خواطر "داعشية"

ذهب رمضان والناس فيه كانوا بين قارئ للقرآن، وساع لإفطار الصائمين، ومعتكف في مسجده، إلا أنني في رمضان هذا العام، وبلا قصد أو تخطيط، رحت أتابع المقاطع المنسوبة إلى "داعش" بشكل شبه يومي، حتى أصابتني البلادة تجاه مناظر الدم، وبدأت أعتقد أن كل هذا القتل للترفيه!.
لماذا الوحشية المفرطة في القتل؟، لماذا الإصرار على إبراز هذه الكمية من الجهل بالدين؟، لماذا العودة إلى مصطلحات قد اندثرت "الإمامة العظمى، الخلافة، الجزية"؟، أسئلة تقود في الأخير إلى أن الأمر كله فعلا ترفيه، لا لترفيه المشاهد البسيط، إنما لترفيه شياطين السياسة من بشار إلى إيران مرورا ببعض العلمانيين والمتأمركين، جميعهم فرحون مستبشرون بكل هذا القتل الداعشي.
إن "داعش" ليست أكثر من فقاعة وستنتهي قريبا، وحين تنتهي لن يهتم أحد بأمرها وأمر كل أفرادها وأمرائها، سواء قُتِلوا أو زُج بهم في غياهب السجون، لا أحد سيهتم، إلا أن الأثر الذي ستُخلِفه "داعش" هو الثمر الذي يتلهف الجميع إلى قطفه، وإنهم لقاطفوه كما قطفوه مرارا وتكرارا، فدائما ما إن تنتهي فقاعة إسلامية من عملها حتى تكون هنالك مبادئ شيطانية وأهداف سياسية والكثير من الاستبداد قد تحقق على أرض الواقع، أما الجماعة المنفدة فليس لها إلا خفي حنين والكثير من الشتم.
بشار الأسد وإعلامه وحسن نصرالله وإيران وبعض الساسة العرب، الكل كان يروج لفكرة أن حزب البعث يحارب الإرهاب في سورية، وحين لم يكن على أرض الواقع سوى شعب أعزل يُباد، ظهرت "داعش" لتُؤكِد على صحة ما قاله كل شيطان، أي إن مهمة "داعش" الرئيسة أن تُعيد الشرعية لكل من فقد شرعيته، ولهم في القتل مآرب أخرى.
كل ما سبق لا يحتاج إلى توضيح؛ لأنه واضح للجميع، فخدمة الشياطين كانت المهمة الرئيسة لأغلب الجماعات الإسلامية، إلا أن ما جعلني أندهش فعلا، هو حالة الاستغراب التي اعترت بعض الكُّتاب والمفكرين والمحللين السياسيين ورجال الدين، لماذا يستغرب كل هؤلاء من "داعش" وأخواتها "الميليشيات الشيعية والسنية"؟، هل كانوا يتوقعون مثلا ظهور جماعة إسلامية تقوم بتوزيع الورود والابتسامات على المسلمين؟
ماذا نتوقع ونيران المعارك بين أتباع المذاهب المختلفة لا تنطفئ؟، ماذا نتوقع وأتباع كل مذهب قد حولوا مبادئ وقيم مذهبهم إلى سجن يُزج فيه التابع من المهد، ويُمنع عنه حق الرفض وحرية الاختيار؟، ماذا نتوقع والشعائر في أغلب المذاهب حادة، إما أن تلتزم أو تُشوى في نار جهنم؟، ماذا نتوقع وكل جماعة تزعم أنها الفرقة الناجية والآخرين من الهالكين؟
إن "داعش" وأخواتها هي النتيجة المتوقعة والمنطقية لكل هذه الفوضى التي نعيشها، بل لو لم تظهر أي من هذه التنظيمات حينها يحق لنا أن نستغرب، فإسلام اليوم يعيش فوضى الانتماءات وصراعات دامية على القشور ومبالغة في الالتزام بالمظاهر، وفي مثل هذا الجو العاصف طبيعي أن يكون الفرد مهيأً للانقياد الأعمى خلف كل ناعق، ولو أضفنا إلى ما سبق الكثير من الجهل والبطالة والفساد، سيتضح بأن ها هنا حشودا مهيأة لأن تكون بيادق في كل صراع دموي.
بيادق من شباب المسلمين، فيهم الغني والفقير، فيهم الجاهل والمتعلم، يعنيني هنا وفي المقام الأول هؤلاء الشباب "البيادق"، كيف تحولهم تلك الجماعات إلى وحوش تقتل وتعذب بلا رحمة؟، كيف تجعلهم يجمعون بين كل الممارسات البشعة المقززة من قتل وصلب وخنق ونحر وبين صيحات التكبير وترديد آيات القرآن وأناشيد الجهاد؟، هل هؤلاء الشباب "أبناؤنا" يخبئون هذه السادية عميقا داخل جلودهم بينما هم معنا؟، أم إن تلك الجماعات تعرف كيف تبدل جلودهم وتقلبهم علينا؟
كيف يكون طريق أحدهم إلى الجنة مفروشا بالأحقاد؟، كيف يكون الطريق إلى نعيم لا يزول كله بغضاء؟، أدرك أن قادة "داعش" وأغلب هذه التنظيمات يُنفِذون أجندة الشياطين، لكن غالبية الشباب المنتمون لمثل هذه التنظيمات غايتهم الفوز بإحدى الحسنيين بكل سذاجة.
إنهم لم يُولدوا هكذا، لم تحولهم الظروف إلى وحوش، فكم جاهل لم يتطرف!، وكم عاطل عن العمل لم يكره الجميع! إن الإنسان يمتلك القدرة على إذابة كل الظروف الصعبة وتقبلها والعيش معها والتعلم منها، لكنها جرثومة تُصيب عقل البعض لتتركه عاجزا عن إذابة كل هذا الشتات الذي يعيشه.
الخلل فيهم، بأيديهم يحولون أنفسهم إلى وقود لمعارك لا ناقة لهم فيها ولا جمل، إنهم حين عجزوا عن الاستفادة من مرارة واقعهم، أعلنوا السخط عليه بالكامل، والسخط على الواقع دائما يأتي مصحوبا بشوق إلى واقع في عرف المجهول، واقع كله أمنيات، حيث العدل فيه مطلق، عدل مرهون بالخلافة، واقع حيث الخليفة فيه يفرض الجزية على باقي الأمم بكل كبرياء، واقع حيث يمارس فيه المسلم دور القاضي والجلاد في آن.
إنها جرثومة الفرار من حاضر سيئ إلى مستقبل أسوأ، إنهم يمنون أنفسهم بغد أجمل حسب الشروط، وهذا هو المدخل لتجنيدهم في تنظيمات مثل "داعش"، التي توهمهم بقدرتها على تحقيق ذلك المستقبل الجميل وإن كان الإسلام فيه مشوها غريبا.

0 التعليقات :

إرسال تعليق