ستتولى أمرها



إغلاق الباب في وجه كل جدال بعبارة "لا يجوز" هو فعل لا يجوز، فأمور الناس ستظل بين أخذ ورد، سيخطب الخطباء ليرد الكتاب، وسيفتي الفقهاء ليحاجهم المفكرون، فإذا اتفق الجميع على رأي واحد من بعد عناء، سريعاً سيكبر الأبناء ليعيدوا الشريط من بدايته، وحججهم التي لن تتغير أبداً أن اليوم ليس هو الأمس، وما كان يصلح للآباء سيعافه الأبناء، فإن أجمع السلف فذاك اجتهاد يتم البناء عليه لا الاكتفاء به، وآراء السابقين هي محل استئناس لا تشريع، وما قيل له التقدير لكنه لا ينزل منزلة الحق، إلخ... من الحجج التي لا تعني بالضرورة أنها مروق من الدين أو كره للأولين، إنما تعني أن لكل جيل منظومة أفكار ورؤى لها الأفضلية دوماً كونها تتناسب مع حاضرهم وتلائم الواقع الذي يعيشونه.

حسناً، بالأمس لم يكن أجدادنا يعرفون الراحة والإجازات، كان الواحد منهم يخرج من أذان الفجر إلى غروب الشمس سعيا في طلب الرزق، يخرج في المرض والصحة، في الصيف والشتاء، لا يكاد يهنأ براحة أو يتمتع بإجازة لعلمه أن اليوم الذي لا يخرج فيه سيجوع الأبناء -هذا ما كان سائدا- والسائد لا يعني عدم وجود استثناءات، أما اليوم فإن أخذ الموظف إجازة لشهرين فلن يتأثر دخله ولن يجوع الأبناء، لقد تغيرت معادلة طلب الرزق، والطريق أمام السالكين بات معبداً، والسير ما عاد يتطلب مجهودا جسديا شاقا، الأمر الذي أغرى المرأة بالخروج من بيتها إلى سوق العمل لتشارك الرجل في حمل هذا الهم الثقيل، وبخروجها فوراً تغيرت طبيعة العلاقة بينهما.

ثوب (سي السيد) تم استبداله بالسيادة المشتركة، والمشورة حلت مكان التفرد بالرأي، و(عنتر) لا يكاد يجد ميداناً لا تقاتل فيه (عبلة)، و(قيس) كلما همّ بتقبيل جداراً وجده جدار مدرسة أو مصنع تعمل فيه (ليلى)، والوادي البغيض الذي تبادل فيه (جميل) و (بثينة) الشتائم، أصبح مستشفى يعملان فيه سوية.

كل هذا التغيير يراه البعض انحرافا في طبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة، غير أنه في واقع الأمر تصحيحاً للمسار بما يُلائم الحاضر بكل المتغيرات فيه، فشرعاً وقانوناً ليس بينهما أرقى وأدنى، وطلب الرزق ما عاد يتطلب قوة جسدية، إنما قدرات عقلية لجنسين كلاهما متساويان فكرياً، وليس الحديث هنا عن تطابق إنما عن شراكة في بناء المجتمع، وفي الشراكة لا يتم اعتبار الاختلافات الجسدية بين الشريكين سبباً لتقليل الحصص.

لقد فتحت الدولة أبواب سوق العمل أمام المرأة، وحين دخلت للسوق أصبحت ترساً في عجلة الاقتصاد، تساهم في التنمية كما يساهم الرجل، وطالما أصبحت عنصرا اقتصاديا فعالا، ستقول ما تريد وتطالب بما تريد، طالبت بالتعليم فنالت أعلى الشهادات، طالبت بالعمل فوصلت لأرقى المناصب، وغداً ستطالب بكرسي القضاة وستحاكمه على ما يقترف من جنايات، وستطالب بمنصب وزاري ثم ستغدوا صاحبة معالي، وستطالب بالمزيد ولن يجد الرجل إلا أن يصرخ ويزبد ويستدعي كل ما في الموروث من حجج ليثنيها عن هذا الإقدام، وبعد أن ينتهي من صراخه ستطلب منه إنهاء بضع المعاملات لها بصفتها أعلى منه وظيفياً ثم تقود سيارتها لتعود لبيتها، وكل هذا ليس رجماً بالغيب –معاذ الله- إنما هي قراءة لحقوق الشريك.

إنها اليوم شريك في المجتمع أكثر من أي وقت مضى، والشريك يحق له أن يفرض ذاته، وعلى من يرى أن في شراكتها خلل أن يعود لنقطة البداية ويطالب بمنعها من العمل، وأن تقر في بيتها لترعى أبناءها شريطة أن ينبذ هو حياة الرغد ويسلك ذات الطريق الوعر الذي سلكه الأجداد، أن يخرج من أذان الفجر إلى غروب الشمس طلباً للرزق، فإن أحس بالإرهاق رأى في عيون أبنائه رجاءً يدفعه لعدم استثناء هذا اليوم كي لا يصيبهم الجوع. ما يعني أن الرجل لن يعود (سي السيد) إلا بعودة حياة التعب والحاجة التي تنهك أشد الرجال وتجبر النساء على المكوث في البيت، لن يرتدي ذلك الثوب القديم إلا حين يتطلب جلب الرزق قوة جسدية تتحمل عناء الطريق. صحيح أن العلاقة بين الرجل والمرأة لا تتحدد فقط بالمال أو من زاوية إقتصادية، لكن الصحيح أيضاً أن من يملك المال سيكون سيد نفسه.

وبمناسبة الحديث عن السيادة، تثار قضية ولاية الرجل على المرأة هذه الأيام، وبعيداً عن دعاوى التغريب والمنظمات السرية الخبيثة والشياطين التي توسوس بأفكاراً هدامة، إن الجديد هذه المرة ليس في الموضوع، إنما في أن المرأة اليوم تتحدث بصفتها شريكاً فعالاً في بناء المجتمع، بصفتها عاملاً مؤثرا في سوق العمل، وإنها تنظر للرجل من هذه الزاوية، ثم تتساءل: كيف يحق لشريك تتساوى حصصه مع حصصي أن يرأسني لأسباب وصفات لم يكتسبها بمجهوده الشخصي إنما جاءته مع الجينات الوراثية؟، وكون الرجل جاء للدنيا ذكراً فهذا لا يعني أبداً أنه كائناً أرقى وأسمى وأرجح عقلاً، فلمَ كساه المجتمع بهذه المزايا؟ .. لماذا يتم بناء فكرة الولاية على أن كل الرجال أولياءً لله صالحون لا يخطئون أبداً، وإن كان الرجال هكذا فمن إذاً هذا الذي يُعنِف ويضطهد ويمنع ابنته من الزواج ويستغل راتب زوجته؟! ولماذا من الأساس يشترط النظام أن يتم تعنيف المرأة أو اضطهادها أو أن تكون تحت ولاية رجل مليء بالعقد النفسية كي تسقط ولايته عنها؟!، ألا يُعد كونها إنسانة كاملة الأهلية سبباً كافياً في نظر النظام؟!


إن حججها اليوم تنسجم تماماً مع دورها الاقتصادي، كقولها: أنا أعمل كما تعمل، أفكر كما تفكر، أنجز كما تنجز، أساهم في تدبير شؤون الأسرة وتنمية المجتمع كما تساهم... إلخ من الحجج. الإشكالية الوحيدة هنا أن ردود فعل الرجل تقليدية، يصرخ ويبادر لإغلاق الباب بـ"لا يجوز"، وفي آخر المطاف يجنح للصلح ويتركها لتتولى أمرها، وستتولى أمرها.

هناك تعليق واحد :

  1. شكرًا لمؤسسات الائتمان على القروض لمساعدتي في الحصول على قرضي. لقد كان أمرًا رائعًا أن أتلقى قرضي بقيمة 8,000,00 ريال عماني
    من شركة القروض الخاصة هذه. اسمي عبد الفتاح من مدينة مسقط عاصمة عمان. لقد حصلت على قرضي من شركة القروض ذات السمعة الطيبة هذه في 24 نوفمبر 2023، وأريد استخدام هذه الوسيلة بسرعة لإخبار الجميع هنا أنه يمكنك الحصول على أي قرض من شركة القروض ذات المصداقية هذه. يقدمون القروض بأسعار فائدة منخفضة وبسرعة كبيرة. للحصول على قروضك يرجى التواصل معهم على رقم الواتساب: +393512114999 أو +393509313766. البريد الإلكتروني: Loancreditinstitutions00@gmail.com. WhatsApp: +393512640785 يرجى الرجوع إلى من يحصل على قرضي من شركتها.

    ردحذف