أنا وابن عمي والغريب على غزة

أحياناً تأتي الفكرة إلى المرء فيكتب، وهذا ما يعرف بالإلهام، أحياناً تكون الكتابة مجرد روتين فيكتب المرء بلا روح، أحياناً تأتي الكتابة من أجل المادة أو مسح جوخ. أحيانا وأحيانا وللكتابة أحايين لا تعد وغايات لا تحصى، اليوم سأكون عاطفيا وسأنتقي الاستفزاز كدافع للكتابة، سأكتب -عن وليس إلى- عن الذين يستفزون الجميع لا إليهم، لأن الكتابة إليهم لن تجد آذاناً صاغية أو قلوباً تعقل.

عن المستفزين بأصواتهم وكتاباتهم وتحليلاتهم وقبحهم وتبريراتهم الأقبح، عن الذين يشاركوننا الدين والدم والأرض والعروبة ثم نراهم يتصهينون، عن المتصهينين أكثر من قاطني تل أبيب، بل إن في إسرائيل من هم أكثر إنسانية من هؤلاء، بل إن كل من في إسرائيل حتى أشدهم تطرفاً أكثر إنسانية من هؤلاء، لأن ولاء متطرفي اليهود إلى بني جلدتهم وهؤلاء يكرهون بني جلدتهم.
أريد أن أكتب عن مزامير بني صهيون، الذين حولوا مقولة: "أنا وأخي على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريب"، إلى مقولة: "أنا وابن عمي والغريب على أخي"!، لأن أخي مع حماس، وحماس تتبع الإخوان!، فهل حماس هي غزة؟ هل غزة كلها مع حماس؟ هل الجميع هنالك من الإخوان؟ هل كره حماس والإخوان مبرر لأحدهم أن يغرق حتى أذنيه في وحل التصهين؟ هل الارتماء في أحضان إسرائيل والتغني بها هو الحل؟ ألا يمكن أن نعتد بأنفسنا، ألا نبحث دائماً عن الحل لدى الآخرين؟ أو -وهذا أضعف الإيمان- أن نجمع بين انتقاد حماس والإخوان وتبيين أخطائهم وبين تجريم إسرائيل؟ ما الذي يحدث!
إن مزامير بني صهيون موجودة منذ بدء الاحتلال، إلا أنهم اليوم أكثر صراحة ووضوحا ومباشرة، يخرج أحدهم معلقاً على قصف غزة بقوله: "إن غزة لا تُقصف إنما يتم تنظيفها من حماس، فاللهم زد وبارك"!. إن مثل هذا لا يكره حماس إنه يهيم عشقاً بإسرائيل، إنه إن لم يجد أمامه حماس ليحملها جريرة تصهينه لأوجد ألف عذر آخر، لقال: إن الحجر في يد الطفل الفلسطيني هو المتسبب الأول في هذه المعركة، وإلا فإسرائيل لا تبدأ من تلقاء نفسها بالقصف. وهكذا نجدهم بارعون جداً في إيجاد التبريرات التي تُظهِر إسرائيل بأنها مجرد حمل وديع.
نعم من حق الجميع أن ينتقد ويعري حماس والإخوان ويبين أخطاء هذه التنظيمات للعلن، هذا حق لمن يرى حماس والإخوان على خطأ، وكثيرون يرون هذه المنظمات على خطأ، إلا أن المسألة بالنسبة لمزامير بني صهيون ليست "حماس" ولا "الإخوان"، المسألة لهؤلاء كما وضحتها "ليفني" بقولها: إن هؤلاء سفراء إسرائيل لدى العالم العربي، وهم أفضل من يوصل وجهة النظر الإسرائيلية إلى الشارع العربي. إذاً المسألة برمتها لا تعدو كونها تصهينا لاستفزاز مشاعر أكثر من مليار مسلم، وما حماس والإخوان بالنسبة لهم إلا أعذارا، أعذار إن لم توجد لتعذروا بحجارة أطفال غزة.
إنها كذلك مسألة أهداف وغايات، أن تنتشر روح الإنهزامية واللامبالاة في المسلمين، أن يصبح رغيف الخبز بالنسبة للمسلم أهم بدرجات من كل فلسطين.
إنهم ماضون إلى تحقيق أهدافهم، بل إنهم قد قطعوا شوطاً طويلاً إلى أهدافهم، وإننا نعيش بعض نجاحاتهم، فها نحن بعد أن كنا نبكي على مقتل طفل واحد في فلسطين "محمد الدرة" أصبحنا لا نتأثر حتى وإن حدثت مجزرة، ها نحن اليوم غير مبالين غير عابئين، وإن "اللا مبالين" دائماً يدخلـون مزبلة التاريخ مع الداخلين.
أريد أن أكتب عن هؤلاء، عن ضمائرهم، عن خططهم وأهدافهم، وكيف أن شعار مزامير بني صهيون اليوم: اليهود أبناء عمومتنا، سنشد على أزرهم ونشجعهم على قتل أخ لنا في غزة نِكالاً في حماس!. سيدون التاريخ هذا الشعار، وسيلعنهم التاريخ لهذا الشعار.
أريد أن أشتمهم أكثر، أن أكون عاطفياً أكثر، لكن ماذا أكتب وملامحهم تفضحهم؟ ماذا أوضح وضمائرهم أوضح؟ وها نحن نرى كيف تتضح ملامحهم أكثر كلما نزف دم طفل في فلسطين، وإن كان لإسرائيل حسنة فإن هذه هي حسنتها، أنها كلما خاضت معركة خسرت، وكلما خسرت معركة تعري ألف عربي.

0 التعليقات :

إرسال تعليق