ضمائر أبرد من هذا الشتاء

جلس "أبو الحسن الأشعري" بين تلاميذه يشرح لهم الآيات ويفسرها، وقبل أن ينتهي أخذ يتلفت حوله فلم يجد القرآن الذي كان بين يديه! نظر إلى تلامذته فوجدهم بين تقي مستغفر وخاشع متعبِد، كانت الدموع الغزيرة تبلل لحاهم من شدة الورع، فتعجب وراح يتساءل: كلكم يبكي، فمن سرق المصحف؟! وسؤال "أبو الحسن الأشعري" بات مع الوقت مثلا يضرب للدلالة على النفاق والزيف والخداع، للدلالة على أن ارتداء قناع الفضيلة لن يخفي الحقيقة الشيطانية، للدلالة على أن براءة الوجه وعلامات...

لصوص الزمن الجميل

يُحكى أن رجُلاً صالحا لم يتأخر عن صلاة الجماعة طِيلة خمسين عاما، وعلى مدى الخمسين عاما لم يكن يحضر إلى المسجد إلا وهو حافي القدمين! كان الرجل الصالح يُبرر هذا التصرف بحادثة وقعت له، حيث حضر للصلاة ذات يوم وهو ينتعل حِذاءه وحين خرج اكتشف أنه قد سُرِق، فأقسم من يومها ألا يرتدي الحذاء أبداً حتى لا يكون طرفاً في ذنبٍ يكتبه الله على أحدهم. تعالوا إذن، لنقرأ واقعنا بمنطق هذا الرجل الصالح، تُرى ما الذي سنستغني عنه حتى لا يجد اللصوص ما يسرقونه؟ الجواب:...

المسلم وفوضى الانتماءات

أنت سلفي أم إخواني؟ شيعي أم سني؟ إباضي أم زيدي أم يزيدي؟.. هل أنت على المذهب الحنبلي أم الشافعي أم المالكي؟ أو ربما تكون جعفرياًّ، أم هل أنت صوفي؟ ليتك تُحدِد بالضبط انتماءك قبل أن تطرح أفكارك، فالسائل يا سيدي لا يسأل ليعرف من أنت، وإلى أين تنتمي، إنما يسأل ليحدد بالضبط أين سيوجه شتائمه، فهو لا يريد بعد الآن أن يخطئ الهدف أثناء الشتم، فالأحداث من حولنا لم تعد تحتمل أي أخطاء، لذلك إن لم تكن معي وتؤمن بما آمنت به فأنت حتما إلى الجحيم أقرب، أنت...

استثمار البؤس إعلاميا !

ابنتي البالغة من العمر عشرين عاما صماء بكماء. وأخوها الذي يكبرها بخمس سنين مصاب بالشلل التام. أما أكبر أبنائي فقد بلغ الخامسة والثلاثين وهو مدمن عاطل وفيه سفه. كل هذه الظروف جعلت من زوجتي إنسانة مضطربة نفسيا لا يعول عليها. وأنا قد هرمت، بالكاد أقوى على الوقوف!.. وقبل أن ينتهي المحتاج من سرد قصته، مال المصور إلى الإعلامي بجانبه وقال: أعتقد أن هنالك شيئا ناقصا في القصة؟ فرد الإعلامي: الشيء الذي ينقص المشهد هو أن منظر هذا المحتاج...

عواء الذئاب البشرية

آهٍ من هذه المرأة، مشيها إِغراء، وضحكها إغواء، وغنجها يذل أعزة، فكم من فارس مقدام وقع أسير عينيها، وكيف بِشاب "هلفوت" في حاضر بائس أن ينجو من حبائلها؟ هذه هي صورة المرأة في عقلية المجتمع الذكوري، إنها فتنة متيقظة كأفعى تتربص لتلدغ سما يذهب العقول، وإن أراد المجتمع أن يخفف من نظرته إليها سيراها باب إبليس إلى الرجل المسكين الذي لا يملك حيلة تجنبه فتنتها مهما كان قويا. ثقافتنا ملبدة بالأفكار التي تصف المرأة بأنها كل شيء إلا أن تكون...

مجتمع المرحلة المتوسطة !

الآن وبعد انقضاء عشرين عاما على التخرج من المرحلة المتوسطة، هاهي الذاكرة تعود بي إلى تلك المرحلة بكل فوضويتها وانفعالاتها وما فيها من اكتئاب وحاجة إلى التمرد وبحث عن الاستقلابية والكثير جدا من الغضب غير المبرر دائما. أعود بالذاكرة إلى تلك المرحلة فيتملكني شعور بالشفقة على المعلمين، لأنهم بخلاف معلمي المراحل الأخرى، كانوا يعلّمون ويربون ويوجهون ويشرفون ويراعون ويواسون ثم لا يجدون إلا السخط والغضب والكره، وأحيانا يتطور الأمر إلى مواجهتهم...

إعجاز بلا إنجاز

مُوجد هذا القرآن هو خالق الوجود، فلا عَجب إذاً أن يطابق القرآن ما في الوجود!، والإنسان جزء من هذا الوجود قد خصه الله بتوجيه الخطاب القرآني له ثم حبَاه بالقدرة على قراءة الوجود، ولأن الإنسان كفور قد جاءه التحدي الإلهي بأن يأتي بمثل هذا القرآن أو جزءا منه، فقَبّل الإنسان التحدي وراح يحاول ولا يزال حتى الساعة متأملاً أن يوجد الثغرات التي يَلج منها لإبطال القرآن، فباءت كل المحاولات بالفشل وستبوء في الغد، ولن يتعلم الإنسان من كل هذا الفشل المتعاقب...

القانون والمغفلون!

تتضاءل المدينة شيئاً فشيئاً تحت أقدام المسافر، فينظر إليها قبل أن تتقزم وتختفي عن ناظريه تحت السحاب ليفاجأ بأن مدينته أصبحت بحجم علبة سردين، الزحام الخانق فيها لم يخلق أُلفة ومودة بين المتزاحمين، لأن هنالك مفهوما درج في مجتمعه العربي أن القانون لا ولن يحمي المغفلين، مما حدا بالأفراد أن يكون همسهم ريِبة وتبادلهم للنظرات احترازاً ولغتهم مشبعة بالاستظراف المصطَنع، ومشاعرهم مجرد وسيلة تنتهي بتحقيق مصلحة، كل هذا حتى لا يوصف أحدهم بالمغفل فيتجاهله...

حادثة الهيئة والجدل الاجتماعي

قضية وفاة الشابين في اليوم الوطني بسبب مطاردة رجال الهيئة لن أتناولها في المقام الأول هنا، لأن ما لفت نظري أكثر هو الجدل الاجتماعي الذي دار حول القضية، هذا الجدل يعتبر قضية أخرى بحد ذاتها، فالبعض أخذ يدافع عن الهيئة وفي طريقه راح يوزِع التهم على الطرف الآخر تارة بالنفاق وتارة بالفسوق وأخرى بكره الدين وأهله، ولم تتبق تهمة إلا وألقيت على من ينتقد الهيئة! وفي المقابل راح الطرف الآخر يصف الهيئة وكل من يقف في صفها بأوصاف كارثية بمعنى الكلمة، من يتتبع...