المسلم وفوضى الانتماءات

أنت سلفي أم إخواني؟ شيعي أم سني؟ إباضي أم زيدي أم يزيدي؟.. هل أنت على المذهب الحنبلي أم الشافعي أم المالكي؟ أو ربما تكون جعفرياًّ، أم هل أنت صوفي؟

ليتك تُحدِد بالضبط انتماءك قبل أن تطرح أفكارك، فالسائل يا سيدي لا يسأل ليعرف من أنت، وإلى أين تنتمي، إنما يسأل ليحدد بالضبط أين سيوجه شتائمه، فهو لا يريد بعد الآن أن يخطئ الهدف أثناء الشتم، فالأحداث من حولنا لم تعد تحتمل أي أخطاء، لذلك إن لم تكن معي وتؤمن بما آمنت به فأنت حتما إلى الجحيم أقرب، أنت حتما تسعى للإسراع في الخراب أكثر.

من أنت! لا أريد في الحقيقة أن أعرفك .. لكنني أريد أن أعرف كيف أشتمك وأنتقص منك وأهدم كل معتقدك.

أبدا لا يهم من أنت !

إن هذا النهج الذي تزدحم به عقلية المسلم لم يكن ليكون لو لم نصب في البدء بفوبيا الانتماءات، نخاف أن لا ننتمي فنكون أضعف، رغم أننا بالانتماءات أضعف! فكل انتماء لا يتحقق إلا على حساب إسلامنا، ألا نرى كيف أنه لم يعد يكفي أن يكون المرء فينا إنسانا مسلما فقط! أصبح المسلم لا يستطيع أن يصرح بإسلامه فقط دون أن يتبعه بطائفة، وبعد تحديد الطائفة عليه أن يُحدِد المذهب المُتفرِع عن تلك الطائفة، ولا يكفي هذا لأن عليه أيضا أن يحدد انتماءه لأحد الفروع المتفرعة عن المذهب الذي يتبِعه، ثم يحدد إلى أي تنظيم أو تنظير أو إمام أو شيخ ينتمي! إننا نمزِق إنسانيتنا ثم إسلامنا إلى آلاف الأجزاء المتناثرة، ثم نأخذ كل جزء وننصبه دينا مستقلا بذاته، له أئمته وأعلامه وأدبياته، ثم نكفر ونشتم ونلعن من لا يتبِع هذا الجزء المُمزق عن الإسلام! فأي فوضى نعيشها؟
 


هذا لا يعني أن تلك التفرعات والتنوعات الهائلة عن الإسلام خلل، بل هي من أهم الدلالات التي نستشف من خلالها كيف أن هذا الإسلام حيوي مرن ملائم جدا لكل التنوعات الإنسانية، فالتفرعات والتنوعات التي نتجت عن الإسلام تحاكي تلك التفرعات والتنوعات النظرية والفلسفية والفكرية التي أنتجتها البشرية، وهذا دليل على مدى تأقلم الإسلام مع كل زمان ومكان وكل فِكر واتجاه وفلسفة، وستنشأ في المستقبل مزيد من التفرعات والتنوعات عن الإسلام ولن يتوقف الأمر حتى تتوقف الإنسانية عن التأقلم مع الحياة، ولن تتوقف الإنسانية عن التأقلم مع الحياة! إلا أن الأمر الذي غاب ولا يزال يغيب عن أفهامنا أن روعة كل هذه التفرعات والتنوعات الإسلامية تتجلى فقط حين نتعامل معها كمواد لمجرد الاطلاع لا الاتباع. الأمر أشبه بأن يدخل المرء إلى مكتبة عامِرة بالكتب فيأخذ في قراءة ما يريد، تاركاً ما لا يريد على الرف دون حرج أو خوف من كفر.
 


إن فوضى الانتماءات أدخلتنا في فوضى أنكى وأشد، وهي فوضى تحديد ماهية الآخر، وفي سبيل تحديد ماهيته وإلى أين ينتمي لم يعد أحد يهتم بفكر هذا الآخر وغايته وهدفه، يكفي مثلاً أن يُصرِح أحدهم بأنه سلفي ليكون كل قوله تخلفاً ورجعية وإن لم يقل سوى عبارة "السلام عليكم"، أو أن يُصرِح أحدهم أنه صوفي ليكون كل ما يقوله كُفرا وإن لم يقل سوى عبارة "تحية عطرة"، حتى أصبح من يعرض فكرته يعرضها بلا سلام ولا تحية فهو يُخاطِب عقليات تُحاكِم على الهوية، وليس الخلل في المُتلقي فقط، لأن المتلقي لم يكن سيهتم بتحديد انتماء المتحدث لو لم يكن الانتماء بالنسبة للمتحدث هاجسا مرضيا!
 


أتدري عزيزي القارئ لماذا يكره المسلم من لا ينتمي إلى مذهبه أو طائفته؟ لماذا ينبش في خباياه؟ الجواب الذي لا نريد الاعتراف به هو أننا منذ بدأنا الإدراك وجدنا أنفسنا معتكفين أمام هذا المذهب الذي ننتمي إليه الآن، ثم بنينا اعتقادا راسخا أننا ننتمي إلى الحق المبين وأن الآخر ينتمي إلى الباطل، بدلالة طول أمد اعتكافنا ودلالة عدم اعتكاف الآخر معنا. وللأمانة، الآخر أيضاً يرانا كما نراه! إن كل ما في الأمر أننا قد ألِفنا ما نحن عليه، إننا بدأنا في التكسب ماديا ومعنويا وبدأنا في بناء العلاقات الاجتماعية بناء على انتماءاتنا، ولهذا نستصعب جدا القبول بالآخر ليس كرها فيه إنما خوفٌ من أن يكون الاعتراف به البداية لخسارة لمكتسباتنا طيلة فترة الاعتكاف. إن – أبي لهب - لم يتنازل عن الانتماء لمعتقداته إلا خوفاً من أن يكون اتباعه لمحمد – عليه الصلاة والسلام - بداية لخسارة مكاسبه المادية والاجتماعية!
 

أخيرا.. إن الفرقة الناجية هي التي يهرب أفرادها بإنسانيتهم وإسلامهم من كل أشكال الانتماء، ولا تدع أحدا يخبرك بغير هذا، فإن محمداً – عليه الصلاة والسلام - ما جاء ليشجع على التفرقة والتحزب والانتماءات العمياء، كيف يشجِع على هذا والله تعالى يقول: (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم).

0 التعليقات :

إرسال تعليق