجاة في الأخرة لن ينجوا في الإثنتين ، والرهان على خصوصيتنا و عاداتنا و ثقافتنا و حتى على إيماننا رهاناً خاسر .
ولا سبيل من تخفيف حِـدة العنف الأسري و تقليل حالات الطلاق إلا بالمسارعة في الإصلاح .
إن ( قال الله و قال الرسول بلا عمل ) ، و ( أفتى الشيخ الجليل ، وإرتأى صاحب الفضيلة ) كل هذا لن يبني مجتمعاً سليم .
و أي مجتمع أفراده لا يطالون حقوقهم لن يصح إيمانهم ، وطالما الكثير من الأسر الأن لا تجد مسكناً لها ولا تجد رزقاً كريما فالنتيجة الحتمية أنه سيكون لدينا مجتمعاً بلا أخلاق وإن صلى الجميع و صام .
لأنه لا يُمكن زرع الأخلاقيات في البيت الكبير طالما نحن نهدمه في البيت الصغير ، وطالما المسئول بعيداً عن المحاسبة والسياج مازالت تحيط بالأراضي ، فلن تهنىء اللبنة الأولى بحياة كريمة .
وإن وجدتم أسرة تعيش بكرامة فأخبروها أن ما أنتم فيه مجرد وهم .

*****

إن اللبنة الأولى في المجتمع هي الأسرة والأسرة تتكون من " زوج و زوجة و أبناء " ، هذه اللبنة لن تستقر إلا بالإصلاح ولأننا تجاهلنا الإصلاح فقد أرغمنا الأبناء أن يكونوا هم المسامير التي ثبيت الزواج !

هناك تعليق واحد :

  1. في كل مرة ألقي فيها نظرة على ما حدث لي ، سأقدر دائمًا الدكتور أغبازارا العظيم (agbazara@gmail.com) لما فعله من أجلي. لقد أعاد ملوك التعويذة هذا حبيبي الذي تركني دون سبب. قابلت مذيع التعويذة العظيم وأخبرني كل ما علي فعله! الآن أنا سعيد لأن الدكتور أغبازارا أعاده وهو يحبني أكثر مما اعتاد! يمكنك أيضًا الاتصال به على عنوان بريده الإلكتروني النشط (agbazara@gmail.com) أو إضافته على Whatsapp: (+2348129175848).

    ردحذف