صراع الأغبياء


( 1 ) الحديقة ،،

البعض يدري و البعض الأخر لا يدري .. من لا يدري فقد إرتاح ، أما من يدري فسنواجهه بسؤال " هل بنيت درايتك عن عـِلم ؟ أم فقط لأنهم قالوا لك هكذا يجب أن تدري فدريت ؟!
البعض يرى زوبعة أو دوامة ( مُفتعلة ) فيدخل إليها بقدميه ، نسأله لماذا دخلت إليها ؟ يُجيب " لا أدري .. مع الخيل يا شقرا " .. وهنالك أخرين يدخلون إلى الأعاصير بحثاً عن مصالحهم و لغايات في أنفسهم ، ليتكسبوا شخصياً أو يشفون غِلهم في خصومهم .
إيش الموضوع .. مدري !
فيه ناس تعتقد إنها لازم تنتمي إلى جهة محددة ، وفيه ناس ما تعتقد بوجوب إنتمائها إلى جهة محددة!
أسأل الشخص الذي لا يعتقد بوجوب الإنتماء ( لماذا لا تريد الإنتماء ؟ ) فيُجيب بسؤال أخر
- ما نظرتك للإسلام ؟
سأجيب فوراً وبلا تردد : إنه دينٌ عظيم
فيسألني بعدها : إذاًً لماذا تسأل من الأساس ؟ .. فإن كان الإسلام ديناً عظيماً فعلام التخندق في هذه الحفر التي أنشأناها ؟
فبُهت الذي سأل أول مرة .
لا يا سيدي ليس هذا وقت الـفهيان ، جاوب على السؤال !
فأجيب : إن عظمة الإسلام في تنوعه ، و من معالم تنوع الإسلام كثرة المذاهب و المعتقدات التي على كثرتها لم تخرج عن عبائة الإسلام .
ليأتي رده : جميل جداً ، إن تنوع المذاهب و المعتقدات في الإسلام دليل حيويته ، لكن هل تعتقد أنت بوجوب الإنتماء إلى هذه المسميات أم يكفيك مجرد الإطلاع عليها من باب الإستفادة ؟
لا إن الإنتماء ليس واجباً لكنه من الضروريات ، ذلك حتى يُحدد الإنسان موقفه بوضوح ، هل هو سني أم شيعي ، حنبلي أم مالكي ، سلفي أم صوفي
يا سيدي إن إنتمائك إلى هذا و ذاك دليل على أن الإسلام ليس هو ذلك الدين العظيم
كيف .. لم أفهم !
أنت عندما تدخل حديقة من الزهور فهل الأجمل أن تستنشق من كل الزهور أم تظل عند زهرة واحدة عاكفاً؟
بل إن دخلت تلك الحديقة ستـُبهرني بكل ما تحتويه من زهور رغم هذا فإني أميل إلى الياسمين أكثر
حسناً ، هل إعجابك بالياسمين يعني أن باقي الزهور لا رائحة فيها مثلاً ؟
لا طبعاً
إذاً بأي منطق نـُبرر لأنفسنا الإنتماء للحنبلية أو الشافعية ، للسنة أو الشيعة ، للسلفية أو الصوفية ؟، ثم نُكفر من لا يكون إنتمائه كإنتمانا ! .. إن من حق كل مسلم أن يُعجب بهذا أو ذاك ، سواء كان معتقداً أم مذهب ، لكن ليس من حقه أن يُكفر بقية الإتجاهات ويقطف باقي الزهور .
أتدري لماذا نكره من لا ينتمي إلى معتقدنا ؟، الجواب الذي لا نريد الإعتراف به هو أننا ننتمي بكليتنا إلى ما نعتقده و نظل له عاكفين ولا نخرج عن عبائته أبداً و إن إتضح أن فيه خللاً ، ومن هنا ينشاء التعصب ، و التعصب و التحزب يُحققان للمرء الكثير من المكاسب ، ومع الوقت يستخسر الإنسان الإعتراف بأحقية الأخرين بمشاركته الحياة ليس كرهاً فيهم إنما كرهاً في أن يخسر ما تكسبه بالباطل .. هنا يأتي تكفير المخالفين ليس لأنهم مخالفين إنما لتشتيت الأتباع عن الحق أولاً و تشتيتهم عن الباطل بين يدي من يُكفِر !
وإلا فليس من الكفر أن تقراء كتب الشيعة و أنت على المذهب السني ، ليس من الأثام أن تأخذ من الحنابلة كما تأخذ من الشافعية ، ليس عيباً أن تستفيد من السلفية و من المتصوفة .. خذ ما تراه جميلاً من كل إتجاه و أترك القـُبح على قارعة الطريق .

----------   ----------   ----------

( 2 ) الفرقة الناجية ،،

إن ما نعيشه اليوم من صراع سلفي ليبرالي " كمثال " هو خير دليل على الضرر الذي يأتي من تلك الإنتمائات العمياء ، إنتماء الجماعات خلف هذه المعتقدات أو الأراء أو الأفكار التي إقتبست من الإسلام ، أو التي  أتت من الغرب ثم تأسلمت .
مع الإنتباه أن " أسلمة الليبرالية " لا تعني أن الليبرالية من الإسلام أو أنه من الممكن أن ترتدي رداء الإسلام ، إنما تعني أن الإسلام يُشجع على كل فِكر و نظرية و فلسفة لا تهدم حياة المجتمع .. لأن الإسلام ليس عادات جافة صلبة لا تلين إنما هو شرع حياة .
إذاً من الجميل أن نجد كل هذا التنوع المنبثق من الإسلام و الأجمل أن نستورد أفكاراً و معتقدات من الأخرين ثم نُدخلها تحت رداء الإسلام ، لأننا بهذا سنعي و نُدرك مدى جمالية الإسلام ، بهذا سيسير الإسلام في كل الإتجاهات دون أن يفقد رونقه .
لكن ما نعيشه اليوم هو صورة مشوهة أو فوضى و تيه و تخبط { كل حزب بما لديهم فرحون } !
في حديث النبي -صلى الله عليه و سلم- [ .... والذي نفس محمد بيده ، لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ؛ فواحدة في الجنة ، واثنتان وسبعون في النار ] .
فمن هي هذه الفئة " الفرقة " الناجية ؟
إن قلنا هم الشيعة أو السنة فهذا لا يصح لأن كلا الإتجاهين "السنة و الشيعة " ينقسم الواحد فيهم إلى عدة فروعاً أخرى .. إن قلنا كمثال أنهم فقط الحنابلة التي تتفرع عن السنة فهذا أيضاً لا يصح لأن الحنبلية تنقسم إلى فروع هي الأخرى ، ثم فروع ، ثم فروع .. هكذا سنجد عشرات الفروع و الإنقسامات ، و كل فرعاً يدعي أنه وحده الفرقة الناجية ، حتى أصبح لكل فرع أنبياءه وجلاديه ! .. كل هذا يدخل ضمن دائرة قوله تعالى { كل حزب بما لديهم فرحون }
فمن هي الفرقة الناجية ؟
هي الفرقة التي لا تنتمي ( إلا ) إلى الإسلام .. الفرقة التي لا تعتقد بأن الإنتماء للتقسيمات واجباً عليها إنما تطلع على ما في تلك التقسيمات لتتثقف ثم تأخذ الخير من كل إتجاه وتقتدي به ، و تترك ما يتضح أنه شر على قارعة الطريق .
هي الفرقة التي يقول الله تعالى عنها { والذين أمنوا و عملوا الصالحات و أمنوا بما نـُزل على محمد وهو الحق من ربهم كـَفرعنهم سيئاتهم و أصلح بالهم }
فما هو الذي نزل على محمد -عليه الصلاة و السلام- ؟ .
إن ما نزل على خير البرية هو الحديقة كلها بكل ما تحتويه من أزهار .
إدعاء أن زهرة واحدة تًمثل كامل الحديقة " غباء " ، كذلك القول بأن هذه الطائفة تحديداً أو ذلك المعتقد على وجه الخصوص وحده الفرقة الناجية معناه أن ليس كل ما نزل على محمد حق !

هل الليبرالية إذاً من تلك الطوائف ؟
من الغباء أن يأتي الجواب بـ نعم ، لكن الفرقة الناجية لا يهمهما المُسمى لذلك لن تجد حرجاً من إستخراج الحق حتى من معتقدات الأخرين ، لتعود بالفائدة على الفرد و المجتمع الإسلامي في الأخير .. كما فعل " عمر الفاروق " رضي الله عنه حين قرب إليه كِبار الفرس و وزرائهم فقط ليستخرج منهم الأفكار التي قد تفيد المجتمع المسلم .
أم أننا اليوم أكثر إسلامً من عمر !

إنتهى التوضيح .

----------   ----------   ----------

( 3 ) قيمة الإنسان ،،

الأن لو طبقنا قوله تعالى { كل حزب بما لديهم فرحون } على أرض الواقع .. سنجد أن الكل في الواقع فرِحً بما لديه ، رغم أن الواقع ليس فيه إلا غثاء كغثاء السيل !
إن الإنسان الفرد هو الذي من أجله قامت كل المسألة ( مسألة الإسلام و التشريعات والقوانين ) الله لم يبعث نبيً ولم يُرسِل رسولاً إلا من أجل هذا الإنسان الفرد ، حتى الإسلام لم يأتي لبناء دولة أو صناعة جيش أو دعم حزب إنما جاء أساساً لتوفير الحياة الكريمة للإنسان الفرد .. حياة لا عبودية فيها ولا ذل
ولا تدع أحداً يُخبرك بغير هذا ، بأن محمداً جاء ليشجع على التفريق أو لإضطهاد الإنسان !
ثم يأتي أمر تلك التقسيمات الإسلامية  " المذاهب و الطوائف " بما فيها من أفكاراً و أراء متنوعة وأحياناً متضاربة ، لغاية واحدة هي أن لا يعتقد الإنسان بأن الإسلام لا يراعي إختلافات البشر .. غير أن الواقع يقول غير هذا لأن { كل حزب بما لديهم فرحون } لذلك أصبحت مصالح الحزب و مكتسباته أهم و أولى من إنسانية الإنسان كفرد ، بل و قد أصبح الإنسان بكل قضاياه أخر هموم كل حزب !

إن كل حزب لأنه فرِحً بما لديه فهو يُزمجر في وجه الحزب المخالف إعتقاداً أن ذلك المخالف يُريد أن يأخذ منه " يشاركه إقتسام الكيكة .. كيكة تجارة الدين " ، من هنا يُسارع كل حزب إلى نزع ما لدى الأخر " بالقوة ، بالمكر ، بالخداع ، بالشتم ، بالتكفير .... إلخ من الأساليب القذرة " وفي الأخير من الطبيعي أن تتوه كل الأحزاب عن الحق تماماً ، و الحق هنا هو الإنسان .
وكنتيجة لهذا الصراع على المكاسب ، لم يعد الإنسان الفرد " المواطن " .. لم يعد يهتم بجميع الأحزاب من حوله ، لأن كل الأحزاب لم تُطعِمه حتى الأن خُبزاً أو أن تكسيه .. وهو يعلم أن كل الأحزاب من حوله مشغولة عن قضيته بتحقيق مصالحها حتى لم يعد له وجود إلا إن كان تابعً لأحد الأحزاب !

----------   ----------   ----------

( 4 ) المنطق ،،

( حمزة كشغري ، رائف بدوي ، تركي الحمد ... ) و على الجانب الأخر ( العريفي ، الأحمد ، العمر ... )
وغير هؤلاء كثيرون في حلبة هذا الصراع يُعتبرون من الناحية الجسدية " ذوات " لكن كل حزب ينظر لمن يننمي للحزب الأخر أنهم " أدوات "
بمعنى أخر لو أخذنا قضية " حمزة كشغري " التي حدثت بالأمس ودرسنا ردة الفعل الشديدة تجاهه من الحزب السلفي سنستنتج فوراً أن القضية ليست ضد شخص " حمزة كشغري " لأنه بمجرد أن فعل ما يُعتقد أنه خطأ في نظر السلفيين تحول من ذات إلى أداة تُستخدم لطعن الحزب الأخر .
يُمكن القول أن سجن حمزة كشغري ليس إنتصاراً للحق أو غيرة على الإسلام ، إنما كل ما في الأمر أن السلفية رأت فيما ارتكبه فرصة لتحقيق مصلحة خاصة ، فأستغلت تلك الفرصة على أكمل وجه
لأنه كما قلت سابقاً : عندما يفرح كل حزب بما لديه ، تتحول قيمة الإنسان الفرد إلى مجرد أداة ، لا ضير من سحق إنسانيته ، فالغاية الأسمى هي مصلحة كل حزب !
و نفس الأمر يتكرر بالنسبة لشخص " العريفي " الذي تحول إلى أداة في يد الحزب الليبرالي ولنفس الهدف ، وما أكثر ما تحول العريفي إلى أداة !

المؤلم هنا أن ما بين هذا الحزب و ذاك ما يزال المواطن الفرد ( جائعاً ، مديوناً ، بلا سكن ، بلا حرية ، بلا صوت ، بلا كرامة ... ) لماذا ؟ لأن { كل حزب بما لديهم فرحون } لأن فرحتهم تلك أشغلتهم تمامً عن القضية الأساسية و العنصر الأهم " الإنسان الفرد " .. بحث كل حزب عن تحقيق مكتسبات خاصة دائماً يأتي على حساب حقوق المواطن و مطالبه و على إنسانيته ، ومتى ما سُحِق المواطن سينهار الوطن وإن ظلت الحدود .
و اليوم قد آمن المواطن بأن السلفية لن تـُطعمه كِسرة خُبز، و أن الليبرالية لن تهديه كساءاً يقيه برد الصيف ! .. وما زال المواطن يتسائل : متى كانت قضيتي عقدية ؟ وها أنا أجد أبواب جميع المساجد مُشرعة ! .. متى كانت قضيتي فِكرية و هاهي أبواب المحاضرات و الندوات مفتوحة على مصراعيها ! ، أنا إن أردت أن أصلي فلن يمنعني أحد و إن أردت أن لا أصلي لن يمنعني أحد أيضاً
صحيح أن هنالك حقوقاً صحيحة للمواطن يرفعها كلا الحزبين كشعارات تـُطالب بها ، لكنها حقوقاً ثانوية ، فالمواطن يُريد أولاً أن يسد جوعه و أن يتملك بيتاً أو تُخفض قيمة الإيجار، وعلى الحزبين أن يـُطالبا أولاً بحقوق المواطن الأساسية تلك فإذا ما توفرت يحق لهم حينها أن يتفرغا للقضايا الثانوية .
منطقياً لن يستمع الجائع إلى من يبين له فضائل الصلاة بينما هو يحتاج لكسرة خبز !
منطقياًً الإنسان الفقير يستطيع أن يُفكِر في الظلام لكنه لن يشبع في الظلام !
منطقياً كذلك لن تلتفت المرأة لمن يُحدثها عن " قيادة السيارة" بينما هي تُعنف في المنزل و تضطهد في الشارع .. أولاً أنقدوها من براثن العنف ثم أهدوها سيارة !
منطقياً .. مسألة تكفير كشغري أو إعلان إلحاده فهذه قضية لن تسد جوع المواطن !
منطقياً عملية التشفي بالعريفي لن تـُوفر للمواطن وظيفة يحفظ بها ماء وجهه !
لكن يبدوا أن لا شيء في هذا الوطن أصبح منطقي ، لأن كل الأحزاب إستبدلت المنطق بالمصلحة الخاصة .. ربما الشيء الوحيد المنطقي في كل هذه الفوضى أن هذا الصراع على الغثاء منطقياً سيُؤدي إلى تساقط الرموز في كل الأطراف و هذا شيء جميل بل و يدعوا إلى البهجة بالنسبة لي كمواطن لم تعد له قيمة .. أن تتساقط الرموز أمامي ويتعرى الجميع فهذا سيجعلني منطقياً ألعنهم في سري ثم أبتهج فرحاً أنهم ساقطون !

إن مسألة سقوط الرموز تعني " منطقياً " أن كل الأحزاب تأكل بعضها البعض ولن ينتهوا من هذا النهش حتى ينتهوا و يتلاشوا ، حينها سيتفرغ المواطن لقضاياه بعيداً عن الشوشرة .

----------   ----------   ----------

( 6 ) جيفارا ،،

الحِكمة ضالة المؤمن .. أن ندرس سيرة " جيفارا " ونستلهم منها الحكمة فهذا هو المطلوب ، ولا يعني هذا بأن ثراثنا لا يوجد به مُؤثرون .
هنا يحق لنا أن نسأل أنفسنا : لماذا جيفارا مازال يُؤثر و يُعلـِم و يُقتدى به في كل العالم ؟
ولا يوجد جواب أكثر وضوحاً من قضية جيفارا نفسه ، فقضيته الأولى و الأخيرة كانت ( الإنسان الفرد ) حقوقه و رزقه و حريته .
لقد إهتم جيفارا بالعنصر الأهم ، العنصر الذي إهتمت به كل الأديان وطافت حوله كل المعتقدات .. فخُلد جيفارا إلى اليوم كمناضل و مطالب و مدافع عن حقوق الإنسان ، ولا سبب أخر في جيفارا يدعوا إلى تخليد ذكراه .
وهذه هي المعادلة التي من يفهمها ستحترمه الإنسانية ، أن مادة الإنسانية الأولى هي الإنسان الفرد هو أقدس المقدسات ، لذلك من يهتم بالإنسان ستُخلده الإنسانية .
ثم قال جيفارا من ضمن ما قال : ماذا يفيد المجتمع إذا ربح الأموال وخسر الانسان ؟