الفوضى ستؤدي إلى فوضى


لو نحتنا للعنف تمثالاً فسننحته كجباراً عملاقاً بملامح كلها عنفوان ، لكن ماذا عن الذين سيطوفون حوله؟
من الذي سيطوف حوله إلا الضعيف الذي يُريد أن يُعوض عن ضعفه باللجوء إلى العنف .. سيطوف وسيُبهره العنف لدرجة تُنسيه ضعفه إلى أن يعتقد أنه قوي فعلاً!
ثم من الذي سيشعر بالضعف إلا الخائف! .. فإن كل أشكال العنف تبدأ و تنتهي بالخوف ، الخوف من الأخر ، الخوف على المستقبل ، الخوف من التفكير .... إلخ
هكذا هي ملامح المعادلة : أن الخوف سيولد ضعفً ، و أن الضعف سيولد عنفً ، و سيختفي المنطق و تتلاشى الحكمة و تتشوه ملامح إنسانية الضعيف .. لأن الضعف في الإنسان ليس طبعاً فيه إنما طبعاً يجبر عليه نتيجة لإنعدام الأمان
حينها سيكون اللجؤ إلى العنف ليس خيار إنما دليلاً على إنعدام كل الخيارات . 

----------

إن العنف بجميع أشكاله هو أحد الصفات الإنسانية الأصيلة كالحب و الطمع ، لكنها صِفة مكبوتة مدفونة في أعماق الإنسان ولا يلجأ إليها إلا في حالات الخوف .
الحاكم عندما يستبد فهو يُخبيء خوفه من الشعب عبر ممارسة العنف عليهم .. رب الأسرة الذي يلجأ إلى العنف هو أيضاً يخاف أن يظهر بمظهر الحنون .. المدرس الذي يمارس البطش يخاف أن يُفتضح جهله فيستره بالعنف ... وهكذا

ولأن العُنف أحد أسواء الصفات البشرية فقد اخترعت البشرية و أوجدت " القانون " ، كمحاولة لأن تُلجِم ميلها القهري إلى العنف لتحد من أثاره سواءً على الفرد أو على المجتمع .. فلا يحق للمدرس أن يضرب الطلبة ، و لا يحق للأب أن يُعنِف أبنائه ، ولا يحق للحاكم أن يستبد بشعبه ، كل تلك الحدود " قانونياً "
بل حتى عند ممارسة الإنسان لحق من حقوقه وهو حق الدفاع عن النفس أو العرض أو الأرض، نجد القانون الإسلامي واضح { ولا تعتدوا إن الله لا يحيب المعتدين }

بعد كل هذا يحق لنا أن نتسائل : لماذا المجتمع بات يلجأ إلى العنف ؟ .. لماذا المجتمع يتخذ من العنف وسيلة؟
الجواب واضح: لإنعدام الوسائل الأخرى أمام الجميع فيلجأ المجتمع إلى حل قضاياه بالعنف .
والأسئلة كثيرة ولا تنتهي حول العنف ، أسئلة ليس لها إلا جواب واحد : أن المجتمع يشعر بالضعف وهذه حقيقة ، وأن ضعفه ناتجً عن خوف وتلك حقيقة أمر ، وأن خوفه ناتجً عن غِياب القانون الصارم العادل الذي يسري على الجميع بعدل فيضمن به المواطن إسترداد حقه و إن كان الخصم هو القاضي أو الأمير .
ومن دلالات غياب القانون تمامً و أنه لا يُطبق إلا على المواطن : المماطلات التي تتصف بها القضايا في المحاكم ، حماية أفراداً في المجتمع من المحاسبة ، منع المواطن أن يعترض على العلماء أو الوزراء أو الأمراء ، سرقة الأراضي ، تلاعب التجار بالأسعار ... إلخ
أشياء تجعل المواطن يعيش في خوف .. خوف من المستقبل ، خوف من النظام ، خوف من إبداء الرأي ، خوف من أقرانه .. يخاف أن يستمر هذا الحال إلى الغد ، يخاف أن يقول برأي فيعاقبه النظام حماية لأصحاب الفضيلة ، يخاف أن  يرفع قضية على مسئول إستولى على حقه فيُجرمه القضاء .
وكيف لا يخاف و هو يرى الفساد في الوطن أصبح هو الذي يُلجِم القانون و يُلزِمه بالتغاضي عنه ؟ كيف و الفاسد أصبح هو المسيطر و هو صاحب الحق وإن أجرم ؟
حينها و بسبب إنعدام كل الخيارات سيبرز العنف كخياراً طبيعي في نظر الخائف ، فماذا إن كان المجتمع كله خائف ؟! ، بل خيار العنف سيكون هو القانون عند غياب القانون !

----------

من المؤسف حقاً أن المواطن وأينما نظر و في كل إتجاه لا يجد إلا الفوضى ، قد أصبحت المعادلة عليه جداً صعبة بل مستحيلة الحل ، فالظُلم بين و القانون ظالم و المسئول فاسد و الفاسد يُرفه و الساقط في عينيه يرفعه النظام لأعلى المراتب .
هنا سيكون المواطن عنيفاً جداً ليضمن أن يعيش في غابة كلها ضِباع .

الخلاصة أن العنف من جانب المجتمع هو النتيجة المقابلة للفساد من جانب النظام .. وإن المزيد من تكميم الأفواه ستؤدي إلى المزيد من الإحساس بالخوف وسيتبدل الخوف إلى ضعف ثم سيُستبدل الحرف بالعنف فضبابية ملامح المستقبل شيئاً مـُخيف .

----------

ثم بّين الشيخ الكريم أن أسباب العنف متعددة ، منها :
سوء الأخلاق .. عدم الصبر .. عدم كظم الغيظ .. عدم التمسك بالدين .. سؤ التربية !
يا فضيلة الشيخ الكريم : إن الناس ساءت أخلاقها لسؤ أخلاق المسئول ، و لإنتشار الفساد ، و لغياب الأمل في تطبيع العدل .
ولم يعد الصبر مفتاحً للفرج ، فقد صبر الجميع حتى جاعوا ، و الإنسان يصبر على كل شيء إلا الجوع !
و الدين لم يعد حلاً بعد أن إستلم زمام أمره ثُلة من المتنفعين
أما عن سؤ التربية فكيف سينظر الأب إلى نفسه و هو يعلم أنه سيموت في إيجار ، و كيف ستنظر الزوجة إلى بعلها وهي تراه عاجزاً عن توفير حياة كريمة لها ، وكيف سيتعامل الأبناء مع والديهم و هم عاطلون ؟

التعليم سيء ، الصحة تُمرض ، القضاء يُماطِل ، الأراضي تشح والشبوك تتسع ، الأسعار ترتفع و الرواتب تقل
ثم يأتي من يقول : عليكم بالصبر و السلوان .. كعبارة تُردد حتى أصبحت دليل نفاق قائلها

0 التعليقات :

إرسال تعليق