قيمة الجهل

إن كان للعلم قيمة، فما قيمة الجهل؟ هل هو لا شيء، أم شيء لا قيمة له، أم شيء له قيمة لكنها تساوي صفرا؟ إن الجهل هو مصطلح أوجدناه لتعريف العلم عندما تساوي قيمته صفرا، إلى هنا لا تنتهي المسألة، لأن الجهل بهذا المعنى أبداً ليس صفرا، لأن الصفر عدد لا سالب ولا موجب، بينما الجهل أشبه بنبات يتشعب إلى كل الاتجاهات السالبة والموجبة. كمثال: هنالك جاهل لأنه لا يعلم، وهنالك جاهل يعلم لكنه يكابر ولا يصدق، وهنالك جاهل لأنه لا يريد أن يعلم، وهنالك جاهل...

حكاية غذامية

ما الغاية من الوقوف أمام المرآة؟ الجواب ليس ببساطة السؤال، فالغايات جدلية فلسفية متعددة، لكن لنقتصر إلى المتعارف عليه. أولا: بالنسبة للإنسان الفرد فالغالب أنه لا يقف أمام المرآة ليتأمل جماله الآخاذ إنما ليبحث عن عيوبه حتى يعالجها، فيُحسِّن هندامه أو يحف شاربيه، أو تضع -هي- أحمر شفاه، كلها عمليات تجمل فطرية ليبدو الإنسان مقبولاً في نظر الآخرين. ثانياً: بالنسبة للجماعة الإنسانية "دينية، ثقافية، سياسية" ففي الغالب تختار الوقوف أمام المرآة التي...

دعوة إلى "اللا إنتماء"

الانتماء يمثل الحضن الدافئ المريح الذي يلجأ إليه الإنسان لإشباع حاجاته النفسية. إن الإنسان كائن اجتماعي بطبيعته فيلجأ للجماعة لا حباً فيها، وإنما كرهاً في الوحدة. يلجأ لها هرباً من الضعف والشعور بالتهميش واللافاعلية، إن الانتماء قالب جاهز مريح يوفر عِدة مزايا للمنتمي إلا أن له عيوبا لا يمكن غض الطرف عنها، أهمها ربط أفكار الفرد بأفكار الجماعة والتقيد بمبادئها وإن خالفت مبادئه وأفكاره. لقد تغلغلت فكرة الانتماء إلى اللاوعي فينا حتى جعلتنا...

ماذا لو مات الشيطان؟

سائل يسأل: ماذا لو مات الشيطان؟ فقلت: الشيطان لا يزال على رأس العمل بدلالة "لو" في سؤالك، فأعرض عن هذا. فقال: فما تقول في قول الصديِق "لو أن أحدهم رفع رأسه لرآنا"؟ قلت: لنتجاوز "لو" فهي ليست محور الحديث، ثم أعد السؤال بصيغةً أخرى إني لك من الناصحين، فسأل السائل: ما الذي سيتغير إن مات الشيطان؟ قلت: بادئ ذي بدء، وحتى يأخذ سؤالك حقه من الشرح والتوضيح لا بد أن نستحضر قول الشيخ الشعراوي في أن: "الشيطان يذهب إلى المسجد ولا يذهب إلى الخمّارة، لأن...

شعراء الجن

ولولا أن القلب يميل، لقلنا: ما به من عيب. لكنه يميل على الدوام، ليس له من قرار، لا أرض يستقر عليها ولا جاذبية تحكمه، فيهيم تارة ويضطرب تارة، وتارات تتقاذفه نسائم الهواء، وإن القلب يميل هربا من وقائع الحياة، من كل هذا الضجر والصخب والضجيج، ومن هنا يستمد الجمال قيمته، ومن الجمال يستمد الشعر معناه، ومن المعنى يرسم الشاعر أبياته، وشاعر لا يُجيد رسم المعنى فمن حقه علينا أن نصفعه كما قال "البحتري". وإن مما يُلفِت الأنظار، أن الهائمين في أودية...

كيف تصبح "مدير كبير"؟

حديث أوجهه إلى صغار السن الغِضاض الذين لم تُآسنهُم الأيام، لا إليهم جميعاً إنما سأستثني منهم من يحلم بأن يصبح ضابطا ومن يتمنى أن يتخصص في الهندسة والمذبذبين بين الطب والطيران، لا يعنيني هؤلاء إنما يعنيني أولئك الذين يحلم الواحد منهم أن يصبح "مديرا كبيرا" بأي طريقة وثمن. حديث لا يتم التطرق إليه في دورات "إعداد القادة" رغم عدم إلمامي بما يقال في تلك الدورات، إلا أنني سأستشف بأنها دورات تضع الطالب أمام طريق مثالي، فتهيأ له أن كل المطلوب منه...

هيبـــة القرآن

قبل البدء، هذا ليس ردا على تلك الاعتراضات الواردة تجاه حديثي السابق، حين قلت إن هيبة القرآن في نفوس أغلب المسلمين اليوم هي هيبة شكلية فقط، هذا ليس ردا، رغم أن كل اعتراض له كامل التقدير، إنما هي ملاحظات ساقتني إليها تلك الاعتراضات، مجرد ملاحظات تحتمل الخطأ أكثر مما تحتمل الصواب، وكلنا ذلك الخطّاء.  يقول تعالى مُخبرا عن نبيه -عليه الصلاة والسلام- (وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا)، في الآية الكريمة فعلان متضادان "الأخذ"...

"حسن فرحان" و"عدنان إبراهيم"، مفكران أم ... ؟

أحدهم كتب تغريدة قال فيها: كلما قارنت بين "عدنان إبراهيم" و"حسن فرحان المالكي"، وبين بقية الشيوخ والملالي، مالت الكفة لصالح "عدنان إبراهيم" و"حسن فرحان". فرددت عليه: قارنهم إذا بالمفكرين الإسلاميين حقا وسترى كفة الميزان كيف تتغير. على الرغم من أني لا أحب عقد المقارنات بين الأشخاص؛ لإيماني أن لكل فرد ميزاته وعلاته التي يتفرد بها عن الآخرين، إلا أني سألجأ هنا إلى عقد مقارنة بسيطة حتى تصل الفكرة.  أحمد ديدات، مصطفى محمود، علي الطنطاوي،...

"بنو جام"

لست هنا لتقييم فرقة أو طائفة، إنما للبحث عن ثقافة الطاعة، أتحدث عن "الجامية" كفِكر ونهج تغير تماماً وتوسع كثيراً حتى تخطى حدود الجماعة السلفية المحدودة التي ظهرت على يد الأستاذ الشيخ محمد أمان الجامي -رحمه الله- حتى أصبح كثير من الأدباء والشعراء والرياضيين والمثقفين وغيرهم أعضاء بارزين في جماعة "الجامية"، وإن من بعيد.إن من يقرأ عن "الجامية" أو يقرأ لها، سيجد تطرفاً في كلا الاتجاهين، فخصوم "الجامية" قد شيطنوها، وهي في المقابل قد شيطنتهم. اتهامات...

خواطر "داعشية"

ذهب رمضان والناس فيه كانوا بين قارئ للقرآن، وساع لإفطار الصائمين، ومعتكف في مسجده، إلا أنني في رمضان هذا العام، وبلا قصد أو تخطيط، رحت أتابع المقاطع المنسوبة إلى "داعش" بشكل شبه يومي، حتى أصابتني البلادة تجاه مناظر الدم، وبدأت أعتقد أن كل هذا القتل للترفيه!. لماذا الوحشية المفرطة في القتل؟، لماذا الإصرار على إبراز هذه الكمية من الجهل بالدين؟، لماذا العودة إلى مصطلحات قد اندثرت "الإمامة العظمى، الخلافة، الجزية"؟، أسئلة تقود في الأخير إلى أن...

أنا وابن عمي والغريب على غزة

أحياناً تأتي الفكرة إلى المرء فيكتب، وهذا ما يعرف بالإلهام، أحياناً تكون الكتابة مجرد روتين فيكتب المرء بلا روح، أحياناً تأتي الكتابة من أجل المادة أو مسح جوخ. أحيانا وأحيانا وللكتابة أحايين لا تعد وغايات لا تحصى، اليوم سأكون عاطفيا وسأنتقي الاستفزاز كدافع للكتابة، سأكتب -عن وليس إلى- عن الذين يستفزون الجميع لا إليهم، لأن الكتابة إليهم لن تجد آذاناً صاغية أو قلوباً تعقل. عن المستفزين بأصواتهم وكتاباتهم وتحليلاتهم وقبحهم وتبريراتهم الأقبح،...

"الخرفنة".. من الماضي إلى الحاضر!

  "خروف"، "متخرفن"، "تخرفن".. مصطلحات تقال في حق بعض الشباب والرجال للتقليل من قيمتهم والتشكيك في شخصياتهم ورجولتهم، قد تقال في حق الزوج الذي يطيع زوجته طاعة عمياء وإن كانت طلباتها تقسم ظهر البعير، قد تقال في حق الشاب الذي يفقد توازنه أمام أي فتاة عابرة، أو ذلك الذي يرى كل أنثى تمر أمامه "مزة"، فيتركها تقوده كيفما شاءت، مبتسماً بينما يقاد.  أما "المزة"، فالمفترض أن هذا المصطلح خاص بالمرأة أو الفتاة التي تتمتع بمواصفات...

حين اعتزلت متابعة الكرة السعودية

الآن، حين أفكر في سبب اعتزال متابعة الكرة السعودية، أقول: ربما كان الأمر من باب الحفاظ على الصحة، تجنبا لأمراض الضغط والسكر والقولون والأمراض النفسية؛ ولأنني ما عدت قادرا على التعلق بالأمل أكثر، ما عاد في استطاعتي أن أتتبع أخبار الفشل تلو الفشل، ممنيا النفس بالنجاح ولا نجاح في الأفق. هذا جانب من الحقيقة، وللحقيقة ألف وجه، أحد تلك الأوجه أنني فقدت حلاوة متابعة الكرة السعودية، فقدت شغف تشجيع المنتخب السعودي، فقدت كل هذا في اللحظة التي فقدت...

قبل أن تزول النعمة

  أحداث اليوم هي نتيجة لما حدث بالأمس، كذلك أحداث الغد ستكون نتيجة لما يحدث اليوم، ولا يمكن الفصل بين الأمس واليوم والغد، فالأحداث والوقائع بين هذه الأزمنة تأتي مترابطة متلازمة.المسألة كبناء يتكون من عدة طوابق لا يمكن تعليق طابق في الهواء بلا اتصال بين طابقين أو استناد على طابق، كذلك لا يمكن ألا يتأثر الحاضر بالأمس، وألا يؤثر على الغد.اليوم نحن ولله الحمد نعيش في ترف، هذا الترف والنعيم لم يأت بلا مقدمات، إنما جاء نتيجة تضحيات الأمس، لقد...

أين الله؟

  يظل الإنسان تائهاً مشتتاً باحثاً، يسأل عن الله والله موجود في سؤاله، إننا لا نسأل: أين العنقاء لعلمنا أنها أسطورة لا وجود لها، ولو سأل سائل هذا السؤال لحوى سؤاله قناعة بأن العنقاء حقيقة بالنسبة إليه لكنها تحتاج إلى إثبات -ولله المثل الأعلى-، سبحانه موجود حتى في عقل وكيان أعتى المشككين فيه، ودليل وجوده هو تشكيكهم فيه وبحثهم الدائم عنه، وإلا فلا أحد ينشغل بالبحث عن شيء إن كان مقتنعاً فعلاً بعدم وجوده، بمعنى آخر: أين الله؟ سؤال يقود إلى...

من طلب العلا نام الليالي

كم نائم طيلة يومه نال العلا، وساهر للفجر ما نال إلا الأرق، وكم ساهر حُرم طيب الحياة، وآخر غارق في نعيمها وهو في رقاد. إنها أرزاق قد كُتبت من قبل أن يولد الإنسان، أرزاق وُزعت بعدل، فمنها حلال ومنها حرام، وكلاهما في حاجة إلى كد وعمل، ومن الرزق بلاء وابتـلاء، وهذا النـوع في الغـالب ليس في حاجة إلى كد أو عمل!هذا تاجر قد تحرى الأمانة والصدق حتى وسع الله له في الرزق، وذاك تاجر تحرى الغش والخداع حتى آتاه الله رزقه، لكلا التاجرين رزق، إلا أن رزق الأمين...