جولة في سوق الفتاوي


قل .. لا تقل
حرام .. يجوز
توقف .. تمهل .. تحرك .. انعطف
انظر لكن لا تلتفت
احرص على أن لكن دون أن
لا تفعل إلا لضرورة ، لأن الضرورات تبيح لك أن تكون بهيمة
ومن باب سد الذرائع ، سيتم قطع الأكسجين عنك
---
إن طاعتنا واجبة ، و النظر إلينا عبادة ، والتقرب منا فيه مرضاة لله ، و مجالستنا كمجالسة الملائكة ، فنحن ورثة الأنبياء ، وحاملي راية الأمر الإلهي ، ونحن الذين لا ننطق عن الهوى
فأسمع بلا إعمال عقل ، لأن العقل يُورد صاحبه المهالك ، و من تمنطق فقد تزندق ، ولا تسألوا عن أشياءً نحن لم نًصرح بها ، ونحن لم نصرح لأننا نجهل لكن لا يجوز أن نعترف بأننا جهلة
قد أفنينا العُمر في طلب العلم والناس نيام ، وما كانت لنا غاية إلا هداية العوام

----------   ----------   ----------

لقد إمتلء السوق ، وطفح الكيل ، وفاحت رائحة التخلف ، والواقع الحاضر يئن وهو يستصرخ : يكفي غباء
علماء أجلاء ، أصحاب فضيلة ، مرشدين ، دعاة ، وُعّاظ ، ناصحين ، مُحتسبين ، مُفحط سابق ، تائب من إدمان الحشيش
محاضرات ، كُتب ، كُتيبات ، أشرطة ، برامج إذاعية و تلفزونية ، حسابات في الفيس بوك و تويتر وحتى في الواتساب ، و مقاطع في اليوتيوب والكييك
فتاوي .. فتاوي .. فتاوي .. نصائح .. إرشادات .. توجيهات .. أوامر
لحى ، و أثار سجود ، و ثياب فوق الكعبين ، و سواك ، وشماغ بلا عقال ، وكروش
صراخ ، قذفً للنساء بهدف التوجيه والإرشاد ، لغة مليئة بشتم المخالفين ، تكفير المعترضين ، إتهامً بالعمالة ، تخوين ، سجن ، حبس بلا محاكمة ، غرامات مالية ، إستقواء بالقانون .. كل هذا سيجده من يقول " لا " أو يقول " هذا رأيي  "

نحن هنا لا نتحدث عن رأي الشرع لأنه لم يعد للشرع رأي في الحاضر أساسً إلا إن كانت الفوضى من الشرع !! .. إنما أصبحنا نتحدث عن سوق له زبائنه التي تدر على تجاره ملايين الريالات ، و المقابل " ثرثرة " أن يدفع الإنسان فقط ليستمع لمن ينصحه بأن يعيش ميتاً ، فيموت مبتسماً لإعتقاده أن في موته حياً مرضاةً لله

----------   ----------   ----------

فتاوي طازجة ، أخرى معلبة ، ثالثة قيد التصنيع
فتاوي دسمة ، وأخرى قليلة الدسم ، وثالثة طويلة الأمد ، وبعضها غير قابلاً للهضم
من يستطيع أن يُنكِر أننا الدولة الوحيدة في هذا العالم التي لديها ( فقيه للدواجن )

في الأخير و حسب أخر إحصائية فإننا تصرف على تجارة السبح 40 مليون ريال سنوياً " فقط " ليستغفر الشعب ،  ويحق له أن يخسر هذا المبلغ ليستغفر ، فالدجل منتشر و الفساد قضى على الأخضر و الفتاوي أصبح حالها كحال الصحف الرسمية باهتة لا لون لها و لا رائحة
إن الناس لم تعد تطلب الفتاوي بحثاً عن الحلال و الحرام ، إنما تطلبها هرباً من مرارة الواقع ، المفارقة أنهم يهربون من مرارة الواقع فيصابون بإلتهاب في المرارة !
لم تعد الجنة هي المطلب هنا إنما النجاة من جحيم الواقع هو الغاية ، ولا يوجد سبب يدعوا إلى أن يُصاب المجتمع بـ "فوبيا" الأخرة إلا أن الواقع مزري ، وحينما يكون الواقع بهذا الشكل طبيعي أن يشتد الحرص على ضمان الجنة ! و هذا هو المدخل لسوق الفتاوي ، أن الشيوخ ينشطون في المكاره و تنشط تجارتهم أكثر عندما يكون الواقع زفت

كل صاحب لحية في هذا السوق شيخ ، و كل شيخ يُفتي ،  وكل من يُفتي فهو صاحب فضيلة حين تفضل على العامة بهدايتهم ، و كل صاحب فضيلة فهو بالضرورة عالم ، ثم هنالك خاصة الخاصة من العلماء و نخبة النخبة حيث قيمة الفتوى الواحدة قد تبني مجمع دراسي

بضاعة ترسم لنا حدود المسموح و الغير مسموح ، فيسير المسلم في إسلامه كأنه يسير على حبل رفيع يخاف دائمً أن يسقط فيهلك وليس تحته إلا السعير و الجنة محفوفة بالمكاره دائما

تجاراً يلعبون على طيبة الإنسان الفطرية و سجيته و إنسانيته المحبة للخير ، فيبدأون أولاً بتشويه طبيعته يأنها شريرة أقرب للمعصية ، فإذا ما اقتنع يُلوحون أمامه بحبل النجاة " الفتوى " ! .. الأمر لا يحتاج إلى مهارات عالية أو سِعة علم فيكفي أن يكون التاجر نصاب و أن يكون الزبون خائف

في السوق سماسرة بمسمى " طلبة عِلم " يحومون حول العالم يُروجون بضاعته و يُرغبون الناس فيها و ينفرونهم عن فتاوي الأخرين ، ولكل سِمسار نسبته ، ونسبته هنا إلتفاته من العالم وإشادة و توصية ، وبهذا سيرتقى السمسار إلى تاجر

على مدخل السوق لوحة عريضة كُتِب عليها ( لحوم العلماء مسمومة ) حتى إن شك الزبون في البضاعة جُلد ظهره  أمام العامة

جزءً في السوق للحيض و النفاس و الطلاق و الوفاق ، جزءً مخصص للإفتاء في المعاملات المالية ، جزءً يختص بالتطبيل لكل مسئول ، وفي الممرات الضيقة " شريطية " يفتون بلا تخصص .. أما في رمضان و الحج فالكل يترك بسطته ليًضيء تلك الممرات الضيقة ثم يُفتي فيما شاء بلا حسيب ولا رقيب

----------   ----------   ----------

نظرة على بضاعة السوق ،،

- إن الفتيات الصغيرات دون العاشرة ، جميلات ، مشتهات ، فلا يجوز أن نقول عن زواج القاصرات أنه لا يجوز
- من قدر له الله و كانت عينه كاشفه أي أنه يرى الجن و الشياطين ، فنقول لهذا لا تنظر إلى عورات الجن و الشياطين لأن النظر قد يهيج شهوتك
- إن للشاب الأمرد فتنة أعظم من فتنة الغانيات ، فلا يجوز النظر إليه وهذا هو الأحوط

يقول المتصل : يا شيخ زوجتي لبست قميص نوم أحمر شفاف لا يستر شيئاً ، ثم ولعت الشموع في غرفة النوم و تعطرت ، مع العلم أن جسدها لا تشوبه شائبه و لا تعيبه عائبة .. لكنها يا شيخ تطلب مني أن أبدأ بمداعبة و غزل و تقبيل و أنا إنسان لا يصبر ، فهل أطيعها أم أستعر ؟ .. آه على فكرة عمرها ثلاثة و عشرين و على فخدها اليمين شامة ، وهي تُشبه إلى حداً ما فتيات الإعلان !

- لا يجوز على الرجل الذي يعمل في كي الملابس أن يكوي بنطلون أو فستان المرأة ، لأنه قد يتخيل جسد صاحبة اللباس
- إن خلع الإنسان ملابسه فيجب عليه إما أن يطبقه ثم يضعه في الخزانة أو أن يكويه و يعلقه ثم يغلق الخزانة ، لأنه ثبت عن النبي أن الملابس الملقاة على الأرض يلبسها الشيطان !
- يجوز اكل الكلاب والفراشات والقرود و الأفاعي ، وليس عند مالِكٍ ما يُعاب أكل الحية و الكلاب
- عند الجماع يجب ذكر الله ، لأن من جامع زوجته دون أن يذكر الله فالشيطان سيجامعها معه !


نحن في سوق للفتوى ، طبيعي إذاً أن لا يخطو الإنسان خطوة واحدة قبل أن يستفتي ، وسيستفتي حتى في ما يخدش شرفه !
ولا هدف للإنسان هنا إلا أن يكون واثقاً تمامً أنه لا يُخطيء ، المفارقة أن المجتمع كله ينحدر بينما الفرد فينا يعتقد أنه يرتقي

ولا حل إلا بفتوى تُحرم الفتوى ، فتوى مصدرها القلب ، أن يستفتي المرء قلبه بعدم جواز الإستماع لأي فتوى ، فأرباح تـُجار الفتاوي مصدرها غباء الزبون








الله يشيلكم