يُقال في المثل : ( أنا و أخي على إبن عمي ، و أنا و إبن عمي على الغريب ) ، لكن ماذا لو نظر الإنسان إلى أخيه بأنه هو الغريب ؟
في رأيي أن من يرى أخيه
كالغريب فهو المُلام دائماً ، لأن الأخ مهما أخطأ يجب أن يراه المرء كأخ مُخطيء ،
فماذا إن لم يكن مخطيء ؟ .. هنا المصيبة أعظم ! و غالباً من يرى أخاه بتلك النظرة
فسيصد عنه حتى إن جاءه أخوه بالنُصح فقط ، و سينفر منه ومن حديثه و إن كان أخاه
يحمل بين يديه الدليل و البرهان .
بل من زرع في داخله كره أخاه
غالباً فسيكفر بالوعي و المنطق إن إستخدمهما أخاه ، لأنه قد حكم عليه مسبقاً بأنه
الشيطان الرجيم ، و عليه فقد قرر أن الشيطان لا يُجيد إلا الغواية !
--- --- ---
من هو العالـِـم يا سادة ؟
هنالك شيخاً يحفظ القرآن
الكريم ، نقول له : جزاك الله خيراً لكنك لست عالم إنما حافظ للقرآن بالترتيل .
هنالك من يحفظ عشرة ألاف أو
مئة ألف حديث ، نقول له أيضاً : جزاك الله خيراً لكنك حافظ أحاديث و لست بالعالم
الذي ننشده .
وهنالك من يحفظ القرآن و
الأحاديث ، وعِلم الرجال و الجرح و التعديل ، ثم يكتفي بما حفظه و لا يُضيف إلا ترديد
" عن و عن ثم عن و عن " و قال فلان بإسناد صحيح .. تسأله ما رأيك أنت
يقول : عن فلان بن فلان ! .. هذه بالضبط هي عقيدة الببغاء !
فمن هو العالـِـم ؟
في نظري أن العالم هو من
يستطيع أن يُضيف إلى عقل المتلقي فِكرة جديدة ، أو أن يُصحح معنى مغلوط في المجتمع
لكنه متعارف عليه .. أو هو من لا يخاف الخروج عن السائد وإن صنفه رجال الدين بالكفر
المبين .
الشيء الأخر الذي يُميز
العالم هو " التواضع " مصداقاً لقوله –صلى الله عليه و سلم- [ إنما أنا
إبن إمرأة من قريش كانت تأكل القديد ] .. في هذا الحديث معنى واضح وهو أن التواضع
من صفات العظماء ، و فيه معنى أعمق أن عقيدة المسلم يجب أن لا تـُبنى على تقديس
الشخص مهما عظم شأنه ، فإن كان النبي يكره أن يرى في أصحابه تقديساً له ، فمن باب
أولى أن تكون أول علامات صلاح من هم دون النبي أن يتحلوا بالتواضع الشديد كما فعل
النبي الكريم ثم تبعه في هذا الصحابة رضوان الله عليهم ، حتى أن علي كان يُردد على
الدوام ( ما أنا إلا رجلاً من المسلمين ) !
وأحد أبرز علامات تواضع المرء
أن لا يدعي بأن قوله هو الحق المبين ، و أن رأيه لا يستقيم إلا بالمشورة ، أسوة
بالنبي الكريم !
إن تاريخنا الإسلامي مليء
بنماذج إتخذت من النبي قدوة في هذا السلوك العظيم " التواضع " نماذج لم
تدعي أن قولها الحق المبين بالتالي لم نسمع أنهم حاربوا مخالفيهم و نشروا بين
الناس أن من خالفهم شيطانً رجيم !
وإن الواقع اليوم يصرخ و يئن
من تكاثر و إنتشار أولئك المقدسين ، حتى أنه لم يبقى اليوم إلا أن تُصبح القدسية
بالوراثة ، وليس ببعيد أن يكونون لهم حزباً في المستقبل !
وعملية تقديس الأشخاص بجانب
أنها سلوكً مشين فهي أيضاً تتحمل الوزر الأكبر لتخلف المسلمين اليوم ، فتقديس شخص
يعني إلتفاف الناس حوله ، و لن تكتمل عملية تقديس هذا الإنسان إلا إذا تمت في
المقابل عمليات تدنيس واسعة لكل من يختلف مع هذا المُقدس ! .. و من هنا تُصنع
التحزبات و تتنمى العداوات ، و يُصبح لكل جماعة قديس بمنزلة نبي و مخالفين له
بمنزلة إبليس
لهذا كله أحترم الدكتور "
عدنان إبراهيم " فهو من ناحية لم يُطِل علينا بمظهر ذلك القديس الذي يُحرم
مخالفته ( شرعاً و قانوناً ) ، ومن ناحية أخرى أنه دائمً يُردد عبارة : هذا رأيي
في كذا و كذا و ذلك رأيي في كذا و كذا .. و نحن نحتاج في هذا الوقت تحديداً إلى
عالمً شُجاع يقول رأيه هو .
لأن السائد اليوم أن يتهرب العلماء
تمامً من المسئولية ، و هروبهم يظهر جلياً في تبنيهم لأراء الأولون ، أن يُرددوا
أمام كل مسألة ( عن و عن ) فإن كان الرأي خطأ فهو ليس رأيهم إنما رأي الأموات ، و
إن كان الرأي صوابً فلن ينال الأموات أي تصفيق ! .. أليس هذا هو الهروب و الجُبن ؟
--- --- ---
تعلمت من " عدنان
إبراهيم " أن رأيه لا يُلزمني ، و أنني لن أخاف على عقيدتي إن كفرت برأيً له
أو بكل أرائه ، فأنا أساسً ( أتــثــقف ) منه و لا ( أتعبد الله ) بالإنصات إليه
.. وهذا ما لم أتعلمه من علمائنا الأفاضل الذين أوهمونا بأن مجرد الحضور إلى
محاضراتهم و الإستماع إلى خـُطبهم ، هي عملية ستـُقربنا إلى الله درجة ، و أن
الملائكة ستحفنا بأجنحتها إن أثنينا الركب للإستماع لهم !
ومن يتعبد الله بالإنصات إلى
كلام الشيخ ، من يُؤمن أن الملائكة تحيط بحلقة الشيخ و هو يعظ و يخطب ، من يؤمن
بهذا الشيء كيف سيُعمِل عقله أمام كلام الشيخ ؟ .. سيُصاب بالرهبة وسيقبل كل حديث
الشيخ على عـِلاته و إن لم يقتنع به مخافة أن تستثنيه الملائكة من التربيت على
كتفيه!
لهذا لا أحد يعترض على كلام
العلماء و الشيوخ ، فهم من جهة لهم لحومً مسمومة ، و من جهة أخرى فإن الله و
ملائكته يفرحون و يُرحبون بمن يأتي لحضور محاضرة يلقيها الشيخ ، و كل هذا من أهم
الأسباب التي تدعوا إلى إغلاق العقل و الـ " تسمر " أمام الشيخ رغبة في
الأجر و إن خرج الإنسان من عند الشيخ دون أن يفقه من حديثه شيئاً !
لذلك أنا لم أقتنع بالكثير من
الأمور التي قالها عدنان إبراهيم ، فرأيه لا يُلزم المتلقي بالخضوع و الإذعان ، ثم
أنا اقتنعت بأشياءً كثيرة قالها عدنان إبراهيم ليس لأنه قالها إنما لأنه تحدث بلغة
العقل و المنطق ، فإن لم أقتنع بالعقل و المنطق حينها سأكون أنا الذي يقف على
الجانب الخطأ !
أحد أهم الأشياء التي أقنعني بها
" عدنان إبراهيم " أن كثيراً من معتقدات المسلمين اليوم ، بل ومن أساسات
إيمانهم " الثوابت " هي في حكم الباطل جملة و تفصيلاً ، أو فيها باطل
كما فيها حق ، كالصحيح من الأحاديث التي تتناقض مع صريح القرآن ، تلك التناقضات
التي غـُيِبت عنا عن سبق إصرار !
قد يكون الخطأ من رواة
الأحاديث ، قد يكون هنالك من زرع الأخطاء في تلك الكتب ، قد تكون بعض الإسرائيليات
قد تلبست رداء الحديث الصحيح على حين غفلة ، و ما أكثر غفلاتنا !
لا أعلم أين الخلل صراحة ،
لكنني أعلم أنه موجود ، و الأولى الأن أن نُنقي ديننا من الشوائب حتى لا تتفاقم ..
لا أن نقف موقف المعاداة لمن قال بأن هنالك خلل !
شيئاً أخر ..
اللغة و الحوار و اللهجة بين الخطيب
و المتلقي ، هي في الخطاب الديني المعتاد تتصف غالباً بالإستعلاء و إستعراض
المفردات ، و بمصطلحات متقعرة في قواعد اللغة العربية الفصحى حد التطرف ، كأن جميع
الحضور أحفاد سيبويه !
مثل هذه اللغة و في هذا الوقت
تجعل المتلقي يخرج من كل الخطبة و هو فارغ تمامً من أي معلومة جديدة ، فهو لم يسمع
شيئاً و لم يفهم شيئاً ، و لا شيء أبهره إلا قدرات الخطيب البلاغية و كيف أنه
إستطاع حِفظ هذه المفردات و المصطلحات دون أن يخطيء خطأ واحد !
تسأل المتلقي : ماذا قال
الخطيب ؟ ، يُجيب : لا يهم ماذا قال ، المهم أنه قال ما قاله بإتقانً شديد لدرجة
لم أفهم منه شيء !
فهل نحن نحتاج لعالم يتباهى
علينا أو يستعرض أمامنا قدراته البلاغية أم نحن في حاجة إلى عالم يُحدثنا باللغة
التي نستوعبها .. كـ عدنان إبراهيم ؟
--- --- ---
أنا لا أتحدث هنا عن عدنان
إبراهيم من باب الإنبهار و الإعجاب ، و لا أحب أن أصفه بمجدد القرن كما يصفه
أحبائه ، لكنني أتحدث عنه لأني أشعر بأن لدى الرجل ما يريد أن يقوله ، أن لديه شيء
جديد مُبتكر و أن علينا حق الإنصات لما لديه و إعراضنا عن الإنصات له ليس له إلا
معنى واحد .. أننا نعتنق الرجعية كأنها من أساس الدين !
ولا أقصد أن من لا يستمع
لعدنان إبراهيم إنسان رجعي ، لكني قصدت من لا يستمع إليه فقط لأن شيخه لا يريد منه
أن يستمع إليه .. و هنالك فرق .
لماذا البعض يُصِر على أن يبحث في نوايا الرجل و أسراره و داخل ضميره ؟ ، لما أجد جوابً إلا أن من يبحث يريد فقط أن يُبعِد شُبهة التخلف عنه .
لماذا يصر البعض على التعامل
مع " عدنان إبراهيم " على أنه عدواً لله و للرسول و المؤمنين ، وحتى إن
كان عدواً للجميع ، فهل هذا يعطينا الحق في أن نصم أذاننا عنه ؟
فعدو الله إن لم نستمع إلا
حديثه ، لن نفهم أو نستوعب كيف نحاوره لنبين بطلانه ! أليس كذلك ؟
هل أصبحت غايتنا الأسمى أن
نلعن من يأتي ليقول لنا : أفيقوا يا مسلمين ؟
هل أمرنا الله في كتابه أن نُحارب
كل من يخالفنا !
--- --- ---
إن المؤمن كيسٌ فطِن ولا
يحتاج الأمر إلى كياسة و فِطنة حتى نعلم ماذا ينقصنا .. ينقصنا أن نفتح الباب لكل
صاحب رأي جديد ليضيف ، خصوصاً إن كان صاحب الرأي يقسم بالله أنه ليس إلا رجلاً
يقول ما يعتقد به فإن ناسبنا أخدنا به وإلا رمينا به عرض الحائط ، و لا قدسية له و
لا لرأيه .
ينقصنا كذلك أن نقول لأصحاب
الرأي المُقدس ، أصحاب الفضيلة ، أحبار الأمة ، العلماء الربانيون ، ظِلال الله في
الأرض : سامحكم الله على تخلفنا .. قد آن الأوان أن نقول لكم بأن إحتكار العِلم في
الشرع حرام ، وأن إدعاء الحق هو أساس الباطل ، و أن الأصنام التي عـُـبدت من دون
الله على مدى التاريخ هي في الأساس تماثيل لأناس قدستهم أقوامهم ، وأن الشيطان يـُسعده
دائماً أن تعتقد العامة في من تتبـِعه النزاهة عن الخطاء لأن العامة حينها إن لم
تبني له التماثيل فعلاً فلا أقل من تجاهل صريح القرآن و الإكتفاء بإجتهاد "
المُقدس " !
ولا إله إلا الله .. محمد
رسول الله
--- --- ---
شكراً .. عدنان إبراهيم
أنت مجرد رجلاً من رجال
المسلمين ، له رأي عقلاني جداً ، وليست له قـُـدسية .. ورأيه غير مُلزم أبداً فإن كان
حقاً أخذنا به و إن كان غير ذلك فيـُرد إليك
أنت رجلاً نحتاج فعلاً أن
نسمع منه ، نحتاج أيضاً أن يظهر ألف عدنان إبراهيم حتى يُكسر أساس التخلف فينا .
و عندي .. يكفي الرجل فخراً
أنه لم يدعي حتى الأن بأنه " صاحب فضيلة "